و لما تاب بنو إسرائيل وتراجعوا إلى رشدهم اخْتَارَ مُوسَى منهم سَبْعِينَ رَجُلا من خيارهم ، ليعتذروا لقومهم عند ربهم ، ووعدهم اللّه ميقاتا يحضرون فيه ، فلما حضروه ، قالوا : يا موسى ، أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فتجرأوا على اللّه جراءة كبيرة ، وأساءوا الأدب معه ، ف أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فصعقوا وهلكوا .
فلم يزل موسى عليه الصلاة والسلام ، يتضرع إلى اللّه ويتبتل ويقول رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ أن يحضروا ويكونون في حالة يعتذرون فيها لقومهم ، فصاروا هم الظالمين أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا أي : ضعفاء العقول ، سفهاء الأحلام ، فتضرع إلى اللّه واعتذر بأن المتجرئين على اللّه ليس لهم عقول كاملة ، تردعهم عما قالوا وفعلوا ، وبأنهم حصل لهم فتنة يخطر بها الإنسان ، ويخاف من ذهاب دينه فقال : إِنْ هِيَ إِلا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ أي : أنت خير من غفر ، وأولى من رحم ، وأكرم من أعطى وتفضل ، فكأن موسى عليه الصلاة والسلام ، قال : المقصود يا رب بالقصد الأول لنا كلنا ، هو التزام طاعتك والإيمان بك ، وأن من حضره عقله ورشده ، وتم على ما وهبته من التوفيق ، فإنه لم يزل مستقيما ، وأما من ضعف عقله ، وسفه رأيه ، وصرفته الفتنة ، فهو الذي فعل ما فعل ، لذينك السببين ، ومع هذا فأنت أرحم الراحمين ، وخير الغافرين ، فاغفر لنا وارحمنا .
فأجاب اللّه سؤاله ، وأحياهم من بعد موتهم ، وغفر لهم ذنوبهم .
ثم تمضى السورة في حديثها عن بنى إسرائيل فتحكى لنا قصة موسى مع السبعين الذين اختارهم من قومه فنقول : { واختار . . . } .
قال الآلوسى : قوله - تعالى - { واختار موسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِّمِيقَاتِنَا } تتمة لشرح أحوال بنى إسرائيل وقال البعض : إنه شروع في بيان كيفية استدعاء التوبة وكيفية وقوعها . واختار - من الاختيار بمعنى الانتخاب والاصطفاء - وهو يتعدى إلى اثنين ثانيهما مجرور بمن وقد حذفت هنا وأوصل الفعل والأصل من قومه ، والمفعول الأول سبعين " .
أى : اختار موسى سبعين رجلا من قومه للميقات الذي وقته الله له ، ودعاهم للذهاب معه .
وهؤلاء السبعون كانوا من خيرتهم أو كانوا خلاصتهم ، لأن الجملة الكريمة جعلتهم بدلا من القوم جميعا في الاختيار ، وكأن بنى إسرائيل على كثرتهم لا يوجد من بينهم فضلاء سوى هؤلاء السبعين .
وتختلف روايات المفسرين في سبب هذا الميقات وزمانه ، فمنهم من يرى أنه الميقات الكلامى الذي كلم الله فيه موسى تكليما فقد كان معه سبعون رجلا من شيوخ بنى إسرائيل ينتظرونه في مكان وضعهم فيه غير مكان المناجاة ، فلما تمت مناجاة موسى لربه طلبوا منه أن يخاطبوا الله - تعالى - وأن يكلموه كما كلمه موسى ، وأن يروه جهرة فأخذتهم الصاعقة ، وكان ذلك قبل أن يخبر الله - تعالى - موسى أن قومه قد عبدوا العجل في غيبته .
