{ وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا } أي : الملائكة الذين صدروا من إبراهيم لما أتوا { لُوطًا سِيءَ بِهِمْ } أي : شق عليه مجيئهم ، { وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ } أي : شديد حرج ، لأنه علم أن قومه لا يتركونهم ، لأنهم في صور شباب ، جرد ، مرد ، في غاية الكمال والجمال ، ولهذا وقع ما خطر بباله .
ثم انتقلت السورة الكريمة إلى الحديث عما درا بين لوط وبين الملائكة وبينه وبين قومه من حار وجدال فقال - تعالى - :
{ وَلَمَّا جَآءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً . . . }
- تلك هى قصة لوط مع الرسل الذين جاءوا لإِهلاك قومه ومع قومه المجرمين ، كما حكتها سورة هود .
- وقد وردت هذه القصة فى سور أخرى وبأساليب متنوعة ، ومنها سورة الأعراف ، والحجر ، والشعراء ، والنمل ، والعنكبوت ، والصافات ، والذاريات ، والقمر . .
قال الإِمام ابن كثير : ولوط ابن هاران بن أخى إبراهيم ، وكان قد آمن مع عمه إبراهيم وهاجر معه إلى أرض الشام ، فبعثه الله إلى أهل بدلة سدوم وما حولها يدعوهم إلى وحدانية الله - تعالى - ، ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عما كانوا يرتكبونه من المآثم والمحارم والفواحش التى اخترعوها دون أن يسبقهم بها أحد من بنى آدم ولا من غيرهم ، وهو إتيان الذكور دون الإِناث ، وهذا شئ لم يكن أحد من بنى آدم يعهده ولا يألفه ولا يخطر بباله ، حتى صنع ذلك أهل سدوم - " وهم قرية بوادى الأردن عليهم لعائن الله "
- وقد بدأ - سبحانه - القصة هنا بتصوير ما اعترى لوطا - عليه السلام - من ضيق وغم عندما جاءته الرسل فقال : { وَلَمَّا جَآءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً سياء بِهِمْ . . . }
- أى : وحين جاء الملائكة إلى لوط - عليه السلام - بعد مفارقتهم لإبراهيم ، ساءه وأحزنه مجيئهم ، لأنه كان لا يعرفهم ، ويعرف أن قومه قوم سوء ، فخشى أن يعتدى قومه عليهم ، بعادتهم الشنيعة ، وهو عاجز عن الدفاع عنهم .
قال ابن كثير ما ملخصه : " يخبر الله - تعالى - عن قدوم رسله من الملائكة إلى لوط - عليه السلام - بعد مفارقتهم لإِبراهيم . . فأتوا لوطاً - عليه السلام - وهو على ما قيل فى أرض له . وقيل فى منزله ، ووردوا عليه وهم فى أجمل صورة تكون ، على هيئة شبان حسان الوجوه ، ابتلاء من الله ، وله الحكمة والحجة البالغة ، فساء شأنهم . .
- وقوله : { وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً } تصوير بديع لنفاد حيلته ، واغتمام نفسه وعجزه عن وجود حيلة للخروج من المكروه الذى حل بهم .
قال القرطبى : والذرع مصدر ذرع . وأصله : أن يذرع البعير بيديه فى سيره ذرعاً على قدر سعة خطوه فإذا حمل عليه أكثر من طاقته ضاق عن ذلك وضعف ومد عنقه . فضيق الذرع عبارة عن ضيق الوسع . وقيل هو من ذرعه القئ أى غلبه .
أى : ضاق عن حبسه المكروه فى نفسه .
وإنما ضاق ذرعه بهم لما رأى من جمالهم ، وما يعلمه من فسوق قومه . .
- و { ذرعا } تمييز محول عن الفاعل . أى : ضاق بأمرهم ذرعه .
{ وَقَالَ هذا يَوْمٌ عَصِيبٌ } : أى وقال لوط - عليه السلام - فى ضجر وألم : هذا اليوم الذى جاءنى فيه هؤلاء الضيوف ، يوم " عصيت " أى : شديد هوله وكربه .
وأصل العصب : الشد والضغط ، فكأن هذا اليوم لشدة وقعه على نفسه قد عصب به الشر والبلاء ، أى : شد به .
قال صاحب تفسير التحرير والتنوير : ومن بديع ترتيب هذه الجمل أنها جاءت على ترتيب حصولها فى الوجود ، فإن أول ما يسبق إلى نفس الكاره للأمر أن يساء به ويتطلب المخلص منه ، فإذا علم أنه لا مخلص له منه ضاق به ذرعاً ، ثم يصدر تعبيراً عن المعانى يريحبه نفسه .
