تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{يَوۡمَ يَقُولُ ٱلۡمُنَٰفِقُونَ وَٱلۡمُنَٰفِقَٰتُ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱنظُرُونَا نَقۡتَبِسۡ مِن نُّورِكُمۡ قِيلَ ٱرۡجِعُواْ وَرَآءَكُمۡ فَٱلۡتَمِسُواْ نُورٗاۖ فَضُرِبَ بَيۡنَهُم بِسُورٖ لَّهُۥ بَابُۢ بَاطِنُهُۥ فِيهِ ٱلرَّحۡمَةُ وَظَٰهِرُهُۥ مِن قِبَلِهِ ٱلۡعَذَابُ} (13)

فإذا رأى المنافقون نور المؤمنين يمشون به{[981]}  وهم قد طفئ نورهم وبقوا في الظلمات حائرين ، قالوا للمؤمنين : { انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ } أي : أمهلونا لننال من نوركم ما نمشي به ، لننجو من العذاب ، ف { قِيلَ } لهم : { ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا } أي : إن كان ذلك ممكنا ، والحال أن ذلك غير ممكن ، بل هو من المحالات ، { فَضُرِبَ } بين المؤمنين والمنافقين { بِسُورٍ } أي : حائط منيع ، وحصن حصين ، { لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ } وهو الذي يلي المؤمنين { وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ } وهو الذي يلي المنافقين .


[981]:- في ب: يمشون بنورهم.
 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{يَوۡمَ يَقُولُ ٱلۡمُنَٰفِقُونَ وَٱلۡمُنَٰفِقَٰتُ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱنظُرُونَا نَقۡتَبِسۡ مِن نُّورِكُمۡ قِيلَ ٱرۡجِعُواْ وَرَآءَكُمۡ فَٱلۡتَمِسُواْ نُورٗاۖ فَضُرِبَ بَيۡنَهُم بِسُورٖ لَّهُۥ بَابُۢ بَاطِنُهُۥ فِيهِ ٱلرَّحۡمَةُ وَظَٰهِرُهُۥ مِن قِبَلِهِ ٱلۡعَذَابُ} (13)

وقوله - عز وجل - : { يَوْمَ يَقُولُ المنافقون والمنافقات } بدل من قوله - تعالى - { يَوْمَ تَرَى المؤمنين والمؤمنات } .

أى : واذكر - أيها العاقل - أيضا - يوم يقول المنافقون والمنافقات ، الذين أظهروا الإسلام ، وأبطنوا الكفر ، يقولون للذين آمنوا ، على سبيل التذلل والتحسر .

{ انظرونا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ } أى انتظرونا وتريثوا فى سيركم لكى نلحق بكم ، فنستنير بنوركم الذى حرمنا منه ، وننتفع بالاقتباس من نوركم الذى أكرمكم الله - تعالى - به .

قال الآلوسى : { انظرونا } أى : انتظرونا { نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ } نصب منه ، وذلك بأن يلحقوا بهم ، فيستنيروا به . . واصل الاقتباس طلب القبس ، أى الجذوة من النار .

وقولهم للمؤمنين ذلك ، لأنهم فى ظلمة لا يدرون كيف يمشون فيها . وروى أن ذلك يكون على الصراط .

وقوله - سبحانه - { قِيلَ ارجعوا وَرَآءَكُمْ فالتمسوا نُوراً } حكاية لما يرد به عليهم المؤمنون ، أو الملائكة .

أى : قال المؤمنون فى ردهم على هؤلاء المنافقين : ارجعوا وراءكم حيث الموقف الذى كنا واقفين فيه فالتمسوا منه النور ، أو ارجعوا إلى الدنيا فالتمسوا نوراً ، عن طريق تحصيل سببه وهو الإيمان ، أو ارجعوا خائبين فلا نور لكم عندنا .

وهذا القول من المؤمنين لهم ، على سبيل التهكم بهم ، إذا لا نور وراء المنافقين .

