{ 4 ْ } { يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ْ }
يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : { يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ ْ } من الأطعمة ؟ { قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ْ } وهي كل ما فيه نفع أو لذة ، من غير ضرر بالبدن ولا بالعقل ، فدخل في ذلك جميع الحبوب والثمار التي في القرى والبراري ، ودخل في ذلك جميع حيوانات البحر وجميع حيوانات البر ، إلا ما استثناه الشارع ، كالسباع والخبائث منها .
ولهذا دلت الآية بمفهومها على تحريم الخبائث ، كما صرح به في قوله تعالى : { وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ ْ }
{ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ ْ } أي : أحل لكم ما علمتم من الجوارح إلى آخر الآية . دلت هذه الآية على أمور :
أحدها : لطف الله بعباده ورحمته لهم ، حيث وسع عليهم طرق الحلال ، وأباح لهم ما لم يذكوه مما صادته الجوارح ، والمراد بالجوارح : الكلاب ، والفهود ، والصقر ، ونحو ذلك ، مما يصيد بنابه أو بمخلبه .
الثاني : أنه يشترط أن تكون معلمة ، بما يعد في العرف تعليما ، بأن يسترسل إذا أرسل ، وينزجر إذا زجر ، وإذا أمسك لم يأكل ، ولهذا قال : { تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ ْ } أي : أمسكن من الصيد لأجلكم .
وما أكل منه الجارح فإنه لا يعلم أنه أمسكه على صاحبه ، ولعله أن يكون أمسكه على نفسه .
الثالث : اشتراط أن يجرحه الكلب أو الطير ونحوهما ، لقوله : { مِنَ الْجَوَارِحِ ْ } مع ما تقدم من تحريم المنخنقة . فلو خنقه الكلب أو غيره ، أو قتله بثقله لم يبح [ هذا بناء على أن الجوارح اللاتي يجرحن الصيد بأنيابها أو مخالبها ، والمشهور أن الجوارح بمعنى الكواسب أي : المحصلات للصيد والمدركات لها فلا يكون فيها على هذا دلالة - والله أعلم- ]{[254]}
الرابع : جواز اقتناء كلب الصيد ، كما ورد في الحديث الصحيح ، مع أن اقتناء الكلب محرم ، لأن من لازم إباحة صيده وتعليمه جواز اقتنائه .
الخامس : طهارة ما أصابه فم الكلب من الصيد ، لأن الله أباحه ولم يذكر له غسلا ، فدل على طهارته .
السادس : فيه فضيلة العلم ، وأن الجارح المعلم -بسبب العلم- يباح صيده ، والجاهل بالتعليم لا يباح صيده .
السابع : أن الاشتغال بتعليم الكلب أو الطير أو نحوهما ، ليس مذموما ، وليس من العبث والباطل . بل هو أمر مقصود ، لأنه وسيلة لحل صيده والانتفاع به .
الثامن : فيه حجة لمن أباح بيع كلب الصيد ، قال : لأنه قد لا يحصل له إلا بذلك .
التاسع : فيه اشتراط التسمية عند إرسال الجارح ، وأنه إن لم يسم الله متعمدا ، لم يبح ما قتل الجارح .
العاشر : أنه يجوز أكل ما صاده الجارح ، سواء قتله الجارح أم لا . وأنه إن أدركه صاحبه ، وفيه حياة مستقرة فإنه لا يباح إلا بها .
ثم حث تعالى على تقواه ، وحذر من إتيان الحساب في يوم القيامة ، وأن ذلك أمر قد دنا واقترب ، فقال : { وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ْ }
وبعد أن بين - سبحانه - أنواعاً من : المحرمات . شرع في بيان ما أحله لهم من طيبات فقال - تعالى -
{ يَسْأَلُونَكَ مَاذَآ أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطيبات . . . }
أورد المفسرين في سبب نزول هذه الآية روايات منها ما أخرجه ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير عن عدي بن حاتم وزيد بن مهلهل الطائيين أنهما سألا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالا : يا رسول الله ، قد حرم الله الميتة فماذا يحل لنا منها ؟ فنزلت هذه الآية .
والمعنى : يسألك أصحابك يا محمد ما الذي أحل لهم من المطاعم بعد أن عرفوا ما حرم منها ؟ قل لهم أحل لكم الطيبات .
والطيبات : جمع طيب وهو الشيء المستلذ . وفسره بعضهم بالحلال .
أي : قل لهم أحل الله لكم الأطعمة الطيبة التي تستلذها النفوس المستقيمة وتستطيبها ولا تستقذرها ، والتي لم يرد في الشرع ما يحرمها ويمنع من تناولها .
