تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَلَا تَحۡسَبَنَّ ٱللَّهَ غَٰفِلًا عَمَّا يَعۡمَلُ ٱلظَّـٰلِمُونَۚ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمۡ لِيَوۡمٖ تَشۡخَصُ فِيهِ ٱلۡأَبۡصَٰرُ} (42)

{ 42 - 43 } ثم قال تعالى : { وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ }

هذا وعيد شديد للظالمين ، وتسلية للمظلومين ، يقول تعالى : { وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ } حيث أمهلهم وأدرَّ عليهم الأرزاق ، وتركهم يتقلبون في البلاد آمنين مطمئنين ، فليس في هذا ما يدل على حسن حالهم فإن الله يملي للظالم ويمهله ليزداد إثما ، حتى إذا أخذه لم يفلته { وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد } والظلم -هاهنا- يشمل الظلم فيما بين العبد وربه وظلمه لعباد الله . { إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ } أي : لا تطرف من شدة ما ترى من الأهوال وما أزعجها من القلاقل .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَلَا تَحۡسَبَنَّ ٱللَّهَ غَٰفِلًا عَمَّا يَعۡمَلُ ٱلظَّـٰلِمُونَۚ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمۡ لِيَوۡمٖ تَشۡخَصُ فِيهِ ٱلۡأَبۡصَٰرُ} (42)

بعد كل ذلك حكى - سبحانه - أحوال الظالمين يوم القيامة ، وأقوالهم فى ذلك اليوم الشديد ، ورده - تعالى - عليهم ، والأسباب التى أدت إلى خسرانهم . . فقال - تعالى - :

{ وَلاَ تَحْسَبَنَّ الله غَافِلاً . . . } .

قال الإِمام القرطبى : " قوله - تعالى - { وَلاَ تَحْسَبَنَّ الله غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظالمون . . . } هذا تسلية للنبى - صلى الله عليه وسلم - بعد أن عجبه من أفعال المشركين ، ومخالفتهم دين إبراهيم ، أى : اصبر كما صبر إبراهيم ، وأعلم المشركين أن تأخير العذاب ليس للرضا بأفعالهم ، بل سنة الله إمهال العصاة مدة . قال ميمون بن مهران : هذا وعيد للظالم . وتعزية للمظلوم " .

والخطاب { وَلاَ تَحْسَبَنَّ } ، يجوز أن يكون للنبى - صلى الله عليه وسلم - لقصد زيادة تثبيته على الحق ، ودوامه على ذلك ، ويجوز أن يكون لكل من يصلح للخطاب .

والغفلة : سهر يعترى الإِنسان بسبب قلة تيقظه وانتباهه ، ولا شك أن ذلك محال فى حق الله - تعالى - ، لذا وجب حمل المعنى على أن المراد بالغفلة هنا : ترك عقاب المجرمين .

والمراد بالضالمين : كل من انحرفوا عن طريق الحق ، واتبعوا طريق الباطل ، ويدخل فيهم دخولا أوليا مشركو مكة ، الذين أبوا الدخول فى الإِسلام الذى جاءهم به النبى - صلى الله عليه وسلم - .

وقوله { إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأبصار } استئناف وقع تعليلا للنهى السابق .

وقوله { تشخيص } من الشخوص بمعنى رفع البصر بدون تحرك يقال شخص بصر فلان - من باب خضع - فهو شاخص ، إذا فتح عينيه وجعل لا يطرف من شدة الخوف والفزع .

والمعنى : الذين كذبوك فى دعوتك ، كلا لن يترك الله - تعالى - عقابهم ، وإنما يؤخره ليوم هائل شديد ، هو يوم القيامة الذى ترتفع فيه أبصارا أهل الموقف ، فلا تطرف أجفانهم من هول ما يرونه .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَلَا تَحۡسَبَنَّ ٱللَّهَ غَٰفِلًا عَمَّا يَعۡمَلُ ٱلظَّـٰلِمُونَۚ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمۡ لِيَوۡمٖ تَشۡخَصُ فِيهِ ٱلۡأَبۡصَٰرُ} (42)

هذه الآية بجملتها فيها وعيد للظالمين ، وتسلية للمظلومين ، والخطاب بقوله : { تحسبن } لمحمد عليه السلام ، والمراد بالنهي غيره ممن يليق به أن يحسب مثل هذا .

وقرأ طلحة بن مصرف «ولا تحسب الله غافلاً » بإسقاط النون ، وكذلك «ولا تحسب الله مخلف وعده » [ إبراهيم : 47 ] وقرأ أبو عبد الرحمن والحسن والأعرج : «نؤخرهم » بنون العظمة . وقرأ الجمهور : «يؤخرهم » بالياء ، أي الله تعالى .

و { تشخص } معناه : تحد النظر لفزع ولفرط ذلك بشخص المحتضر .