وقوله : { وَرَآءَكُمْ } تأكيد لمعنى { ارجعوا } إذ الرجوع يستلزم الوراء .

ثم بين - سبحانه - ما حدث للمنافقين بعد ذلك فقال : { فالتمسوا نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرحمة وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ العذاب } .

أى : فضرب بين المؤمنين وبين المنافقين يحاجز عظيم ، هذا الحاجز العظيم ، والسور الكبير { لَّهُ بَابٌ } باطن هذا الباب مما يلى المؤمنين { فِيهِ الرحمة } أى : فيه الجنة ، وظاهر هذا الباب مما يلى المنافقين { مِن قِبَلِهِ العذاب } .

أى : بأنى من جهته العذاب . قالوا : وهذا السور ، هو الحجاب المذكور فى سورة الأعراف فى قوله - تعالى - : { وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الأعراف رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ } والمقصود بهذه الآية الكريمة ، بيان أن المؤمنين فى مكان آمن تحيط به الجنة ، أما المنافقون ففى مكان مظلم يؤدى بهم إلى النار وبئس القرار .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{يَوۡمَ يَقُولُ ٱلۡمُنَٰفِقُونَ وَٱلۡمُنَٰفِقَٰتُ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱنظُرُونَا نَقۡتَبِسۡ مِن نُّورِكُمۡ قِيلَ ٱرۡجِعُواْ وَرَآءَكُمۡ فَٱلۡتَمِسُواْ نُورٗاۖ فَضُرِبَ بَيۡنَهُم بِسُورٖ لَّهُۥ بَابُۢ بَاطِنُهُۥ فِيهِ ٱلرَّحۡمَةُ وَظَٰهِرُهُۥ مِن قِبَلِهِ ٱلۡعَذَابُ} (13)

يوم يقول المنافقون والمنافقات بدل من يوم ترى للذين آمنوا انظرونا انتظرونا فإنهم يسرع بهم إلى الجنة كالبرق الخاطف أو انظروا إلينا فإنهم إذا نظروا إليهم استقبلوهم بوجوههم فيستضيئون بنور بين أيديهم وقرأ حمزة أنظرونا على أن اتئادهم ليلحقوا بهم إمهال لهم نقتبس من نوركم نصب منه قيل ارجعوا وراءكم إلى الدنيا فالتمسوا نورا بتحصيل المعارف الإلهية والأخلاق الفاضلة فإنه يتولد منها أو إلى الموقف فإنه من ثمة يقتبس أو إلى حيث شئتم فاطلبوا نورا آخر فإنه لا سبيل لكم إلى هذا وهو تهكم بهم وتخييب من المؤمنين أو الملائكة فضرب بينهم بين المؤمنين والمنافقين بسور بحائط له باب يدخل منه المؤمنون باطنه باطن السور أو الباب فيه الرحمة لأنه يلي الجنة وظاهره من قبله العذاب من جهته لأنه يلي النار .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{يَوۡمَ يَقُولُ ٱلۡمُنَٰفِقُونَ وَٱلۡمُنَٰفِقَٰتُ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱنظُرُونَا نَقۡتَبِسۡ مِن نُّورِكُمۡ قِيلَ ٱرۡجِعُواْ وَرَآءَكُمۡ فَٱلۡتَمِسُواْ نُورٗاۖ فَضُرِبَ بَيۡنَهُم بِسُورٖ لَّهُۥ بَابُۢ بَاطِنُهُۥ فِيهِ ٱلرَّحۡمَةُ وَظَٰهِرُهُۥ مِن قِبَلِهِ ٱلۡعَذَابُ} (13)

وقولهم : { انظرونا } معناه : انتظرونا ، ومنه قول الحطيئة : [ البسيط ]

وقد نظرتكمُ أبناء عائشة . . . للخمس طال بها حبسي وتبساسي{[10968]}

وقرأ حمزة وحده{[10969]} وابن وثاب وطلحة والأعمش : «أنظِرونا » بقطع الألف وكسر الظاء على وزن أكرم .