وفي قوله { يَسْأَلُونَكَ مَاذَآ أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ } التفاوت من الحاضر إلى الغائب ، لأن في السياق حكاية عنهم كما يقال : أقسم فلان ليفعلن كذا ، لأن هذا الالتفات أدعى إلى تنبيه الأذهان ، وتوجيهها إلى ما يراد منها .
وقد أمر الله - تعالى - نبيه صلى الله عليه وسلم أن يتولى الجواب عن سؤالهم لأنه هو المبلغ للرسالة وهو المبين لهم ما خفى عليهم من أمور دينهم ودنياهم .
وقوله { مَاذَآ } اسم استفهام مبتدأ ، وقوله { أُحِلَّ لَكُمُ } خبره كقولك : أي شيء أحل لهم .
وجواب سؤالهم جاء في قوله تعالى : { قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطيبات } .
وقوله : { وَمَا عَلَّمْتُمْ مِّنَ الجوارح مُكَلِّبِين } معطوف على الطيبات بتقدير مضاف و { ما } موصولة . والعائد محذوف .
و { الجوارح } جمع جارحه . وهي - كما يقال ابن جرير - الكواسب من سباع البهائم والطير . سميت جوارح لجرحها لأربابها ، وكسبها إياهم أوقاتهم من الصيد . يقال منه : جرح فلان لأهله خيراً . إذا أكسبهم خيراً وفلان جارحه أهله . يعني بذلك : كاسبهم ، ويقال : لا جارحة لفلانه إذا لم يكن لها كاسب " .
ومنه قوله - تعالى - { وَهُوَ الذي يَتَوَفَّاكُم بالليل وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بالنهار } أي : كسبتم بالنهار . وقيل : سميت جوارح لأنها تجرح الصيد عند إمساكه .
وقوله : { مُكَلِّبِين } أي : مؤدبين ومعودين لها على الصيد . فالتكليب : تعليم الكلاب وما يشبهها الصيد . فهو اسم فاعل مشتق من اسم هذا الحيوان المعروف لأن التأديب أكثر ما يكون في الكلاب . أو هو مشتق من الكلب بمعنى الضراوة . يقال : كلب الكلب يكلب واستكلب أي : ضرى وتعود نهش غيره وهو حال من فاعل علمتم .
والمعنى : أحل الله لكم الطيبات ، وأهل لكم صيد ما علمتموه من الجوارح حال كونكم مؤدبين ومعودين لها على الصيد .
وقوله : { تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ الله } في محل نصب على أنه حال ثانية من فاعل { عَلَّمْتُمْ } أو من الضمير المستتر في { مُكَلِّبِينَ } .
أي : تعلمون هذه الجوارح بعض ما علمكم الله إياه من فنون العلم والمعرفة بأن تدربوهن على وسائل التحاليل وعلى الطرق المتنوعة للاصطياد وعلى الانقياد لأمركم عند الإِرسال وعند الطلب ، وعلى عدم الأكل من المصيد بعد صيده .
فالمقصود بهذه الجملة الكريمة بيان بعض مظاهر فضل الله على الناس ، حيث منحهم العلم الذي عن طريقه علموا غيرهم ما يريدونه منه ، وسخروا هذا الغير لمنفعتهم ومصلحتهم .
ورحم الله صاحب الكشاف فقد قال عند تفسيره لهذه الآية : قوله : { وَمَا عَلَّمْتُمْ مِّنَ الجوارح } عطف على الطيبات : أي : أحل لكم الطيبات وصيد ما علمتم من الجوارح ، فحذف المضاف أو تجعل " ما " شرطية وجوابها { فَكُلُواْ } والجوارح : الكواسب من سباع البهائم والطير ، كالكلب والفهد والنمر والعقاب والصقر والبازي ، والمكلب : مؤدب الجوارح ومغريها بالصيد لصاحبها ، ورائضها ذلك بما علم من الحيل وطرق التأديب .
وانتصاب { مُكَلِّبِينَ } على الحال من { عَلَّمْتُمْ } .
فإن قلت : ما فائدة هذه الحال وقد استغنى عنها بعملتم ؟ قلت : فائدتها أن يكون من يعلم الجوارح نحريرا في علمه ، مدربا فيه ، موصوفا بالتكليب .