والذى نرجحه وعليه المحققون من المفسرين والسياق القرآنى يؤيده أن هذا الميقات الذي جاء في هذه الآية غير الميقات الأول ، وأنه كان بعد عبادة بنى إسرائيل للعجل في غيبة موسى ، فقد عرفنا أن الله قد أخبره بذلك عند ذهابه إليه لتلقى التوراة ، فرجع موسى إليهم مسرعا ووبخهم على صنيعهم وأحرق العجل ، وأمره الله - تعالى - بعد ذلك أن يأتيه مع جماعة من بنى إسرائيل ليتوبوا إليه من عبادة العجل فاختار موسى هؤلاء السبعين ، وهناك روايات ترجح ذلك منها ما جاء عن محمد بن إسحاق قال : إن موسى - عليه السلام - لما رجع إلى قومه فرأى ما هم فيه من عيادة العجل ، وقال لأخيه والسامرى ما قال وحرق العجل وذراه في اليم ، اختار من بنى إسرائيل سبعين رجلا الخيّر فالخير ، وقال : انطلقوا إلى الله فتوبوا إليه مما صنعتم واسألوه التوبة على من تركتم وراءكم من قومكم ، فصوموا وتطهروا وطهروا ثيابكم . فخرج بهم إلى طور سياء لميقات وقته له ربه ، وكان لا يأتيه إلا بإذن منه وعلم ، فقال له السبعون - فيما ذكر لى - حين صنعوا ما أمرهم به وخرجوا معه للقاء ربه يا موسى : اطلب لنا نسمع كلام ربنا . فقال : أفعل . فلما دنا موسى من الجيل ، وقع عليه عمود الغمام حتى تغشى الجبل كله ، ودنا موسى فدخل فيه ، وقال للقوم : ادنوا . وكان موسى إذا كلمه الله وقع على جبهة موسى نور ساطع ، لا يستطيع أحد من بنى آدم أن ينظر إليه .
ودنا القوم حتى إذا دخلوا في الغمام وقعوا سجودا فسمعوه وهو يكلم موسى ، يأمره وينهاه ، أفعل ولا تفعل ، فلما انكشفت عن موسى الغمام أقيل إليهم فقالوا له : { لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حتى نَرَى الله جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصاعقة } وهى الصاعقة التي يحصل منها الاضطراب الشديد فماتوا جميعاً فقام موسى يناشد ربه ويدعوه ويرغب إليه ويقول : { رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ } قد سفهوا ، أتهلك من ورائى من بنى إسرائيل " .
وهكذا نرى أن هؤلاء السبعين المختارين من بنى إسرائيل قد طلبوا من نبيهم موسى - عليه السلام - مالا يصح لهم أن يطلبوه فأخذتهم الرجفة بسبب ذلك ، أو بسبب أنهم عندما عبد بنو إسرائيل العجل في غيبة موسى لم ينهوهم عن المنكر ولم يأمروهم بالمعروف .
وقوله : { فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرجفة قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ } أى : فلما أخذت هؤلاء السبعين المختارين الرجفة قال موسى يا رب إننى أتمنى لو كانت سبقت مشيئتك أن تهلكهم من قبل خروجهم معى إلى هذا المكان وأن تهلكنى معهم حتى لا أقع في حرج شديد مع بنى إسرائيل ، لأنهم سيقولون لى : قد ذهبت بخيارنا لإهلاكهم .
ويرى بعض المفسرين أن هذه الرجفة التي أخذتهم وصعقوا منها أدت إلى موتهم جميعا ثم أحياهم الله - تعالى - بعد ذلك ، ويرى آخرون أنهم غشى عليهم ثم أفاقوا .
وقد قال موسى هذا القول لاستجلاب العفو من ربه عن هذه الجريمة التي اقترفها قومه . بعد أن من عليهم - سبحانه - بالنعم السابقة الوافرة ، وأنقذهم من فرعون وقومه . فكأنه يقول : يا رب لقد رحمتهم من ذنوب كثيرة ارتكبوها فيما سبق فارحمهم الآن كما رحمتهم من قبل جرياً على مقتضى كرمك .
ومفعلو المشيئة محذوف ، أى : لو شئت إهلاكهم لأهلكتهم .
وقوله { وَإِيَّايَ } معطوف على الضمير في { أَهْلَكْتَهُمْ } ، وقد قال موسى ذلك تسليما منه لأمر الله وقضائه وإن كان لم يسبق منه ما يوجب هلاكه ، بل الذي سبق منه إنما هو الطاعة الكاملة لله رب العالمين .
والاستفهام في قوله { أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السفهآء مِنَّآ } للاستعطاف الذي بمعنى النفى أى : ألجأ إليك يا مولانا ألا تهلكنا بذنب غيرنا فلئن كان هؤلاء السفهاء قد خرجوا عن طاعتك ، وانتهكوا حرماتك . فنحن يا رب مطيعون لك وخاضعون لأمرك .
