غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَٱخۡتَارَ مُوسَىٰ قَوۡمَهُۥ سَبۡعِينَ رَجُلٗا لِّمِيقَٰتِنَاۖ فَلَمَّآ أَخَذَتۡهُمُ ٱلرَّجۡفَةُ قَالَ رَبِّ لَوۡ شِئۡتَ أَهۡلَكۡتَهُم مِّن قَبۡلُ وَإِيَّـٰيَۖ أَتُهۡلِكُنَا بِمَا فَعَلَ ٱلسُّفَهَآءُ مِنَّآۖ إِنۡ هِيَ إِلَّا فِتۡنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَآءُ وَتَهۡدِي مَن تَشَآءُۖ أَنتَ وَلِيُّنَا فَٱغۡفِرۡ لَنَا وَٱرۡحَمۡنَاۖ وَأَنتَ خَيۡرُ ٱلۡغَٰفِرِينَ} (155)

155

التفسير : الاختيار افتعال من لفظ الخير يقال : اختار الشيء إذا أخذ خيره وخياره ومن هنا سمي فعل الحيوان فعلاً اختيارياً ، وذلك أن صدور الفعل عن الحيوان موقوف على حكمه بكون ذلك الفعل خيراً له من تركه . قال النحويون : أصله واختار موسى من قومه فحذف الجار وأوصل الفعل ، فمن الأفعال ما يتعدى إلى المفعول الثاني بحرف واحد ثم يتسع فيحذف الحرف . من ذلك قولهم : اخترت من الرجال زيداً ثم يتسع فيقال اخترت الرجال زيداً . وكذا استغفرت الله من ذنبي واستغفرته ذنبي . وجوّز بعضهم في الآية أن يراد بالقوم المعتبرون منهم إطلاقاً لاسم الجنس على ما هو المقصود منهم فيكون مفعولاً أوّل من غير واسطة ويكون { سبعين } بدلاً أو بياناً قيل : اختار من اثني عشر سبطاً من كل سبط ستة فصاروا اثنين وسبعين فقال : ليتخلف منكم رجلان فتشاحوا فقال : إن لمن قعد منكم مثل أجر من خرج فقعد كالب ويوشع . وروي أنه لم يجد إلا ستين شيخاً فأوحى إليه أن يختار من الشبان عشرة فاختارهم فأصبحوا شيوخاً . وقيل : كانوا أبناء ما عدا العشرين ولم يجاوزوا الأربعين قد ذهب عنهم الجهل والصبا فأمرهم موسى أن يتطهروا ويطهروا ثيابهم ثم خرج بهم إلى طور سينا لميقات ربه . وللمفسرين خلاف في أن هذا الميقات عين ميقات الكلام والرؤية أم غيره ؟ الذاهبون إلى الأوّل قالوا : إن موسى كان أمره ربه أن يأتيه في سبعين من بني إسرائيل ، فلما سمعوا الكلام طلبوا الرؤية وقالوا لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتهم الصاعقة وهي المراد من الرجفة في هذه الآية . والذاهبون إلى الثاني حملوا القصة على ما مر في البقرة في تفسير قوله { وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك } وقد ذكرنا هنالك أن منهم من قال هذه الواقعة كانت قبل قتل الأنفس توبة من عبادة العجل ، ومنهم من قال إنها كانت بعد القتل . واحتج أصحاب هذا المذهب على المغايرة بأنه تعالى ذكر قصة ميقات الكلام وطلب الرؤية ثم أتبعها ذكر قصة العجل ثم ختم الكلام بهذه القصة ، فظاهر الحال يقتضي أن تكون هذه القصة مغايرة لتلك القصة وإلا انخرم التناسب . عن علي عليه السلام أن موسى وهارون انطلقا إلى سفح جبل فنام هارون فتوفاه الله تعالى ، فلما رجع موسى إلى قومه قالوا إنه قتل هارون فاختار من قومه سبعين فذهبوا إلى هارون فأحياه الله تعالى فقال : ما قتلني أحد فأخذتهم الرجفة هنالك . قيل : كانت موتاً . وقيل أخذتهم الرعدة حتى كادت تبين مفاصلهم وتنقض ظهورهم فخاف موسى عليهم الموت فدعا الله تعالى وقال { رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي } قال في الكشاف : هذا تمن منه للإهلاك قبل أن يرى ما رأى كما يقول النادم على الأمر إذا رأى سوء المغبة لو شاء الله لأهلكني قبل هذا { أتهلكنا } جميعاً يعني نفسه وإياهم { بما فعل السفهاء منا } قال أهل العلم : لا يجوز أن يظن موسى أن الله تعالى أهلك قوماً بذنوب غيره ، فهذا الاستفهام بمعنى الجحد أراد أنك لا تفعل ذلك كما تقول : أتهين من يخدمك تريد أنك لا تفعل ذلك ، وقال المبرد : إنه استفهام استعطاف أي لا تهلكنا . قيل : لو كان تسفيههم لقولهم { لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة } [ النساء :153 ] ناسب أن يقال : أتهلكنا بما قاله السفهاء . فإذن التسفيه لفعل صدر عنهم كعبادة العجل أو غيرها ، ومنه يعلم أن هذا الميقات غير ميقات طلب الرؤية { إن هي إلا فتنتك } الضمير يعود إلى الفتنة أي كما تقول إن هو إلا زيد وإن هي إلا هند قاله الواحدي . ولعله يعود إلى مقدر ذهني والمعنى أن الفتنة التي وقع فيها السفهاء لم تكن إلا فتنتك ابتلاءك ومحنتك حين كلمتني وسمعوا كلامك أو حين أسمعتهم صوت العجل { تضل بها } أي بالفتنة من تشاء فيفتتن { وتهدي من تشاء } فيثبت على الحق . قالت الأشاعرة : في الآية دلالة ظاهرة على مذهبنا أن الإضلال والهداية من الله تعالى . وقالت المعتزلة : إن محنته لما كانت سبباً لأن ضلوا واهتدوا فكأنه أضلهم بها وهداهم على الاتساع في الكلام أو الضمير يعود إلى الرجفة أي { تضل } على الجنة بسبب عدم الصبر على تلك الرجفة ، أو لعدم الإيمان بأنها من عندك { من تشاء وتهدي } إلى الجنة بها الأضداد ما قلنا { من تشاء } أو المراد بالإضلال الإهلاك أي تهلك من تشاء بالرجفة وتصرفها عمن تشاء { أنت ولينا } يفيد الحصر أي لا ولي لنا ولا ناصر إلا أنت { فاغفر لنا وارحمنا } قيل : تذكر أن قوله { إن هي إلا فتنتك } جراءة عظيمة فأشرك نفسه مع قومه في طلب المغفرة والرحمة { وأنت خير الغافرين } لأن غفرانك غير متوقف على جلب نفع أو دفع ضر بل لمحض الفضل والكرم .

/خ159