تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَلَمَّآ أَنجَىٰهُمۡ إِذَا هُمۡ يَبۡغُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِ بِغَيۡرِ ٱلۡحَقِّۗ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّمَا بَغۡيُكُمۡ عَلَىٰٓ أَنفُسِكُمۖ مَّتَٰعَ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۖ ثُمَّ إِلَيۡنَا مَرۡجِعُكُمۡ فَنُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (23)

{ فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ْ } أي : نسوا تلك الشدة وذلك الدعاء ، وما ألزموه أنفسهم ، فأشركوا بالله ، من اعترفوا بأنه لا ينجيهم من الشدائد ، ولا يدفع عنهم المضايق ، فهلا أخلصوا لله العبادة في الرخاء ، كما أخلصوها في الشدة ؟ ! !

ولكن هذا البغي يعود وباله عليهم ، ولهذا قال : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ْ } أي : غاية ما تؤملون ببغيكم ، وشرودكم عن الإخلاص لله ، أن تنالوا شيئًا من حطام الدنيا وجاهها النزر اليسير الذي سينقضي سريعًا ، ويمضي جميعًا ، ثم تنتقلون عنه بالرغم .

{ ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ ْ } في يوم القيامة { فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ْ } وفي هذا غاية التحذير لهم عن الاستمرار على عملهم .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَلَمَّآ أَنجَىٰهُمۡ إِذَا هُمۡ يَبۡغُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِ بِغَيۡرِ ٱلۡحَقِّۗ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّمَا بَغۡيُكُمۡ عَلَىٰٓ أَنفُسِكُمۖ مَّتَٰعَ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۖ ثُمَّ إِلَيۡنَا مَرۡجِعُكُمۡ فَنُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (23)

القول في تأويل قوله تعالى : { فَلَمّآ أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقّ يَأَيّهَا النّاسُ إِنّمَا بَغْيُكُمْ عَلَىَ أَنفُسِكُمْ مّتَاعَ الْحَيَاةِ الدّنْيَا ثُمّ إِلَينَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } .

يقول تعالى ذكره : فلما أنجى الله هؤلاء الذين ظنوا في البحر أنهم أحيط بهم من الجهد الذي كانوا فيه ، أخلفوا الله ما وعدوه ، وبغوا في الأرض ، فتجاوزوا فيها إلى غير ما أذن الله لهم فيه من الكفر به والعمل بمعاصيه على ظهرها . يقول الله : يا أيها الناس إنما اعتداؤكم الذي تعتدونه على أنفسكم وإياها تظلمون ، وهذا الذي أنتم فيه مَتَاعَ الحَيَاةِ الدّنْيَا يقول : ذلك بلاغ تبلغون به في عاجل دنياكم . وعلى هذا التأويل ، البغي يكون مرفوعا بالعائد من ذكره في قوله : عَلى أنْفُسِكُمْ ويكون قوله : «مَتَاعُ الحَياةِ الدّنْيَا » مرفوعا على معنى : ذلك متاع الحياة الدنيا ، كما قال : لَمْ يَلْبَثُوا إلاّ ساعَةً مِن نَهار بلاغٌ بمعنى : هذا بلاغ ، وقد يحتمل أن يكون معنى ذلك : إنما بغيكم في الحياة الدنيا على أنفسكم ، لأنكم بكفركم تكسبونها غضب الله ، متاع الحياة الدنيا ، كأنه قال : إنما بغيكم متاع الحياة الدنيا ، فيكون «البغي » مرفوعا بالمتاع ، و «على أنفسكم » من صلة «البغي » . وبرفع «المتاع » قرأت القّراء سوى عبد الله بن أبي إسحاق فإنه نصبه بمعنى : إنما بغيكم على أنفسكم متاعا في الحياة الدنيا ، فجعل ، «البغي » مرفوعا بقوله : على أنفُسِكُمْ والمتاع منصوبا على الحال . وقوله : ثُمّ إلَيْنا مَرّجِعُكُمْ يقول : ثم إلينا بعد ذلك معادكم ومصيركم ، وذلك بعد الممات . فَنُنَبّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ يقول : فنخبركم يوم القيامة بما كنتم تعملون في الدنيا من معاصي الله ، ونجازيكم على أعمالكم التي سلفت منكم في الدنيا .