الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{۞وَلَوۡ أَنَّنَا نَزَّلۡنَآ إِلَيۡهِمُ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ ٱلۡمَوۡتَىٰ وَحَشَرۡنَا عَلَيۡهِمۡ كُلَّ شَيۡءٖ قُبُلٗا مَّا كَانُواْ لِيُؤۡمِنُوٓاْ إِلَّآ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ يَجۡهَلُونَ} (111)

قوله : { ولو أننا أنزلنا إليهم الملائكة } الآية [ 112 ] .

وهذه الآية من الله ( إعلام ){[21435]} يُزيل بها طمع النبي من ( أن يؤمن ){[21436]} هؤلاء العادلون بربهم الأوثان ، الذي سألوا الآية وأقسموا إنهم{[21437]} يؤمنون إذا نزلت ، فأخبر تعالى أنهم لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية ، فقال تعالى : لو نزّلتُ إليهم الملائكة ، أي : عيانا ، { وكلمهم الموتى } بأنك{[21438]} مُحِقٌّ فيما تقول ، { وحشرنا عليهم } أي : جمعنا عليهم { كل شيء قبلا } أي : عيانا{[21439]} .

/{[21440]} وقيل : معناه : آتيناهم بما غاب عنهم من أمور الآخرة ، ما آمنوا { إلا أن يشاء الله } ، عزى الله نبيه بهذا ، وأعلمه أن من سبق في علم الله ألا يؤمن ، فلا ينفعه شيء{[21441]} .

قوله : { ولكن أكثرهم يجهلون } : أي : يجهلون ما في مخالفتك – يا محمد – وهم يعلمون أنك نبي صادق فيما جئتهم به{[21442]} .

وروي أن النبي عليه السلام كان يداعب{[21443]} أبا سفيان{[21444]} بمِخْصَرَة{[21445]} في يده ، يطعن بها أبا سفيان ، فإذا أخرقته{[21446]} قال له : نح{[21447]} عني مِخصَرَتَك ، فوالله لو أسلمت إليك هذا الأمر ، ما اختلف عليك فيه اثنان . فقال له النبي : أسألك بالذي أسلمت له ، ( عن أي : شيء كان قتالُك إيّايَ ) ؟ {[21448]} .

قال له أبو سفيان : تظنُّ ( أني كنت ){[21449]} أقاتلك تكذيبا مني{[21450]} ، والله ما شككت في{[21451]} صدقك ، وما كنت أقاتلك إلا حسدا مني لك ، فالحمد لله الذي نزع ذلك من قلبي . فكان النبي يشتهي ذلك منه ، ويتبسم إليه . ومن قرأ ( قُبُلاً ) بالضم{[21452]} ، احتمل ثلاثة أوجه :

- أحدهما : أن يكون جمع ( قبيل ) ، كرغيف ورُغُف{[21453]} . والقبيل : الضمين والكفيل ، ويكون المعنى : وجمعنا عليهم كل شيء يكتفِل{[21454]} الملائكة لهم بصحة هذا ، لم يؤمنوا ، كما قال : { أو تاتي بالله والملائكة قبيلا }{[21455]} أي : ضمينا{[21456]} .

- والوجه الثاني : أن يكون ( القبل ) واحدا ، بمعنى المقابلة{[21457]} ، تقول : ( أتيتك قِبَلاً{[21458]} لا دُبُرا ) : إذا أتيته من قبل وجهه ، فالمعنى وجمعنا{[21459]} عليهم كل شيء من قِبَل وُجوهِهم .

- والوجه الثالث : أن يكون ( قُبُلاً ){[21460]} جمع ( قبيل ) أيضا ، ويكون ( قبيل ) بمعنى : فرقة وصنف . فالمعنى : وحشرنا عليهم كل شيء صنفا صنفا وقبيلة ( قبيلة ){[21461]} ، فيكون ( قبلا ) جمع ( قبيل ) و( قبيل ) جمع ( قبيلة ){[21462]} . ومن قرأ ( قِبَلاً ){[21463]} فمعناه : عيانا ، أي : معاينة{[21464]} .

