تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَا وَمَسَٰكِنَ طَيِّبَةٗ فِي جَنَّـٰتِ عَدۡنٖۚ وَرِضۡوَٰنٞ مِّنَ ٱللَّهِ أَكۡبَرُۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ} (72)

ثم ذكر ما أعد اللّه لهم من الثواب فقال : { وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ } جامعة لكل نعيم وفرح ، خالية من كل أذى وترح ، تجري من تحت قصورها ودورها وأشجارها الأنهار الغزيرة ، المروية للبساتين الأنيقة ، التي لا يعلم ما فيها من الخيرات والبركات إلا اللّه تعالى .

{ خَالِدِينَ فِيهَا } لا يبغون عنها حِوَلًا { وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ } قد زخرفت وحسنت وأعدت لعباد اللّه المتقين ، قد طاب مرآها ، وطاب منزلها ومقيلها ، وجمعت من آلات المساكن العالية ما لا يتمنى فوقه المتمنون ، حتى إن اللّه تعالى قد أعد لهم غرفا في غاية الصفاء والحسن ، يرى ظاهرها من باطنها ، وباطنها من ظاهرها .

فهذه المساكن الأنيقة ، التي حقيق بأن تسكن إليها النفوس ، وتنزع إليها القلوب ، وتشتاق لها الأرواح ، لأنها في جنات عدن ، أي : إقامة لا يظعنون عنها ، ولا يتحولون منها .

{ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ } يحله على أهل الجنة { أَكْبَرُ } مما هم فيه من النعيم ، فإن نعيمهم لم يطب إلا برؤية ربهم ورضوانه عليهم ، ولأنه الغاية التي أمَّها العابدون ، والنهاية التي سعى نحوها المحبون ، فرضا رب الأرض والسماوات ، أكبر من نعيم الجنات .

{ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } حيث حصلوا على كل مطلوب ، وانتفى عنهم كل محذور ، وحسنت وطابت منهم جميع الأمور ، فنسأل اللّه أن يجعلنا معهم بجوده .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَا وَمَسَٰكِنَ طَيِّبَةٗ فِي جَنَّـٰتِ عَدۡنٖۚ وَرِضۡوَٰنٞ مِّنَ ٱللَّهِ أَكۡبَرُۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ} (72)

ثم فصل - سبحانه - مظاهر رحمته للمؤمنين والمؤمنات أصحاب تلك الصفات السابقة فقال : { وَعَدَ الله المؤمنين والمؤمنات جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار } .

أى : { وَعَدَ الله } بفضله وكرمه { المؤمنين والمؤمنات جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار } أى : من تحت بساتينها وأشجارها وقصورها { خَالِدِينَ فِيهَا } في تلك الجنات خلودا أبديا .

ووعدهم كذلك " مساكن طيبة " أى : منازل حسنة ، تنشرح لها الصدور وتستطيبها النفوس .

وقوله : { فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ } أى في جنات ثابتة مستقرة .

يقال : فلان عدن بمكان كذا ، إذا استقر به وثبت فيه ، ومنه سمى المعدن معدنا لاستقراره في باطن الأرض .

وقيل : إن كلمة " عدن " علم على مكان مخصوص في الجنة ، أى في جنات المكان المسمى بهذا الاسلام وهو " عدن " .

ثم بشرهم - سبحانه - بما هو أعظم من كل ذلك فقال : { وَرِضْوَانٌ مِّنَ الله أَكْبَرُ } .

أى أن المؤمنين والمؤمنات ليس لهم هذه الجنات والمساكن الطيبة فحسب وإنما لهم ما هو أكبر من ذلك وأعظم وهو رضا الله - تعالى - عنهم ، وتجليه عليهم ، وتشرفهم بمشاهدة ذاته الكريمة ، وشعورهم بأنهم محل رعاية الله وكرمه .

والتنكير في قوله : { وَرِضْوَانٌ } للتعظيم والتهويل ، وللإِشارة إلى أن الشئ اليسير من هذا الراض الإلهى على العبد ، أكبر من الجنات ومن المساكن الطيبة ، ومن كل حطام الدنيا .

