تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ بِٱلۡحَقِّۖ وَيَوۡمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُۚ قَوۡلُهُ ٱلۡحَقُّۚ وَلَهُ ٱلۡمُلۡكُ يَوۡمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِۚ عَٰلِمُ ٱلۡغَيۡبِ وَٱلشَّهَٰدَةِۚ وَهُوَ ٱلۡحَكِيمُ ٱلۡخَبِيرُ} (73)

{ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ } ليأمر العباد وينهاهم ، ويثيبهم ويعاقبهم ، { وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ } الذي لا مرية فيه ولا مثنوية ، ولا يقول شيئا عبثا { وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ } أي : يوم القيامة ، خصه بالذكر –مع أنه مالك كل شيء- لأنه تنقطع فيه الأملاك ، فلا يبقى ملك إلا الله الواحد القهار . { عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ } الذي له الحكمة التامة ، والنعمة السابغة ، والإحسان العظيم ، والعلم المحيط بالسرائر والبواطن والخفايا ، لا إله إلا هو ، ولا رب سواه .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ بِٱلۡحَقِّۖ وَيَوۡمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُۚ قَوۡلُهُ ٱلۡحَقُّۚ وَلَهُ ٱلۡمُلۡكُ يَوۡمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِۚ عَٰلِمُ ٱلۡغَيۡبِ وَٱلشَّهَٰدَةِۚ وَهُوَ ٱلۡحَكِيمُ ٱلۡخَبِيرُ} (73)

وقوله { وَهُوَ الذي خَلَقَ السماوات والأرض بالحق } معطوف على قوله { وَهُوَ الذي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } .

قال الآلوسى : " ولعله أريد بخلقهما خلق ما فيهما - أيضاً - وعدم التصريح بذلك لظهور اشتمالها على جميع المعلومات والسفليات .

وقوله " بالحق " متعلق بمحذوف وقع حالا من فاعل " خلق " أى : قائما بالحق ، وجوز أن يكون صفة لمصدر الفعل المؤكد أى : خلقا متلبسا بالحق " .

والحق فى الأصل مصدر حق إذا ثبت ، ثم صار اسما للأمر الثابت الذى لا ينكر ، وهو ضد الباطل .

وقوله { وَيَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ قَوْلُهُ الحق } أى : وقضاؤه المعروف بالحقيقة كائن ، حين يقول - سبحانه - لشىء من الأشياء " كن فيكون " ذلك الشىء يحدث .

و { وَيَوْمَ } خبر مقدم ، و { قَوْلُهُ } مبتدأ مؤخر ، و { الحق } صفته .

والجملة الكريمة بيان لقدرته - تعالى - على حشر المخلوقات بكون مراده لا يتخلف عن أمره ، وإن قوله هو النافذ وأمره هو الواقع قال - تعالى - { إِنَّمَآ أَمْرُهُ إِذَآ أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ } وفى قوله { قَوْلُهُ الحق } صيغة قصر للمبالغة أى : هو الحق الكامل ، لأن أقوال غيره وإن كان فيها كثير من الحق فهى معرضة للخطأ وما كان فيها غير معرض للخطأ فهو من وحى الله أو من نعمته بالعقل والإصابة للحق .

وقوله { وَلَهُ الملك يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصور } أى : أن الملك لله تعالى وحده فى ذلك اليوم فلا ملك لأحد سواه .

قال أبو السعود : " وتقييد اختصاص الملك له - تعالى - بذلك اليوم مع عموم الاختصاص لجميع الأوقات لغاية ظهور ذلك بانقطاع العلائق المجازية الكائنة فى الدنيا المصححة للمالكية المجازية فى الجملة ، فهو كقوله - تعالى - { لِّمَنِ الملك اليوم لِلَّهِ الواحد القهار } وقوله { الملك يَوْمَئِذٍ الحق للرحمن } المراد " بالصور " القرن الذى ينفخ فيه الملك نفخة الصعق والموت ، ونفخة البعث والنشور والله أعلم بحقيقته .

وروى الإمام أحمد عن عبد الله بن عمرو قال : إن أعرابياً سأل النبى صلى الله عليه وسلم عن الصور فقال : " قرن ينفخ فيه " رواه أبو داود والترمذى والحاكم عنه أيضاً .

وقيل المراد بالصور هنا جمع صورة والمراد بها الأبدان أى : يوم ينفخ فى صور الموجودات فتعود إلى الحياة .

ثم ختمت الآية بما يدل على سعة علم الله - تعالى - وعظم إتقانه فى صنعه فقال - تعالى - : { عَالِمُ الغيب والشهادة وَهُوَ الحكيم الخبير } .

الغيب : ما غاب عن الناس فلم يدركوه ، الشهادة : ضد الغيب وهى الأمور التى يشاهدها الناس ويتوصلون إلى عملها .

