أي : إذا أراد أن ينتقم من أحد ، فإنه لا يفوته ولا يعجزه ، وذلك في يوم القيامة ، { يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ } تبدل غير السماوات ، وهذا التبديل تبديل صفات ، لا تبديل ذات ، فإن الأرض يوم القيامة تسوى وتمد كمد الأديم ويلقى ما على ظهرها من جبل ومَعْلم ، فتصير قاعا صفصفا ، لا ترى فيها عوجا ولا أمتا ، وتكون السماء كالمهل ، من شدة أهوال ذلك اليوم ثم يطويها الله -تعالى- بيمينه .
{ وَبَرَزُوا } أي : الخلائق من قبورهم إلى يوم بعثهم ، ونشورهم في محل لا يخفى منهم على الله شيء ، { لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ } أي : المتفرد بعظمته وأسمائه وصفاته وأفعاله العظيمة ، وقهره لكل العوالم فكلها تحت تصرفه وتدبيره ، فلا يتحرك منها متحرك ، ولا يسكن ساكن إلا بإذنه .
ثم بين - سبحانه - بعد ذلك بعض العلامات التى تدل على قرب قيام الساعة فقال - تعالى - : { يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرض غَيْرَ الأرض والسماوات وَبَرَزُواْ للَّهِ الواحد الْقَهَّارِ } .
والظرف { يوم } متعلق بمحذوف تقديره اذكر .
وقوله { تبدل } من التبديل بمعنى التغيير ، وهذا التغيير والتبديل لهما قد يكون فى ذواتهما كما فى قوله - تعالى - { إِنَّ الذين كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ العذاب . . } وقد يكون فى صفاتهما كقولك " بدلت الحلقة خاتما " وقد يكون فيهما معا وقد ذكر الإمام ابن كثير جملة من الأحاديث عند تفسيره لهذه الآية الكريمة فقال : " وقال الإمام أحمد ، حدثنا محمد بن عدى ، عن داود ، عن الشعبى ، عن مسروق ، عن عائشة أنها قالت : " أنا أول الناس سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن هذه الآية { يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرض . . } قالت : قلت : أين الناس يومئذ يا رسول الله ؟ قال : على الصراط " .
وفى رواية أنه - صلى الله عليه وسلم - قال لها : " لقد سألتنى عن شئ ما سألنى عنه أحد من أمتى ، ذاك أن الناس - يومئذ يكونون - على جسر جهنم " .
والمعنى : اذكر - أيها العاقل ، لتتعظ وتعتبر يوم يتغير هذا العالم المعهود بعالم آخر جديد ، يأتى به الله - تعالى - على حسب إرادته ومشيئته ويوم يخرج الخلائق جيمعا من قبورهم ليستوفوا جزاءهم ، وليجازوا على أعمالهم . من الله - تعالى - الواحد الأحد ، الذى قهر كل شئ وغلبه ، ودانت له الرقاب ، وخضعت له الألباب .
وختمت الآية الكريمة بهذين الوصفين لله - تعالى - للرد على المشركين الذين جعلوا مع الله آلهة أخرى يشركونها معه فى العبادة ، ويتوهمون أن هذه الآية سوف تدافع عنهم يوم القيامة .
وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن أبي عدي ، عن داود ، عن الشعبي ، عن مسروق ، عن عائشة أنها قالت : أنا أول الناس سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية : { يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرْضُ غَيْرَ الأرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ } قالت : قلت : أين الناس يومئذ يا رسول الله ؟ قال : " على الصراط " .
رواه مسلم منفردًا به دون البخاري ، والترمذي ، وابن ماجه ، من حديث داود بن أبي هند ، به{[16007]} وقال الترمذي : حسن صحيح .
ورواه أحمد أيضا ، عن عفان ، عن وهيب{[16008]} عن داود ، عن الشعبي ، عنها{[16009]} ولم يذكر مسروقًا{[16010]} .
وقال قتادة ، عن حسان بن بلال المزني ، عن عائشة ، رضي الله عنها ، أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قول الله : { يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرْضُ غَيْرَ الأرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ } قال : قالت{[16011]} يا رسول الله ، فأين الناس يومئذ ؟ قال : " لقد سألتني{[16012]} عن شيء ما سألني عنه أحد من أمتي ، ذاك أن الناس على جسر جهنم{[16013]}-{[16014]} .
وروى الإمام أحمد ، من حديث حبيب بن أبي عمرة ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، حدثتني عائشة أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عن قوله تعالى : { وَالأرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ } [ الزمر : 67 ] ، فأين الناس يومئذ يا رسول الله ؟ قال : " هم على متن جهنم " {[16015]} .
