وكان أصل خروجهم يتعرضون لعير خرجت مع أبي سفيان بن حرب لقريش إلى الشام ، قافلة كبيرة ، . فلما سمعوا برجوعها من الشام ، ندب النبي صلى الله عليه وسلم الناس ، . فخرج معه ثلاثمائة ، وبضعة عشر رجلا معهم سبعون بعيرا ، يعتقبون عليها ، ويحملون عليها متاعهم ، . فسمعت بخبرهم قريش ، فخرجوا لمنع عيرهم ، في عَدَدٍ كثير وعُدَّةٍ وافرة من السلاح والخيل والرجال ، يبلغ عددهم قريبا من الألف .
فوعد اللّه المؤمنين إحدى الطائفتين ، إما أن يظفروا بالعير ، أو بالنفير ، . فأحبوا العير لقلة ذات يد المسلمين ، ولأنها غير ذات شوكة ، . ولكن اللّه تعالى أحب لهم وأراد أمرا أعلى مما أحبوا .
أراد أن يظفروا بالنفير الذي خرج فيه كبراء المشركين وصناديدهم ، . وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ فينصر أهله وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ أي : يستأصل أهل الباطل ، ويُرِيَ عباده من نصره للحق أمرا لم يكن يخطر ببالهم .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إِحْدَى الطّائِفَتِيْنِ أَنّهَا لَكُمْ وَتَوَدّونَ أَنّ غَيْرَ ذَاتِ الشّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللّهُ أَن يُحِقّ الحَقّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ } . .
يقول تعالى ذكره : واذكروا أيها القوم إذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إحْدَى الطّائِفَتَيْنِ يعني : إحدى الفرقتين ، فرقة أبي سفيان بن حرب والعير ، وفرقة المشركين الذين نفروا من مكة لمنع عيرهم . وقوله : أنّها لَكُمْ يقول : إن ما معهم غنيمة لكم . وَتَوَدّونَ أنّ غيرَ ذَاتِ الشّوْكَة تَكُونُ لَكُمْ يقول : وتحبون أن تكون تلك الطائفة التي ليست لها شوكة ، يقول : ليس لها حدّ ولا فيها قتال أن تكون لكم ، يقول : تودّون أن تكون لكم العير التي ليس فيها قتال لكم دون جماعة قريش الذين جاءوا لمنع عيرهم الذين في لقائهم القتال والحرب . وأصل الشوكة من الشوك .
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك .
حدثنا عليّ بن نصر ، وعبد الوارث بن عبد الصمد ، قالا : حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث ، قال : حدثنا أبان العطار ، قال : حدثنا هشام بن عروة ، عن عروة : أن أبا سفيان أقبل ومن معه من ركبان قريش مقبلين من الشأم ، فسلكوا طريق الساحل فلما سمع بهم النبيّ صلى الله عليه وسلم ندب أصحابه ، وحدثهم بما معهم من الأموال وبقلة عددهم . فخرجوا لا يريدون إلاّ أبا سفيان ، والركب معه لا يرونها إلاّ غنيمة لهم ، لا يظنون أن يكون كبير قتال إذا رأوهم . وهي ما أنزل الله : وتَوَدّونَ أنّ غيرَ ذَاتِ الشّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن محمد بن إسحاق ، عن محمد بن مسلم الزهري ، وعاصم بن عمر بن قتادة ، وعبد الله بن أبي بكر ، ويزيد بن رومان ، عن عروة بن الزبير وغيرهم من علمائنا ، عن عبد الله بن عباس ، كلّ قد حدثني بعض هذا الحديث فاجتمع حديثهم فيما سقت من حديث بدر ، قالوا : لما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي سفيان مقبلاً من الشأم ندب المسلمين إليهم ، وقال : «هَذِهِ عِيرُ قُرَيْشٍ فيها أمْوَالُهُمْ ، فاخْرُجُوا إلَيْهَا لعلّ الله أنْ يُنَفّلَكُمُوهَا » فانتدب الناس ، فخف بعضهم وثقل بعض ، وذلك أنهم لم يظنوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يلقي حربا . وكان أبو سفيان حين دنا من الحجاز يتجسس الأخبار ويسأل من لقي من الركبان تخوّفا من الناس ، حتى أصاب خبرا من بعض الركبان أن محمدا قد استنفر أصحابه لك ولعيرك ، فحذر عند ذلك ، واستأجر ضمضم بن عمرو الغفاري ، فبعثه إلى مكة ، وأمره أن يأتي قريشا يستنفرهم إلى أموالهم ويخبرهم أن محمدا قد عرض لها في أصحابه . فخرج ضمضم بن عمرو سريعا إلى مكة ، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه ، حتى بلغ واديا يقال له ذَفِرَان ، فخرج