ثم كشف - سبحانه - عن فساد المنافقين وضعاف الإِيمان فقال : { وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ } أى : ليتأخرن وليتثاقلن عن الجهاد . من " بطأ " - بالتشديد - بمعنى أبطأ فهو فعل لازم . وقد يستعمل أبطأ وبطأ - بالتشديد - متعديين ، وعليه يكون المفعول هنا محذوف أى : ليبطئن غيره ويثبطه عن الخروج للجهاد فى سبيل الله .
وقد جمع المنافقون وضعاف الإِيمان بين الأمرين : فقد كانوا يتخلفون عن الجهاد فى سبيل الله وينتحلون المعاذير الكاذبة لتخلفهم ، ولا يكتفون بذلك بل يحاولون منع غيرهم عن الخروج للجهاد .
والتعبير بقوله { لَّيُبَطِّئَنَّ } تعبير فى أسمى درجات البلاغة والروعة ، لأنه يصور الحركة النفسية للمنافقين وضعاف الإِيمان وهم يشدون أنفسهم شدا ، ويقدمون رجلا ويؤخرون أخرى عندما يدعوهم داعى الجهاد إلى الخروج من أجل إعلاء كلمة الله .
وقد اشتملت الجملة الكريمة على جملة مؤكدات ، للاشعار بأن هؤلاء المنافقين لا يتركون فرصة تمردون أن يبثوا سمومهم بنشاط وإصرار ، وأنهم حريصون كل الحرص على توهين عزائم المجاهدين ، وحملهم على أن يكونوا مع القاعدين كما هو شأن المنافقين .
والمراد بقوله { مِنْكُمْ } أى من جنسكم وممن يعيشون معكم ويساكنونكم ، ويرتبطون معكم برباط القرابة ، ويتظاهرون بالإِسلام ، فلقد كان المنافقون فى المدينة تربطهم روابط متعددة بالمؤمنين الصادقين ، كما هو معروف فى التاريخ الإِسلامى .
فمثلا عبد الله بن أبى بن سلول - زعيم المنافين - كان أحد أبنائه من المؤمنين الصادقين .
وقد وجه القرآن الخطاب إلى المؤمنين لكى يكشف لهم عن المنافقين المندسين فى صفوفهم لكى يحذروهم .
قال صاحب الكشاف : واللام فى قوله { لَمَن } للابتداء بمنزلتها فى قوله { إِنَّ الله لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } وفى { لَّيُبَطِّئَنَّ } جواب قسم محذوف تقديره : وإن منكم لمن أقسم باللَّه ليبطئن وجوابه صلة من والضمير الراجع منها يعود إلى ما استكن فى { لَّيُبَطِّئَنَّ } . والخطاب لعسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وقوله { فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُّصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ الله عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَّعَهُمْ شَهِيداً } بيان لما انطوت عليه نفوس المنافقين من فساد ، وما نطقت به ألسنتهم من سوء .
أى : وإن من المتظاهرين بأنهم منكم - يا معشر المؤمنين - لمن يتثاقلون عن التقال ويعملون على أن يكون غيرهم مثلهم ، { فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ } يا معشر المؤمنين { مُّصِيبَةٌ } كهزيمة وقتية ، أو استشهاد جماعة منكم { قَالَ } هذا المنافق على سبيل الفرح والتشفى { قَدْ أَنْعَمَ الله عَلَيَّ } أى : قد أكرمنى الله بالقعود { إِذْ لَمْ أَكُنْ مَّعَهُمْ شَهِيداً } أى حاضرا فى المعركة ، لأنى لو كنت حاضرا معهم لأصابنى ما أصابهم من القتل أو الجراح أو الآلام .
فالآية الكريمة تحكى عن المنافقين أنهم يعتبرون قعودهم عن الجهاد نعمة ، وإذا ما أصاب المؤمنين مصيبة عند قتالهم لأعدائهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.