وقوله سبحانه : { وَإِذْ يَعِدُكُمُ الله إِحْدَى الطائفتين أَنَّهَا لَكُمْ . . . } [ الأنفال : 7 ] في هذه الآية قَصَصٌ حَسَنٌ ، محل استيعابه كتاب سيرة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لابن هِشَامٍ ، واختصاره أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لما بلغه ، وقيل : أوحي إليه أن أبا سُفْيَانَ بن حَرْبٍ ، قد أَقبل من «الشام » بالعِيرِ التي فيها تجارة قُرَيْشٍ وأموالها قال لأصحابه : ( إن عِيرَ قريش قد عَنّتْ لكم ، فأخرجوا إليها ، لعل اللَّه أن يَنْفُلَكُمُوها ) . قال : فانبعث معه من خَفَّ ، وثَقُلَ قوم ، وكرهوا الخروج ، وأسرع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لا يَلْوِي على من تَعَذَّرَ ، ولا ينظر من غاب ظهره ، فسار في ثلاث مائة وثلاثة عشر أو نحو ذلك من أصحابه بين مُهَاجِرِيٍّ وأَنْصَارِيٍّ ، وقد ظَنَّ الناس بأجمعهم أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لا يلقى حَرْباً ، فلم يكثر اسْتِعْدَادُهُمْ ، وكان أبو سُفْيَانَ في خلال ذلك يَسْتَقْصِي ، ويحذر ، فلما بلغه خُرُوجُ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بعث ضَمْضَمَ بْنَ عَمْروٍ الغفاري إلى «مكة » يَسْتَنْفِرُ أهلها ، ففعل ضمضم ، فخرج أهل «مكة » في ألف رَجُل ، أو نحو ذلك ، فلما بلغ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خروجهم أوحى اللَّه إِليه وَحْياً غير مَتْلُو يَعِدُهُ إِحدى الطَّائِفَتَيْنِ ، فَعَرَّفَ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أصحابه بذلك ، فَسرُّوا ، وَوَدُّوا أن تكون لهم العِيرُ التي لا قِتَالَ معها ، فلما علم أبو سفيان بِقُرْبِ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم منه أخذ طَرِيقَ الساحل ، وأبعد وفات ، ولم يبق إلا لقاء أهل «مكة » ، وأشار بعض الكُفَّارِ على بَعْضِ بالانصراف ، وقالوا : هذه عِيرُنَا قد نَجَتْ ، فلننصرف فحرش أبو جهل وَلَجَّ ، حتى كانَ أَمْرُ الواقعة . وقال بعضٍ المؤمنين : نحن لم نخرج لِقِتَالٍ ، ولم نَسْتَعِدَّ له ، فجمع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أَصْحَابَهُ ، وهو بِوَادٍ يسمى «دَقران » وقال : ( أشيروا علي أيها النَّاسُ ) ، فقام أبو بَكْرٍ ، فتكلم ، وأحسن ، وحَرَّضَ الناس على لقاء العدو ، فأعاد رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الاسْتِشَارَةَ ، فَقَامَ عمر بِمِثْلِ ذلك ، فأعاد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الاسْتِشَارَةَ ، فتكلم المِقْدَادُ بْنُ الأسود الكندي ، فقال : لا نقول لك يَا رَسُولَ اللَّه كما قالت بَنُو إِسرائيل : ( فاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلاَ إِنا هَاهُنَا قَاعِدُونَ ) ، [ المائدة : 24 ] ولكن نَقُولُ : إِنا معكما مقاتلون ، واللَّه لو أردت بنا برك الغماد -يعني مدينة «الحبشة »- لَقَاتَلْنَا معك من دُونِهَا ، فسر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بكلامه ، ودعا له بخير .
ثم قال : ( أشيروا علي أيها النَّاسُ ) فكلمه سعد بنُ مُعَاذٍ ، وقيل : سعد بن عبادة ، ويحتمل هما معاً ؛ فقال : يا رسول اللَّه كأنك إيانا تُريدُ مَعْشَرَ الأنصار ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أجل ، فقال : إنا قد آمَنَّا بك ، واتبعناك ، وبَايَعْنَاكَ ، فامضِ لأَمْرِ اللَّه ، فواللَّه لو خُضْتَ بنا هذا البَحْرَ لَخُضْنَاهُ معك ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( امضوا على بَرَكَةِ اللَّه ، فكأني أنظر إلى مَصَارِعِ القوم ) فالتقوا وكانت وقعة بدر .
( ت ) وفي «صحيح البخاري » من حَدِيثِ عائشة ، في خروج أبي بكر من «مكة » فلقيه ابن الدّغنة عند برك الغمَادِ الحديث ، وليست بمدينة «الحبشة » من غير شَكٍّ . فاللَّه أعلم ، ولعلهما مَوْضِعَان . انتهى .
و{ الشوكة } [ الأنفال : 7 ] عبارة عن السِّلاَحِ والحِدَّةِ .
وقوله سبحانه : { وَيُرِيدُ الله أَن يُحِقَّ الحَقَّ بكلماته وَيَقْطَعَ دَابِرَ الكافرينَ } [ الأنفال : 7 ] المعنى : ويريد اللَّه أن يُظْهِرَ الإِسلام ، ويعلي دعوة الشَّرْعِ بكلماته التي سَبَقَتْ في الأَزَلِ ، والدابر الذي يدبر القَوْمَ ، أي يأتي آخرهم ، وإِذا قطع فقد أتى على آخرهم ، بشَرْطِ أَن يبدأ الإهلاك من أولهم ، وهي عبارة في كل من أتى الهَلاَكُ عليه ،
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.