منه ، حتى إذا كان ببعضه نزل وأتاه الخبر عن قريش بمسيرهم ليمنعوا عيرهم ، فاستشار النبيّ صلى الله عليه وسلم الناس ، وأخبرهم عن قريش ، فقام أبو بكر رضي الله عنه فقال فأحسن ثم قام عمر رضي الله عنه فقال فأحسن ، ثم قام المقداد بن عمرو فقال : يا رسول الله امض إلى حيث أمرك الله فنحن معك ، والله لا نقول كما قالت بنو إسرائيل لموسى : اذْهَبْ أنْتَ وَرَبّكَ فَقاتِلا إنّا هَهُنا قاعِدُونَ ، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون فوالذي بعثك بالحقّ لئن سرت بنا إلى بِرك الغماد يعني مدينة الحبشة لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا ، ثم دعا له بخير ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أشِيرُوا عَليّ أيّها النّاسُ » وإنما يريد الأنصار ، وذلك أنهم كانوا عدد الناس ، وذلك أنهم حين بايعوه على العقبة ، قالوا : يا رسول الله إنا برآء من ذمامك حتى تصل إلى ديارنا ، فإذا وصلت إلينا فأنت في ذمتنا ، نمنعك مما نمنع منه أبناءنا ونساءنا . فكأنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم خاف أن لا تكون الأنصار ترى عليها نصرته إلاّ ممن دهمه بالمدينة من عدّوه ، وأن ليس عليهم أن يسير بهم إلى عدوّ من بلادهم . قال : فلما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال له سعد بن معاذ : لكأنك تريدنا يا رسول الله ؟ قال : «أجَلْ » . قال : فقد آمنّا بك وصدقناك ، وشهدنا أن ما جئت به هو الحقّ ، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة فامض يا رسول الله لما أردت ، فوالذي بعثك بالحقّ إن استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد ، وما نكره أن يلقانا عدوّنا غدا ، إنا لصُبُر عند الحرب ، صُدُق عند اللقاء ، لعلّ الله أن يريك منا ما تقرّ به عينك ، فسر بنا على بركة الله فسرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول سعد ونشطه ذلك ، ثم قال : «سِيرُوا على بَرَكَةِ اللّهِ وأبْشِرُوا ، فإنّ اللّهَ قَدْ وَعَدَنِي إحْدَى الطّائِفَتَيْنِ ، وَاللّهِ لَكأني أنْظُرُ الاَنَ إلى مَصَارِعِ القَوْمِ غَدا » .
حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : أن أبا سفيان أقبل في عير الشأم فيها تجارة قريش ، وهي اللطيمة ، فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها قد أقبلت فاستنفر الناس ، فخرجوا معه ثلثمائة وبضعة عشر رجلاً ، فبعث عينا له من جهينة ، حليفا للأنصار يُدعى ابن الأريقط ، فأتاه بخبر القوم . وبلغ أبا سفيان خروج محمد صلى الله عليه وسلم ، فبعث إلى أهل مكة يستعينهم ، فبعث رجلاً من بني غفار يُدعى ضمضم بن عمرو ، فخرج النبيّ صلى الله عليه وسلم ولا يشعر بخروج قريش ، فأخبره الله بخروجهم ، فتخوّف من الأنصار أن يخذلوه ويقولوا : إنا عاهدنا أن نمنعك إن أرادك أحد ببلدنا . فأقبل على أصحابه فاستشارهم في طلب العير ، فقال له أبو بكر رضي الله عنه : إني قد سلكت هذا الطريق ، فأنا أعلم به ، وقد فارقهم الرجل بمكان كذا وكذا ، فسكت النبيّ صلى الله عليه وسلم ، ثم عاد فشاورهم ، فجعلوا يشيرون عليه بالعير . فلما أكثر المشورة ، تكلم سعد بن معاذ فقال : يا رسول الله ، أراك تشاور أصحابك فيشيرون عليك وتعود فتشاورهم ، فكأنك لا ترضى ما يشيرون عليك وكأنك تتخوّف أن تتخلف عنك الأنصار ، أنت رسول الله ، وعليك أنزل الكتاب ، وقد أمرك الله بالقتال ووعدك النصر ، والله لا يخلف الميعاد ، امض لما أمرت به فوالذي بعثك بالحقّ لا يتخلف عنك رجل من الأنصار ثم قام المقداد بن الأسود الكندي ، فقال : يا رسول الله إنا لا نقول لك كما قال بنو إسرائيل لموسى : اذْهَبْ أنْتَ وَرَبّكَ فَقاتِلا إنّا هَهُنا قاعِدُونَ ولكنا نقول : أقدم فقاتل إنا معك مقاتلون ففرح رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك وقال : «إنّ رَبّي وَعَدَنِي القَوْمَ وَقَدْ خَرَجُوا فَسِيرُوا إلَيْهِمْ » فساروا .
حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَإذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إحْدَى الطّائِفَتَيْنِ أنّها لَكُمْ وَتَوَدّونَ أنّ غير ذَاتِ الشّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ قال : الطائفتان إحداهما أبو سفيان بن حرب إذ أقبل بالعير من الشأم ، والطائفة الأخرى أبو جهل معه نفر من قريش . فكره المسلمون الشوكة والقتال ، وأحبوا أن يلقوا العير ، وأراد الله ما أراد .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، قوله : وَإذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إحْدَى الطّائِفَتَيْنِ قال : أقبلت عير أهل مكة يريد : من الشام فبلغ أهل المدينة ذلك ، فخرجوا ومعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يريدون العِير . فبلغ ذلك أهل مكة ، فسارعوا السير إليها لا يغلب عليها النبيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، فسبقت العير رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان الله وعدهم إحدى الطائفتين ، فكانوا أن يلقوا العير أحبّ إليهم وأيسر شوكة وأحضر مغنما . فلما سبقت العير ، وفاتت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، سار رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمسلمين يريد القوم ، فكره القوم مسيرهم لشوكة في القوم .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : وَإذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إحْدَى الطّائِفَتَيْنِ أنّهَا لَكُمْ وَتَوَدّونَ أنّ غيرَ ذَاتِ الشّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ قال : أرادوا العير ، قال : ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة في شهر ربيع الأوّل ، فأغار كرز بن جابر الفهري يريد سرح المدينة حتى بلغ الصفراء ، فبلغ النبيّ صلى الله عليه وسلم فركب في أثره ، فسبقه كرز بن جابر ، فرجع النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فأقام سنته . ثم إن أبا سفيان أقبل من الشأم في عير لقريش ، حتى إذا كان قريبا من بدر ، نزل جبريل على النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فأوحى إليه : وَإذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إحْدَى الطّائِفَتَيْنِ أنّهَا لَكُمْ وَتَوَدّونَ أنّ غيرَ ذَاتِ الشّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ فنفر النبيّ صلى الله عليه وسلم بجميع المسلمين ، وهو يومئذٍ ثلاث مئة وثلاثة عشر رجلاً ، منهم سبعون ومئتان من الأنصار ، وسائرهم من المهاجرين . وبلغ أبا سفيان الخبر وهو بالبطم ، فبعث إلى جميع قريش وهم بمكة ، فنفرت قريش وغضبت .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج : وَإذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إحْدَى الطّائِفَتَيْنِ أنّهَا لَكُمْ وَتَوَدّونَ أنّ غيرَ ذَاتِ الشّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ قال : كان جبريل عليه السلام قد نزل ، فأخبره بمسير قريش وهي تريد عيرها ، ووعده : إما العير ، وإما قريشا وذلك كان ببدر ، وأخذوا السقاة وسألوهم ، فأخبروهم ، فذلك قوله : وَتَوَدّونَ أنّ غيرَ ذَاتِ الشّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ هم أهل مكة .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَتَوَدّونَ أنّ غيرَ ذَاتِ الشّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ . . . إلى آخر الاَية : خرج النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى بدر وهم يريدون يعترضون عيرا لقريش ، قال : وخرج الشيطان في صورة سراقة بن جعشم ، حتى أتى أهل مكة ، فاستغواهم وقال : إن محمدا وأصحابه قد عرضوا لعيركم ، وقال : لا غالب لكم اليوم من الناس مَن مثلكم ، وإني جار لكم أن تكونوا على ما يكره الله . فخرجوا ونادوا أن لا يتخلف منا أحد إلاّ هدمنا داره واستبحناه وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بالروحاء عينا للقوم ، فأخبره بهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إنّ اللّهَ قَدْ وَعَدَكُمُ العِيرَ أوِ القَوْمَ » . فكانت العير أحبّ إلى القوم من القوم ، كان القتال في الشوكة ، والعير ليس فيها قتال ، وذلك قول الله : وَتَوَدّونَ أنّ غيرَ ذَاتِ الشّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ قال : الشوكة : القتال ، وغير الشوكة : العير .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا يعقوب بن محمد الزهري ، قال : حدثنا عبد الله بن وهب ، عن ابن لهيعة ، عن ابن أبي حبيب ، عن أبي عمران ، عن أبي أيوب ، قال : أنزل الله جلّ وعزّ : وَإذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إحْدَى الطّائِفَتَيْنِ أنّهَا لَكُمْ فلما وعدنا إحدى الطائفتين أنها لنا طابت أنفسنا . والطائفتان : عير أبي سفيان ، أو قريش .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا سويد بن نصر ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن ابن لهيعة ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن أسلم أبي عمران الأنصاريّ ، أحسبه قال : قال أبو أيوب : وَإذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إحْدَى الطّائِفَتَيْنِ أنّهَا لَكُمْ وَتَوَدّونَ أنّ غيرَ ذَاتِ الشّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ قالوا : الشوكة : القوم وغير الشوكة : العير فلما وعدنا الله إحدى الطائفتين : إما العير ، وإما القوم ، طابت أنفسنا .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : ثني يعقوب بن محمد ، قال : ثني غير واحد ، في قوله : وَتَوَدّونَ أنّ غيرَ ذَاتِ الشّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ إن الشوكة قريش .
