تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَإِذۡ أَسَرَّ ٱلنَّبِيُّ إِلَىٰ بَعۡضِ أَزۡوَٰجِهِۦ حَدِيثٗا فَلَمَّا نَبَّأَتۡ بِهِۦ وَأَظۡهَرَهُ ٱللَّهُ عَلَيۡهِ عَرَّفَ بَعۡضَهُۥ وَأَعۡرَضَ عَنۢ بَعۡضٖۖ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِۦ قَالَتۡ مَنۡ أَنۢبَأَكَ هَٰذَاۖ قَالَ نَبَّأَنِيَ ٱلۡعَلِيمُ ٱلۡخَبِيرُ} (3)

[ وقوله : ] { وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا } قال كثير من المفسرين : هي حفصة أم المؤمنين رضي الله عنها ، أسر لها النبي صلى الله عليه وسلم حديثًا ، وأمر أن لا تخبر به أحدًا ، فحدثت به عائشة رضي الله عنهما ، وأخبره الله بذلك الخبر الذي أذاعته ، فعرفها صلى الله عليه وسلم ، ببعض ما قالت ، وأعرض عن بعضه ، كرمًا منه صلى الله عليه وسلم ، وحلمًا ، ف { قَالَتِ } له : { مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا } الخبر الذي لم يخرج منا ؟ { قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ } الذي لا تخفى عليه خافية ، يعلم السر وأخفى .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَإِذۡ أَسَرَّ ٱلنَّبِيُّ إِلَىٰ بَعۡضِ أَزۡوَٰجِهِۦ حَدِيثٗا فَلَمَّا نَبَّأَتۡ بِهِۦ وَأَظۡهَرَهُ ٱللَّهُ عَلَيۡهِ عَرَّفَ بَعۡضَهُۥ وَأَعۡرَضَ عَنۢ بَعۡضٖۖ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِۦ قَالَتۡ مَنۡ أَنۢبَأَكَ هَٰذَاۖ قَالَ نَبَّأَنِيَ ٱلۡعَلِيمُ ٱلۡخَبِيرُ} (3)

والظرف فى قوله - تعالى - { وَإِذَ أَسَرَّ النبي إلى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً } متعلق بمحذوف تقديره اذكر ، وقوله : { أَسَرَّ } من الإسرار بالشىء بمعنى كتمانه وعدم إشاعته .

والمراد ببعض أزواجه : حفصة - رضى الله عنها - .

والمراد بالحديث قوله لها - كما جاء فى بعض الروايات - : " بل شربت عسلا عند زينب ، ولن أعود ، وقد حلفت فلا تخبرى بذلك أحدا . . " .

أو قوله لها فى شأن مارية : " إنى قد حرمتها على نفسى ، فاكتمى ذلك فأخبرت بذلك عائشة " .

أى : واذكر - أيها العاقل لتعتتبر وتتعظ - وقت أن أسر النبى - صلى الله عليه وسلم - إلى زوجه حفصة حديثا ، يتعلق بشربه العسل فى بيت زينب بنت جحش ، وقوله - صلى الله عليه وسلم - لحفصة لا تخبرى بذلك أحدا " .

{ فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ } أى : فلما أخبرت حفصة عائشة بهذا الحديث الذى أمرت بكتمانه { وَأَظْهَرَهُ الله عَلَيْهِ } أى : وأطلع الله - تعالى - نبيه - صلى الله عليه وسلم - على ما قالته حفصة لعائشة .

فالمراد بالإظهار : الاطلاع ، وهو مشتق من الظهور بمعنى التغلب .

وعبر بالإظهار عن الاطلاع ، لأن حفصة وعائشة كانتا حريصتين على عدم معرفة ما دار بينهما فى هذا الشأن ، فلما أطلع الله - تعالى - نبيه على ذلك كانتا بمنزلة من غلبتا على أمرهما .

وقوله - سبحانه - : { عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ } بيان للمسلك السامى الذى سلكه - صلى الله عليه وسلم - فى معاتبته لحفصة على إفشائها لما أمرها أن تكتمه والمفعول الأول لعرف محذوف أى : عرفها بعضه .

أى : فحين خاطب - صلى الله عليه وسلم - حفصة فى شأن الحديث الذى أفشته ، اكتفى بالإشارة إلى جانب منه ، ولم يذكر لها تفاصيل ما قاله لها سابقا .

لسمو أخلاقه - صلى الله عليه وسلم - إذ فى ذكر التفاصيل مزيد من الخجل والإحراج لها .