وصفة { الحكيم } تجمع إتقان الصنع فدل على عظم القدرة مع تعلق العلم بالمصنوعات . وصفى { الخبير } تجمع العلم بالمعلومات ظاهرها وخفيها .

أى : فهو - سبحانه - وحده العالم بأحوال جميع الموجودات ما غاب منها وما هو مشاهد ، وهو ذو الحكمة فى جميع أفعاله والعالم بالأمور الجلية والخفية .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ بِٱلۡحَقِّۖ وَيَوۡمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُۚ قَوۡلُهُ ٱلۡحَقُّۚ وَلَهُ ٱلۡمُلۡكُ يَوۡمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِۚ عَٰلِمُ ٱلۡغَيۡبِ وَٱلشَّهَٰدَةِۚ وَهُوَ ٱلۡحَكِيمُ ٱلۡخَبِيرُ} (73)

( وهو الذي خلق السماوات والأرض بالحق ) . .

وهذه حقيقة أخرى تحشد كمؤثر آخر . . فالله الذي يؤمرون بالاستسلام له هو الذي خلق السماوات والأرض - والذي يخلق يملك ويحكم ويقضي ويتصرف - ولقد خلق السماوات والأرض ( بالحق ) . فالحق قوام هذا الخلق . . وفضلا عما يقرره هذا النص من نفي الأوهام التي عرفتها الفلسفة عن هذا الكون - وبخاصة الأفلاطونية والمثالية - من أن هذا العالم المحسوس وهم لا وجود له على الحقيقة ! - فضلا على تصحيح مثل هذه التصورات ، فإن النص يوحي بأن الحق أصيل في بنية هذا الكون ، وفي مآلاته كذلك . فالحق الذي يلوذ به الناس يستند إلى الحق الكامن في فطرة الوجود وطبيعته ، فيؤلف قوة هائلة ، لا يقف لها الباطل ، الذي لا جذور له في بنية الكون ، وإنما هو كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار . وكالزبد يذهب جفاء ، إذ لا أصالة له في بناء الكون . . كالحق . . وهذه حقيقة ضخمة ، ومؤثر كذلك عميق . .

إن المؤمن الذي يشعر أن الحق الذي معه - هو شخصيا وفي حدود ذاته - إنما يتصل بالحق الكبير في كيان هذا الوجود . [ وفي الآية الأخرى : ( ذلك بأن الله هو الحق ) ] فيتصل الحق الكبير الذي في الوجود بالحق المطلق في الله سبحانه . . إن المؤمن الذي يشعر بهذه الحقيقة على هذا النحو الهائل ، لا يرى في الباطل - مهما تضخم وانتفخ وطغى وتجبر وقدر على الأذى المقدر - إلا فقاعة طارئة على هذا الوجود ؛ لا جذور لها ولا مدد ؛ تنفثى ء من قريب ، وتذهب كأن لم تكن في هذا الوجود .

كما أن غير المؤمن يرتجف حسه أمام تصور هذه الحقيقة . وقد يستسلم ويثوب ! ( ويوم يقول : كن فيكون ) . .

فهو السلطان القادر ، وهي المشيئة الطليقة ، في الخلق والإبداع والتغيير والتبديل . . وعرض هذه الحقيقة - فضلا على أنه من عمليات البناء للعقيدة في قلوب المؤمنين - هو كذلك مؤثر موح في نفوس الذين يدعون إلى الاستسلام لله رب العالمين الخالق بالحق . . الذي يقول : كن فيكون . ( قوله الحق ) . .

سواء في القول الذي يكون به الخلق : ( كن فيكون ) . أو في القول الذي يأمر به بالاستسلام له وحده . أو في القول الذي يشرع به للناس حين يستسلمون . أو في القول الذي يخبر به عن الماضي والحاضر والمستقبل . وعن الخلق والنشأة والحشر والجزاء .

قوله الحق في هذا كله . . فأولى أن يستسلم له وحده من يشركون به ما لا ينفع ولا يضر من خلقه . ومن يتبعون قول غيره كذلك وتفسيره للوجود وتشريعه للحياة . في أي اتجاه .

( وله الملك يوم ينفخ في الصور ) . .