روى الشيخان عن أبى سعيد الخدرى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن الله - عز وجل - يقول لأهله الجنة : يا أهل الجنة ، فيقولون : لبيك ربنا وسعديك والخير في يديك . فيقول : هل رضيتم ؟ فيقولون : وما لنا لا نرضى يار رب ، وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك ؟ فيقو : ألا أعطيكم أفضل من ذلك ؟ فيقولون : يا ربنا وأى شئ أفضل من ذلك ؟ فيقول : أحل عليكم رضوانى فلا أسخط عليكم بعده أبدا " .

وروى البزار في مسنده عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا دخل أهل الجنة الجنة ، قال الله - تعالى - هل تشتهون شيئا فأزيدكم ؟

قالوا : يا ربنا وما خير مما أعطيتنا ؟ قال : رضوانى أكبر " .

وقوله : { } أى : ذلك الذي وعد الله به المؤمنين والمؤمنات في جنات ومساكن طيبة ، ومن رضا من الله عنهم ، هو الفوز العظيم الذي لا يقاربه فوز ، ولا يدانيه نعمي ، ولا ياسمى شرفه شرف . .

وبهذا نرى أن هاتين الآيتين الكريمتين قد شبرتا المؤمنين والمؤمنات بأعظم البشارات ، ووصفتهم بأشرف الصفات ، وقابلت بين جزائهم وبين جزاء الكفار والمنافقين ، بما يحمل العاقل على أن يسلك طريق المؤمنين ، وعلى أن ينهج نهجهم ، ويتحلى بأوصافهم . . . وبذلك يفوز بنعيم الله ورضاه كما فازوا ، ويسعد كما سعدوا ، وينجو من العذاب الذي توعد الله به المنافقين والكافرين : بسبب اصرارهم على الكفر والنفاق ، وإيثارهم الغىّ على الرشد .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَا وَمَسَٰكِنَ طَيِّبَةٗ فِي جَنَّـٰتِ عَدۡنٖۚ وَرِضۡوَٰنٞ مِّنَ ٱللَّهِ أَكۡبَرُۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ} (72)

وقوله تعالى { وعد الله المؤمنين } الآية ، وعد في هذه الآية صريحة في الخير ، وقوله { من تحتها } إما من تحت أشجارها وإما من تحت علياتها وإما من تحتها بالإضافة إلى مبدأ كما تقول في دارين متجاورتين متساويتي المكان هذه تحت هذه ، وذكر الطبري في قوله { ومساكن طيبة } عن الحسن أنه قال سألت عنها عمران بن الحصين وأبا هريرة ، فقالا على الخبير سقطت ، سألنا عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : قصر في الجنة من اللؤلؤ فيه سبعون داراً من ياقوتة حمراء في كل دار سبعون بيتاً من زمردة خضراء ، في كل بيت سبعون سريراً{[5778]} ، ونحو هذا مما يشبه هذه الألفاظ أو يقرب منها فاختصرتها طلب الإيجاز ، وإما قوله { في جنات عدن } فمعناه في جنات إقامة وثبوت يقال عدن الشيء في المكان إذا أقام به وثبت ، ومنه المعدن أي موضع ثبوت الشيء ، ومنه قول الأعشى :

وإن يستضيفوا إلى حلمه*** يضافوا إلى راجح قد عدن{[5779]}

هذا الكلام اللغوي ، وقال كعب الأحبار { جنات عدن } هي بالفارسية جنات الكروم والأعناب .

قال القاضي أبو محمد : وأظن هذا وهماً اختلط بالفردوس ، وقال الضحاك { جنات عدن } هي مدينة الجنة وعظمها فيها الأنبياء والعلماء والشهداء وأئمة العدل والناس حولهم بعد ، والجنات حولها ، وقال ابن مسعود : «عدن » هي بطنان الجنة وسرتها{[5780]} ، وقال عطاء : «عدن » نهر في الجنة جناته على حافته ، وقال الحسن : «عدن » قصر في الجنة لا يدخله إلا نبي أو صديق أو شهيد أو حكم عدل ومد بها صوته .