قال بعضهم : ما زال التغافل من فعل الكرام وما استقصى كريم قط وقال الشاعر :

ليس الغبى بسيد فى قومه . . . لكن سيد قومه المتغابى

وإنما عرفها - صلى الله عليه وسلم - ببعض الحديث ، ليوقفها على خطئها وعلى أنه كان من الواجب عليها أن تحفظ سره - صلى الله عليه وسلم - .

قالوا : ولعل حفصة رضى الله عنها - قد فعلت ذلك ، ظنا منها أنه لا حرج فى إخبار عائشة بذلك ، أو أنها اجتهدت فأخطأت ، ثم تابت وندمت على خطئها .

ثم حكى - سبحانه - ما قالته حفصة للرسول - صلى الله عليه وسلم - وما رد به عليها فقال : { فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هذا قَالَ نَبَّأَنِيَ العليم الخبير } .

أى : فلما سمعت من الرسول - صلى الله عليه وسلم - ما يدل على أنه قد أطلع على ما قالته لعائشة ، قالت له : من أخبرك بما دار بينى وبينها ؟ فأجابها - صلى الله عليه وسلم - بقوله : أخبرنى بذلك الله - تعالى - العليم بجميع أحوال عباده وتصرفاتهم . . الخبير بما تكنه الصدور ، وبما يدور فى النفوس من هواجس وخواطر .

وإنما قالت له - صلى الله عليه وسلم - : { مَنْ أَنبَأَكَ هذا } لتتأكد من أن عائشة لم تخبره - صلى الله عليه وسلم - بما دار بينهما فى هذا الشأن . . . فلما قالت لها - صلى الله عليه وسلم - : { نَبَّأَنِيَ العليم الخبير } تحقق ظنها فى كتمان عائشة لما قالته لها ، وتيقنت أن الذى أخبره بذلك هو الله - عز موجل - .

وفى تذلل الآية الكريمة بقوله : { العليم الخبير } إشارة حكيمة وتنبيه بليغ ، إلى أن من الواجب على كل عاقل ، أن يكون ملتزما لكتمان الأسرار التى يؤتمن عليها ، وأن إذاعتها - ولو فى أضيق الحدود - لا تخفى على الله - عز وجل - لأنه - سبحانه - عليم بكل معلوم ، ومحيطب بخبايا النفوس وخلجاتها .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَإِذۡ أَسَرَّ ٱلنَّبِيُّ إِلَىٰ بَعۡضِ أَزۡوَٰجِهِۦ حَدِيثٗا فَلَمَّا نَبَّأَتۡ بِهِۦ وَأَظۡهَرَهُ ٱللَّهُ عَلَيۡهِ عَرَّفَ بَعۡضَهُۥ وَأَعۡرَضَ عَنۢ بَعۡضٖۖ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِۦ قَالَتۡ مَنۡ أَنۢبَأَكَ هَٰذَاۖ قَالَ نَبَّأَنِيَ ٱلۡعَلِيمُ ٱلۡخَبِيرُ} (3)

ثم يشير إلى الحديث ولا يذكر موضوعه ولا تفصيله ، لأن موضوعه ليس هو المهم ، وليس هو العنصر الباقي فيه . إنما العنصر الباقي هو دلالته وآثاره :

( وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا ) . .

ومن النص نطلع على نموذج من تلك الفترة العجيبة في تاريخ البشرية . الفترة التي يعيش فيها الناس مع السماء . والسماء تتدخل في أمرهم علانية وتفصيلا . ونعلم أن الله قد أطلع نبيه على ما دار بين زوجيه بشأن ذلك الحديث الذي أسره إلى بعض أزواجه . وأنه [ صلى الله عليه وسلم ] حين راجعها فيه اكتفى بالإشارة إلى جانب منه . ترفعا عن السرد الطويل ، وتجملا عن الإطالة في التفصيل ؛ وأنه أنبأها بمصدر علمه وهو المصدر الأصيل :

( فلما نبأت به وأظهره الله عليه عرف بعضه وأعرض عن بعض . فلما نبأها به قالت : من أنبأك هذا ? قال : نبأني العليم الخبير ) . .