ومنه قول عمرو بن كلثوم : [ الوافر ]

أبا هند فلا تعجل علينا . . . وأنظرنا نخبّرك اليقينا{[10970]}

ومعناه : أخرونا ، ومنه النظرة إلى الميسرة ، وقول النبي عليه السلام : «من أنظر معسراً » الحديث{[10971]} ، ومعنى قولهم : أخرونا ، أخروا مشيكم لنا حتى نلحق ف { نقتبس من نوركم } ، واقتبس الرجل واستقبس أخذ من نور غيره قبساً . وقوله تعالى : { قيل ارجعوا وراءكم } يحتمل أن يكون من قول المؤمنين ، ويحتمل أن يكون من قول الملائكة .

وقوله : { وراءكم } حكى المهدوي وغيره من المفسرين أنه لا موضع له من الإعراب ، وأنه كما لو قال ارجعوا ارجعوا ، وأنه على نحو قول أبي الأسود الدؤلي للسائل : وراءك أوسع لك .

قال القاضي أبو محمد : ولست أعرف مانعاً يمنع من أن يكون العامل فيه { ارجعوا } ، والقول لهم : { فالتمسوا نوراً } هو على معنى التوبيخ لهم ، أي أنكم لا تجدونه .

ثم أعلم عز وجل أنه يضرب بينهم في هذه الحال { بسور } حاجز ، فيبقى المنافقون في ظلمة ويأخذهم العذاب من الله ، وحكي عن ابن زيد أن هذا السور هو الأعراف المذكورفي سورة «الأعراف » وقد حكاه المهدوي ، وقيل هو حاجز آخر غير ذلك ، وقال عبد الله بن عمر وكعب الأحبار وعبادة بن الصامت وابن عباس : هو الجدار الشرقي في مسجد بيت المقدس . وقال زياد بن أبي سوادة : قام عبادة على السور الشرقي من بيت المقدس فبكى وقال : من هاهنا أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أنه رأى جهنم .

قال القاضي أبو محمد : وفيه باب يسمى باب الرحمة ، سماه في تفسير هذه الآية عبادة وكعب . وفي الشرق من الجدار المذكور واد يقال له : وادي جهنم ، سماه في تفسير هذه الآية عبد الله بن عمر وابن عباس ، وهذا القول في السور بعيد ، والله أعلم وقال قتادة وابن زيد ، { الرحمة } : الجنة . و { العذاب } : جهنم .

والسور في اللغة الحجي الذي للمدن{[10972]} وهو مذكور . والسور أيضاً جمع سورة ، وهي القطعة من البناء ينضاف بعضها إلى بعض حتى يتم الجدار ، فهذا اسم جمع يسوغ تذكيره وتأنيثه ، وهذا الجمع هو الذي أراد جرير في قوله : [ الكامل ]

لما أتى خبر الزبير تضعضعت . . . سور المدينة والجبال الخشع{[10973]}

وذلك أن المدينة لم يكن لها قط حجي ، وأيضاً فإن وصفه أن جميع ما في المدينة من بناء تواضع أبلغ ، ومن رأى أنه قصد قصد السور الذي هو الحجي ، قال : إن ذلك إذا تواضع فغيره من المباني أحرى بالتواضع .

قال القاضي أبو محمد : فإذا كان السور في البيت محتملاً للوجهين فليس هو في قوة مر الرياح وصدر القناة وغير ذلك مما هو مذكر محض استفاد التأنيث مما أضيف إليه .

وقوله تعالى : { باطنه فيه الرحمة } أي جهة المؤمنين ، { وظاهره } جهة المنافقين ، والظاهر هنا البادي ، ومنه قول : من ظاهر مدينة كذا .