حُدثت عن الحسين بن الفرج ، قال : سمعت أبا معاذ ، قال : حدثنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك يقول ، في قوله : وَتَوَدّونَ أنّ غيرَ ذَاتِ الشّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ هي عير أبي سفيان ، ودّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن العير كانت لهم وأن القتال صُرِف عنهم .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : وَتَوَدّونَ أنّ غيرَ ذَاتِ الشّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ : أي الغنيمة دون الحرب .
وأما قوله : أنّهَا لَكُمْ ففُتحت على تكرير «يَعِدُ » ، وذلك أن قوله : يَعِدُكُمُ اللّهُ قد عمل في إحدى الطائفتين . فتأويل الكلام : وَإذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إحْدَى الطّائِفَتَيْنِ يعدكم أن إحدى الطائفتين لكم ، كما قال : هَلْ يَنْظُرُونَ إلاّ السّاعَةَ أنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً . قال : وَتَوَدّونَ أنّ غيرَ ذَاتِ الشّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ فأنث «ذات » لأنه مراد بها الطائفة .
ومعنى الكلام : وتودون أن الطائفة التي هي غير ذات الشوكة تكون لكم ، دون الطائفة ذات الشوكة .
القول في تأويل قوله تعالى : ويُرِيدُ اللّهُ أنْ يُحِقّ الحَقّ بكَلِماتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الكافِرِينَ .
يقول تعالى ذكره : ويريد الله أن يحقّ الإسلام ويعليه بكلماته ، يقول : بأمره إياكم أيها المؤمنون بقتال الكفار ، وأنتم تريدون الغنيمة والمال .
وقوله : وَيَقْطَعَ دَابِرَ الكافِرِينَ يقول : يريد أن يجبّ أصل الجاحدين توحيد الله . وقد بيّنا فيما مضى معنى دابر ، وأنه المتأخر ، وأن معنى قطعه الإتيان على الجميع منهم .
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قول الله : وَيُرِيدُ اللّهَ أنْ يُحِقّ الحَقّ بكَلِماتِهِ أن يقتل هؤلاء الذين أراد أن يقطع دابرهم ، هذا خير لكم من العير .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : وَيُرِيدُ اللّهَ أنْ يُحِقّ الحَقّ بكَلِماتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الكافِرِينَ : أي الوقعة التي أوقع بصناديد قريش وقادتهم يوم بدر .
{ وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين } على إضمار اذكر ، وإحدى ثاني مفعولي { يعدكم } وقد أبدل منها . { أنها لكم } بدل الاشتمال . { وتودّون أن غير ذات الشوكة تكون لكم } يعني العير فإنه لم يكن فيها إلا أربعون فارسا ولذلك يتمنونها ويكرهون ملاقاة النفير لكثرة عَددهم ، وعُدَدِهم والشوكة الحدة مستعارة من واحدة الشوك : { ويريد الله أن يُحقّ الحق } أي يثبته ويعليه . { بكلماته } الموحى بها في هذه الحال ، أو بأوامره للملائكة بالإمداد ، وقرئ " بكلمته " . { ويقطع دابر الكافرين } ويستأصلهم ، والمعنى : أنكم تريدون أن تصيبوا مالا ولا تلقوا مكروها ، والله يريد إعلاء الدين وإظهار الحق وما يحصل لكم فوز الدارين .
