تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَلَا تَحۡسَبَنَّ ٱللَّهَ غَٰفِلًا عَمَّا يَعۡمَلُ ٱلظَّـٰلِمُونَۚ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمۡ لِيَوۡمٖ تَشۡخَصُ فِيهِ ٱلۡأَبۡصَٰرُ} (42)

الآية 42 : وقوله تعالى : { ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون } قال بعضهم : المخاطبة بهذا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خاصة على علم منه أن رسول الله ، كان يظن أن الله يغفل عما يعمل الظالمون ، لكنه خاطب به كما خاطب به في قوله : { فلا تدع مع الله إلها آخر } ( الشعراء : 213و . . . . . . ) وقوله : { ولا تكونن من المشركين } ( يونس : 105 ) وأمثالها {[9707]} نهاه مع العلم أنه لا يفعل ذلك .

وأصله في هذا : أن العصمة ، لا ترفع المحنة ، وليست المحنة إلا الأمر والنهي ؛ إذ لو رفعت العصمة المحنة والأمر والنهي لذهبت فائدة العصمة ، ولا حاجة تقع إليها . فدل أن العصمة تزيد في المحنة ، ومع المحنة يحتاج إليها ، وينتفع بها .

ويحتمل الخطاب بالآية غيره ، كل ظان ، يظن بالله الغفلة عن ظلم الظالم ، وهو كما خاطبه{[9708]} بقوله : { يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم }( الانفطار : 6 ) إنما خاطب به كل غار بربه الكريم لا كل إنسان .

فعلى ذلك خاطب بقوله : { ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون } كل ظان بالله الغفلة عن ظلم الظالم .

ثم إن الذي حملهم على الظن بالله الغفلة عن ظلم الظالم{[9709]} وتأخيره العذاب عنهم عن وقت ظلمهم وترك أخذهم بذلك .

فمنهم من ادعى الغفلة عن ذلك لما رأوا من عادة ملوك الأرض : أن من ظلم أحدا منهم انتقم منه / 273 – أ / في أعجل وقت ، يقدر على الانتقام منه ، فحمل تأخير الله العذاب عنهم والانتقام منهم على القول بالغفلة . ومنهم من ادعى الرضا بما اختاروا هم من الشرك والكفر بالله ، وادعوا الأمر بذلك لما لم يأخذهم ، ولم يستأصلهم بصنيعهم ، فاستدلوا بذلك رضاه بفعلهم{[9710]} وأمره إياهم بذلك . فأخبر رسوله أن تأخيره العذاب عنهم وإمهاله إياهم ، ليس عن غفلة عنهم{[9711]} ، ولا عن سهو ورضا{[9712]} وأمر . ولكن { يؤخرهم ليوم } ثم وصف ذلك اليوم بشدة هوله وفزعه فقال : { تشخص فيه الأبصار } .


[9707]:في الأصل وم: وأمثاله.
[9708]:في الأصل وم: خاطب.
[9709]:من م، في الأصل: علمه.
[9710]:في الأصل وم: بفعله.
[9711]:في الأصل: عنه، ساقطة من م.
[9712]:في الأصل وم: والرضاء.