ففي هذا اليوم يوم الحشر . . يوم ينفخ في الصور [ هو القرن المجوف كالبوق ] وهو اليوم الذي يكون فيه البعث والنشر ؛ بكيفية غيبية لا يعلمها البشر ، فهي من غيب الله الذي احتفظ به . والصور كذلك غيب من ناحية ماهيته وحقيقته ، ومن ناحية كيفية استجابة الموتى له ، والروايات المأثورة ؛ تقول : هو بوق من نور ينفخ فيه ملك ، فيسمع من في القبور ، حيث يهبون للنشور - وهذه هي النفخة الثانية - أما الأولى فيصعق لهامن في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله كما جاء في آية الزمر : ( ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض - إلا من شاء الله - ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون ) . . وهذه الأوصاف للصور ولآثار النفخة فيه تعطينا - عن يقين - أنه على غير ما يمكن أن يكون البشر قد عهدوه في هذه الأرض أو تصوروه . . وهو من ثم غيب من غيب الله . . نعلمه بقدر ما أعطانا الله من وصفه وأثره ، ولا نتجاوز هذا القدر الذي لا أمان في تجاوزه ، ولا يقين . إنما هي الظنون !

في هذا اليوم الذي ينفخ فيه في الصور يبرز - حتى للمنكرين - ويظهر - حتى للمطموسين - أن الملك لله وحده ، وأنه لا سلطان إلا سلطانه ، ولا إرادة إلا إرادته . . فأولى لمن يأبون الاستسلام له في الدنيا طائعين أن يستسلموا قبل أن يستسلموا لسلطانه المطلق يوم ينفخ في الصور .

( عالم الغيب والشهادة ) . .

الذي يعلم ذلك الغيب المحجوب ، كما يعلم هذا الكون المشهود . والذي لا تخفي عليه خافية من أمر العباد ، ولا يند عنه شأن من شؤونهم . . فأولى لهم أن يسلموا له ويعبدوه ويتقوه . وهكذا تذكر هذه الحقيقة لذاتها ، وتتخذ مؤثرا موحيا في مواجهة المكذبين والمعارضين .

( وهو الحكيم الخبير ) : -

يصرف أمور الكون الذي خلقه ، وأمور العباد الذين يملكهم في الدنيا والآخرة بالحكمة والخبرة . . فأولى أن يستسلموا لتوجيهه وشرعه ، ويسعدوا بآثار حكمته وخبرته . ويفيئوا إلى هداه وحده . ويخرجوا من التيه ، ومن الحيرة ، إلى ظلال الحكمة والخبرة ، وإلى كنف الهدى والبصيرة . .

وهكذا تتخذ هذه الحقيقة مؤثرا موحيا للعقول والقلوب . .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ بِٱلۡحَقِّۖ وَيَوۡمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُۚ قَوۡلُهُ ٱلۡحَقُّۚ وَلَهُ ٱلۡمُلۡكُ يَوۡمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِۚ عَٰلِمُ ٱلۡغَيۡبِ وَٱلشَّهَٰدَةِۚ وَهُوَ ٱلۡحَكِيمُ ٱلۡخَبِيرُ} (73)

وقوله تعالى : { وهو الذي خلق } الآية ، { خلق } ابتدع وأخرج من العدم إلى الوجود ، و { بالحق } ، أي لم يخلقها باطلاً بغير معنى بل لمعان مفيدة ولحقائق بينة منها ما يحسه البشر من الاستدلال بها على الصانع ونزول الأرزاق وغير ذلك ، وقيل المعنى بأن حق له أن يفعل ذلك ، وقيل { بالحق } معناه بكلامه في قوله للمخلوقات { كن } وفي قوله : { ائتيا طوعاً أوكرهاً }{[4975]} .

