ولما ذكر العمل الذي يقصد به وجهه [ من النفقات ] ذكر العمل الذي يقصد به مقصد دنيوي فقال : { وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُو فِي أَمْوَالِ النَّاسِ } أي : ما أعطيتم من أموالكم الزائدة عن حوائجكم وقصدكم بذلك أن يربو أي : يزيد في أموالكم بأن تعطوها لمن تطمعون أن يعاوضكم عنها بأكثر منها ، فهذا العمل لا يربو أجره عند اللّه لكونه معدوم الشرط الذي هو الإخلاص . ومثل ذلك العمل الذي يراد به الزيادة في الجاه والرياء عند الناس فهذا كله لا يربو عند اللّه .
{ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ } أي : مال يطهركم من الأخلاق الرذيلة ويطهر أموالكم من البخل بها ويزيد في دفع حاجة الْمُعْطَى . { تُرِيدُونَ } بذلك { وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ } أي : المضاعف لهم الأجر الذين تربو نفقاتهم عند اللّه ويربيها اللّه لهم حتى تكون شيئا كثيرا .
ودل قوله : { وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ } أن الصدقة مع اضطرار من يتعلق بالمنفق أو مع دَيْنٍ عليه لم يقضه ويقدم عليه الصدقة أن ذلك ليس بزكاة يؤجر عليه العبد ويرد تصرفه شرعا كما قال تعالى في الذي يمدح : { الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى } فليس مجرد إيتاء المال خيرا حتى يكون بهذه الصفة وهو : أن يكون على وجه يتزكى به المؤتي .
وبعد أن حضهم على صلة الأقارب والمساكين وابن السبيل ، نفرهم من تعاطى الربا فقال : { وَمَآ آتَيْتُمْ مِّن رِّباً لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ الناس فَلاَ يَرْبُو عِندَ الله } .
والربا : الزايدة مطلقا . يقال : ربا الشئ يربو إذا زاد ونما ، ومنه قوله - تعالى - : { وَتَرَى الأرض هَامِدَةً فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا المآء اهتزت وَرَبَتْ } أى : زادت .
قال الآلوسى ما ملخصه : والظاهر أن المراد بالبر هنا ، الزيادة المعروفة فى المعاملة التى حرمها الشارع . ويشهد لذلك ما روى عن السدى ، من أن الآية نزلت فى ربا ثقيف ، كانوا يرابون ، وكذلك كانت قريش تتعاطى الربا .
وعن ابن عباس وغيره : أن المراد به هنا العطية التى يتوقع بها مزيد مكافأة ، وعليه فتسميتها ربا مجاز ، لأنها سبب للزيادة .
ويبدو لنا أن المراد هنا ، الربا الذى حرمه الله - تعالى - بعد ذلك تحريما قاطعا ، وأن المقصود من الآية التنفير منه على سبيل التدرج ، حتى إذا جاء التحريم النهائى له ، تقبلته نفوس الناس بدون مفاجأة لهذا التحريم .
قال صاحب الكشاف : هذه الآية فى معنى قوله - تعالى - { يَمْحَقُ الله الربا وَيُرْبِي الصدقات } سواء بسواء . يريد : وما أعطيتم أكلة الربا { مِّن رِّباً لِّيَرْبُوَ فِي } أموالهم ، أى : ليزيد ويزكو فى أموالهم ، فلا يزكو عند الله ولا يبارك فيه .
ثم حض - سبحانه - على التصدق فى سبيله فقال : { وَمَآ آتَيْتُمْ مِّن زَكَاةٍ } أى من صدقة تتقربون بها إلى الله ، و { تُرِيدُونَ } بأدائها { وَجْهَ الله } أى : رضاه وثوابه . { فأولئك } الذين يفعلون ذلك { هُمُ المضعفون } أى : ذوو الأضعاف المضاعفة من الثواب والعطا الكريم ، فالمضعفون جمع مضعف - بكسر العين - على أنه اسم فاعل من أضعف ، إذا صار ضِعْف - بكسر فسكون - كأقوى وأيسر ، إذا صار ذا قوة ويسار .
وقال - سبحانه - : { فأولئك هُمُ المضعفون } ولم يقل : فأنتم المضعفون ، لأنه رجع من المخاطبة إلى الغيبة ، كانه قال لملائكته : فاولئك الذين يريدون وجهى بصدقاتهم ، هم المضعفون ، فهو أمدح لهم من أن يقول : فأنتم المضعفون .