يخبر تعالى عن قُدوم رسله من الملائكة{[14765]} بعد ما أعلموا{[14766]} إبراهيم بهلاكهم ، وفارقوه وأخبروه بإهلاك الله قوم لوط هذه الليلة . فانطلقوا من عنده ، فأتوا لوطا{[14767]} عليه السلام ، وهو - على ما{[14768]} قيل - في أرض له [ يعمرها ]{[14769]} وقيل : [ بل كان ]{[14770]} في منزله ، ووردوا عليه وهم في أجمل صورة تكون ، على هيئة شبان{[14771]} حسان الوجوه ، ابتلاء من الله [ واختبارا ]{[14772]} وله الحكمة والحجة البالغة ، [ فنزلوا عليه ]{[14773]} فساءه شأنهم وضاقت نفسه بسببهم ، وخشي إن لم يُضِفْهم{[14774]} أن يضيفهم أحد من قومه ، فينالهم بسوء ، { وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ } .
قال ابن عباس [ ومجاهد وقتادة ومحمد بن إسحاق ]{[14775]} وغير واحد [ من الأئمة ]{[14776]} شديد بلاؤه وذلك أنه علم أنه سيدافع [ قومه ]{[14777]} عنهم ، ويشق عليه ذلك .
وذكر قتادة أنهم أتوه وهو في أرض له [ يعمل فيها ]{[14778]} فتضيّفوه{[14779]} فاستحيا منهم ، فانطلق أمامهم وقال{[14780]} لهم في أثناء الطريق ، كالمعرض لهم بأن ينصرفوا عنه : إنه والله يا هؤلاء ما أعلم على وجه الأرض أهل بلد أخبث من هؤلاء . ثم مشى قليلا ثم أعاد ذلك عليهم ، حتى كرره أربع مرات قال قتادة : وقد كانوا أمروا ألا يهلكوهم حتى يشهد عليهم نبيهم بذلك .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَلَمّا جَآءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِيَءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقَالَ هََذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ } .
يقول تعالى ذكره : ولما جاءت ملائكتنا لوطا ، ساءه مجيئهم . وهو «فعل » من السّوء ، وضاق بهم بمجيئهم ذَرْعا يقول : وضاقت نفسه غمّا بمجيئهم ، وذلك أنه لم يكن يعلم أنهم رسل الله في حال ما ساءه مجيئهم ، وعلم من قومه ما هم عليه من إتيانهم الفاحشة ، وخاف عليهم ، فضاق من أجل ذلك بمجيئهم ذرعا ، وعلم أنه سيحتاج إلى المدافعة عن أضيافه ، ولذلك قال : هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : وَلمّا جاءَتْ رُسُلُنا لُوطا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعا يقول : ساء ظنّا بقومه وضاق ذرعا بأضيافه .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن حذيفة أنه قال : لما جاءت الرسل لوطا أتَوْه وهو في أرض له يعمل فيها ، وقد قيل لهم والله أعلم : لا تهلكوهم حتى يشهد لوط قال : فأتوه فقالوا : إنا متضيفوك الليلة فانطلق بهم ، فلما مضى ساعة التفت فقال : أما تعلمون ما يعمل أهل هذه القرية ؟ والله ما أعلم على ظهر الأرض أناسا أخبث منهم قال : فمضى معهم ، ثم قال الثانية مثل ما قال ، فانطلق بهم ، فلما بصرت بهم عجوز السّوء امرأته ، انطلقتْ فأنذرتهم .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، قال : قال حذيفة ، فذكر نحوه .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا الحكم بن بشير ، قال : حدثنا عمرو بن قيس الملائي ، عن سعيد بن بشير ، عن قتادة ، قال : أتت الملائكة لوطا وهو في مزرعة له ، وقال الله للملائكة : إن شهد لوط عليهم أربع شهادات فقد أَذِنت لكم في هلكتهم . فقالوا : يا لوط إنا نريد أن نَضِيفك الليلة ، فقال : وما بلغكم من أمرهم ؟ قالوا : وما أمرهم ؟ قال : أشهد بالله إنها لشرّ قرية في الأرض عملاً يقول ذلك أربع مرّات . فشهد عليهم لوط أربع شهادات ، فدخلوا معه منزله .
حدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قال : خرجت الملائكة من عند إبراهيم نحو قرية لوط ، فأتَوها نصف النهار ، فلما بلغوا نهر سَدُوم لقوا ابنة لوط تستقي من الماء لأهلها ، وكانت له ابنتان ، اسم الكبرى ريثا ، والصغرى زغرتا ، فقالوا لها : يا جارية ، هل من منزل ؟ قالت : نعم ، فمكانكم لا تدخلوا حتى آتيكم فرقت عليهم من قومها ، فأتت أباها فقالت : يا أبتاه أرادك فتيان على باب المدينة ما رأيت وجه قوم أحسن منهم ، لا يأخذْهم قومك فيفضحوهم وقد كان قومه نَهَوه أن يُضِيف رجلاً ، فقالوا : خلّ عنّا فلنُضِف الرجال فجاء بهم ، فلم يعلم أحد إلا أهل بيت لوط ، فخرجت امرأته فأخبرت قومها ، قالت : إن في بيت لوط رجالاً ما رأيت مثل وجوههم قَطّ فجاءه قومه يُهْرَعون إليه .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : خرجت الرسل فيما يزعم أهل التوراة من عند إبراهيم إلى لوط بالمؤتفِكة ، فلما جاءت الرسل لوطا سيء بهم وَضَاقَ بِهِمْ ذَرَعا وذلك من تخوّف قومه عليهم أن يفضحوه في ضيفه ، فقال : هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ .
وأما قوله : وَقال هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ فإنه يقول : وقال لوط : هذا اليوم يوم شديد شره ، عظيم بَلاؤه ، يقال منه : عَصَب يومُنا هذا يَعْصِب عَصْبا ، ومنه قول عديّ بن زيد :
وكنتُ لِزَازَ خَصْمِكَ لم أُعَرّدْ *** وَقَدْ سَلَكُوكَ فِي يَوْمٍ عَصِيبِ
يَوْمٌ عَصِيبٌ يَعْصِبُ الأبْطالا *** عَصْبَ القَوِيّ السّلَمَ الطّوَالا
وإنّكَ إلاّ تُرْضِ بَكْرَ بنَ وَائِلٍ *** يكُنْ لَكَ يَوْمٌ بالعِرَاقِ عَصِيبُ
ويُلَبّونَ بالحَضِيصِ فِئامٌ *** عارِفاتٌ مِنْهُ بِيَوْمٍ عَصِيبِ
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : عصيب : شديد .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ يقول شديد .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ أي يوم بلاء وشدة .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : يَوْمٌ عَصِيبٌ شديد .
حدثني عليّ ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : وَقالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ : أي يوم شديد .
«الرسل » هنا هم الملائكة الذين كانوا أضياف إبراهيم عليه السلام ، وذلك أنهم لما خرجوا إلى بلد لوط - وبينه وبين قرية إبراهيم ثمانية أميال - وصلوه ، فقيل : وجدوا لوطاً في حرث له ، وقيل : وجدوا ابنته تستقي ماء في نهر سدوم - وهي أكبر حواضر قوم لوط - فسألوها الدلالة على من يضيفهم ، ورأت هيئتهم فخافت عليهم من قوم لوط ، وقالت لهم : مكانكم ؛ وذهبت إلى أبيها فأخبرته ، فخرج إليهم ، فقالوا له : نريد أن تضيفنا الليلة ، فقال لهم : أو ما سمعتم بعمل هؤلاء القوم ؟ فقالوا وما عملهم ؟ فقال أشهد بالله لهم شر قوم في الأرض وقد كان الله عز وجل قال للملائكة : لا تعذبوهم حتى يشهد عليهم لوط أربع شهادات ، فلما قال لوط هذه قال جبريل لأصحابه : هذه واحدة وتردد القول بينهم حتى كرر لوط الشهادة أربع مرات ، ثم دخل لوط بهم المدينة وحينئذ { سيء بهم } أي أصابه سوء . و { سيء } فعل بني للمفعول ، و «الذرع » : مصدر مأخوذ من الذراع ، ولما كان الذراع موضع قوة الإنسان قيل في الأمر الذي لا طاقة له به : ضاق بهذا الأمر ذراع فلان ، وذرع فلان ، أي حيلته بذراعه ، وتوسعوا في هذا حتى قلبوه فقالوا : فلان رحب الذراع ، إذا وصفوه باتساع القدرة ومنه قول الشاعر :
يا سيد ما أنت من سيد*** موطأ الأكناف رحب الذراع{[6440]}
وقوله : { هذا يوم عصيب } أشار به إلى ما كان يتخوفه من تعدي قومه على أضيافه واحتياجه إلى المدافعة مع ضعفه عنها ، و { عصيب } بناء اسم فاعل معناه : يعصب الناس بالشر كما يعصب الخابط السلمة{[6441]} إذا أراد خبطها ونفض ورقها ، ومنه قول الحجاج في خطبته : ولأعصبنكم عصب السلمة ، فهو من العصابة ثم كثر وصفهم اليوم بعصيب ، ومنه قول الشاعر ، وهو عدي بن زيد : [ الوافر ]
وكنت لزاز خصمك لم أعرد*** وقد سلكوك في يوم عصيب{[6442]}
فإنك إلا ترض بكر بن وائل*** يكنْ لك يوم بالعراق عصيب{[6443]}
ف «عصيب » - بالجملة - في موضع شديد وصعب الوطأة ، واشتقاقه كما ذكرنا .