قوله { إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَآءُ وَتَهْدِي مَن تَشَآءُ } استئناف مقرر لما قبله ، و { إِنْ } نافية . والفتنة : الابتلاء والاختبار ، والباء في { بِهَا } للسببية أى : ما الفتنة التي وقع فيها السفهاء إلا اختبارك وابتلاؤك وامتحانك لعبادك ، فأنت الذي ابتليتهم واختبرتهم ، فالأمر كله لك وبيدك . لا يكشفه إلا أنت .
كما لم يمتحن به ويختبر إلا أنت . فنحن عائذون بك منك . ولاجئون منك إليك . ما شئت كان وما لم تشأ لم يكن .
وقوله { أَنتَ وَلِيُّنَا فاغفر لَنَا وارحمنا وَأَنتَ خَيْرُ الغافرين } أى : أنت القائم بأمورنا كلها لا أحد غيرك ، فاغفر لنا ما فرط منا ، وارحمنا برحمتك التي وسعت كل شىء ، وأنت خير الغافرين إذ كل غافر سواك إنما يغفر لغرض نفسانى ، كحب الثناء ، واجتلاب المنافع ، أما أنت - يا إلهنا - فمغفرتك لا لطلب عوض أو غرض وإثما هى لمحض الفضل والكرم .
قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في تفسير هذه الآية : كان الله أمرَه أن يختار من قومه سبعين رجلا فاختار سبعين رجلا فبرز بهم ليدعوا ربهم ، فكان فيما دَعَوُا الله قالوا : اللهم أعطنا ما لم تعطه أحدا قبلنا ولا تعطه أحدا بعدنا فكره الله ذلك من دعائهم ، فأخذتهم الرجفة ، قال موسى : { رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ } الآية .
وقال السُّدِّي : إن الله أمر موسى أن يأتيه في ناس من بني إسرائيل ، يعتذرون إليه من عبادة العجل ، ووعدهم موعدا ، فاختار موسى قومه سبعين رجلا على عينه ، ثم ذهب بهم ليعتذروا . فلما أتوا ذلك المكان قالوا : لن نؤمن لك يا موسى حتى نرى الله جهرة ، فإنك قد كلمته ، فأرناه . فأخذتهم الصاعقة فماتوا ، فقام موسى يبكي ويدعو الله ويقول : رب ، ماذا أقول لبني إسرائيل إذا لقيتهم{[12164]} وقد أهلكت خيارهم ؟ { رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ }
وقال محمد بن إسحاق : اختار موسى من بني إسرائيل سبعين رجلا الخيّرَ فالخيّر ، وقال : انطلقوا إلى الله فتوبوا إليه مما صنعتم ، وسَلُوه التوبة على من تركتم وراءكم من قومكم ، صوموا وتطهَّروا ، وطهِّروا ثيابكم . فخرج بهم إلى طُور سَيْناء ، لميقات وقَّته له ربه ، وكان لا يأتيه إلا بإذن منه وعلم - فقال له السبعون - فيما ذكر لي - حين صنعوا ما أمرهم به ، وخرجوا معه للقاء ربه ، [ فقالوا ]{[12165]} لموسى : اطلب لنا نسمع كلام ربنا . فقال : أفعل . فلما دنا موسى من الجبل ، وقع عليه عمودُ الغمام ، حتى تَغَشَّى الجبل كله . ودنا موسى فدخل فيه ، وقال للقوم : ادنوا . وكان موسى إذا كلمه{[12166]} الله وقع على جبهة موسى نور ساطع ، لا يستطيع أحد من بني آدم أن ينظر إليه . فضرب دونه بالحجاب . ودنا القوم ، حتى إذا دخلوا وقعوا سُجُودا{[12167]} فسمعوه وهو يكلم موسى ، يأمره وينهاه : افعل ، ولا تفعل . فلما فرغ إليه من أمره ، انكشف عن موسى الغمام ، فأقبل إليهم ، فقالوا لموسى : لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة . فأخذتهم الرجفة - وهي الصاعقة - فافتُلتَت{[12168]} أرواحهم ، فماتوا جميعا . فقام موسى يناشد ربه ويدعوه ويرغب إليه ، ويقول : { رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ } قد سفهوا ، أفنهلك من ورائي من بني إسرائيل .