قوله { تُعَلِّمُونَهُنَّ } حال ثانية أو استئناف . وفيه فائدة جليلة وهي أن على كل آخذ علما أن لا يأخذه إلا من أبرع أهله علما وأكثرهم دراية وأغوصهم على لطائفه وحقائقه ، وإن احتاج إلى أن يضرب إليه أكباد الإِبل . فكم من آخذ عن غير متقن ، قد ضيع أيامه ، وعض عند لقاء النحارير أنامله .
وقوله { فَكُلُواْ مِمَّآ أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ } جملة متفرعة على بيان حل صيد الجوارح المعلمة ، ومشيرة إلى نتيجة التعليم وأثره والأمر فيه للإِباحة .
و { من } في قوله { مِمَّآ أَمْسَكْنَ } تبعيضة ؛ إذ من الممسك ما لا يؤكل كالجلد والعظم ونحوهما . ويحتمل أن تكون بيانية أي : فكلوا الصيد و هو ما أمسكن عليكم .
و { ما } موصولة أو موصوفة والعائد محذوف أي : أمسكنه .
وقوله { أمسكن } أي : حبس وصدن ، والضمير المؤنث يعود للجوارح .
وقوله { عليكم } متعلق بأمسكن ، وهو هنا بمعنى لكم ، والاستعلاء مجازي .
والتقييد بذلك ، لإِخراج ما أمسكنه لأنفسهن لا لأصحابهن .
والمعنى : إذا علمتم الجوارح وتوفرت شروط الحل فيما تصيده ، فكلوا مما أمسكنه محبوسا عليكم ولأجلكم .
والضمير في { عليه } من قوله : { واذكروا اسم الله عَلَيْهِ } يعود إلى { وَمَا عَلَّمْتُمْ مِّنَ الجوارح } أي : عند إرسالكم الجوارح للصيد فسموا عليها ، ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم لعدي بن حاتم : " وإذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم - الله تعالى - فكل مما أمسك عليك " .
وقال بعضهم إنه يعود على المصدر المفهوم من الفعل وهو الأكل . فكأنه قيل : واذكروا اسم الله عند الأكل مما صدن لكم . وقيل : يعود على قوله { مِمَّآ أَمْسَكْنَ } أي : اذكروا اسم الله على ما أدركتم ذكاته مما أمسكن عليكم الجوارح . ولا بأس من عود الضمير إلى كل ما ذكر ، بأن يذكر اسم الله عند إرسال الجوارح ، وعند الأكل مما صادته .
وعند تذكية الحيوان الذي صادته الجوارح .
ثم ختم - سبحانه - الآية بقوله : { واتقوا الله إِنَّ الله سَرِيعُ الحساب } .
أي : واتقوا الله وراقبوه واخشوه في كل شئونكم واحذروا مخالفة أمره فيما شرع لكم وفيما كلفكم به فإنه - تعالى - لا يعجزه شيء ، وسيجازي كل إنسان بما يستحقه من خير أو شر .
فالجملة الكريمة تذييل قصد به التحذير من مخالفة أمر الله ، وانتهك محارمه . هذا ومن الأحكام التي أخذها العلماء من هذه الآية ما يأتي :
1 - إباحة التمتع بالطيبات التي أحلها الله - تعالى - لعباده ، والتي تستطيبها النفوس الكريمة ، والعقول القويمة ، من مطعومات ومشروبات وغير ذلك مما أحله - سبحانه - لعباده . وفي هذا المعنى وردت آيات كثيرة منها ، قوله - تعالى - : { قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ الله التي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرزق قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الحياة الدنيا خَالِصَةً يَوْمَ القيامة } 2 - إباحة الصيد بالجوارح بشرط كونها معلمة ، وعلامة كونها معملة أن تسترسل إذا أرسلت ، وتنزجر إذا زجرت ، وتمسك الصيد ولا تأكل منه ، وتعود إلى صاحبها متى دعاها .
ويدخل في الجوارح - عند جمهور الفقهاء - كل يحوان ينصع صنيع الكلب ، وكل طير كذلك ، لأن قوله - تعالى - { مِّنَ الجوارح } ، يعم كل يحوان يصنع صنيع الكلب . وكان التعبير بمكلبين ، لأن الكلاب أكثر الحيوانات استعمالا للصيد .
وقد جاء في حديث عدي بن حاتم الذي رواه الإِمام أحمد وأبو داود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له : " ما علمت من كلب أو باز ثم أرسلته وذكرت اسم الله عليه فكل ما أمسك عليك " .
ويرى بعض الفقهاء أن الصيد لا يكون إلا بالكلاب خاصة .
