تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَلَا تَتَمَنَّوۡاْ مَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بِهِۦ بَعۡضَكُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٖۚ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٞ مِّمَّا ٱكۡتَسَبُواْۖ وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٞ مِّمَّا ٱكۡتَسَبۡنَۚ وَسۡـَٔلُواْ ٱللَّهَ مِن فَضۡلِهِۦٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٗا} (32)

{ وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا }

ينهى تعالى المؤمنين عن أن يتمنى بعضهم ما فضل الله به غيره من الأمور الممكنة وغير الممكنة . فلا تتمنى النساء خصائص الرجال التي بها فضلهم على النساء ، ولا صاحب الفقر والنقص حالة الغنى والكمال تمنيا مجردا لأن هذا هو الحسد بعينه ، تمني نعمة الله على غيرك أن تكون لك ويسلب إياها . ولأنه يقتضي السخط على قدر الله والإخلاد إلى الكسل والأماني الباطلة التي لا يقترن بها عمل ولا كسب . وإنما المحمود أمران : أن يسعى العبد على حسب قدرته بما ينفعه من مصالحه الدينية والدنيوية ، ويسأل الله تعالى من فضله ، فلا يتكل على نفسه ولا على غير ربه . ولهذا قال تعالى : { لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا } أي : من أعمالهم المنتجة للمطلوب . { وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ } فكل منهم لا يناله غير ما كسبه وتعب فيه . { وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ } أي : من جميع مصالحكم في الدين والدنيا . فهذا كمال العبد وعنوان سعادته لا من يترك العمل ، أو يتكل على نفسه غير مفتقر لربه ، أو يجمع بين الأمرين فإن هذا مخذول خاسر .

وقوله : { إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا } فيعطي من يعلمه أهلا لذلك ، ويمنع من يعلمه غير مستحق .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَلَا تَتَمَنَّوۡاْ مَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بِهِۦ بَعۡضَكُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٖۚ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٞ مِّمَّا ٱكۡتَسَبُواْۖ وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٞ مِّمَّا ٱكۡتَسَبۡنَۚ وَسۡـَٔلُواْ ٱللَّهَ مِن فَضۡلِهِۦٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٗا} (32)

ثم نهى - سبحانه - عن التحاسد وعن تمنى ما فضل الله به بعض الناس على بعض من المال ونحوه مما يجرى فيه التنافس ، وبين - سبحانه - أنه قد جعل لكم إنسان حقا معينا فيما تركه الوالدان والأقربون فقال - تعالى - : { وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ . . . شَهِيداً } .

وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ( 32 ) وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآَتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا ( 33 )

روى المفسرون فى سبب نزول الآية الأولى روايات منها ما رواه الإِمام أحمد والترمذى عن مجاهد قال : قالت أم سلمة : يا رسول الله يغزو الرجال ولا نغزو ، ولنا نصف الميراث فأنزل الله - تعالى - { وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ الله بِهِ بَعْضَكُمْ على بَعْضٍ } .

وقال قتادة : كان أهل الجاهلية لا يورثون النساء ولا الصبيان ، فلما ورثوا وجعل للذكر مثل حظ الأنثيين تمنى النساء أن لو جعل أنصباؤهن كأنصباء الرجال . وقال الرجال : إنا لنرجوا أن نفضل على النساء بحسناتنا فى الآخرة كما فضلنا عليهن فى الميراث فنزلت { وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ الله بِهِ بَعْضَكُمْ على بَعْضٍ } .

والتمنى المنهى عنه هنا : هو الذى يتضمن معنى الطمع فيما فى يد الغير ، والحسد له على ما أعطاه الله من مال أو جاه أو غير ذلك مما يجرى فيه التنافس بين الناس وذلك لأن التمنى بهذه الصورة يؤدى إلى شقاء النفس ، وفساد الخلق والدين ، ولأنه أشبه ما يكون بالاعتراض على قسمة الخالق العليم الخبير بأحوال خلقه وبشئون عباده .

ولا يدخل فى التمنى المنهى عنه ما يسميه العلماء بالغبطة ، وهى أن يتمنى الرجل أن يكون له مثل ما عند غيره من خير دون أن ينقص شئ مما عند ذلك الغير .

قال صاحب الكشاف : قوله { وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ } نهوا عن التحاسد وعن تمنى ما فضل الله به بعض الناس على بعض من الجاه والمال ، لأن ذلك التفضيل قسمة من الله صادرة عن حكمة وتدبير وعلم بأحوال العباد ، وبما يصلح المقسوم له من بسط فى الرزق أو قبض { وَلَوْ بَسَطَ الله الرزق لِعِبَادِهِ لَبَغَوْاْ فِي الأرض } فعلى كل أحد أن يرضى بما قسم الله به ، علماً بأن ما قسم له هو مصلحته ، ولو كان خلافه لكان مفسدة له ، ولا يحسد أخاه على حظه .