قد علم أن الملائكة ذاهبون إلى قوم لوط من قوله : { إنّا أُرسلنا إلى قوم لوط } [ هود : 70 ] . فالتقدير : ففارقوا إبراهيم وذهبوا إلى لوط عليهما السّلام فلما جاءوا لوطاً ، فحذف ما دل عليه المقام إيجازاً قرآنياً بديعاً .
وقد جاءوا لوطاً كما جاءوا إبراهيم عليهما السّلام في صورة البشر ، فظنهم ناساً وخشي أن يعتدي عليهم قومه بعادتهم الشنيعة ، فلذلك سيء بهم .
ومعنى { ضاق بهم ذرعاً } ضاق ذرعه بسببهم ، أي بسبب مجيئهم فحوّل الإسناد إلى المضاف إليه وجعل المسند إليه تمييزاً لأن إسناد الضيق إلى صاحب الذرع أنسب بالمعنى المجازي ، وهو أشبه بتجريد الاستعارة التمثيلية .
والذرع : مدُّ الذراع فإذا أسند إلى الآدمِيّ فهو تقدير المسافة . وإذا أسند إلى البعير فهو مَدّ ذراعيه في السير على قدر سعة خطوتِه ، فيجوز أن يكون : ضاق ذرعاً تمثيلاً بحال الإنسان الذي يريد مَدّ ذراعه فلا يستطيع مَدّهَا كما يريد فيكون ذَرعه أضيق من معتاده . ويجوز أن يكون تمثيلاً بحال البعير المثقل بالحمل أكثر من طاقته فلا يستطيع مَدّ ذراعيه كما اعتاده . وأيّاً ما كان فهو استعارة تمثيلية لحال مَنْ لم يجد حيلة في أمر يريدُ علمه ؟ بحال الذي لم يستطع مدّ ذراعه كما يشاء .
وقوله : { هذا يوم عصيب } قاله في نفسه كما يناجي المرء نفسه إذا اشتد عليه أمر .
والعصيب : الشديد فيما لا يرضي . يقال : يوم عصيب إذا حدث فيه أمر عظيم من أحوال الناس أو أحوال الجوّ كشدة البرد وشدة الحرّ . وهو بزنة فعيل بمعنى فاعل ولا يُعرف له فعل مجرد وإنما يقال : اعْصوصب الشرُّ ؛ اشتدّ . قالوا : هو مشتق من قولك : عصبتُ الشيء إذا شددته . وأصل هذه المادة يفيد الشدّ والضغط ، يقال : عصب الشيء إذا لَواه ، ومنه العِصابة . ويقال : عصبتْهم السنون إذا أجَاعتهم . ولم أقف على فعل مجرّد لوصف اليوم بعصيب . وأراد : أنه سيكون عصيباً لِمَا يَعلم من عادة قومه السيئة وهو مقتض أنهم جاءوه نهاراً .
ومن بديع ترتيب هذه الجمل أنها جاءت على ترتيب حصولها في الوجود ، فإن أول ما يسبق إلى نفس الكاره للأمر أن يُساء به ويتطلب المخلص منه ، فإذا عَلم أنه لا مخلص منه ضاق به ذرعاً ، ثم يصدر تعبيراً عن المعاني وترتيباً عنه كلاماً يُريح به نفسه .
وتصلح هذه الآية لأن تكون مثالاً لإنشاء المنشىء إنشاءه على حسب ترتيب الحصول في نفس الأمر ، هذا أصل الإنشاء ما لم تكن في الكلام دواعي التقديم والتأخير ودواعي الحذف والزيادة .