[10968]:هذا البيت من قصيدة قالها الحطيئة يهجو الزبرقان بن بدر لأنه لم يكرم جواره، ويمدح بغيض بن عامر الذي أعطاه وأكرم جواره، والبيت في الديوان، واللسان، والتاج، ومعنى "نظرتكم":انتظرتكم، وهو موضع الاستشهاد هنا، وإيناء: انتظار، والعاشية هي الإبل التي ترعى ليلا وتتعشى بعد أن شربت، والخمس بكسر الخاء: نوع من إظماء الإبل إذ يتركونها أربعة أيام بدون أن تشرب ثم يقدمون لها الماء في اليوم الخامس فتشرب حتى تشبع،والتبساس: نوع من مداعبة الإبل بالمسح على ضرع الناقة، وبالصوت الذي يقال فيه: بس بس حتى تدر لبنها، فالشاعر يقول: إنه فعل مثل ذلك مع الزبرقان وقومه، وانتظر طويلا كالإبل التي تنتظر اليوم الخامس، ولكنه لم ينل من عطائهم شيئا. ورواية البيت في اللسان: ولقد نظرتكم إيناء صادرة للخمس طال بها حوزي وتنساسي والصادرة: الإبل التي عادت بعد أن شربت في اليوم الخامس. والحوز: السوق قليلا قليلا، والتنساس: السوق السريع. وفي رواية أخرى:"ولقد أنظرتكم أعشاء"، ومعناها أيضا: انتظرتكم انتظار هذه الإبل.
[10969]:يعني: وحده من بين السبعة المشهورين بالقراءة.
[10970]:هذا البيت من معلقة عمرو بن كلثوم، وأبو هند: عمرو بن المنذر، وهو في البيت منصوب على النداء، والفاء في "فلا تعجل" تصل ما بعدها بما قبلها، وأنظرنا معناه: انتظرنا، أو معناه: أخرنا- وهو موضع الاستشهاد هنا-. ونخبرك: جواب شرط مقدر، أي: أن تنتظرنا أو أن تؤخرنا نخبرك باليقين. وقد استشهد الفراء بالبيت في "معاني القرآن".
[10971]:أخرجه البخاري، والترمذي، والدارمي في البيوع، ومسلم في الزهد، وابن ماجه في الصدقات، وأحمد في مسنده(1-327-1، 2-359، 5-351)، ولفظه كما في مسند أحمد، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد وهو يقول بيده هكذا-فأومأ أبو عبد الرحمن بيده إلى الأرض-:(من أنظر معسرا أو وضع له وقاه الله من فيح جهنم، ألا إن عمل الجنة حزن بربوة- ثلاثا- ألا إن عمل النار سهل بسهوة، والسعيد من وُقي الفِتن، وما من جرعة أحب إلي من جرعة غيظ يكظمها عبد، ما كظمها عبد لله إلا ملأ الله جوفه إيمانا).
[10972]:في بعض النسخ:" والسور في اللغة الحِجى الذي للمدن"، والحِجى هو الستر أو الحاجز، شُبّه بالعقل الذي يحفظ الإنسان من الهلاك.
[10973]:البيت من قصيدة قالها جرير يهجو بها الفرزدق وغيره من الشعراء، وخبر ابن الزبير: قتله، وقد استشهد به ابن عطية على أن "السور" اسم جمع يجوز تذكيره وتأنيثه، وقد أنّثه جرير، وقال صاحب اللسان:"أنّث السور لأنه بعض المدينة"، فكأنه قال: تواضعت المدينة"، والألف واللام في "الخشع" زائدة لأن "خشع" خبر.
 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{يَوۡمَ يَقُولُ ٱلۡمُنَٰفِقُونَ وَٱلۡمُنَٰفِقَٰتُ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱنظُرُونَا نَقۡتَبِسۡ مِن نُّورِكُمۡ قِيلَ ٱرۡجِعُواْ وَرَآءَكُمۡ فَٱلۡتَمِسُواْ نُورٗاۖ فَضُرِبَ بَيۡنَهُم بِسُورٖ لَّهُۥ بَابُۢ بَاطِنُهُۥ فِيهِ ٱلرَّحۡمَةُ وَظَٰهِرُهُۥ مِن قِبَلِهِ ٱلۡعَذَابُ} (13)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا} وهم على الصراط {انظرونا} يعني ارقبونا {نقتبس من نوركم} فنمضي معكم {قيل} يعني قالت الملائكة: {ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا} من حيث جئتم فالتمسوا نورا من الظلمة، فرجعوا فلم يجدوا شيئا {فضرب} الله {بينهم} يعني بين أصحاب الأعراف وبين المنافقين {بسور له باب} يعني بالسور حائط بين أهل الجنة، وبين أهل النار {باطنه} يعني باطن السور {فيه الرحمة} وهو مما يلي الجنة {وظاهره} من قبل النار، وهو الحجاب ضرب بين أهل الجنة والنار، وهو السور، والأعراف ما ارتفع من السور، {الرحمة} يعني الجنة، {وظاهره من قبله العذاب}...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: هو الفوز العظيم في يوم يقول المنافقون والمنافقات، واليوم من صلة الفوز للذين آمنوا بالله ورسله: انظرونا.