وقوله - تعالى - { بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكتسبوا وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكتسبن } تعليل للنهى السابق . أى لكل من فريقى الرجال والنساء حظ مقدر مما اكتسبوه من أعمال ، ونصيب معين فيما ورثوه أو أصابوه من أموال ، وإذا كان الأمر كذلك فلا يليق بعاقل أن يتمنى خلاف ما قسم الله له من رزق ، بل عليه أن يرضى بما قسم الله له . فالله - تعالى - هو الذى قدر أرزاق الرجال والنساء على حسب ما تقتضيه حكمته وعلمه ، وهو الذى كلف كل فريق منهم بواجبات وأعمال تليق باستعداده وتكوينه .

وقوله { واسألوا الله مِن فَضْلِهِ } عطف على النهى . فكأنه قيل : لا تتمنوا ولا تتطلعوا إلى ما فى أيدى غيركم ، ولا تحسدوه على ما رزقه الله ، بل اجعلوا تجاهكم إلى الله وحده ، والتمسوا منه ما تشاءوه من نعمه الجليلة ، ومن حظوظ الدنيا والآخرة ، فهو القائل

{ مَّا يَفْتَحِ الله لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ العزيز الحكيم } وحذف المفعول من الجملة الكريمة لإِفادة العموم . أى : واسألوا الله ما شئتم من إحسانه الزائد ، وإنعامه المتكاثر حتى تطمئن نفوسكم ، ويبتعد عنها الطمع والقلق والألم .

قال ابن كثير : قوله { واسألوا الله مِن فَضْلِهِ } أى لا تتمنوا ما فضلنا به بعضكم على بعض ؛ فإن التمنى لا يجدى شيئاً ، ولكن سلونى من فضلى أعطكم فإنى كريم وهاب . روى أبو نعيم وابن مردويه عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " سلوا الله من فضله فإن الله يحب أن يسأل ، وإن أحب عباد الله إلى الله للذى يحب الفرج " .

ثم ختم - سبحانه - الآية الكريمة بقوله : { إِنَّ الله كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً } أى إن الله - تعالى - كان وما زال عليما بكل شئ من شئون هذا الكون ، وقد وزع - سبحانه - أرزاقه ومواهبه على عباده بمقتضى علمه وحكمته ، فجعل فيهم الغنى والفقير ، فيحتاج بعضهم إلى بعض ، وليتبادلوا المنافع التى لا غنى لهم عنها ، وكلف كل فريق منهم بما يتناسب مع تكونيه واستعداده { صُنْعَ الله الذي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ }

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَلَا تَتَمَنَّوۡاْ مَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بِهِۦ بَعۡضَكُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٖۚ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٞ مِّمَّا ٱكۡتَسَبُواْۖ وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٞ مِّمَّا ٱكۡتَسَبۡنَۚ وَسۡـَٔلُواْ ٱللَّهَ مِن فَضۡلِهِۦٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٗا} (32)

{ ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض } من الأمور الدنيوية كالجاه والمال ، فلعل عدمه خير والمقتضي للمنع كونه ذريعة إلى التحاسد والتعادي ، معربة عن عدم الرضا بما قسم الله له ، وأنه تشه لحصول الشيء له من غير طلب وهو مذموم ، لأن تمني ما لم يقدر له معارضة لحكمة القدر ، وتمني ما قدر له بكسب بطالة وتضييع حظ ، وتمني ما قدر له بغير كسب ضائع ومحال . { للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن } بيان لذلك أي لكل من الرجال والنساء فضل ونصيب بسبب ما اكتسب ومن أجله ، فاطلبوا الفضل من الله تعالى بالعمل لا بالحسد ، والتمني كما قال عليه الصلاة والسلام " ليس الإيمان بالتمني " . وقيل المراد نصيب الميراث وتفضيل الورثة بعضهم على بعض فيه ، وجعل ما قسم لكل منهم على حسب ما عرف من حاله الموجبة للزيادة والنقص كالمكتسب له . { وأسالوا الله من فضله } أي لا تتمنوا ما للناس واسألوا الله مثله من خزائنه التي لا تنفذ . وهو يدل على أن المنهي عنه هو الحسد ، أو لا تتمنوا واسألوا الله من فضله بما يقربه ويسوقه إليكم . وقرأ ابن كثير والكسائي { واسلوا الله من فضله } وسلهم فسل الذين وشبهه إذا كان أمرا مواجها به ، وقبل السين واو أو فاء بغير همز وحمزة في الوقف على أصله والباقون بالهمز . { إن الله كان بكل شيء عليما } فهو يعلم ما يستحقه كل إنسان فيفضل عن علم وتبيان .