قال القرطبي ما ملخصه : وقد ذكر بعض من صنف في أحكام القرآن أن الآية تدل على أن الإِباحة تتناول ما علمناه من الجوارح وهو ينتظم الكلب وسائر جوارح الطير . وذلك يوجب إباحة سائر وجوه الانتفاع ، فدل على جواز بيع الكلب والجوارح والانتفاع بها وبسائر وجوه المنافع إلا ما خصه الدليل . وهو الأكل من الجوارح . أي : الكواسب من الكلاب وسباع الطير .
وليس في قوله { مُكَلِّبِينَ } دليل على أنه إنما أبيح صيد الكلاب خاصة ، وإن كان قد تمسك به من قصر الإِباحة على الكلاب خاصة .
3 - استدل بعض الفقهاء بقوله - تعالى - { فَكُلُواْ مِمَّآ أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ } على أن الكلب وما يشبهه من الجوارح إذا أكل من الصيد الذي أمسكه ، فإنه في هذه الحالة لا يحل الأكل منه ، لأنه لم يمسك لمن أرسله وإنما أمسك لنفسه وبهذا قال الشافعية والحنابلة .
ويرى المالكية أن الجارح ما دام قد عاد بالصيد ولو مأكولا منه ، فإنه يجوز الأكل منه ، لأنه بعودته بما صاده قد أمسكه على صاحبه .
أما الأحناف فقالوا : إن عاد بأكثره جاز الأكل منه ، لأنه في هذه الحالة يكون قد أمسك لصاحبه ، وإن عاد بأقله لا يجوز الأكل منه ، لأنه يكون قد أمسك لنفسه . وهذه المسألة بأدلتها الموسعة مبسوطة في كتب الفقه وفي بعض كتب التفسير .
4 - استدل بعض العلماء بقوله - تعالى - { واذكروا اسم الله عَلَيْهِ } على وجوب التسمية عند إرسال الجوارح للصيد ، ولقوله - تعالى - في آية أخرى : { وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسم الله عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ } ويرى بعضهم أن الأمر للندب ، ويرى فريق ثالث أن التسمية إن تركت عمدا لا يحل الأكل من الصيد .
قال القرطبي : وقد ذهب الجمهور من العلماء إلى أن التسمية لا بد منها بالقول عند الإِرسال لقوله صلى الله عليه وسلم لعدي بن حاتم : " إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله فكل ما أمسك عليك " فلو لم توجد التسمية على أي وجه كان لم يؤكل الصيد . وهو مذهب أهل الظاهر وجماعة أهل الحديث .
وذهب جماعة من أصحابنا وغيرهم إلى أنه يجوز أكل ما صاده المسلم وذبحه وإن ترك التسمية عمدا ، وحملوا الأمر بالتسمية على الندب .
وذهب مالك في المشهور إلى الفرق بين ترك التسمية عمدا أو سهوا فقال لا تؤكل مع العمد ، وتؤكل مع السهو ، وهو قول فقهاء الأمصار ، وأحد قولي الشافعي .
( يسألونك : ماذا أحل لهم ؟ قل : أحل لكم الطيبات ، وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله . فكلوا مما أمسكن عليكم ، واذكروا اسم الله عليه . واتقوا الله ، إن الله سريع الحساب . اليوم أحل لكم الطيبات ، وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم ، وطعامكم حل لهم ، والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم - إذا آتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخدان - ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله ، وهو في الآخرة من الخاسرين ) . .
إن هذا السؤال من الذين آمنوا عما أحل لهم ؛ يصور حالة نفسية لتلك الجماعة المختارة ، التي سعدت بخطاب الله تعالى لها أول مرة ؛ ويشي بما خالج تلك النفوس من التحرج والتوقي من كل ما كان في الجاهلية ؛ خشية أن يكون الإسلام قد حرمه ؛ وبالحاجة إلى السؤال عن كل شيء للتثبت من أن المنهج الجديد يرتضيه ويقره .
والناظر في تاريخ هذه الفترة يلمس ذلك التغيير العميق الذي أحدثه الإسلام في النفس العربية . . لقد هزها هزا عنيفا نفض عنها كل رواسب الجاهلية . . لقد أشعر المسلمين - الذين التقطهم من سفح الجاهلية ليرتفع بهم إلى القمة السامقة - أنهم يولدون من جديد ؛ وينشأون من جديد . كما جعلهم يحسون إحساسا عميقا بضخامة النقلة ، وعظمة الوثبة ، وجلال المرتقى ، وجزالة النعمة . فأصبح همهم أن يتكيفوا وفق هذا المنهج الرباني الذي لمسوا بركتة عليهم . وأن يحذروا عن مخالفته . . وكان التحرج والتوجس من كل ما ألفوه في الجاهلية هو ثمرة هذا الشعور العميق ، وثمرة تلك الهزة العنيفة .