وكان بعضهم يحاول تنمية ماله بإهداء هدايا إلى الموسرين من الناس ، كي ترد عليه الهدية مضاعفة ! فبين لهم أن هذا ليس الطريق للنماء الحقيقي : وما آتيتم من ربا ليربوا في أموال الناس فلا يربوا عند الله . . هذا ما تذكره الروايات عن المقصود بالآية وإن كان نصها بإطلاقه يشمل جميع الوسائل التي يريد بها أصحابها أن ينموا أموالهم بطريقة ربوية في أي شكل من الأشكال . . وبين لهم في الوقت ذاته وسيلة النماء الحقيقية :
( وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون ) . .
هذه هي الوسيلة المضمونة لمضاعفة المال : إعطاؤه بلا مقابل وبلا انتظار رد ولا عوض من الناس . إنما هي إرادة وجه الله . أليس هو الذي يبسط الرزق ويقدر ? أليس هو الذي يعطي الناس ويمنع ? فهو الذي يضاعف إذن للمنفقين ابتغاء وجهه ؛ وهو الذي ينقص مال المرابين الذين يبتغون وجوه الناس . . ذلك حساب الدينا ، وهناك حساب الآخرة وفيه أضعاف مضاعفة . فهي التجارة الرابحة هنا وهناك !
القول في تأويل قوله تعالى : { وَمَآ آتَيْتُمْ مّن رّباً لّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النّاسِ فَلاَ يَرْبُو عِندَ اللّهِ وَمَآ آتَيْتُمْ مّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللّهِ فَأُوْلََئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ } .
يقول تعالى ذكره : وما أعطيتم أيها الناس بعضكم بعضا من عطية لتزداد في أموال الناس برجوع ثوابها إليه ، ممن أعطاه ذلك ، فلا يربو عند الله يقول : فلا يزداد ذلك عند الله ، لأن صاحبه لم يعطه من أعطاه مبتغيا به وجهه . وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ يقول : وما أعطيتم من صدقة تريدون بها وجه الله ، فأولئك يعني الذين يتصدّقون بأموالهم ملتمسين بذلك وجه الله هم المضعفون يقول : هم الذين لهم الضعف من الأجر والثواب ، من قول العرب : أصبح القوم مسمِنين معطِشين ، إذا سمنت إبلهم وعطشت . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِبا لِيَرْبُوَ فِي أمْوَالِ النّاسِ فَلا يَرْبُو عِنْدَ اللّهِ قال : هو ما يعطي الناس بينهم بعضهم بعضا ، يعطي الرجل الرجل العطية ، يريد أن يُعطى أكثر منها .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن منصور بن صفية ، عن سعيد بن جُبَير وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِبا لِيَرْبُوَ فِي أمْوَالِ النّاسِ قال : هو الرجل يعطي الرجل العطية ليثيبه .
قال : ثنا يحيى ، قال : حدثنا سفيان ، عن منصور بن صفية ، عن سعيد بن جُبَير ، مثله .
حدثنا ابن وكيع ، قال : ثني أبي ، عن سفيان ، عن منصور بن صفية ، عن سعيد بن جُبَير وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِبا لِيَرْبُوَ في أمْوَالِ النّاسِ فَلا يَرْبُو عِنْدَ اللّهِ قال : الرجل يعطى ليثاب عليه .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا يحيى بن سعيد ، قال : حدثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِبا لِيَرْبُو فِي أمْوَالِ النّاسِ قال : الهدايا .
حدثنا ابن وكيع ، قال : ثني أبي ، قال : حدثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : هي الهدايا .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِبا لِيَرْبُو فِي أمْوَالِ النّاسِ قال : يعطي ماله يبتغي أفضل منه .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا ابن فضيل ، عن ابن أبي خالد ، عن إبراهيم ، قال : هو الرجل يهدي إلى الرجل الهدية ، ليثيبه أفضل منها .
قال : ثنا محمد بن حميد المعمري ، عن معمر ، عن ابن طاوس ، عن أبيه : هو الرجل يعطي العطية ويهدي الهدية ، ليثاب أفضل من ذلك ، ليس فيه أجر ولا وزر .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِبا لِيَرْبُوَ فِي أمْوَالِ النّاس فَلا يَرْبُو عِنْدَ اللّهِ قال : ما أعطيت من شيء تريد مثابة الدنيا ، ومجازاة الناس ذاك الربا الذي لا يقبله الله ، ولا يجزي به .
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول ، في قوله وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِبا لِيَرْبُوَ فِي أمْوَالِ النّاسِ فهو ما يتعاطى الناس بينهم ويتهادون ، يعطى الرجل العطية ليصيب منه أفضل منها ، وهذا للناس عامة .
وأما قوله : وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثرْ فهذا للنبيّ خاصة ، لم يكن له أن يعطي إلاّ لله ، ولم يكن يعطي ليعطى أكثر منه .