وقال ابن جرير : حدثنا الحسن ، حدثنا علي بن الجعد ، أخبرني القاسم ، سمعت الحسن قال : قالت عائشة : يا رسول الله ، { يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرْضُ غَيْرَ الأرْضِ } فأين الناس يومئذ ؟ قال : " إن هذا شيء ما سألني عنه أحد " ، قال : " على الصراط يا عائشة " .
ورواه أحمد ، عن عفان{[16016]} عن القاسم بن الفضل ، عن الحسن ، به{[16017]} وقال الإمام مسلم بن الحجاج في صحيحه : حدثني الحسن بن علي الحلواني ، حدثنا أبو تَوْبة الربيع بن نافع ، حدثنا معاوية بن سلام ، عن زيد - يعني : أخاه - أنه سمع أبا سلام ، حدثني أبو أسماء الرَّحَبِي ؛ أن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثه قال : كنت قائما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجاءه{[16018]} حَبر من أحبار اليهود ، فقال : السلام عليك يا محمد . فدفعته دفعة كاد يُصرَع منها ، فقال : لم تدفعني ؟ فقلت : ألا تقول : يا رسول الله ؟ ! فقال اليهودي : إنما ندعوه باسمه الذي سَمّاه به أهله ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن اسمي محمد الذي سماني به أهلي " . فقال اليهودي : جئت أسألك . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أينفعك شيء إن حدثتك ؟ " فقال : أسمع بأذني . فنكت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعود معه ، فقال : " سل " . فقال اليهودي : أين يكون الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هم في الظلمة دون الجسر " {[16019]} قال : فمن أول الناس إجازة ؟ قال : فقال : " [ فقراء ]{[16020]} المهاجرين " . قال اليهودي : فما تُحْفَتهُم حين يدخلون الجنة ؟ قال : " زيادة كبد النون " قال : فما غذاؤهم في أثرها ؟ قال : " ينحر لهم ثور الجنة الذي كان يأكل من أطرافها " . قال : فما شرابهم عليه ؟ قال : " من عين فيها تسمى سلسبيلا " . قال : صدقت . قال : وجئت أسألك عن شيء لا يعلمه أحد من أهل الأرض إلا نبي أو رجل أو رجلان ؟ قال : " أينفعك إن حدثتك ؟ " قال : أسمع بأذني . قال : جئت أسألك عن الولد . قال : " ماء الرجل أبيض وماء المرأة أصفر ، فإذا اجتمعا فَعَلا منيُّ الرجل منيَّ المرأة أذكرا{[16021]} بإذن الله - تعالى - وإذا علا مني المرأة مني الرجل أنَّثا بإذن الله " قال اليهودي : لقد صدقت ، وإنك لنبي . ثم انصرف ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لقد سألني هذا عن الذي سألني عنه ، وما لي علم بشيء منه ، حتى أتاني الله به " {[16022]} .
[ و ]{[16023]} قال أبو جعفر بن جرير الطبري : حدثني ابن عوف ، حدثنا أبو المغيرة ، حدثنا ابن أبي مريم ، حدثنا سعيد بن ثوبان الكَلاعي ، عن أبي أيوب الأنصاري ، قال : أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم حَبْر من اليهود فقال : أرأيت إذ يقول الله في كتابه : { يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرْضُ غَيْرَ الأرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ } فأين الخَلْق عند ذلك ؟ فقال : " أضياف الله ، فلن يعجزهم ما لديه " {[16024]} .
ورواه ابن أبي حاتم ، من حديث أبي بكر بن عبد الله بن أبي مريم ، به .
وقال شعبة : أخبرنا أبو إسحاق ، سمعت عمرو بن ميمون - وربما قال : قال عبد الله ، وربما لم يقل - فقلت له : عن عبد الله ؟ فقال : سمعت عمرو بن ميمون يقول : { يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرْضُ غَيْرَ الأرْضِ } قال : أرض كالفضة البيضاء نقية ، لم يسفك فيها دم ، ولم يعمل عليها{[16025]} خطيئة ، ينفذهم البصر ، ويسمعهم الداعي ، حفاةً عراة كما خلقوا . قال : أراه قال : قياما حتى يُلجِمَهم العرق{[16026]} .
وروي من وجه آخر عن شعبة عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن ميمون ، عن ابن مسعود ، بنحوه . وكذا رواه عاصم ، عن زرّ ، عن ابن مسعود ، به .
وقال سفيان الثوري ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن ميمون ، لم يخبر به . أورد ذلك كله ابن جرير{[16027]} .