لذلك راحوا يسألون الرسول [ ص ] بعد ما سمعوا آيات التحريم :
ليكونوا على يقين من حلة قبل أن يقربوه .
( قل : أحل لكم الطيبات . . . ) . .
وهو جواب يستحق التأمل . . إنه يلقي في حسهم هذه الحقيقة : إنهم لم يحرموا طيبا ، ولم يمنعوا عن طيب ؛ وإن كل الطيبات لهم حلال ، فلم يحرم عليهم إلا الخبائث . . والواقع أن كل ما حرمه الله هو ما تستقذره الفطرة السليمة من الناحية الحسية . كالميتة والدم ولحم الخنزير . أو ينفر منه القلب المؤمن كالذي أهل لغير الله به أو ما ذبح على النصب ، أو كان الاستقسام فيه بالأزلام . وهو نوع من الميسر .
ويضيف إلى الطيبات - وهي عامة - نوعا منها يدل على طيبته تخصيصه بالذكر بعد التعميم ؛ وهو ما تمسكه الجوارح المعلمه المدربة على الصيد كالصقر والبازي ، ومثلها كلاب الصيد ، أو الفهود والأسود . مما علمه أصحابه كيف يكلب الفريسة : أي يكبلها ويصطادها :
( وما علمتم من الجوارح مكلبين ، تعلمونهن مما علمكم الله . فكلوا مما أمسكن عليكم ، واذكروا اسم الله عليه واتقوا الله ، إن الله سريع الحساب ) . .
وشرط الحل فيما تمسكه هذه الجوارح المكبلة المعلمة المدربة ، أن تمسك على صاحبها : أي أن تحتفظ بما تمسكه من الصيد ؛ فلا تأكل منه عند صيده ؛ إلا إذا غاب عنها صاحبها ، فجاعت . فإنها إن أكلت من الفريسة عند إمساكها لها ، لا تكون معلمة ؛ وتكون قد اصطادت لنفسها لا لصاحبها فلا يحل له صيدها . ولو تبقى منها معظم الصيد لم تأكله ؛ ولو جاءت به حيا ولكنها كانت أكلت منه ؛ فلا يذكى ؛ ولو ذبح ما كان حلالا . .
والله يذكر المؤمنين بنعمته عليهم في هذه الجوارح المكلبة ؛ فقد علموها مما علمهم الله . فالله هو الذي سخر لهم هذه الجوارح ؛ وأقدرهم على تعليمها ؛ وعلمهم هم كيف يعلمونها . . وهي لفتة قرآنية تصور أسلوب التربية القرآني ، وتشي بطبيعة المنهج الحكيم الذي لا يدع لحظة تمر ، ولا مناسبة تعرض ، حتى يوقظ في القلب البشري الإحساس بهذه الحقيقة الأولى : حقيقية أن الله هو الذي أعطى كل شيء . هو الذي خلق ، وهو الذي علم ، وهو الذي سخر ؛ وإليه يرجع الفضل كله ، في كل حركة وكل كسب وكل إمكان ، يصل إليه المخلوق . . فلا ينسى المؤمن لحظة ، أن من الله ، وإلى الله ، كل شيء في كيانه هو نفسه ؛ وفيما حوله من الأشياء والأحداث ؛ ولا يغفل المؤمن لحظة عن رؤية يد الله وفضله في كل عزمة نفس منه ، وكل هزة عصب ، وكل حركة جارحة . . ويكون بهذا كله " ربانيًا " على الاعتبار الصحيح .
والله يعلم المؤمنين أن يذكروا اسم الله على الصيد الذي تمسك به الجوارح . ويكون الذكر عند إطلاق الجارح إذ أنه قد يقتل الصيد بنابه أو ظفره ؛ فيكون هذا كالذبح له ؛ واسم الله يذكر عند الذبح ، فهو يذكر كذلك عند إطلاق الجارح سواء .
