فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَلَا تَحۡسَبَنَّ ٱللَّهَ غَٰفِلًا عَمَّا يَعۡمَلُ ٱلظَّـٰلِمُونَۚ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمۡ لِيَوۡمٖ تَشۡخَصُ فِيهِ ٱلۡأَبۡصَٰرُ} (42)

{ وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ ( 42 ) } .

{ وَلاَ تَحْسَبَنَّ } بفتح السين وكسرها قراءتان ، سبعيتان ، أي لا تظنن { اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ } خطاب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو تعريض لأمته فكأنه قال ولا تحسب أمتك يا محمد ، ويجوز أن يكون خطابا لكل من يصلح له من المكلفين وإن كان الخطاب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم من غير تعريض لأمته ، فمعناه التثبيت على ما كان عليه من عدم الحسبان كقوله : { ولا تكونن من المشركين } ونحوه ، وقيل المراد ولا تحسبنه يعاملهم معاملة الغافل عما يعملون ، ولكن معاملة الرقيب عليهم ؛ أو يكون المراد بالنهي عن الحسبان الإيذان بأنه عالم بذلك لا تخفى عليه منه خافية .

قال ميمون بن مهران في الآية : هي تعزية للمظلوم ووعيد للظالم ، وعن سفيان بن عيينة نحوه ، والغفلة معنى يمنع الإنسان من الوقوف على حقائق الأمور ، و قيل حقيقة الغفلة سهو يعتري الإنسان من قلة التحفظ والتيقظ ؛ وفيه تسلية لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإعلام للمشركين بأن تأخير العذاب عنهم ليس للرضا بأفعالهم بل سنة الله سبحانه في إمهال العصاة .

{ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ } أي يؤخر جزاءهم وعذابهم ولا يؤاخذهم بظلمهم ، وهذه الجملة استئناف وقع تعليلا للنهي السابق { لِيَوْمٍ } أي لأجل يوم فاللام للعلة وقيل بمعنى إلى التي للغاية { تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ } أي أبصارهم فلا تقر في أماكنها ، قال الفراء : المعنى ترفع فيه أبصار أهل الموقف ولا تغمض من هول ما تراه في ذلك اليوم .

شخوص البصر حدة النظر وعدم استقراره في مكانه ، يقال شخص سمعه وبصره وأشخصهما صاحبهما وشخص بصره أي لم يطرف جفنه ، ويقال شخص من بلده أي بعد ، والشخص سواد الإنسان المرئي من بعيد ، والمراد أن الأبصار بقيت مفتوحة لا تحرك من شدة الحيرة والدهشة . قال قتادة : شخصت فيه والله أبصارهم فلا ترد إليهم ، قيل أل للعهد وقيل لو حمل على العموم كان أبلغ في التهويل وأسلم من التكرير .