وقد قال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا محمد بن عبد الله بن عُبَيد بن عَقِيل ، حدثنا سهل بن حماد أبو عتاب ، حدثنا جرير بن أيوب ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن ميمون ، عن عبد الله ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قول الله ، عز وجل : { يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرْضُ غَيْرَ الأرْضِ } قال : " أرض بيضاء لم يسقط عليها دم{[16028]} ولم يعمل عليها خطيئة " . ثم قال : لا نعلم رفعه إلا جرير بن أيوب ، وليس بالقوي{[16029]} .
ثم قال ابن جرير : حدثنا أبو كريب ، حدثا معاوية بن هشام ، عن سنان{[16030]} عن جابر الجُعْفي ، عن أبي جُبَيرة{[16031]} عن زيد قال : أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليهود فقال : " هل تدرون لم أرسلت إليهم ؟ " قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : " أرسلت إليهم أسألهم عن قول الله : { يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرْضُ غَيْرَ الأرْضِ } إنها تكون يومئذ بيضاء مثل الفضة " . فلما جاءوا سألهم فقالوا : تكون بيضاء مثل النَّقِي{[16032]} .
وهكذا رَوى عن علي ، وابن عباس ، وأنس بن مالك ، ومجاهد بن جبير : أنها تبدل يوم القيامة بأرض من فضة .
وعن علي ، رضي الله عنه ، أنه قال : تصير الأرض فضة ، والسموات ذهبا .
وقال الربيع : عن أبي العالية ، عن أبي بن كعب قال : تصير السموات جنانا .
وقال أبو مِعْشر ، عن محمد بن كعب القرظي ، أو عن محمد بن قيس في قوله : { يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرْضُ غَيْرَ الأرْضِ } قال : [ تبدل ]{[16033]} خبزة يأكل منها المؤمنون{[16034]} من تحت أقدامهم{[16035]} .
وكذا رَوَى وَكِيع ، عن عمر بن بشير الهمداني ، عن سعيد بن جبير في قوله : { يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرْضُ غَيْرَ الأرْضِ } قال : تبدل خبزة بيضاء ، يأكل المؤمن من تحت قدميه .
وقال الأعمش ، عن خَيْثَمة قال : قال عبد الله - هو ابن مسعود - : الأرض كلها يوم القيامة{[16036]} نار ، والجنة من ورائها ترى كواعبها وأكوابها ، ويُلجِمُ الناس العرقُ ، أو يبلغ منهم العرق ، ولم يبلغوا الحساب .
وقال الأعمش أيضًا ، عن المِنْهَال بن عمرو ، عن قيس بن السكن{[16037]} قال : قال عبد الله : الأرض كلها نار يوم القيامة ، [ و ]{[16038]} الجنة من ورائها ، ترى أكوابها وكواعبها ، والذي نفس عبد الله بيده ، إن الرجل ليفيض عرقا حتى ترسخ{[16039]} في الأرض قدمه ، ثم يرتفع حتى يبلغ أنفه ، وما مسه الحساب . قالوا{[16040]} مم ذاك يا أبا عبد الرحمن ؟ قال : مما يرى الناس يلقون{[16041]} .
وقال أبو جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، عن كعب في قوله : { يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرْضُ غَيْرَ الأرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ } قال : تصير السموات جنانا ، ويصير مكان البحر نارًا ، وتبدل الأرض غيرها .
وفي الحديث الذي رواه أبو داود : " لا يركب البحر إلا غاز أو حاج أو معتمر ، فإن تحت البحر نارا - أو : تحت النار بحرا " . {[16042]}
وفي حديث الصور المشهور المروي عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " تبدل الأرض غير الأرض والسموات ، فيبسطها ويمدها مد الأديم العكاظي ، لا ترى فيها عوجا ولا أمتا ، ثم يزجر الله الخلق زجرة ، فإذا هم في هذه المبدلة " {[16043]} .
وقوله : { وَبَرَزُوا لِلَّهِ } أي : خرجت الخلائق جميعها من قبورهم لله { الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ } أي : الذي قهر كل شيء وغلبه ، ودانت له الرقاب ، وخضعت له الألباب .
القول في تأويل قوله تعالى : { يَوْمَ تُبَدّلُ الأرْضُ غَيْرَ الأرْضِ وَالسّمَاوَاتُ وَبَرَزُواْ للّهِ الْوَاحِدِ الْقَهّارِ } .
يقول تعالى ذكره : إن الله ذو انتقام يَوْمَ تُبَدّلُ الأرْضِ والسّمَوَاتُ من مشركي قومك يا محمد من قريش ، وسائر من كفر بالله وجحده نبوّتك ونبوّة رسله من قبلك . ف «يوم » من صلة «الانتقام » .