وقال آخرون : إنما عنى بهذا : الرجلَ يعطي ماله الرجلَ ليعينه بنفسه ، ويخدمه ويعود عليه نفعه ، لا لطلب أجر من الله . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ومحمد بن فضيل ، عن زكريا عن عامر وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِبا لِيَرْبُوَ في أمْوَالِ النّاسِ قال : هو الرجل يلزق بالرجل ، فيخفّ له ويخدمه ، ويسافر معه ، فيجعل له ربح بعض ماله ليجزيه ، وإنما أعطاه التماس عونه ، ولم يرد وجه الله .
وقال آخرون : هو إعطاء الرجل ماله ليكثر به مال من أعطاه ذلك ، لا طلب ثواب الله . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن أبي حصين ، عن ابن عباس وَما آتَيْتُمْ منْ رِبا لِيَرْبُو في أمْوَالِ النّاسِ قال : ألم تر إلى الرجل يقول للرجل : لأموّلنك ، فيعطيه ، فهذا لا يربو عند الله ، لأنه يعطيه لغير الله ليثري ماله .
قال : ثنا عمرو بن عبد الحميد الاَملي ، قال : حدثنا مروان بن معاوية ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، قال : سمعت إبراهيم النخعي يقول في قوله : وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِبا لِيَرْبُوَ في أمْوَالِ النّاسِ ، فَلا يَرْبُو عِنْدَ اللّهِ قال : كان هذا في الجاهلية يعطي أحدهم ذا القرابة المال يكثر به ماله .
وقال آخرون : ذلك للنبيّ صلى الله عليه وسلم خاصة ، وأما لغيره فحلال . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن أبي روّاد ، عن الضحاك وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِبا لِيَرْبُوَ فِي أمْوَالِ النّاسِ فَلا يَرْبُو عِنْدَ اللّهِ هذا للنبيّ صلى الله عليه وسلم ، هذا الربا الحلال .
وإنما اخترنا القول الذي اخترناه في ذلك لأنه أظهر معانيه .
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء الكوفة والبصرة وبعض أهل مكة : لِيَرْبُوَ بفتح الياء من يربو ، بمعنى : وما آتيتم من ربا ليربوَ ذلك الربا في أموال الناس . وقرأ ذلك عامة قرّاء أهل المدينة : «لِتَرْبُوا » بالتاء من تُربوا وضمها ، بمعنى : وما آتيتم من ربا لتُربوا أنتم في أموال الناس .
والصواب من القول في ذلك عندنا ، أنهما قراءتان مشهورتان في قرّاء الأمصار مع تقارب معنييهما ، لأن أرباب المال إذا أربوا ربا المال ، وإذا ربا المالُ فبإرباء أياه ربا . فإذا كان ذلك كذلك ، فبأيّ القراءتين قرأ القارىء فمصيب .
وأما قوله : وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ المُضعِفُونَ فإن أهل التأويل قالوا في تأويله نحو الذي قلنا . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة ، قوله : وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ تُرِيدون وَجْهَ اللّهِ ، فَأُولَئِكَ هُمُ المُضْعِفُونَ قال : هذا الذي يقبله الله ويضعفه لهم عشر أمثالها ، وأكثر من ذلك .
حُدثت عن عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قَتادة ، قال : قال ابن عباس ، قوله وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِبا لِيَرْبُوَ فِي أمْوَالِ النّاسِ فَلا يَرْبُو عِنْدَ اللّهِ قال : هي الهبة ، يهب الشيء يريد أن يُثاب عليه أفضل منه ، فذلك الذي لا يربو عند الله ، لا يؤجر فيه صاحبه ، ولا إثم عليه وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ قال : هي الصدقة تريدون وجه الله فَأُولَئِكَ هُمُ المُضْعِفونَ .
لما جرى الترغيب والأمر ببذل المال لِذَوي الحاجة وصلة الرحم وما في ذلك من الفلاح أعقب بالتزهيد في ضرب آخر من إعطاء المال لا يرضَى الله تعالى به وكان الربا فاشياً في زمن الجاهلية وصدر الإسلام وخاصة في ثقيف وقريش . فلما أرشد الله المسلمين إلى مواساة أغنيائهم فقراءَهم أتبع ذلك بتهيئة نفوسهم للكف عن المعاملة بالربا للمقترضين منهم ، فإن المعاملة بالربا تنافي المواساة لأن شأن المقترض أنه ذو خَلّة ، وشأن المُقرِض أنه ذو جِدَة فمعاملته المقترِض منه بالربا افتراضٌ لحاجته واستغلال لاضطراره ، وذلك لا يليق بالمؤمنين .