وقوله تعالى : { وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم } الآية ، في هذه الآية قصص حسن أنا اختصره إذ هو مستوعب في كتاب سيرَة رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن هشام ، واختصاره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بلغه وقيل أوحي إليه أن أبا سفيان بن حرب قد أقبل من الشام بالعير التي فيها تجارة قريش وأموالها ، قال لأصحابه إن عير قريش قد عنت لكم فاخرجوا إليها لعل الله أن ينفلكموها ، قال فانبعث من معه من خف ، وثقل قوم وكرهوا الخروج وأسرع رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يلوي على من تعذر ولا ينتظر من غاب ظهره{[5223]} ، فسار في ثلاثمائة وثلاثة عشر من أصحابه بين مهاجري وأنصاري ، وقد ظن الناس بأجمعهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يلقى حرباً فلم يكثر استعدادهم ، وكان أبو سفيان في خلال ذلك يستقصي ويحذر ، فلما بلغه خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث ضمضم بن عمرو الغفاري إلى مكة يستفز أهلها ، ففعل ضمضم ، فخرج أهل مكة في ألف رجل أو نحو ذلك ، فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خروجهم ، أوحى الله إليه وحياً غير متلو يعده إحدى الطائفتين ، فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه بذلك ، فسروا وودوا أن تكون لهم العير التي لا قتال معها ، فلما علم أبو سفيان بقرب رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ طريق الساحل وأبعد ، وفات ، ولم يبق إلا لقاء أهل مكة ، وأشار بعض الكفار على بعض بالانصراف وقالوا عيرنا قد نجت فلننصرف ، فحرش{[5224]} أبو جهل ولج حتى كان أمر الوقعة ، وقال بعض المؤمنين : نحن لم نخرج لقتال ولم نستعد له ، فجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه وهو بواد يسمى ذفران ، وقال أشيروا علي أيها الناس ، فقام أبو بكر فتكلم فأحسن وحرض على لقاء العدو ، فأعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم الاستشارة فقام عمر بمثل ذلك ، فأعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم الاستشارة فتكلم المقداد الكندي فقال : لا نقول لك يا رسول الله اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون ، ولكن نقول إنا معكما مقاتلون .
والله لو أردت بنا برك الغماد . ( قال القاضي أبو محمد : وهي مدينة بالحبشة ) لقاتلنا معك من دونها ، فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم بكلامه ، ودعا له بخير ، ثم قال أشيروا علي أيها الناس فكلمه سعد بن معاذ وقيل سعد بن عبادة .
قال القاضي أبو محمد : ويمكن أنهما جميعاً تكلما في ذلك اليوم ، فقال : يا رسول الله كأنك تريدنا معشر الأنصار ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أجل ، فقال إنا آمنا بك واتبعناك فامض لأمر الله ، فوالله لو خضت بنا هذا البحر لخضناه معك ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( امضوا على بركة الله فكأني أنظر إلى مصارع القوم ) ، فالتقوا وكانت وقعة بدر ، وقرأ مسلمة بن محارب{[5225]} «وإذ يعدْكم » بجزم الدال ، قال أبو الفتح ذلك لتوالي الحركات ، وقرأ ابن محيصن «وإذا يعدكم الله إحدى الطائفتين » بوصل الألف من { إحدى } وصلة الهاء بالحاء ، و { الشوكة } عبارة عن السلاح والحدة ، ومنه قول الأعور : [ الرجز ]إن العرفج قد أدبى***{[5226]} وقرأ أبو عمرو فيما حكى أبو حاتم { الشوكة تكون } بإدغام التاء في التاء ، ومعنى الآية وتودون العير وتأبون قتال الكفار ، وقوله { ويريد الله } الآية ، المعنى ويريد الله أن يظهر الإسلام ويعلي دعوة الشرع ، وقرأ أبو جعفر وشيبة ونافع بخلاف عنهم «بكلمته » على الإفراد الذي يراد به الجمع ، والمعنى في قوله { بكلماته } إما أن يريد بأوامره وأمره للملائكة والنصر لجميع ما يظهر الإسلام أن يكون ، وإما أن يريد بكلماته التي سبقت في الأزل والمعنى قريب ، و «الدابر » الذي يدبر القوم أي يأتي في آخرهم ، فإذا قطع فقد أتى على آخرهم بشرط أن يبدأ الإهلاك من أولهم ، وهي عبارة في كل من أتى الهلاك عليه .