واختلف في معنى قوله : يَوْمَ تُبَدّلُ الأرْضُ غيرَ الأرْضِ فقال بعضهم : معنى ذلك : يوم تبدّل الأرض التي عليها الناس اليوم في دار الدنيا غير هذه الأرض ، فتصير أرضا بيضاء كالفضة . ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن أبي إسحاق ، قال : سمعت عمرو بن ميمون يحدّث ، عن عبد الله أنه قال في هذه الاَية : يَوْمَ تُبَدّلُ الأرْضُ غيرَ الأرْضِ والسّمَوَاتُ قال : أرض كالفضة نقية لم يَسِل فيها دم ، ولم يُعْمَل فيها خطيئة ، يسمعهم الداعي ، وينفُذُهم البصر ، حُفاة عُراة قياما أحسب قال : كما خُلِقوا ، حتى يلجمهم العرق قياما وَحْدَه .
قال : شعبة : ثم سمعته يقول : سمعت عمرو بن ميمون ، ولم يذكر عبد الله ثم عاودته فيه ، قال : حدثنيه هبيرة ، عن عبد الله .
حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا يحيى بن عباد ، قال : أخبرنا شعبة ، قال : أخبرنا أبو إسحاق ، قال : سمعت عمرو بن ميمون وربما قال : قال عبد الله : وربما لم يقل ، فقلت له : عن عبد الله ؟ قال : سمعت عمرو بن ميمون يقول : يَوْمَ تُبَدّلُ الأرْضُ غيرَ الأرْضِ قال : أرض كالفضة بيضاء نقية ، لم يسل فيها دم ، ولم يعمل فيها خطيئة ، فينفُذُهم البصر ، ويسمعهم الداعي ، حفاة عُراة كما خُلِقوا . قال : أراه قال : قياما حتى يُلجمهم العرق .
حدثنا الحسن ، قال : حدثنا شبابة ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن ميمون ، عن ابن مسعود ، قوله : يَوْمَ تُبَدّلُ الأرْضُ غيرَ الأرْضِ والسّمَوَاتُ قال : تبدّل أرضا بيضاء نقية كأنها فضة ، لم يسفك فيها دم حرام ، ولم يُعمَل فيها خطيئة .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا مسلم بن إبراهيم ، قال : أخبرنا شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن ميمون عن عبد الله ، في قوله : يَوْمَ تُبَدّلُ الأرْضُ غيرَ الأرْضِ قال : أرض الجنة بيضاء نقية ، لم يُعمل فيها خطيئة ، يسمعهم الداعي ، وينفذهم البصر ، حفاة عراة قياما يلجمهم العرق .
حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن ميمون : يَوْمَ تُبَدّلُ الأرْضُ غيرَ الأرْضِ قال : أرض بيضاء كالفضة لم يسفك فيها دم حرام ، ولم يُعمل فيها خطيئة .
حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا يحيى بن عباد ، قال : حدثنا حماد بن زيد ، قال : أخبرنا عاصم بن بَهْدلة ، عن زِرّ بن حُبيش ، عن عبد الله بن مسعود ، أنه تلا هذه الاَية : يَوْمَ تُبَدّلُ الأرْضُ غيرَ الأرْضِ والسّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلّهِ الوَاحِدِ القَهّارِ قال : يجاء بأرض بيضاء كأنها سبيكة فضة لم يُسْفك فيها دم ، ولم يُعمل عليها خطيئة ، قال : فأوّل ما يحكم بين الناس فيه في الدماء .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا معاوية بن هشام ، عن سنان ، عن جابر الجُعفيّ ، عن أبي جبيرة ، عن زيد ، قال : أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليهود ، فقال : «هَلْ تَدْرُونَ لِمَ أرْسَلْتُ إلَيْهِمْ ؟ » قالوا : الله ورسوله أعمل . قال : «فإنّي أرْسَلْتُ إلَيْهِمْ أسألُهُمْ عَنْ قَوْلِ اللّهِ يَوْمَ تُبَدّلُ الأرْضُ غيرَ الأرْضِ إنّها تَكُونُ يَوْمَئذٍ بَيْضَاءَ مثْلَ الفضّةِ » . فلما جاءوا سألهم ، فقالوا : تكون بيضاء مثل النقيّ .
حدثنا أبو إسماعيل الترمذي ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني ابن لهيعة ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن سنان بن سعد ، عن أنس بن مالك ، أنه تلا هذه الاَية : يَوْمَ تُبَدّلُ الأرْضُ غيرَ الأرْضِ قال : يبدّلها الله يوم القيامة بأرض من فضة لم يُعمل عليها الخطايا ، ينزلها الجبّار تبارك تعالى .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء وحدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا شبابة ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : يَوْمَ تُبَدّلُ الأرْضُ غيرَ الأرْضِ قال : أرض كأنه الفضة . زاد الحسن في حديثه عن شبابة : والسموات كذلك أيضا كأنها الفضة .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : يَوْمَ تُبَدّلُ الأرْضُ غيرَ الأرْضِ قال : أرض كأنها الفضة ، والسموات كذلك أيضا .
