الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{وَلَا تَحۡسَبَنَّ ٱللَّهَ غَٰفِلًا عَمَّا يَعۡمَلُ ٱلظَّـٰلِمُونَۚ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمۡ لِيَوۡمٖ تَشۡخَصُ فِيهِ ٱلۡأَبۡصَٰرُ} (42)

فإن قلت : يتعالى الله عن السهو والغفلة ، فكيف يحسبه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أعلم الناس به غافلاً حتى قيل { وَلاَ تَحْسَبَنَّ الله غافلا } ؟ قلت : إن كان خطابا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ففيه وجهان . أحدهما التثبيت على ما كان عليه من أنه لا يحسب الله غافلاً ، كقوله : { فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ المشركين } [ الأنعام : 14 ] ، { وَلاَ تَدْعُ مَعَ الله إلها ءاخَرَ } [ الشعراء : 213 ] ، كما جاء في الأمر { يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله } [ النساء : 136 ] والثاني : أنّ المراد بالنهي عن حسبانه غافلاً ، الإيذان بأنه عالم بما يفعل الظالمون ، لا يخفى عليه منه شيء ، وأنه معاقبهم على قليله وكثيره على سبيل الوعيد والتهديد كقوله : { والله بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ } [ البقرة : 283 ] يريد الوعيد . ويجوز أن يراد : ولا تحسبنه يعاملهم معاملة الغافل عما يعملون ، ولكن معاملة الرقيب عليهم ، المحاسب على النقير والقطمير ، وإن كان خطابا لغيره ممن يجوز أن يحسبه غافلاً ، لجهله بصفاته ، فلا سؤال فيه ، وعن ابن عيينة : تسلية للمظلوم وتهديد للظالم ، فقيل له من قال هذا ؟ فغضب وقال : إنما قاله من علمه وقرىء : «يؤخرهم » بالنون والياء { تَشْخَصُ فِيهِ الأبصار } أي أبصارهم لا تقرّ في أماكنها من هول ما ترى .