وقال سفيان الثوري : حدثني أبو إسحاق ، عن عمارة بن عبد السَّلُولي ، عن علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه ، قال : انطلق موسى وهارون وشبر وشبير ، فانطلقوا إلى سفح جَبَل ، فنام{[12169]} هارون على سرير ، فتوفاه الله ، عز وجل . فلما رجع موسى إلى بني إسرائيل قالوا له : أين هارون ؟ قال : توفاه الله ، عز وجل . قالوا [ له ]{[12170]} أنت قتلته ، حَسَدتنا على خُلقه ولينه - أو كلمة نحوها - قال : فاختاروا من شئتم . قال : فاختاروا سبعين رجلا . قال : فذلك قوله تعالى : { وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلا } فلما انتهوا إليه قالوا : يا هارون ، من قتلك ؟ قال : ما قتلني أحد ، ولكن توفاني الله . قالوا : يا موسى ، لن تعصى بعد اليوم . قال : فأخذتهم الرجفة . قال : فجعل موسى ، عليه السلام ، يرجع يمينًا وشمالا وقال : يا { رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ } قال : فأحياهم الله وجعلهم أنبياء كلهم .
هذا أثر غريب جدا ، وعمارة بن عبد{[12171]} هذا لا أعرفه . وقد رواه شعبة ، عن أبي إسحاق عن رجل من بني سلول عن علي ، فذكره{[12172]}
وقال ابن عباس ومجاهد وقتادة وابن جُرَيْج : إنما أخذتهم الرجفة لأنهم لم يزايلوا قومهم في عبادتهم العجل ، ولا نهوهم ، ويتوجه هذا القول بقول موسى : { أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا }
وقوله : { إِنْ هِيَ إِلا فِتْنَتُكَ } أي : ابتلاؤك واختبارك وامتحانك . قاله ابن عباس ، وسعيد بن جبير ، وأبو العالية ، وربيع بن أنس ، وغير واحد من علماء السلف والخلف . ولا معنى له غير ذلك ؛ يقول : إن الأمرُ إلا أمرُك ، وإن الحكمُ إلا لك ، فما شئت كان ، تضل من تشاء ، وتهدي من تشاء ، ولا هادي لمن أضللت ، ولا مُضِل لمن هَدَيت ، ولا مُعطِي لما مَنَعت ، ولا مانع لما أعطيت ، فالملك كله لك ، والحكم كله لك ، لك الخلق والأمر .
وقوله : { أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ } الغَفْر هو : الستر ، وترك المؤاخذة بالذنب ، والرحمة إذا قرنت مع الغفر ، يراد بها ألا يوقعه في مثله في المستقبل ، { وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ } أي : لا يغفر الذنوب إلا أنت ،
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{لميقاتنا}، يعني لميعادنا، فانطلق بهم، فتركهم في أصل الجبل، فلما نزل موسى إليهم، قالوا: {أرنا الله جهرة}، فأخذتهم الرجفة، يعني الموت عقوبة لما قالوا، وبقى موسى وحده يبكي، {فلما أخذتهم الرجفة قال رب} ما أقول لبني إسرائيل إذا رجعت إليهم وقد أهلكت خيارهم، رب {لو شئت أهلكتهم}، يعني أمتهم، {من قبل وإياي} معهم من قبل أن يصحبوني، {أتهلكنا} عقوبة {بما فعل السفهاء منا}، وظن موسى، عليه السلام، إنما عوقبوا باتخاذ بني إسرائيل العجل، فهم السفهاء، فقال موسى: {إن هي إلا فتنتك}، يعني ما هي إلا بلاؤك، {تضل بها} بالفتنة {من تشاء وتهدي} من الفتنة {من تشاء أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين}...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: واختار موسى من قومه سبعين رجلاً للوقت والأجل الذي وعده الله أن يلقاه فيه بهم للتوبة مما كان من فعل سفهائهم في أمر العجل... فاختار موسى قومه سبعين رجلاً على عينه، ثم ذهب بهم ليعتذروا، فلما أتوا ذلك المكان، قالوا: لن نؤمن لك يا موسى حتى نرى الله جهرة، فإنك قد كلمته فأرناه فأخذتهم الصاعقة فماتوا. فقام موسى يبكي ويدعو الله ويقول: ربّ ماذا أقول لبني إسرائيل إذا أتيتهم وقد أهلكت خيارهم، لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي...
وقد بيّنا معنى الرجفة فيما مضى بشواهدها، وأنها ما رجف بالقوم وأرعبهم وحرّكهم وأهلكهم بعد، فأماتهم أو أصعقهم...عن مجاهد: فَلَمّا أخَذَتْهُمُ الرّجْفَةُ ماتوا ثم أحياهم.