حدثنا ابن البرقي ، قال : حدثنا ابن أبي مريم ، قال : أخبرنا محمد بن جعفر ، قال : ثني أبو حازم ، قال : سمعت سهل بن سعد يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «يُحْشَرُ النّاسُ يَوْمَ القيامَةِ على أرْضٍ بَيْضَاءَ عَفْرَاءَ كَقُرْصَةِ النّقِيّ » . قال سهل أو غيره : «لَيْسَ فيها مَعْلَمٌ لغَيْرِهِ » .
وقال آخرون : تبدّل نارا . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن فضيل ، عن الأعمش ، عن المنهال بن عمرو ، عن قيس بن السّكْن ، قال : قال عبد الله : الأرض كلها نار يوم القيامة ، والجنة من ورائها ترى أكوابها وكواعبها والذي نفس عبد الله بيده ، إن الرجل ليفيض عرقا حتى يرشح في الأرض قدمه ، ثم يرتفع حتى يبلغ أنفه وما مسه الحساب فقالوا : مم ذاك يا أبا عبد الرحمن ؟ قال : مما يرى الناس ويلقون .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنَا عبد الرحمن ، قال : حدثنا أبو سفيان ، عن الأعمش ، عن خيثمة ، قال : قال عبد الله : الأرض كلها يوم القيامة نار ، والجنة من ورائها ترى كواعبها وأكوابها ، ويلجم الناس العرق ، أو يبلغ منهم العرق ، ولم يبلغوا الحساب .
وقال آخرون : بل تبدّل الأرض أرضا من فضة . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، قال : سمعت المغيرة بن مالك يحدّث عن المجاشع أو المجاشعي ، شكّ أبو موسى عمن سمع عليّا يقول في هذه الاَية : يَوْمَ تُبَدّلُ الأرْضُ غيرَ الأرْضِ قال : الأرض من فضة ، والجنة من ذهب .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن شعبة ، عن المغيرة بن مالك ، قال : ثني رجل من بني مجاشع ، يقال له عبد الكريم أو ابن عبد الكريم قال : ثني هذا الرجل أراه بسمرقند ، أنه سمع عليّ بن أبي طالب قرأ هذه الاَية : يَوْمَ تُبَدّلُ الأرْضُ غيرَ الأرْضِ قال : الأرض من فضة ، والجنة من ذهب .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن شعبة ، عن مغيرة بن مالك ، عن رجل من بني مجاشع ، يقال له عبد الكريم أو يكنى أبا عبد الكريم قال : أقامني على رجل بخراسان ، فقال : حدثني هذا أنه سمع عليّ بن أبي طالب ، فذكر نحوه .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : يَوْمَ تُبَدّلُ الأرْضُ غيرَ الأرْضِ . . . الاَية ، فزعم أنها تكون فضة .
حدثنا محمد بن إسماعيل ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني ابن لهيعة ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن سنان بن سعد ، عن أنس بن مالك قال : يبدّلها الله يوم القيامة بأرض من فضة .
وقال آخرون : يبدّلها خبزة . ذكر من قال ذلك :
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو سعيد بن دلّ من صغانيان ، قال : حدثنا الجارود بن معاذ الترمِذِيّ ، قال : حدثنا وكيع بن الجرّاح ، عن عمر بن بشر الهمداني ، عن سعيد بن جبير ، في قوله : يَوْمَ تُبَدّلُ الأرْضُ غيرَ الأرْضِ قال : تبدّل خبزة بيضاء يأكل المؤمن من تحت قدميه .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا وكيع ، عن أبي معشر ، عن محمد بن كعب القرظي ، أو عن محمد بن قيس : يَوْمَ تُبَدّلُ الأرْضُ غيرَ الأرْضِ قال : خبزة يأكل منها المؤمنون من تحت أقدامهم .