ثم يردهم في نهاية الآية إلى تقوى الله ؛ ويخوفهم حسابه السريع . . فيربط أمر الحل والحرمة كله بهذا الشعور الذي هو المحور لكل نية وكل عمل في حياة المؤمن ؛ والذي يحول الحياة كلها صلة بالله ، وشعورا بجلاله ، ومراقبة له في السر والعلانية :
{ يسألونك ماذا أحل لهم } لما تضمن السؤال معنى القول أوقع على الجملة ، وقد سبق الكلام في { ماذا } وإنما قال لهم ولم يقل لنا على الحكاية ، لأن { يسألونك } بلفظ الغيبة وكلا الوجهين سائغ في أمثاله ، والمسؤول ما أحل لهم من المطاعم كأنهم لما تلي عليهم ما حرم عليهم سألوا عما أحل لهم . { قل أحل لكم الطيبات } ما لم تستخبثه الطباع السليمة ولم تنفر عنه ومن مفهومه حرم مستخبثات العرب ، أو ما لم يدل نص ولا قياس على حرمته . { وما علمتم من الجوارح } عطف على { الطيبات } إن جعلت { ما } موصولة على تقدير وصيد ما علمتم ، وجملة شرطية إن جعلت شرطا وجوابها { فكلوا } و{ الجوارح } كواسب الصيد على أهلها من سباع ذوات الأربع والطير { مكلبين } معلمين إياه الصيد ، والمكلب مؤدب الجوارح ومضر بها بالصيد . مشتق من الكلب ، لأن التأديب يكون أكثر فيه وآثر ، أو لأن كل سبع يسمى كلبا لقوله عليه الصلاة والسلام " اللهم سلط عليه كلبا من كلابك " وانتصابه على الحال من علمتم وفائدتها المبالغة في التعليم .
{ تعلمونهن } حال ثانية أو استئناف . { مما علمكم الله } من الحيل وطرق التأديب ، فإن العلم بها إلهام من الله تعالى أو مكتسب بالعقل الذي هو منحة منه سبحانه وتعالى ، أو مما علمكم الله أن تعلموه من اتباع الصيد بإرسال صاحبه ، وأن ينزجر بزجره وينصرف بدعائه ويمسك عليه الصيد ولا يأكل منه . { فكلوا مما أمسكن عليكم } وهو ما لم تأكل منه لقوله عليه الصلاة والسلام لعدي بن حاتم " وإن أكل منه فلا تأكل إنما أمسك على نفسه " . وإليه ذهب أكثر الفقهاء وقال بعضهم : لا يشترط ذلك في سباع الطير لأن تأديبها إلى هذا الحد متعذر ، وقال آخرون لا يشترط مطلقا . { واذكروا اسم الله عليه } الضمير لما علمتم والمعنى : سموا عليه عند إرساله أو لما أمسكن بمعنى سموا عليه إذا أدركتم ذكاته . { واتقوا الله } في محرماته . { إن الله سريع الحساب } فيؤاخذكم بما جل ودق .
وسبب نزول قوله تعالى : { يسألونك ماذا أحل لهم } أن جبريل جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد في البيت كلباً فلم يدخل فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ادخل فقال أنا لا أدخل بيتاً فيه كلب فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب فقتلت حتى بلغت العوالي فجاء عاصم بن عدي وسعد بن خيثمة وعويم بن ساعدة فقالوا يا رسول الله ، ماذا يحل لنا من هذه الكلاب{[4452]} ؟ .
قال القاضي أبو محمد : وروى هذا السبب أبو رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم وهو كان المتولي لقتل الكلاب ، وحكاه أيضاً عكرمة ومحمد بن كعب القرظي موقوفاً عليهما وظاهر الآية أن سائلاً سأل عما أحل للنا س من المطاعم لأن قوله تعالى : { قل أحل لكم الطيبات } ليس الجواب على ما يحل لنا من اتخاذ الكلاب اللهم إلا أن يكون هذا من إجابة السائل بأكثر مما سأل عنه وهذا موجود كثيراً من النبي صلى الله عليه وسلم كجوابه في لباس المحرم وغير ذلك ، وهو صلى الله عليه وسلم مبين الشرع ، فإنما يجاوب مادّاً أطناب التعليم لأمته ، و { الطيبات } الحلال ، هذا هو المعنى عند مالك وغيره ولا يراعى مستلذاً كان أم لا ، وقال الشافعي : { الطيبات } الحلال المستلذ وكل مستقذر كالوزغ والخنافس وغيرها فهي من الخبائث حرام .
