النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{وَإِذۡ يَعِدُكُمُ ٱللَّهُ إِحۡدَى ٱلطَّآئِفَتَيۡنِ أَنَّهَا لَكُمۡ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيۡرَ ذَاتِ ٱلشَّوۡكَةِ تَكُونُ لَكُمۡ وَيُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُحِقَّ ٱلۡحَقَّ بِكَلِمَٰتِهِۦ وَيَقۡطَعَ دَابِرَ ٱلۡكَٰفِرِينَ} (7)

قوله عز وجل : { وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ } الآية . وسبب ذلك أن عير قريش لما أقبلت من الشام مع أبي سفيان همّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخروج لأخذها ، وسار فبلغ ذلك قريشاً فخرجت للمنع عنها ، فلما علم النبي صلى الله عليه وسلم بخروجها شاور أصحابه ، فقال سعد بن معاذ : يا رسول الله قد آمنا بك وصدقناك وشهدنا أن ما جئت به هو الحق وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة ، فامض يا رسول الله لما أردت فوالذي بعثك إن استعرضت بنا هذا البحر فخضته لنخوضنه معك ، فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول سعد وقال : " سِيرُوا عَلَى بَرَكَةِ اللَّهِ وَأَبْشِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ وَعَدَنِي إِحْدَى الْطَّائِفَتَينِ وَاللَّهِ لَكَأَنِي أَنْظُرُ الآنَ إِلَى مَصَارِعِ{[1171]} الْقَومِ " فذلك معنى قوله : { وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ } يعني العير التي مع أبي سفيان أو الظفر بقريش الخارجين للمنع منها .

{ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ } أي غير ذات الحرب وهي العير لأن نفوسهم في لقائها أسكن ، وهم إلى ما فيها من الأموال أحوج .

وفي الشوكة التي كُني بها عن الحرب وجهان :

أحدهما : أنها الشدة فكُني بها عن الحرب لما فيها من الشدة ، وهذا قول قطرب .

والثاني : أنها السلاح ، وكُني بها عن الحرب لما فيها من السلاح ، من قولهم رجل شاكٍ في السلاح ، قاله ابن قتيبة .

{ وَيُريدُ اللَّهُ أَن يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ } فيه قولان :

أحدهما : إظهار الحق بإعزاز الدين في وقته على ما تقدم من وعده .

والثاني : أن الحق في أمره لكم أن تجاهدوا عدوكم .

وفي صفة ذلك وجهان لأصحاب الخواطر .

أحدهما : يحق الحق بالإقبال عليه ويبطل الباطل بالإعراض عنه .

الثاني : يحق الحق بالقبول ويبطل الباطل بالرد .


[1171]:رواه البخاري في المنازي 7/399 ومسلم في الجهاد رقم 1815 والترمذي في التفسير رقم 3081. وأحمد في المسند 1/229 و 314 و 226.