وقال آخرون : تبدّل الأرض غير الأرض . ذكر من قال ذلك :
حدثنا عليّ بن سهل ، قال : حدثنا حجاج بن محمد ، قال : حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع بن أنس ، عن كعب في قوله : يَوْمَ تُبَدّلُ الأرْضُ غيرَ الأرْضِ والسّمَوَاتُ قال : تصير السموات جنانا ويصير مكان البحر النار . قال : وتبدّل الأرض غيرها .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربيّ ، عن إسماعيل بن رافع المدنيّ ، عن يزيد ، عن رجل من الأنصار ، عن محمد بن كعب القرظي ، عن رجل من الأنصار ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «يُبَدّلُ اللّهُ الأرْضَ غيرَ الأرْضِ والسّمَوَاتِ ، فَيَبْسُطُها ويَسْطَحُها ويَمُدّها مَدّ الأدِيمِ العُكاظِيّ ، لا تَرَى فيها عِوَجا وَلا أمْتا ، ثُمّ يَزْجُرُ اللّهُ الخَلْقَ زَجْرَةً ، فإذَا هُمْ فِي هذِهِ المُبَدّلَةِ فِي مِثْلِ مَوَاضِعِهِمْ مِنَ الأُولى ، ما كانَ فِي بَطْنها فَفي بَطْنِها وَما كانَ على ظَهْرِها كانَ على ظَهْرِها ، وَذلكَ حينَ يَطْوِي السموَاتِ كَطَيّ السّجلّ للْكِتابِ ، ثُمّ يَدْحُو بهما ، ثُمّ تُبَدّلُ الأرْضُ غيرَ الأرْضِ والسّمَوَاتُ » .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا الحكم بن بشير ، قال : حدثنا عمرو بن قيس ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن ميمون الأودي ، قال : يجمع الناس يوم القيامة في أرض بيضاء ، لم يُعمل فيها خطيئة مقدار أربعين سنة يلجمهم العرق .
حدثنا ابن أبي الشوارب وحميد بن مسعدة وابن بزيع ، قالوا : حدثنا يزيد بن زريع ، عن داود ، عن عامر ، عن عائشة ، قالت : قلت : يا رسول الله ، إذا بدّلَت الأرض غير الأرض ، وبرزوا الله الواحد القهّار ، أين الناس يومئذٍ ؟ قال : «عَلى الصّرَاطِ » .
حدثنا حميد بن مسعدة وابن بزيع ، قال : حدثنا بشر بن المفضل ، قال : حدثنا داود ، عن عامر ، عن عائشة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم نحوه .
حدثني إسحاق بن شاهين ، قال : حدثنا خالد ، عن داود ، عن عامر ، عن مسروق ، قال : قلت لعائشة : يا أمّ المؤمنين أرأيتِ قول الله : يَوْمَ تُبَدّلُ الأرْضُ غيرَ الأرْضِ والسّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلّهِ الوَاحِد القَهّارِ أين الناس يومئذٍ ؟ فقالت : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، فقال : «عَلى الصّرَاطِ » .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا الحسن بن عنبسة الورّاق ، قال : حدثنا عبد الرحيم ، يعني ابن سليمان الرازي عن داود بن أبي هند ، عن عامر ، عن مسروق ، عن عائشة ، قالت : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عن قول الله : يَوْمَ تُبَدّلُ الأرْضُ غيرَ الأرْضِ قلت : يا رسول الله ، إذا بُدّلت الأرض غير الأرض ، أين يكون الناس ؟ قال : «عَلى الصّرَاطِ » .
حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا عاصم بن عليّ ، قال : حدثنا إسماعيل بن زكريا ، عن داود ، عن عامر ، عن مسروق ، عن عائشة بنحوه .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا عبد الأعلى ، قال : حدثنا داود ، عن عامر ، عن عائشة أمّ المؤمنين قالت : أنا أوّل الناس سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الاَية » ثم ذكر نحوه .
حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا ربعيّ بن إبراهيم الأسدي أخو إسماعيل بن إبراهيم ، عن داود بن أبي هند ، عن عامر ، قال : قالت عائشة : يا رسول الله ، أرأيت إذا بُدّلت الأرض غير الأرض ، أين الناس يومئذٍ ؟ قال : «عَلى الصّراط » .
حدثنا الحسن ، قال : حدثنا عليّ بن الجَعْد ، قال : أخبرني القاسم ، قال : سمعت الحسن ، قال : قالت عائشة : يا رسول الله يَوْمَ تُبَدّلُ الأرْضُ غيرَ الأرْضِ فأين الناس يومئذٍ ؟ قال : «إنّ هذَا الشّيْءَ ما سألَنِي عَنْهُ أحَدٌ » ، قال : «عَلى الصّرَاطِ يا عائِشَةُ » .