قال القاضي أبو محمد : والآية تأبى هذا التخصيص إذ قد وعد الله بها جمع المؤمنين ، وأما قوله { ورضوان من الله أكبر } فروي فيه أن الله عز وجل يقول لعباده إذ استقروا في الجنة هل رضيتم ؟ فيقولون وكيف لا نرضى يا ربنا ؟ فيقول إني سأعطيكم أفضل من هذا كله ، رضواني أرضى عليكم فلا أسخط عليكم أبداً ، الحديث{[5781]} ، وقوله { أكبر } يريد أكبر من جميع ما تقدم ، ومعنى الآية والحديث متفق ، وقال الحسن بن أبي الحسن وصل إلى قلوبهم برضوان الله من اللذة والسرور ما هو ألذ عندهم وأقر لأعينهم من كل شيء أصابوه من لذة الجنة .

قال القاضي أبو محمد : ويظهر أن يكون قوله تعالى : { ورضوان من الله أكبر } إشارة إلى منازل المقربين الشاربين من تسنيم{[5782]} والذين يرون كما يرى النجم الفائز في الأفق ، وجميع من في الجنة راض والمنازل مختلفة ، وفضل الله تعالى متسع و { الفوز } النجاة والخلاص ومن { أدخل الجنة فقد فاز }{[5783]} والمقربون هم في الفوز العظيم ، والعبارة عندي عن حالهم بسرور وكمال أجود من العبارة عنها بلذة ، واللذة أيضاً مستعملة في هذا .


[5778]:- أخرجه ابن أبي حاتم، وابن مردويه عن الحسن، وتتمة الحديث التي تركها ابن عطية وكأنه يشك في نسبتها إلى الصادق الأمين، (على كل سرير سبعون فراشا من كل لون، على كل فراش امرأة من الحور العين، في كل بيت سبعون مائدة، = = في كل مائدة سبعون لونا من كل طعام، في كل بيت سبعون وصيفا ووصيفة، فيُعطى المؤمن من القوة في كل غداة ما يأتي على ذلك كله- (عن الدر المنثور، وفتح القدير). وقد علق أبو حيان على هذه التتمة بقوله: "وقد ذكر في آخر هذا الحديث أشياء، وإن صح النقل عن الرسول وجب المصير إليه".
[5779]:- رواه الطبري بالتاء في الكلمتين (تستضيفوا- تضافوا)، وبلفظ (حكمه) بدلا من (حلمه). والبيت من نونية الأعشى قيس أبي بصير، وروايته في الديوان تختلف عن هذه الرواية ولفظها: وإن يستضافوا إلى حكمه يضافوا إلى هادن قد رزن. ويستضيفوا: يلجئوا، والراجح: الهادئ الساكن، وعدن بالمكان يعدن: أقام فيه وثبت، والهادن في رواية الديوان: الساكن وهو بمعنى الراجح، ورزن: ثبت واستقر، والقصيدة في مدح قيس بن معد يكرب الكندي، وهي ثلاثة وثمانون بيتا.
[5780]:- بُطنان الجنة (بضم الباء): وسطها، وفي الحديث: (ينادي مناد من بُطنان العرش) أي من وسطه، وقيل: من أصله، (عن اللسان).
[5781]:- أخرجه أحمد، والبخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي سعيد. ولفظه الذي نقله في (الدر المنثور): قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله يقول لأهل الجنة، يا أهل الجنة، فيقولون: لبيك يا ربنا وسعديك والخير في يديك، فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: ربنا وما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعطه أحدا من خلقك، فيقول: ألا أعطيكم أفضل من ذلك؟ قالوا: يا رب وأي شيء أفضل من ذلك؟ قال: أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدا).
[5782]:- التسنيم: قالوا: هو ماء في الجنة، وسمي بذلك لأنه يجري فوق الغرف والقصور.
[5783]:- من الآية (185) من سورة (آل عمران).