واختلفت القرّاء في قراءة قوله:"انْظُرُونا"؛ فقرأت ذلك عامة قرّاء المدينة والبصرة وبعض أهل الكوفة انْظُرُونا موصولة بمعنى: انتظرونا، وقرأته عامة قرّاء الكوفة «أنْظُرُونا» مقطوعة الألف من أنظرت بمعنى: أخرونا، وذكر الفرّاء أن العرب تقول: أنظرني وهم يريدون: انتظرني قليلاً... والصواب من القراءة في ذلك عندي الوصل، لأن ذلك هو المعروف من كلام العرب إذا أريد به انتظرنا، وليس للتأخير في هذا الموضع معنى، فيقال: أنظرونا، بفتح الألف وهمزها.

وقوله: "نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُم" يقول: نستصبح من نوركم، والقبس: الشعلة.

وقوله: "قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فالْتَمِسُوا نُورا" يقول جلّ ثناؤه: فيجابون بأن يقال لهم: ارجعوا من حيث جئتم، واطلبوا لأنفسكم هنالك نورا، فإنه لا سبيل لكم إلى الاقتباس من نورنا...

وقوله: "فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ العَذَابُ" يقول تعالى ذكره: فضرب الله بين المؤمنين والمنافقين بسُور، وهو حاجز بين أهل الجنة وأهل النار...

وقوله: "لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرّحْمَةُ" يقول تعالى ذكره: لذلك السور باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبل ذلك الظاهر العذاب: يعني النار...

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

... ثم الآية دلت على أن أهل النفاق يكونون ببعد من المؤمنين، ولا ينتفعون بنور المؤمنين. ولكن يرون ذلك اليوم من بعد فيقولون: {انظرونا نقتبس من نوركم} ولو كانوا بقرب منهم، أو ينتفعون بنورهم لكانوا لا يطلبون منهم الانتظار لهم والاقتباس من نورهم، والله أعلم. وقوله تعالى: {قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا} من الناس من يقول: إن هذا هو الاستهزاء الذي ذكر في آية أخرى أنه يستهزئ بهم حين قال: {الله يستهزئ بهم} [البقرة: 15] بقوله: {ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا} هو ذلك الاستهزاء. وجائز أن يكون قوله: {ارجعوا وراءكم} ليس على الأمر بالرجوع إلى وراء والتماس النور، ولكن على التوبيخ والتعبير، أي النور إنما يطلب من وراء هذا اليوم، أي من قبل هذا اليوم لا يطلب فيه...