حدثنا الحسن ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم ، قال : ثني الوليد ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن حسان بن بلال المزنيّ ، عن عائشة : أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عن قول الله : يَوْمَ تُبَدّلُ الأرْضُ غيرَ الأرْضِ والسّمَوَاتُ قال : قالت : يا رسول الله ، فأين الناس يومئذٍ ؟ قال : «لَقَدْ سألْتِني عَنْ شَيْءٍ ما سألَنِي عَنْهُ أحَدٌ مِنْ أُمّتِي ، ذَاكَ إذَا النّاسُ على جَسْرِ جَهَنّمَ » .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : يَوْمَ تُبَدّلُ الأرْضُ غيرَ الأرْضِ والسّمَوَاتُ ذُكر لنا أن عائشة قالت : يا رسول الله : فأين الناس يومئذٍ ؟ فقال : «لَقَدْ سألْتِ عَنْ شَيْءٍ ما سألَنِي عَنْه أحَدٌ مِنْ أُمّتِي قَبْلَكِ » . قال : «هُمْ يَوْمَئِذٍ على جِسْرِ جَهَنّمَ » .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، أن عائشة سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذكر نحوه ، إلاّ أنه قال : «عَلى الصّرَاطِ » .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أسماء ، عن ثوبان ، قال : سأل حبر من اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : أين الناس يوم تبدّل الأرض غير الأرض ؟ قال : «هُمْ فِي الظّلْمَةِ دُون الجَسْرِ » .
حدثني محمد بن عون ، قال : حدثنا أبو المغيرة ، قال : حدثنا ابن أبي مريم ، قال : حدثنا سعيد بن ثوبان الكلاعي ، عن أبي أيوب الأنصاريّ ، قال : أتى النبيّ صلى الله عليه وسلم حبرٌ من اليهود ، وقال : أرأيت إذ يقول الله في كتابه : يَوْمَ تُبَدّلُ الأرْضُ غيرَ الأرْضِ والسّمَوَاتُ فأين الخلق عند ذلك ؟ قال : «أضْيافُ اللّهِ فَلَنْ يُعْجِزَهُمْ ما لَدَيْهِ » .
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب ، قول من قال : معناه : يوم تبدّل الأرض التي نحن عليها اليوم يوم القيامة غيرَها ، وكذلك السموات اليوم تبدّل غيرها ، كما قال جلّ ثناؤه . وجائز أن تكون المبدلة أرضا أخرى من فضة ، وجائز أن تكون نارا وجائز أن تكون خبزا ، وجائز أن تكون غير ذلك ، ولا خبر في ذلك عندنا من الوجه الذي يجب التسليم له أيّ ذلك يكون ، فلا قول في ذلك يصحّ إلاّ ما دلّ عليه ظاهر التنزيل .
وبنحو ما قلنا في معنى قوله : والسّمَوَاتُ قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : يَوْمَ تُبَدّلُ الأرْضُ غيرَ الأرْضِ قال : أرضا كأنها الفضة والسّمَوَاتُ كذلك أيضا .
وقوله : وَبَرَزُوا لِلّهِ الوَاحِدِ القَهّارِ يقول : وظهروا لله المنفرد بالربوبية ، الذي يقهر كلّ شيء فيغلبه ويصرفه لما يشاء كيف يشاء ، فيحيي خلقه إذا شاء ، ويميتهم إذا شاء ، لا يغلبه شيء ، ولا يقهره من قبورهم أحياء لموقف القيامة .
{ يوم تُبدّل الأرض غير الأرض } بدل من { يوم يأتيهم } أو ظرف للانتقام ، أو مقدر باذكر أو لا يخلف وعده . ولا يجوز أن ينتصب بمخلف لأن ما قبل أن لا يعمل فيما بعده . { والسماوات } عطف على الأرض وتقديره والسماوات غير السماوات ، والتبديل يكون في الذات كقولك : بدلت الدراهم دنانير وعليه قوله : { بدلناهم جلودا غيرها } وفي الصفة كقولك بدلت الحلقة خاتما إذا أذبتها وغيرت شكلها ، وعليه قوله : { يبدل الله سيئاتهم حسنات } ولآية تحتملهما ، فعن علي رضي الله تعالى عنه : تبدل أرضا من فضة وسماوات من ذهب ، وعن ابن مسعود وأنس رضي الله تعالى عنهما : يحشر الناس على أرض بيضاء لم يخطئ عليها أحد خطيئة ، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : هي تلك الأرض وإنما تغير صفاتها . ويدل عليه ما روى أبو هريرة رضي الله تعالى عنه أنه عليه الصلاة والسلام قال : " تبدل الأرض غير الأرض فتبسط وتمد مد الأديم العكاظي " { لا ترى فيها عوجا ولا أمتاً } واعلم أنه لا يلزم على الوجه الأول أن يكون الحاصل بالتبديل أرضا وسماء على الحقيقة ، ولا يبعد على الثاني أن يجعل الله الأرض جهنم والسماوات الجنة على ما أشعر به قوله تعالى { كلا إن كتاب الأبرار لفي عليين } وقوله : { إن كتاب الفجار لفي سجين } . { وبرزوا } من أجداثهم { لله الواحد القهار } لمحاسبته ومجازاته ، وتوصيفه بالوصفين للدلالة على أن الأمر في غاية الصعوبة كقوله : { لمن الملك اليوم لله الواحد القهار } فإن الأمر إذا كان لواحد غلاب لا يغالب فلا مستغاث لأحد إلى غيره ولا مستجار .