وهذا ( إعلام ){[21465]} للنبي كإعلام نوح : { أنه ( لن يومن ){[21466]} من قومك إلا من قد آمن }{[21467]} .

وقال المبرد : ( قِبَلا ) بمعنى ناحية ، أي : وجمعنا عليهم كل شيء ناحية ، كما تقول : ( لي قِبَلَ فلان مال ) ، أي : ناحيته{[21468]} ، فكان نصبه – على هذا – على الظرف{[21469]} ، وعلى الأقوال المتقدمة : على الحال{[21470]} .


[21435]:مستدركة في هامش (أ) وهي مخرومة الآخر، ساقطة من ب د.
[21436]:ب: أيومن. د: أن يومنوا.
[21437]:د: بالله جهد آيمانهم أنهم.
[21438]:ب: فانك
[21439]:انظر: تفسير الطبري 12/46، 47، 48، وانظر: مجاز أبي عبيدة 1/204.
[21440]:جلها مطموس مع بعض الخرم.
[21441]:انظر: تفسير الطبري 12/47.
[21442]:انظر: المصدر السابق.
[21443]:مخرومة في أ. ب : يداعى.
[21444]:هو أبو سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس، صحابي شهير، أسلم عام الفتح. توفي سنة 32 هـ. انظر: التقريب 1/365، وطبقات ابن خياط 10.
[21445]:ب د: بعد الفتح بمخصرة. وهي (كالسوط، وقيل: المخصرة شيء يأخذه الرجل بيده ليتوكأ عليه، مثل العصا ونحوها، وهو أيضا مما يأخذ الملك يشير به إذا خطب): اللسان: خصر.
[21446]:الظاهر من الخرم في (أ) أنها كما أثبت. ب: خرقته. (وقد أخرقته: أي: أدهشته... وخرق الرجل: إذا بقي متحيرا من هم أو شدة...وأخرقه الخوف) أي: اللسان: خرق.
[21447]:مخرومة في أ.
[21448]:ب د: قتالك إياي عن أي: شيء كان.
[21449]:ب: أنكنت.
[21450]:د: عني.
[21451]:مخرومة في أ.
[21452]:هي قراءة عاصم وحمزة والكسائي وابن كثير وأبي عمرو في السبعة 266، وعامة قرأة الكوفيين والبصريين في تفسير الطبري 12/48، ويعقوب وخلف أيضا في المبسوط 200، و201.
[21453]:د : غُف.
[21454]:الظاهر من الطمس في (أ) أنها كما أثبت. ب د: تكتفل.
[21455]:الإسراء آية 92.
[21456]:انظر: غريب ابن قتيبة 158.
[21457]:انظر: مجاز أبي عبيدة 1/204.
[21458]:ب: قبيلا.
[21459]:ب: جعلنا.
[21460]:ب: قبل.
[21461]:ساقطة من ب. وانظر: مجاز أبي عبيدة 1/204.
[21462]:انظر: معاني الفراء 1/350، 351، وتفسير الطبري 12/48، 49، وانظر: معاني الزجاج 2/283، وإعراب النحاس 1/574، 575.
[21463]:هي قراءة نافع وابن عامر في السبعة 266، والمبسوط 201، وحجة ابن زنجلة 267، والكشف 1/446.
[21464]:انظر: مجاز أبي عبيدة 1/204، ومعاني الأخفش 501، وغريب ابن قتيبة 158، وتفسير الطبري 12/48، ومعاني الزجاج 2/283، وإعراب النحاس 1/574، وحجة ابن زنجلة 267، وإعراب مكي 265، والكشف 1/447.
[21465]:مستدركة في هامش (أ) ومخرومة. وساقطة من ب د.
[21466]:د: ليومن.
[21467]:هود آية 36. وانظر: معاني الزجاج 283.
[21468]:انظر: إعراب النحاس 1/573.
[21469]:ب: الطرف. وانظر: أحكام القرطبي 7/66، وعلق عليه في تفسير البحر 4/205: (وفيه بعد)؟
[21470]:انظر: إعراب النحاس 1/574، وإعراب مكي 265.