"أُتهْلِكُنا بِمَا فَعَلَ السّفَهاءُ مِنّا إنْ هِيَ إلاّ فِتْنَتُكَ تُضِلّ بِها مَنْ تَشاءُ وَتهْدِي مَنْ تَشاءُ أنْتَ وَلِيّنا فاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وأنْتَ خَيْرُ الغافِرِينَ".
اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك؛ فقال بعضهم: معنى ذلك: أتهلك هؤلاء الذين أهلكتهم بما فعل السفهاء منا: أي بعبادة من عبد العجل. قالوا: وكان الله إنما أهلكهم لأنهم كانوا ممن يعبد العجل، وقال موسى ما قال ولا علم عنده بما كان منهم من ذلك... وقال آخرون: معنى ذلك: أن إهلاكك هؤلاء الذين أهلكتهم هلاك لمن وراءهم من بني إسرائيل إذا انصرفتُ إليهم، وليسوا معي، والسفهاء على هذا القول كانوا المهلكين الذين سألوا موسى أن يريهم ربهم... وقال آخرون...: أتؤاخذنا وليس منا رجل واحد ترك عبادتك ولا استبدل بك غيرك؟
وأولى القولين بتأويل الآية، قول من قال: إن موسى إنما حزن على هلاك السبعين بقوله: "أُتهْلِكُنا بِمَا فَعَلَ السّفَهاءُ مِنّا "وأنه إنما عنى بالسفهاء: عبدة العجل، وذلك أنه محال أن يكون موسى صلى الله عليه وسلم كان تخير من قومه لمسألة ربه ما أراه أن يسأل لهم إلا الأفضل فالأفضل منهم، ومحال أن يكون الأفضل كان عنده من أشرك في عبادة العجل واتخذه دون الله إلها.
قال: فإن قال قائل: فجائز أن يكون موسى عليه السلام كان معتقدا أن الله سبحانه يعاقب قوما بذنوب غيرهم، فيقول: أتهلكنا بذنوب من عبد العجل، ونحن من ذلك برآء؟ قيل: جائز أن يكون معنى الإهلاك: قبض الأرواح على غير وجه العقوبة، كما قال جلّ ثناؤه: إنِ امْرُؤٌ هَلَكَ يعني: مات، فيقول: أتميتنا بما فعل السفهاء منا.
وأما قوله: "إنْ هِيَ إلاّ فِتْنَتُكَ "فإنه يقول جلّ ثناؤه: ما هذه الفعلة التي فعلها قومي من عبادتهم ما عبدوا دونك، إلا فتنة منك أصابتهم. ويعني بالفتنة: الابتلاء والاختبار. يقول: ابتليتهم بها ليتبين الذي يضلّ عن الحقّ بعبادته إياه والذي يهتدي بترك عبادته. وأضاف إضلالهم وهدايتهم إلى الله، إذ كان ما كان منهم من ذلك عن سبب منه جلّ ثناؤه... عن أبي العالية: "إنْ هِيَ إلاّ فِتْنَتُكَ" قال: بليتك...
وقوله: "أنْتَ وَلِيّنا" يقول: أنت ناصرنا. "فاغْفِرْ لَنا" يقول: فاستر علينا ذنوبنا بتركك عقابنا عليها. "وَارْحَمْنا": تعطّف علينا برحمتك. "وأنْتَ خَيْرُ الغافِرِينَ" يقول: خير من صفح عن جُرم وستر على ذنب.
النكت و العيون للماوردي 450 هـ :
وفي الكلام محذوف وتقديره: واختار موسى من قومه سبعين رجلاً. وفي قوله: {لمِيقَاتِنَا} قولان: أحدهما: أنه الميقات المذكور في سؤال الرؤية. والثاني أنه ميقات غير الأول وهو ميقات التوبة من عبادة العجل. {فَلَمَّا أَخَذَتْهُمْ الرَّجْفَةُ} وفيها ثلاثة أوجه: أحدها: أنها الزلزلة، قاله الكلبي. والثاني: أنه الموت. قال مجاهد: ماتوا ثم أحياهم... {أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَل السُّفَهَاءُ مِنَّآ} فيه قولان: أحدهما: أنه سؤال استفهام خوفاً من أن يكون الله قد عمهم بانتقامه كما قال تعالى: {وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال: 25]. والثاني: أنه سؤال نفي، وتقديره: إنك لا تعذب إلاَّ مذنباً فكيف تهلكنا بما فعل السفهاء منا. فحكي أن الله أمات بالرجفة السبعين الذين اختارهم موسى من قومه، لا موت فناء ولكن موت ابتلاء ليثبت به من أطاع وينتقم به ممن عصى...
