التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{وَٱخۡتَارَ مُوسَىٰ قَوۡمَهُۥ سَبۡعِينَ رَجُلٗا لِّمِيقَٰتِنَاۖ فَلَمَّآ أَخَذَتۡهُمُ ٱلرَّجۡفَةُ قَالَ رَبِّ لَوۡ شِئۡتَ أَهۡلَكۡتَهُم مِّن قَبۡلُ وَإِيَّـٰيَۖ أَتُهۡلِكُنَا بِمَا فَعَلَ ٱلسُّفَهَآءُ مِنَّآۖ إِنۡ هِيَ إِلَّا فِتۡنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَآءُ وَتَهۡدِي مَن تَشَآءُۖ أَنتَ وَلِيُّنَا فَٱغۡفِرۡ لَنَا وَٱرۡحَمۡنَاۖ وَأَنتَ خَيۡرُ ٱلۡغَٰفِرِينَ} (155)

( 14 ) اختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا : تأويلها اختار موسى من قومه سبعين رجلا لميقات مضروب من الله لهم .

( 15 ) السفهاء : هنا بمعنى الجاهلين أو قليلي الفهم والعقل .

( 16 ) فتنتك : امتحانك وابتلاؤك .

138

تعليق على جملة

{ إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء }

هذه الجملة جاءت في سياق ما كان من أخذ الله بعض رؤساء بني إسرائيل بالرجفة على لسان موسى عليه السلام . ومع أنها كما هو ظاهر حكاية لقول موسى ، فإن بعضهم وقفوا عندها وتوهموا أن فيها ما يفيد أن الله تعالى يضع الناس في مواقف لا مناص لهم منها ، ثم يؤاخذهم عليها ويعاقبهم بها كما جاء في بيت الشعر الذي يكرر في كثير من المناسبات المماثلة :

ألقاه في اليم مكتوفا وقال له إياك إياك أن تبتل بالماء .

وقد اعتاد بعضهم أن يسوقوا الجملة في الاحتجاج بها على تقدير الله الأزلي على أناس بأعيانهم الهدى والضلال بزعمهم وبدون ما سبب منهم .

ولقد علقنا على هذا المعنى في مناسبات سابقة بما فيه المقنع في رأينا وتنزيه الله عز وجل عن العبث ونقض حكمته في دعوة الناس إليه بواسطة رسله وترتيب الثواب والعقاب عليهم حسب مواقفهم من هذه الدعوة وسلوكهم نحو الله والناس .

ونقول هنا بمناسبة العبارة : إن الإمعان فيها يجعل التوهم الذي يرد منها في غير محله . فهي أولا : حكاية لقول موسى كما قلنا وليست تقريرا قرآنيا مباشرا . وثانيا : إن معنى { فتنتك } وبخاصة في مقامها ليس هو الإغواء والإضلال والافتتان وإنما هو الاختبار والامتحان . وهذا ما قرره الطبري وغيره . فالله يختبر إيمان الناس وأخلاقهم ببعض الأمور فيأمرهم بأشياء وينهاهم عن أشياء ويكلفهم بأشياء . فمن كان ضعيف الإيمان والصبر ضل وغوى . ومن كان قويا في ذلك ظل على هداه ونفذ أوامر الله . وهذا المعنى ملموح في آيات سورتي البقرة وإبراهيم التي أوردناها في التعليق السابق . والعبارة قد وردت على لسان موسى عليه السلام في هذا المعنى . فالوفد الإسرائيلي الذي سمع كلام الله تعالى طمع ، فقال لموسى عليه السلام : أرنا الله جهرة كما ذكر ذلك في آية سورة البقرة هذه التي ذكرت أن الله أخذهم بالصاعقة : { وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون55 } وهذا نفس الشيء الذي حكته الآية التي جاءت فيها العبارة- وليس بين الصاعقة والرجفة تناقض- لأنهم أظهروا ضعفهم أمام الاختبار الرباني وتجاوزوا الحدود في طلبهم وطمعهم . على أن في الآية التي وردت فيها هذه العبارة بالذات ما يزيل أي توهم حيث احتوت تقريرا ربانيا : بأن الله سيكتب رحمته التي وسعت كل شيء للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآيات ربهم يؤمنون ، حيث ينطوي في ذلك الضلال والهدى إنما يجري بسنة الله عز وجل على الناس حسب مكتسباتهم واختيارهم وسجاياهم .