وقوله تعالى : { وما علمتم من الجوارح } تقديره وصيد ما علمتم أو فاتخاذ ما علمتم وأعلى مراتب التعليم أن يشلى الحيوان فينشلي{[4453]} ، ويدعى فيجيب ويزجر بعد ظفره بالصيد فينزجر وأن يكون لا يأكل من صيده ، فإذا كان كلب بهذه الصفات ولم يكن أسود بهيماً فأجمعت الأمة على صحة الصيد به بشرط أن يكون تعليم مسلم ويصيد به مسلم ، هنا انعقد الإجماع فإذا انخرم شيء مما ذكرنا دخل الخلاف ، فإن كان الذي يصاد به غير كلب كالفهد وما أشبهه وكالبازي والصقر ونحوهما من الطير فجمهور الأمة على أن كل ما صاد بعد تعليم فهو جارح أي كاسب يقال : جرح فلان واجترح إذا كسب ومنه قوله تعالى : { ويعلم ما جرحتم بالنهار }{[4454]} أي كسبتم من حسنة وسيئة وكان ابن عمر يقول إنما يصاد بالكلاب فأما ما صيد به من البزاة ، وغيرها من الطير فما أدركت ذكاته فذكه فهو حلال لك ، وإلا فلا تطعمه هكذا حكى ابن المنذر قال : وسئل أبو جعفر عن البازي والصقر أيحل صيده قال : لا إلا أن تدرك ذكاته قال واستثنى قوم البزاة فجوزوا صيدها لحديث عدي بن حاتم قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيد البازي فقال ( إذا أمسك عليك فكل ){[4455]} ، وقال الضحاك والسدي : { وما علمتم من الجوارح مكلبين } هي الكلاب خاصة فإن كان الكلب أسود بهيماً فكره صيده الحسن بن أبي الحسن وقتادة وإبراهيم النخعي . وقال أحمد بن حنبل ما أعرف أحداً يرخص فيه إذا كان بهيماً وبه قال ابن راهويه ، فأما عوام أهل العلم بالمدينة والكوفة فيرون جواز صيد كل كلب معلم .
وأما أكل الكلب من الصيد فقال ابن عباس وأبو هريرة والشعبي وإبراهيم النخعي وسعيد بن جبير وعطاء بن أبي رباح وقتادة وعكرمة والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور والنعمان وأصحابه ، لا يؤكل ما بقي لأنه إنما أمسك على نفسه ولم يمسك على ربه ، ويعضد هذا القول قول النبي صلى الله عليه وسلم لعدي بن حاتم في الكلب المعلم : وإذا أكل فلا تأكل فإنما أمسك على نفسه ، وتأول هؤلاء قوله تعالى : { مما أمسكن عليكم } [ المائدة : 4 ] على عموم الإمساك فمتى حصل إمساك ولو في بضعة حل أكلها وروي عن النخعي وأصحاب الرأي والثوري وحماد بن أبي سليمان أنهم رخصوا فيما أكل البازي منه ، خاصة في البازي .
قال القاضي أبو محمد : كأنه لا يمكن فيه أكثر من ذلك لأن حد تعليمه أن يدعى فيجيب وأن يشلى فينشلي ، وإذا كان الجارح يشرب من دم الصيد فجمهور الناس على أن ذلك الصيد يؤكل ، وقال عطاء : ليس شرب الدم بأكل . وكره أكل ذلك الصيد الشعبي وسفيان الثوري .
قال القاضي أبو محمد : وليس في الحيوان شيء يقبل التعليم التام إلا الكلب شاذاً وأكثرها يأكل من الصيد ولذلك لم ير مالك ذلك من شروط التعليم . وأما الطير فقال ربيعة : ما أجاب منها إذا دعي فهو المعلم الضاري .
قال القاضي أبو محمد : لأن أكثر الحيوان بطبعه ينشلي ، وقال أصحاب أبي حنيفة : إذا صار الكلب وأمسك ثلاث مرات ولاًء فقد حصل منه التعليم ، قال ابن المنذر : وكان النعمان لا يحد في ذلك عدداً ، وقال غيرهم : إذ فعل ذلك مرة واحدة فقد حصل معلماً وإذا كان الكلب تعليم يهودي أو نصراني فكره الصيد به الحسن البصري ، فأما كلب المجوسي وبازه وصقره فكره الصيد بها جابر بن عبد الله والحسن وعطاء ومجاهد وإبراهيم النخعي والثوري وإسحاق بن راهويه ، ومالك رحمه الله والشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم على إباحة الصيد بكلابهم إذا كان الصائد مسلماً قالوا : وذلك مثل شفرته ، وأما إن كان الصائد من أهل الكتاب فجمهور الأمة على جواز صيده غير مالك رحمه الله فإنه لم يجوز صيد اليهودي والنصراني وفرق بين ذلك وبين ذبيحته وتلا قول الله تعالى : { تناله أيديكم ورماحكم }{[4456]} قال فلم يذكر الله بهذا اليهود ولا النصارى ، وقال ابن وهب وأشهب : صيد اليهودي والنصراني حلال كذبيحته ، وفي كتاب محمد لا يجوز صيد الصابىء ولا ذبيحته وهم قوم بين اليهود والنصارى لا دين لهم وأما إن كان الصائد مجوسياً فمنع من أكل صيده مالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم وعطاء وابن جبير والنخعي والليث بن سعد وجمهور الناس ، وقال أبو ثور فيها قولين : أحدهما كقول هؤلاء ، والآخر أن المجوس أهل كتاب وأن صيدهم جائز ، وقرأ جمهور الناس «وما عَلمتم » بفتح العين واللام وقرأ ابن عباس ومحمد بن الحنفية «عُلِّمتم » بضم العين وكسر اللام أي أمر الجوارح والصيد بها ، و { الجوراح } الكواسر على ما تقدم ، وحكى ابن المنذر عن قوم أنهم قالوا { الجوارح } مأخوذ من الجارح أي الحيوان الذي له ناب وظفر أو مخلب يجرح به صيده .