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
الاختيار هو: إرادة ما هو خير يقال: خيره بين أمرين فاختار أحدهما: والاختيار والإيثار بمعنى واحد... وقوله "أتهلكنا بما فعل السفهاء منا "معناه النفي، وإن كان بصورة الانكار... والمعنى: إنك لا تهلكنا بما فعل السفهاء منا، فبهذا نسألك رفع المحنة بالإهلاك عنا. وقوله "إن هي إلا فتنتك" معناه: إن الرجفة إلا اختبارك وابتلاؤك ومحنتك أي تشديدك تشديد التعبد علينا بالصبر على ما أنزلته بنا من هذه الرجفة والصاعقة اللتين جعلتهما عقابا لمن سأل الرؤية وزجرا لهم ولغيرهم وقوله "تضل بها من تشاء" معناه تضل بترك الصبر على فتنتك وترك الرضا بها من تشاء عن نيل ثوابك ودخول جنتك، وتهدي بالرضا بها والصبر عليها من تشاء، وإنما نسب الضلال إلى الله لأنهم ضلوا عند أمره وامتحانه، كما أضيفت زيادة الرجس إلى السورة في قوله "فزادتهم رجسا إلى رجسهم" وإن كانوا هم الذين ازدادوا عندها. والمعنى تختبر بالمحنة من تشاء لينتقل صاحبه عن الضلالة، وتهدي من تشاء معناه تبصره بدلالة المحنة ليثبت صاحبها على الهداية من تشاء...
...واعلم أن قوله: {أنت ولينا} يفيد الحصر ومعناه أنه لا ولي لنا ولا ناصر ولا هادي إلا أنت،وقوله: {وأنت خير الغافرين} معناه أن كل من سواك فإنما يتجاوز عن الذنب إما طلبا للثناء الجميل أو للثواب الجزيل، أو دفعا للربقة الخسيسة عن القلب، وبالجملة فذلك الغفران يكون لطلب نفع أو لدفع ضرر، أما أنت فتغفر ذنوب عبادك لا لطلب عوض وغرض، بل لمحض الفضل والكرم، فوجب القطع بكونه {خير الغافرين} والله أعلم.
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :
وقوله: {إِنْ هِيَ إِلا فِتْنَتُكَ} أي: ابتلاؤك واختبارك وامتحانك. قاله ابن عباس، وسعيد بن جبير، وأبو العالية، وربيع بن أنس، وغير واحد من علماء السلف والخلف. ولا معنى له غير ذلك؛ يقول: إن الأمرُ إلا أمرُك، وإن الحكمُ إلا لك، فما شئت كان، تضل من تشاء، وتهدي من تشاء، ولا هادي لمن أضللت، ولا مُضِل لمن هَدَيت، ولا مُعطِي لما مَنَعت، ولا مانع لما أعطيت، فالملك كله لك، والحكم كله لك، لك الخلق والأمر.
وقوله: {أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ} الغَفْر هو: الستر، وترك المؤاخذة بالذنب، والرحمة إذا قرنت مع الغفر، يراد بها ألا يوقعه في مثله في المستقبل، {وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ} أي: لا يغفر الذنوب إلا أنت،
روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي 1270 هـ :
{قَالَ رَبّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم مّن قَبْلُ} عرض للعفو السابق لاستجلاب العفو اللاحق يعني أنك قدرت على إهلاكهم قبل ذلك بحمل فرعون على إهلاكهم وبإغراقهم في البحر وغيرهما فترحمت عليهم ولم تهلكهم فارحمهم الآن كما رحمتهم من قبل جرياً على مقتضى كرمك وإنما قال: {وإياي} تسليماً منه وتواضعاً...
تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :
{إن هي إلّا فتنتك تضلّ بها من تشاء وتهدي من تشاء} "إن "نافية والفتنة الاختيار والامتحان مطلقا أو بالأمور الشاقة والباء في "بها" للسببية، أي ما تلك الفعلة التي كانت سببا لأخذ الرجفة إياهم إلا محنتك وابتلاؤك الذي جعلته سببا لظهور استعداد الناس وما طويت عليه سرائرهم من ضلال وهداية، وما يستحقون عليه من عقوبة ومثوبة، وسنتك في جريان مشيئتك في خلقك بالعدل والحق، والنظام الحكيم في الخلق، تضل بمقتضاها من تشاء من عبادك ولست بظالم لهم في تقديرك، وتهدي من تشاء ولست بمحاب لهم في توفيقك، بل أمر مشيئتك دائر بين العدل والفضل، ولك الخلق والأمر.
{أنت وليّنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين} أي أنت المتولي لأمورنا، والقائم علينا بما تكتسب نفوسنا، فاغفر لنا ما تترتب عليه المؤاخذة والعقاب من مخالفة سنتك، أو التقصير فيما يجب من ذكرك وشكرك وعبادتك، بأن تستر ذلك علينا، وتجعله بعفوك كأنه لم يصدر عنا، وارحمنا برحمتك الخاصة، فوق ما شملت به الخلق كلهم من رحمتك العامة، وأنت خير الغافرين حلما وكرما وجودا، فلا يتعاظمك ذنب، ولا يعارض غفرانك ما يعارض غفران سواك من عجز أو ضعف أو هوى نفس- وما ذكر في المغفرة يدل على اعتبار مثله في الرحمة لدلالته عليه- أي وأنت خير الراحمين رحمة وأوسعهم فيها فضلا وإحسانا، فإن رحمة جميع الراحمين من خلقك، نفحة مفاضة على قلوبهم من رحمتك، حذف ذكر الرحمة استغناء عنه بذكر المغفرة فإن ترتيب التذييل في الثناء عليه تعالى على طلب مغفرته ورحمته معا، يقتضي أن يكون هذا الثناء بهما معا، فاكتفى بذكر الأولى لدلالتها على الثانية قطعا، فهو من الإيجاز المسمى في علم البديع بالاكتفاء.
وقد غفل عن هذا من قال من المفسرين أنه اكتفى بذكر المغفرة لأنها الأهم، ولم لم يكتف بذكر الرحمة لأنها أعم، ولأنها قد تستلزم المغفرة دون العكس، فإن معنى المغفرة سلبي وهو عدم المؤاخذة على الذنب، والرحمة فوق ذلك فهي إحسان إلى المذنب لا يستحقه إلا بعد المغفرة ولذلك يقدم ذكر المغفرة على ذكر الرحمة، لأن التخلية كما يقولون مقدمة على التحلية، فلا يليق خلع الحلل النفسية، إلا على الأبدان النظيفة، وقد قال موسى عليه السلام في دعائه لنفسه ولأخيه {رب اغفر لي ولأخي وأدخلنا في رحمتك} الآية، وقال نوح عند توبته من سؤاله النجاة لولده الكافر {وإلّا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين} [هود: 47] وعلمنا تعالى من دعائه في خاتمة سورة البقرة {واعف عنّا واغفر لنا وارحمنا} [البقرة: 286] وقلما ذكر اسم الله {الغفور} في كتابه العزيز إلا مقرونا باسمه {الرحيم} ومن غير الأكثر قرنه بالشكور وبالحليم وبالودود ويقرب معناهن من معنى الرحيم، وورد قرنه بالعفو وبالعزيز لاقتضاء المقام ذلك.