و { ما } شرطية تفيد العموم ، فالجملة معترضة بعد جملة { فئاتِ ذا القربى حقه } [ الروم : 38 ] الخ . والواو اعتراضية . ومضمون هذه الجملة بمنزلة الاستدراك للتنبيه على إيتاء مال هو ذميم . وجيء بالجملة شرطية لأنها أنسب بمعنى الاستدراك على الكلام السابق . فالخطاب للمسلمين الذين يريدون وجهَ الله الذين كانوا يُقرضون بالربا قبل تحريمه .
ومعنى { ءاتيتم } : آتى بعضكم بعضاً لأن الإيتاء يقتضي مُعطياً وآخذاً .
وقوله { لتربوا في أموال الناس } خطاب للفريق الآخِذِ .
و { لتربوا } لتزيدوا ، أي لأنفسكم أموالاً على أموالكم . وقوله : { في أموال الناس في } للظرفية المجازية بمعنى ( من ) الابتدائية ، أي لتنالوا زيادة وأرباحاً تحصل لكم من أموال الناس ، فحرف { في } هنا كالذي في قول سَبْرةَ الفقعسي :
ونَشْرَبُ فِي أثمانها ونُقامر{[317]}
أي نشرب ونقامر من أثمان إبلنا . وتقدم بيانه عند قوله تعالى { وارْزُقُوهُمْ فيها واكْسُوهم } في سورة النساء ( 5 ) .
و{ مِن } في قوله { من رباً } وقوله { من زكاة } بيانية مبينة لإبهام { مَا } الشرطية في الموضعين . وتقدم الربا في سورة البقرة .
وقوله { فلا يربو عند الله } جواب الشرط . ومعنى { فلا يربو عند الله } أنه عمل ناقص عند الله غير زاككٍ عنده ، والنقص يكنى به عن المذمة والتحقير . وهذا التفسير هو المناسب لمحمل لفظ الربا على حقيقته المشهورة ، ولموافقة معنى قوله تعالى : { يمحق الله الربا ويربي الصدقات } [ البقرة : 276 ] ، ولمناسبة ذكر الإضعاف في قوله هنا { فأولئك هم المضعفون } وقوله { لا تأكلوا الربا أضعافاً مضاعفة } في سورة آل عمران ( 130 ) . وهذا المعنى مروي عن السدّي والحسن . وقد استقام بتوجيهه المعنى من جهة العربية في معنى في } من قوله { في أموال الناس .
ويجوز أن يكون لفظ { ربا } في الآية أطلق على الزيادة في مال لغيره ، أي إعطاء المال لذوي الأموال قصدَ الزيادة في أموالهم تقرباً إليهم ، فيشمل هبة الثواب والهبة للزلفى والمَلَق . ويكون الغرض من الآية التنبيه على أن ما كانوا يفعلونه من ذلك لا يغني عنهم من موافقة مرضاة الله تعالى شيئاً وإنما نفعه لأنفسهم . ودرج على هذا المعنى جم غفير من المفسرين فيصير المعنى : وما أعطيتم من زيادة لتزيدوا في أموال الناس ، وتصير كلمة { لتربوا } توكيداً لفظيّاً ليعلق به قوله { في أموال الناس } .
وقوله { وما ءاتيتم من زكاة } الخ رجوع إلى قوله { فئاتِ ذا القربى حقه } [ الروم : 38 ] الآية لأن ذلك الحق هو المسمى بالزكاة .
وجملة { فأولئك هم المضعفون } جواب { وما ءاتيتم من زكاة ، } أي فمؤتوه المضعفون ، أي أولئك الذين حصل لهم الإضعاف وهو إضعاف الثواب . وضمير الفصل لقصر جنس المضعفين على هؤلاء ، وهو قصر ادعائي للمبالغة لعدم الاعتداد بإضعاف من عداهم لأن إضعاف من عداهم إضعاف دُنيوي زائل . واسم الإشارة في قوله { فأولئك هم المضعفون } للتنويه بهؤلاء والدلالة على أنهم أحرياء بالفلاح . واسم الإشارة إظهار في مقام الإضمار اقتضاه مقام اجتلاب اسم الإشارة .
وقرأ الجمهور { ءاتيتم } بهمزتين ، أي أعطيتم . وقرأه ابن كثير { أتيتم } بهمزة واحدة ، أي قصدتم ، أي فعلتم . وقرأ الجمهور { ليَربوَ } بتحتية مفتوحة وفتحة إعراب على واو { ليربوَ } وكتب في المصاحف بألف بعد الواو وليس واو جماعة بالاتفاق ، ورسم المصحف سنة . وقرأ نافع { لتُربوا } بتاء الخطاب مضمومة وواو ساكنة هي واو الجماعة .