قال القاضي أبو محمد : وهذا قول ضعيف ، أهل اللغة على خلافه وقرأ جمهور الناس «مكَلّبين » بفتح الكاف وشد اللام ، والمكلب معلم الكلاب وُمضريها ، ويقال لمن يعلم غير كلب : مكلب لأنه يرد ذلك الحيوان كالكلب ، وقرأ الحسن وأبو زيد «مكْلبين » بسكون الكاف وتخفيف اللام ومعناه أصحاب كلاب يقال : أمشى الرجل كثرت ماشيته وأكلب كثرت كلابه ، وقال بعض المفسرين : المكلب بفتح الكاف وشد اللام صاحب الكلاب .
قال القاضي أبو محمد : وليس هذا بمحرر .
{ فَكُلُواْ مِمَّآ أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُواْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَآ آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ }
أي يعلمونهن من الحيلة في الاصطياد والتأني لتحصيل الحيوان وهذا جزء مما علمه الله الإنسان و «من » للتبعيض ، ويحتمل أن تكون لابتداء الغاية وأنث الضمير في { تعلمونهن } مراعاة للفظ { الجوارح } إذ هو جمع جارحة ، وقوله تعالى : { فكلوا مما أمسكن عليكم } يحتمل أن يريد مما أمسكن فلم يأكلن منه شيئاً . ويحتمل أن يريد مما «أمسكن » وإن أكلن بعض الصيد وبحسب هذا الاحتمال اختلف العلماء في جواز أكل الصيد إذا أكل منه الجارح وقد تقدم ذلك ، وقوله تعالى : { واذكروا اسم الله عليه } أمر بالتسمية عند الإرسال على الصيد ، وفقه الصيد والذبح في معنى التسمية واحد ، فقال بعض العلماء هذا الأمر على الوجوب ومتى ترك المرسل أو الذابح التسمية عمداً أو نسياناً لم تؤكل ، وممن رويت عنه كراهية ما لم يسم عليه الله نسيانا الشعبي ، نسياناً الشعبي وابن سيرين ونافع وأبو ثور ، ورأى بعض العلماء هذا الأمر بالتسمية على الندب وإلى ذلك ينحو أشهب في قوله إن ترك التسمية مستخفاً لم تؤكل وإن تركها عامداً لا يدري قدر ذلك لكنه غير متهاون بأمر الشريعة فإنها تؤكل ومذهب مالك وجمهور أهل العلم : أن التسمية واجبة مع الذكر ساقطة مع النسيان فمن تركها عامداً فقد أفسد الذبيحة والصيد ومن تركها ناسياً سمى عند الأكل وكانت الذبيحة جائزة ، واستحب أكثر أهل العلم أن لا يذكر في التسمية غير الله تعالى وأن لفظها بسم الله والله كبر ، وقال قوم : إن صلى مع ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم فجائز ، ثم أمر تعالى بالتقوى على الجملة والإشارة الغريبة هي إلى ما تضمنته هذه الآيات من الأوامر وسرعة الحساب هي من أنه تبارك وتعالى قد أحاط بكل شيء علماً فلا يحتاج إلى محاولة عد ويحاسب جميع الخلائق دفعة واحدة ، وتحتمل الآية أن تكون وعيداً بيوم القيامة كأنه قال إن حساب الله لكم سريع إتيانه إذ يوم القيامة قريب ، ويحتمل أن يريد ب { الحساب } المجازاة فكأنه توعد في الدنيا بمجازاة سريعة قريبة إن لم يتق الله .