تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{۞وَلَوۡ أَنَّنَا نَزَّلۡنَآ إِلَيۡهِمُ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ ٱلۡمَوۡتَىٰ وَحَشَرۡنَا عَلَيۡهِمۡ كُلَّ شَيۡءٖ قُبُلٗا مَّا كَانُواْ لِيُؤۡمِنُوٓاْ إِلَّآ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ يَجۡهَلُونَ} (111)

وكذلك تعليقهم الإيمان بإرادتهم ، ومشيئتهم وحدهم ، وعدم الاعتماد على الله من أكبر الغلط ، فإنهم لو جاءتهم الآيات العظيمة ، من تنزيل الملائكة إليهم ، يشهدون للرسول بالرسالة ، وتكليم الموتى وبعثهم بعد موتهم ، وحشر كل شيء إليهم حتى يكلمهم{[301]} { قُبُلًا } ومشاهدة ، ومباشرة ، بصدق ما جاء به الرسول ما حصل منهم الإيمان ، إذا لم يشأ الله إيمانهم ، ولكن أكثرهم يجهلون . فلذلك رتبوا إيمانهم ، على مجرد إتيان الآيات ، وإنما العقل والعلم ، أن يكون العبد مقصوده اتباع الحق ، ويطلبه بالطرق التي بينها الله ، ويعمل بذلك ، ويستعين ربه في اتباعه ، ولا يتكل على نفسه وحوله وقوته ، ولا يطلب من الآيات الاقتراحية ما لا فائدة فيه .


[301]:- في ب: وحشرنا عليهم كل شيء حتى يكلمهم.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{۞وَلَوۡ أَنَّنَا نَزَّلۡنَآ إِلَيۡهِمُ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ ٱلۡمَوۡتَىٰ وَحَشَرۡنَا عَلَيۡهِمۡ كُلَّ شَيۡءٖ قُبُلٗا مَّا كَانُواْ لِيُؤۡمِنُوٓاْ إِلَّآ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ يَجۡهَلُونَ} (111)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَلَوْ أَنّنَا نَزّلْنَآ إِلَيْهِمُ الْمَلآئِكَةَ وَكَلّمَهُمُ الْمَوْتَىَ وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلّ شَيْءٍ قُبُلاً مّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُوَاْ إِلاّ أَن يَشَآءَ اللّهُ وَلََكِنّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ } .

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : يا محمد ، ايئس من فلاح هؤلاء العادلين بربهم الأوثان والأصنام ، القائلين لك : لئن جئتنا بآية لنؤمننّ لك ، فإننا لو نَزّلْنا إلَيْهِمُ المَلائِكَةَ حتى يروها عيانا وكَلّمَهُمُ المَوْتَى بإحيائنا إياهم ، حجة لك ودلالة على نبوّتك ، وأخبروهم أنك محقّ فيما تقول ، وأن ما جئتهم به حقّ من عند الله ، وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلّ شَيْءٍ فجعلناهم لك قُبُلاً ما آمنوا ولا صدّقوك ، ولا اتبعوك إلاّ أنْ يَشاءَ اللّهُ ذلك لمن شاء منهم .

{ وَلَكِنّ أكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ } .

يقول : ولكن أكثر هؤلاء المشركين يجهلون أن ذلك كذلك ، يحسبون أن الإيمان إليهم والكفر بأيديهم ، متى شاءوا آمنوا ومتى شاءوا كفروا . وليس ذلك كذلك ، ذلك بيدي ، لا يؤمن منهم إلا من هديته له فوفقته ، ولا يكفر إلا من خذلته عن الرشد فأضللته .

وقيل : إن ذلك نزل في المستهزئين برسول الله صلى الله عليه وسلم ، وما جاء به من عند الله ، من مشركي قريش . ذكر من قال ذلك :

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا حجاج ، عن ابن جريج ، قال : نزلت في المستهزئين الذين سألوا النبيّ صلى الله عليه وسلم الاَية ، فقال : قل يا محمد إنما الاَيات عند الله ، وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون . ونزل فيهم : { وَلَوْ أنّنا نَزّلْنا إلَيْهِمُ المَلائِكَةَ وكَلّمَهُمُ المَوْتَى وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلّ شَيْءٍ قُبُلاً } .

وقال آخرون : إنما قيل : ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا يراد به أهل الشقاء .

وقيل : إلاّ أنْ يَشَاءَ الله فاستثنى ذلك من قوله : { لِيُؤْمِنُوا }يراد به أهل الإيمان والسعادة . ذكر من قال ذلك :

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية بن صالح ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، قوله : { وَلَوْ أنّنا نَزّلْنا إلَيْهِمُ المَلائِكَةَ وكَلّمَهُمُ المَوْتَى وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلّ شَيْءٍ قُبُلاً ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا }وهم أهل الشقاء . ثم قال : { إلاّ أنْ يَشاءَ اللّهُ } وهم أهل السعادة الذين سبق لهم في علمه أن يدخلوا في الإيمان .