ودعاء موسى عليه السلام هنا لنفسه مع قومه بضمير الجمع قد اقتضاه مقام المناجاة والمعرفة الكاملة، ومن كان أعرف بالله وأكمل استحضارا لعظمته، كان أشد شعورا بالحاجة إلى مغفرته ورحمته، وإن كان ما يستغفر منه تقصيرا صغيرا بالنسبة إلى ذنوب الغافلين والجاهلين، أو من باب: حسنات الأبرار سيئات المقربين، فإن كان هذا الدعاء عقب طلب الرؤية، فوجه طلبه للمغفرة والرحمة لنفسه أظهر، لأن طلبه ذاك كان ذنبا له، صرح بالتوبة منه، وإن كان عقب طلب السبعين رؤية الله جهرة فالأمر أظهر، لأن الذنب مشترك، وإن كان على أثر حادثة عبادة العجل، فقد علم ما كان من شدته فيها على أخيه هارون عليهما السلام، وأنه طلب لكل من نفسه وأخيه المغفرة على الانفراد، والرحمة بالاشتراك، وإن كان عقب تمرد بني إسرائيل الذي عاقبهم الله تعالى عليه بإهلاك بعضهم وتهديدهم بالاستئصال، فإدخال نفسه معهم من باب الاستعطاف، إذ لم ينقل عنه فيه شيء مما يعد من ذنوب الأنبياء عليهم السلام.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
والاختيار: تمييز المرغوب من بين ما هو مخلوط من مرغوب وضده، وهو زنة افتعال من الخير صيغ الفعل من غير دلالة على مطاوعة لفعل (خار). {أتهلكنا بما فعل السفهاء منا} يؤذن بأنه يعني به عبادتهم العجل، وحضورَهم ذلك. وسكوتهم، وهي المعنيُ بقوله: {إن هي إلا فتنتك} وقد خشي موسى أن تلك الرجفة مقدمة عذاب كما كان محمد صلى الله عليه وسلم يخشى الريح أن يكون مبدأ عذاب. والحاصل أن موضع العبرة في هذه القصة هو التوقي من غضب الله، وخوف بطشه، ومقامُ الرسل من الخشية، ودعاء موسى، إلخ {أتهلكنا بما فعل السفهاء منا} فالسفهاء هم الذين عبدوا العجل وسمي شركهم سفهاً؛ لأنه شرك مشوب بخسة عقل إذ جعلوا صورة صنعوها بأنفسهم إلاهاً لهم.
والخبر في قوله: {إن هي إلا فتنتك} الآية: مستعمل في إنشاء التمجيد بسعة العلم والقدرة، والتعريض بطلب استبقائهم وهدايتهم، وليس مستعملاً في الاعتذار لقومه بقرينة قوله: {تضل بها من تشاء} الذي هو في موضع الحال من {فتنتك} فالإضلال بها حال من أحْوالها.
ثم عرَّض بطلب الهداية لهم بقوله: {وتهدي من تشاء} والمجرور في قوله {بها} متعلق بفعل {تضل} وحده ولا يتنازعه معه فعل {تهدي} لأن الفتنة لا تكون سبب هداية بقرينة تسميتها فتنة، فمن قدر في التفسير: وتهدي بها أو نحوه، فقد غفل.
والباء: إما للملابسة، أي تضل من تشاء ملابساً لها، وإما للسببية، أي تضل بسبب تلك الفتنة، فهي من جهة فتنة، ومن جهة سبب ضلال.
والفتنة ما يقع به اضطراب الأحوال، ومرجها، وتشتت البال، وقد مضى تفسيرها عند قوله تعالى: {وما يعلّمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة} في سورة البقرة (102). وقوله: {وحسبوا أن لا تكون فتنة} في سورة العقود (71) وقوله: {ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين} في سورة الأنعام (23).
والقصد من جملة: {أنت ولينا} الاعتراف بالانقطاع لعبادة الله تعالى، تمهيداً لمطلب المغفرة والرحمة، لأن شأن الولي أن يرحم مولاه وينصره.
والولي: الذي له وَلاية على أحد، والوَلايةِ حلف أو عتق يقتضي النصرة والإعانة، فإن كان من جانبين متكافئين فكلا المتعاقدين يقال له مَولى، وإن كان أحد الجانبين أقوى قيل للقوي (ولي) وللضعيف (مَولى) وإذ قد كانت الولاية غير قابلة للتعدد، لأن المرء لا يتولى غيرَ مواليه، كان قوله: {أنتَ ولينا} مقتضياً عدم الانتصار بغير الله. وفي صريحه صيغة قصر.
والتفريع عن الولاية في قوله: {فاغفر لنا} تفريع كلام على كلام وليس المراد أن الولي يتعين عليه الغفران.
وقدم المغفرة على الرحمة لأن المغفرة سبب لرحمات كثيرة، فإن المغفرة تنهية لغضب الله المترتب على الذنب، فإذا انتهى الغضب تسنى أن يخلفه الرضا. والرضا يقتضي الإحسان.
و {وخيرُ الغافرين} الذي يغفر كثيراً، وقد تقدم قريب منه في قوله تعالى: {بل الله مولاكم وهو خير الناصرين} في سورة آل عمران (150).
وإنما عطف جملة: {وأنت خير الغافرين} لأنه خبر في معنى طلب المغفرة العظيمة، فعطف على الدعاء، كانه قيل: فاغفر لنا وارحمنا واغفر لنا جميع ذنوبنا، لأن الزيادة في المغفرة من آثار الرحمة...