قال القاضي أبو محمد : وتحرير القول أن المخلوقات إنما إيجادها بالقدرة لا بالكلام ، واقتران «كن » بحالة إيجاد المخلوق فائدته إظهار العزة والعظمة ونفوذ الأوامر وإعلان القصد ، ومثال ذلك في الشاهد أن يضرب إنسان شيئاً فيكسره ويقول في حال الكسر بلسانه : انكسر فإن ذلك إنفاذ عزم وإظهار قصد ، ولله المثل الأعلى ، لا تشبيه ولا حرف ولا صوت ولا تغير ، أمره واحد كلمح البصر فكأن معنى الآية على هذا القول وهو الذي خلق السماوات والأرض بقوله { كن } المقترنة بالقدرة التي بها يقع إيجاد المخلوق بعد عدمه فعبر عن ذلك { بالحق } ، { ويوم يقول } نصب على الظرف وهو معلق بمعمول فعل مضمر ، تقديره : واذكر الخلق والإعادة يوم ، وتحتمل الآية مع هذا أن يكون معناها : واذكر الإعادة يوم يقول الله للأجساد : كن معادة ، ثم يحتمل أن يتم الكلام هنا ثم يبدأ بإخبار أن يكون قوله الحق الذي كان في الدنيا إخباراً بالإعادة ، ويحتمل أن يكون تمام الكلام في قوله { فيكون } ويكون { قوله الحق } ابتداء وخبر أو على الاحتمال الذي قبل ف { قوله } فاعل ، قال الزجّاج قوله { يوم } معطوف على الضمير من قوله { واتقوه } فالتقدير هنا على هذا القول واتقوا العقاب أو الأهوال والشدائد يوم ، وقيل : إن الكلام معطوف على قوله { خلق السماوات } والتقدير على هذا : وهو الذي خلق السماوات والأرض والمعادات إلى الحشر يوم ، ولا يجوز أن تعمل هذه الأفعال لا تقديرك : اذكر ، ولا اتقوا ، ولا خلق في يوم ، لأن أسماء الزمان إذا بنيت مع الأفعال فلا يجوز أن تنصب إلا على الظرف ، ولا يجوز أن يتعلق { يوم } بقوله : { قوله الحق } لأن المصدر لا يعمل فيما تقدمه ، وقد أطلق قوم أن العامل اذكر أو خلق ، ويحتمل أن يريد ب «يقول » معنى المضي كأنه قال : وهو الذي خلق السماوات والأرض بالحق يوم يقول بمعنى قال لها «كن » ، ف { يوم } ظرف معطوف على موضع { قوله الحق } إذ هو في موضع نصب ، ويجيء تمام الكلام في قوله { فيكون } ، ويجيء { قوله الحق } ابتداء وخبراً ويحتمل أن يتم الكلام في { كن } ، ويبتدأ { فيكون قوله الحق } وتكون «يكون » تامة بمعنى يظهر ، و { الحق } صفة للقول و { قوله } فاعل ، وقرأ الحسن «قُوله » بضم القاف ، { وله الملك } ابتداء وخبر { يوم ينفخ في الصور } «يوم » بدل من الأولى على أن «يقول » مستقبل ، لا على تقدير مضيه . وقيل : بل متعلق بما تضمن [ الُملك ] من معنى الفعل او بتقدير«ثابت أو مستقر يوم » ، و { في الصور } قال أبو عبيدة :هو جمع صورة فالمعنى يوم تعاد العوالم ، وقال الجمهور هو الصور القرن الذي قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إنه ينفخ فيه للصعق ثم للبعث ){[4976]} ورجحه الطبري بقول النبي عليه السلام :«إن إسرافيل قد التقم الصور وحنى جبهته ينظر متى يؤمر فينفخ »{[4977]} ، وقرأ الحسن «في الصوَر » بفتح الواو ، وهذه تؤيد التأويل الأول ، وحكاها عمرو بن عبيد عن عياض { عالم } رفع بإضمار مبتدأ ، وقيل نعت ل { الذي } وقرأ الحسن والأعمش «عالمٍ » بالخفض على النعت للضمير الذي في { له } ، أو على البدل منه من قوله { له الملك } ، وقد رويت عن عاصم ، وقيل ارتفع «عالم » بفعل مضمر من لفظ الفعل المبني للمفعول تقديره :«ينفخ فيه عالم »على ما أنشد سيبويه : [ الطويل ]

لِيَبْكِ يزيدَ ضارعٌ لخصومةٍ . . . وآخرُ مِمّنْ طَوّحَتْهُ الطَّوائِحُ{[4978]}

التقدير يبكيه ضارع ، وحكى الطبري هذا التأويل الذي يشبه ليبك يزيد عن ابن عباس ونظيرها من القرآن قراءة من قرأ { زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم }{[4979]} بضم الزاي ورفع الشركاء وروي عن عبد الوارث عن أبي عمرو «يوم ننفخ في الصور » بنون العظمة ، و { الغيب والشهادة } معناه ما غاب عنا وما حضر ، وهذا يعم جميع الموجودات .


[4975]:- من قوله تعالى في الآية (11) من سورة (فصلت): {ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين}.
[4976]:- أخرج ابن المبارك في الزهد، وعبد بن حميد، وأبو داود، والترمذي وحسّنه، والنسائي، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن حبان، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي في البعث- عن عبد الله بن عمرو قال: (سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الصور فقال: هو قرن ينفخ فيه). (الدر المنثور).
[4977]:- أخرج أحمد، والطبراني في الأوسط، والحاكم، والبيهقي في البعث- عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كيف أنعم وصاحب الصور قد التقم القرن وحنى جبهته وأصغى بسمعه ينظر متى يؤمر) قالوا: كيف نقول يا رسول الله؟ قال: (قولوا: حسبنا الله ونعم الوكيل، على الله توكلنا). (الدار المنثور).
[4978]:- البيت للحارث بن نُهيك، وهو كما في كتاب سيبويه: ليبك يزيد ضارع لخصومة ومختبط مما تطيح الطوائح والمختبط: الطالب المعروف، وتطيح: تذهب وتُهلك. وصفه بأنه كان مقيما لحجة المظلوم ناصرا له.
[4979]:- من الآية (137) من سورة (الأنعام).