وأولى القولين في ذلك بالصواب قول ابن عباس ، لأن الله جلّ ثناؤه عمّ بقوله : { ما كانُوا لِيُؤْمِنوا }القوم الذين تقدّم ذكرهم في قوله : { وأقْسَمُوا باللّهِ جَهْدَ أيمَانِهِمْ لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنّ بِها } .

وقد يجوز أن يكون الذين سألوا الاَية كانوا هم المستهزئين الذين قال ابن جريج : إنهم عنوا بهذه الاَية ولكن لا دلالة في ظاهر التنزيل على ذلك ولا خبر تقوم به حجة بأن ذلك كذلك . والخبر من الله خارج مخرج العموم ، فالقول بأن ذلك عُني به أهل الشقاء منهم أولى لما وصفنا .

واختلفت القرّاء في قراءة قوله : { وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلّ شَيْءٍ قُبُلاً } :

فقرأته قرّاء أهل المدينة : «قِبَلاً » بكسر القاف وفتح الباء ، بمعنى معاينة ، من قول القائل : لقيته قبَلاً : أي معاينة ومجاهرة .

وقرأ ذلك عامة قراء الكوفيين والبصريين : { وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلّ شَيْءٍ قُبُلاً }بضم القاف والباء .

وإذا قرىء كذلك كان له من التأويل ثلاثة أوجه :

أحدها أن يكون القُبُل : جمع قَبِيل كالرّغُف التي هي جمع رغيف ، والقُضُب التي هي جمع قضيب ، ويكون القُبُل : الضمناء والكفلاء وإذا كان ذلك معناه ، كان تأويل الكلام : وحشرنا عليهم كلّ شيء كفلاء يكفلون لهم بأن الذي نعدُهم على إيمانهم بالله إن آمنوا أو نوعدهم على كفرهم بالله إن هلكوا على كفرهم ، ما آمنوا إلا أن يشاء الله .

والوجه الاَخر : أن يكون «القُبُل » بمعنى المقابلة والمواجهة ، من قول القائل : أتيتك قُبُلاً لا دُبُرا ، إذا أتاه من قَبِل وجهه .

والوجه الثالث : أن يكون معناه : وحشرنا عليهم كلّ شيء قبيلة قبيلة ، صنفا صنفا ، وجماعة جماعة . فيكون القُبُل حينئذٍ جمع قَبيل الذي هو جمع قبيلة ، فيكون القُبل جمع الجمع .

وبكلّ ذلك قد قالت جماعة من أهل التأويل . ذكر من قال : معنى ذلك : معاينة .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية بن صالح ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : { وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلّ شَيْءٍ قُبُلاً }يقول : معاينة .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : { وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلّ شَيْءٍ قُبُلاً }حتى يعاينوا ذلك معاينة { ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إلاّ أنْ يَشاءَ اللّهُ } .

ذكر من قال : معنى ذلك : قبيلة قبيلة صنفا صنفا .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله بن يزيد ، من قرأ : قُبُلاً معناه : قبيلاً قبيلاً .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال مجاهد : قُبُلاً أفواجا ، قبيلاً قبيلاً .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا أحمد بن يونس ، عن أبي خيثمة ، قال : حدثنا أبان بن تغلب ، قال : ثني طلحة أن مجاهدا قرأ في الأنعام : كُلّ شَيْءٍ قُبُلاً قال : قبائل ، قبيلاً قبيلاً وقبيلاً .

ذكر من قال : معناه : مقابلة .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : { وَلَوْ أنّنا نَزّلْنا إلَيْهِمُ المَلائِكَةَ وكَلّمَهُمُ المَوْتَى وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلّ شَيْءٍ قُبُلاً }يقول : لو استقبلهم ذلك كله ، لَمْ يُؤْمِنُوا إلاّ أنْ يَشاءَ اللّهُ .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلّ شَيْءٍ قُبُلاً }قال : حشروا إليهم جميعا ، فقابلوهم وواجهوهم .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله بن يزيد ، قرأ عيسى : قُبُلاً ومعناه : عيانا .

وأولى القراءتين في ذلك بالصواب عندنا ، قراءة من قرأ : { وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلّ شَيْءٍ قُبُلاً } بضمّ القاف والباء لما ذكرنا من احتمال ذلك الأوجه التي بينا من المعاني ، وأن معنى القِبَلِ داخل فيه ، وغير داخل في القِبَلِ معاني القُبُل . وأما قوله : { وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ }فإن معناه : وجمعنا عليهم ، وسقنا إليهم .