والإشارة إلى العلم والخبرة هنا إشارة مؤثرة في حالة التآمر والمكايدات المحبوكة وراء الأستار ! ترد السائلة إلى هذه الحقيقة التي ربما نسيتها أو غفلت عنها ، وترد القلوب بصفة عامة إلى هذه الحقيقة كلما قرأت هذا القرآن .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَإِذۡ أَسَرَّ ٱلنَّبِيُّ إِلَىٰ بَعۡضِ أَزۡوَٰجِهِۦ حَدِيثٗا فَلَمَّا نَبَّأَتۡ بِهِۦ وَأَظۡهَرَهُ ٱللَّهُ عَلَيۡهِ عَرَّفَ بَعۡضَهُۥ وَأَعۡرَضَ عَنۢ بَعۡضٖۖ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِۦ قَالَتۡ مَنۡ أَنۢبَأَكَ هَٰذَاۖ قَالَ نَبَّأَنِيَ ٱلۡعَلِيمُ ٱلۡخَبِيرُ} (3)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَإِذَ أَسَرّ النّبِيّ إِلَىَ بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً فَلَمّا نَبّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللّهُ عَلَيْهِ عَرّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ فَلَمّا نَبّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هََذَا قَالَ نَبّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ } .

يقول تعالى ذكره : وَإذْ أسَرّ النّبِيّ محمد صلى الله عليه وسلم إلى بَعْض أزْوَاجِهِ ، وهو في قول ابن عباس وقتادة وزيد بن أسلم وابنه عبد الرحمن بن زيد والشعبي والضحاك بن مزاحم : حَفْصَةُ . وقد ذكرنا الرواية في ذلك قبل .

وقوله : حَديثا والحديث الذي أسرّ إليها في قول هؤلاء هو قوله لمن أسرّ إليه ذلك من أزواجه تحريمُ فتاته ، أو ما حرّم على نفسه مما كان الله جلّ ثناؤه قد أحله له ، وحلفه على ذلك وقوله : «لا تَذْكُرِي ذَلِكَ لأَحَدٍ » .

وقوله : فَلَمّا نَبّأَتْ بِهِ يقول تعالى ذكره : فلما أخبرت بالحديث الذي أسرّ إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم صاحبتها وأظْهَرَهُ عَلَيْهِ يقول : وأظهر الله نبيه محمد صلى الله عليه وسلم على أنها قد أنبأت بذلك صاحبتها .

وقوله : عَرّفَ بَعْضَهُ وأعْرَضَ عَنْ بَعْض اختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء الأمصار غير الكسائي : عَرّفَ بتشديد الراء ، بمعنى : عرّف النبيّ صلى الله عليه وسلم حفصة بعض ذلك الحديث وأخبرها به ، وكان الكسائي يذكر عن الحسن البصريّ وأبي عبد الرحمن السلمي وقتادة ، أنهم قرأوا ذلك : «عَرَفَ » بتخفيف الراء ، بمعنى : عرف لحفصة بعض ذلك الفعل الذي فعلته من إفشائها سرّه ، وقد استكتمها إياه : أي غضب من ذلك عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وجازاها عليه من قول القائل لمن أساء إليه : لأعرفنّ لك يا فلان ما فعلت ، بمعنى : لإجازينك عليه قالوا : وجازاها رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك من فعلها بأن طلقها .

وأولى القراءتين في ذلك عندي بالصواب قراءة من قرأه عَرّفَ بَعْضَهُ بتشديد الراء ، بمعنى : عرّف النبيّ صلى الله عليه وسلم حفصة ، يعني ما أظهره الله عليه من حديثها صاحبتها لإجماع الحجة من القرّاء عليه .

وقوله : وأعْرَضَ عَنْ بَعْض يقول : وترك أن يخبرها ببعض . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَإذْ أسَرّ النّبِيّ إلى بَعْضِ أزْوَاجِهِ حَدِيثا قوله لها : لا تذكريه فَلَمّا نَبّأَتْ بِهِ وأظْهَرَهُ اللّهُ عَلَيْهِ عَرّفَ بَعْضهُ وأعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ وكان كريما صلى الله عليه وسلم .

وقوله : فَلَمّا نَبّأَها بِهِ يقول : فلما خبر حفصة نبيّ الله صلى الله عليه وسلم بما أظهره الله عليه من إفشائها سرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عائشة قالت منْ أنْبأَكَ هَذَا يقول : قالت حفصةُ لرسول الله : من أنبأك هذا الخبر وأخبرك به قالَ نَبّأَنَي العَلِيمُ الخَبِيرُ يقول تعالى ذكره : قال محمد نبيّ الله لحفصة : خبرني به العليم بسرائر عباده ، وضمائر قلوبهم ، الخبير بأمورهم ، الذي لا يخفى عنه شيء . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : فَلَمّا نَبّأَها بِهِ قالَتْ مَنْ أنْبَأَكَ هَذَا ولم تشكّ أن صاحبتها أخبرت عنها قالَ نَبّأَنِي الْعَلِيمُ الخَبِيرُ .