وقوله : { يوم تبدل الأرض } الآية ، { يوم } ظرف للانتقام المذكور قبله . ورويت في «تبديل الأرض » أقوال ، منها في الصحيح : أن الله يبدل هذه الأرض بأرض عفراء بيضاء كأنها قرصة نقي ، وفي الصحيح : أن الله يبدلها خبزة يأكل المؤمن منها من تحت قدميه{[7107]} . وروي أنها تبدل أرضاً من فضة . وروي : أنها أرض كالفضة من بياضها{[7108]} . وروي أنها تبدل من نار{[7109]} . وقال بعض المفسرين : تبديل الأرض : هو نسف جبالها وتفجير بحارها وتغييرها حتى لا يرى فيها عوج ولا أمت : فهذه حال غير الأولى ، وبهذا وقع التبديل .
قال القاضي أبو محمد : وسمعت من أبي رضي الله عنه : أنه روي : أن التبديل يقع في الأرض ، ولكن يبدل لكل فريق بما تقتضيه حاله ، فالمؤمن يكون على خبز يأكل منه بحسب حاجته إليه ، وفريق يكون على فضة - إن صح السند بها - وفريق الكفرة يكونون على نار . ونحو هذا مما كله واقع تحت قدرة الله تعالى .
وأكثر المفسرين على أن التبديل يكون بأرض بيضاء عفراء لم يعص الله فيها . ولا سفك فيها دم ، وليس فيها معلم لأحد ، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : «المؤمنون وقت التبديل في ظل العرش »{[7110]} ، وروي عنه أنه قال : «الناس وقت التبديل على الصراط »{[7111]} ، وروي أنه قال «الناس حينئذ أضياف الله فلا يعجزهم ما لديه »{[7112]} .
و { برزوا } مأخوذ من البراز ، أي ظهروا بين يديه لا يواريهم بناء ولا حصن . وقوله : { الواحد القهار } صفتان لائقتان بذكر هذه الحال .
استئناف لزيادة الإنذار بيوم الحساب ، لأن في هذا تبيين بعض ما في ذلك اليوم من الأهوال ؛ فلك أن تجعل { يوم تبدل الأرض } متعلقاً بقوله : { سريع الحساب } قُدّم عليه للاهتمام بوصف ما يحصل فيه ، فجاء على هذا النظم ليحصل من التشويق إلى وصف هذا اليوم لما فيه من التهويل .
ولك أن تجعله متعلقاً بفعل محذوف تقديره : اذكُرْ يوم تبدل الأرض ، وتجعل جملة { إن الله سريع الحساب } على هذا تذييلاً .
ولك أن تجعله متعلقاً بفعل محذوف دل عليه قوله : { ليجزي الله كل نفس ما كسبت } . والتقدير يجزي اللّهُ كلّ نفس بما كسبت يومَ تبدل الأرض . . الخ .
وجملة { إن الله سريع الحساب } تذييل أيضاً .
والتبديل : التغيير في شيء إما بتغيير صفاته ، كقوله تعالى : { فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات } [ سورة الفرقان : 70 ] ، وقولك : بدلتُ الحَلقة خاتماً وإما بتغيير ذاته وإزالتها بذات أخرى ، كقوله تعالى : { بدلناهم جلوداً غيرها } [ سورة النساء : 56 ] ، وقوله : { وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط } [ سورة سبأ : 16 ] .
وتبديل الأرض والسماوات يوم القيامة : إما بتغيير الأوصاف التي كانت لها وإبطال النُظم المعروفة فيها في الحياة الدنيا ، وإما بإزالتها ووجدان أرض وسماوات أخرى في العالم الأخروي . وحاصل المعنى استبدال العالم المعهود بعالم جديد .
ومعنى { وبرزوا لله الواحد القهار } مثل ما ذكر في قوله : { وبرزوا لله جميعاً } [ سورة إبراهيم : 21 ] . والوصف { بالواحد القهار } للرد على المشركين الذين أثبتوا له شركاء وزعموا أنهم يدافعون عن أتباعهم . وضمير { برزوا } عائد إلى معلوم من السياق ، أي وبرز الناس أو برز المشركون .