جائز أن يكون السور الذي ذكر الذي ضرب بينهم ما ذكر في سورة الأعراف حين قال: {وبينهما حجاب وعلى الأعراف رجال} [الآية: 46] السور هو الأعراف الذي ذكر أنه يكون حجابا بين أهل النار وأهل الجنة. يرفع ذلك السور بينهم لئلا ينتفعوا بنور المؤمنين...

جائز أن يكون قوله: {له باب} ليس على حقيقة الباب [ولكن] كناية عن الطريق والسبيل؛ يقول: هو طريق وسبيل من يأخذ ذلك السبيل أفضاه إلى الرحمة. ومن سلك ظاهره أفضاه إلى العذاب. وجائز أن يفتح من النار إلى الجنة باب، فيرون ما حل بهم من العذاب، ويرى أهل النار أهل الجنة على ما هم عليه من النعيم ليزدادوا حسرة وندامة، أو يكون اطلاعا لا من باب ولكن من السور والأعراف الذي ذكر...

النكت و العيون للماوردي 450 هـ :

{قِيلَ ارْجِعُوا وَرَآءَكُمْ فَالتَمِسُوا نُوراً}: ارجعو فاعملوا عملاً يجعل الله بين أيديكم نوراً.

جهود الإمام الغزالي في التفسير 505 هـ :

يدل على أن الأنوار لابد وأن تتزود أصلها في الدنيا ثم يزداد في الآخرة إشراقا فأما أن يتجدد نور فلا. (نفسه: 4/342)...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

... والمراد من ضرب السور، هو امتناع العود إلى الدنيا... {ارجعوا} منع المنافقين عن الاستضاءة، كقول الرجل لمن يريد القرب منه: وراءك أوسع لك، فعلى هذا القول المقصود من قوله: {ارجعوا} أن يقطعوا بأنه لا سبيل لهم إلى وجدان هذا المطلوب البتة، لا أنه أمر لهم بالرجوع.

تفسير الشعراوي 1419 هـ :

{يوم} أي يوم القيامة يوم يرى المؤمنون نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يوصلهم إلى الجنة، في نفس هذا اليوم {يقولُ المُنافقُون والمنافقاتُ للذين آمنُوا انظرونا..} [الحديد] أي: انتظرونا {نَقْتَبِس من نُوركِم..} نأخذ منه قبساً نستضيء به ونهتدي به، فيُقال لهم: (ارجعُوا وَرَاءكُم فالتَمِسُوا نُوراً..}

أي: عودوا إلى الدنيا فاطلبوا النور الذي يهديكم الآن، لأن النور الذي نهتدي به الآن قدّمناه عملاً صالحاً في الدنيا يوم آمنّا بالله ورسوله وأطعنا، والآن نجني ثمرة ما قدّمناه، وعليكم أن تستأنفوا حياة جديدة حيث التكليف والعمل، فاليوم جزاء لا عمل.

وتأمل هنا عظمة الأداء القرآني: فالحوار يدور بين المؤمنين والمنافقين، ومع ذلك بنى الفعل (قيل) للمجهول ولم يقل قال المؤمنون للمنافقين حتى لا يكون في الموقف شماتة، ولا يريد أنْ يُوقف المؤمنين هذا الموقف، فكأن الصوت جاءهم من جهة لا يعرفونها.

وقوله تعالى: {فضُربَ بينَهُم..} بين المؤمنين والمنافقين {بسُورٍ لّهُ بابٌ..} وهكذا أنهى الحق سبحانه هذا الحوار وحجز المؤمنين عن المنافقين بسور له باب حتى لا يروْهم ولا يسمعوهم، لأن المؤمن بطبعه رقيق القلب.

فربّه عز وجل يحمي سمعه ويحمي بصره أنْ يتأذّى بما يعانيه المنافقون في جهنم والعياذ بالله {بسُورٍ لهُ بابٌ باطنُهُ فيه الرّحمَةُ..} من ناحية المؤمنين {وظاهرُهُ من قبله العذابُ} من ناحية المنافقين.