السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَلَا تَحۡسَبَنَّ ٱللَّهَ غَٰفِلًا عَمَّا يَعۡمَلُ ٱلظَّـٰلِمُونَۚ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمۡ لِيَوۡمٖ تَشۡخَصُ فِيهِ ٱلۡأَبۡصَٰرُ} (42)

ولما بيّن تعالى دلائل التوحيد ، ثم حكى عن إبراهيم عليه السلام أنه طلب من الله تعالى أن يصونه عن الشرك ، وطلب منه أن يوفقه للأعمال الصالحة ، وأن يخصه بالرحمة والمغفرة في يوم القيامة عقبه بقوله تعالى مخاطبة لنبيه صلى الله عليه وسلم :

{ ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون } ؛ لأنّ الغفلة معنى يمنع الإنسان عن الوقوف على حقائق الأمور ، وقيل : حقيقة الغفلة سهو يعتري الإنسان من قلة التحفظ والتيقظ ، وهذا في حق الله تعالى محال ، والمقصود من ذلك التنبيه على أنه ينتقم للمظلوم من الظالم ، ففيه وعيد وتهديد للظالم ، وإعلام له بأنه لا يعامله معاملة الغافل عنه بل ينتقم ولا يتركه مغفلاً عنه ، وعن سفيان بن عيينة فيه تسلية للمظلوم وتهديد للظالم ، فقيل له : من قال هذا ؟ فغضب ، وقال : إنما قاله من علمه .

فإن قيل : كيف يليق به صلى الله عليه وسلم أن يحسب الله موصوفاً بالغفلة وهو أعلم الناس به ؟ أجيب : بوجوه : الأوّل : أنّ المراد به التثبت على ما كان عليه من أنه لا يحسب الله غافلاً كقوله : { لا تدع مع الله إلهاً آخر } [ القصص ، 88 ] . والثاني : أنّ المقصود منه بيان أنه لو لم ينتقم لكان عدم الانتقام لأجل غفلته عن ذلك الظلم . والثالث : أنّ المراد ولا تحسبنه معاملهم معاملة الغافل عما يعملون ، ولكن معاملة الرقيب عليهم المحاسب على النقير والقطمير . والرابع : أن يكون هذا الكلام وإن كان خطاباً مع النبيّ صلى الله عليه وسلم في الظاهر إلا أنه يكون في الحقيقة خطاباً مع الأمّة . ثم بيّن تعالى أنه { إنما يؤخرهم } ، أي : عذابهم { ليوم } موصوف بخمس صفات الصفة الأولى : قوله تعالى : { تشخص فيه الأبصار } ، أي : أبصارهم لا تقرّ مكانها من هول ما ترى في ذلك اليوم .