[ وقوله : ] { إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا } الخطاب للزوجتين الكريمتين من أزواجه صلى الله عليه وسلم عائشة وحفصة رضي الله عنهما ، كانتا سببًا لتحريم النبي صلى الله عليه وسلم على نفسه ما يحبه ، فعرض الله عليهما التوبة ، وعاتبهما على ذلك ، وأخبرهما أن قلوبهما{[1157]} قد صغت أي : مالت وانحرفت عما ينبغي لهن ، من الورع والأدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم ، واحترامه ، وأن لا يشققن عليه ، { وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ } أي : تعاونا{[1158]} على ما يشق عليه ، ويستمر هذا الأمر منكن ، { فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ } أي : الجميع أعوان للرسول ، مظاهرون ، ومن كان هؤلاء أعوانه{[1159]} فهو المنصور ، وغيره ممن يناوئه مخذول{[1160]} وفي هذا أكبر فضيلة وشرف لسيد المرسلين ، حيث جعل الباري نفسه [ الكريمة ] ، وخواص خلقه ، أعوانًا لهذا الرسول الكريم .
ثم وجه - سبحانه - بعد ذلك خطابه إلى حفصة وعائشة ، فأمرهما بالتوبة عما صدر منهما .
فقال : { إِن تَتُوبَآ إِلَى الله فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا } .
ولفظ { صَغَتْ } بمعنى مالت وانحرفت عن الواجب عليهما . يقال صغا فلان يصغو ويصغى صغوا ، إذا مال نحو شىء معين . ويقال : صغت : الشمس ، إذا مالت نحو الغروب ، ومنه قوله - تعالى - : { ولتصغى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة } وجواب الشرط محذوف ، والتقدير : إن تتوبا إلى الله ، فلتوبتكما موجب أو سبب ، فقد مالت قلوبكما عن الحق ، وانحرفت عما يجب عليكما نحو الرسول - صلى الله عليه وسلم - من كتمان لسره ، ومن حرص على راحته ، ومن احترام لكل تصرف من تصرفاته .
. . وجاء الخطاب لهما على سبيل الالتفات من الغيبة إلى الخطاب ، مبالغة فى المعاتبة ، فإن المبالغ فى ذلك يوجه الخطاب إلى من يريد معاتبته مباشرة .
وقال - سبحانه - { فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا } بصيغة الجمع للقلوب ، ولم يقل قلبا كما بالتثنية ، لكراهة اجتماع تثنيتين فيما هو كالكلمة الواحدة ، مع ظهور المراد ، وأمن اللبس .
ثم ساق - سبحانه - ما هو أشد فى التحذير والتأديب فقال : { إِن تَتُوبَآ إِلَى الله فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاَهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلاَئِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ } .
وقوله { تَظَاهَرَا } أصله تتظاهرا فحذفت إحدى التاءين تخفيفا . والمراد بالتظاهر : التعاون والتآزر ، يقال : ظاهر فلان فلانا إذا أعانه على ما يريده ، وأصله من الظهر ، لأن من يعين غيره فكأنه يشد ظهره ، ويقوى أمره
قال - تعالى - : { إِلاَّ الذين عَاهَدتُّم مِّنَ المشركين ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظَاهِرُواْ عَلَيْكُمْ أَحَداً فأتموا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إلى مُدَّتِهِمْ } وجواب الشرط - أيضا - محذوف - أى : وإن تتعاونا عليه بما يزعجه ، ويغضبه ، من الإفراط فى الغيرة ، وإفشاء سره . فلا يعدم ناصرا ولا معينا بل سيجد الناصر الذى ينصره عليكما ، فإن الله - تعالى - { هُوَ مَوْلاَهُ } أى : ناصره ومعينه { وَجِبْرِيلُ } كذلك ناصره ومعينه عليكما .
{ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ } أى : وكذلك الصالحون من المؤمنين من أنصاره وأعوانه .
{ وَالْمَلاَئِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ } أى : والملائكة بعد نصر الله - تعالى - له ، وبعد نصر جبريل وصالح المؤمنين له ، مؤيدونه ومناصرونه وواقفون فى صفه ضدكما .
وفى هذه الآية الكريمة أقوى ألوان النصر والتأييد للرسول - صلى الله عليه وسلم - وأسمى ما يتصوره الإنسان من تكريم الله - تعالى - لنبيه - صلى الله عليه وسلم - ومن غيرته - عز وجل - عليه ، ومن دفاعه عنه - صلى الله عليه وسلم - .
وفيها تعريض بأن من يحاول إغضاب الرسول - صلى الله عليه وسلم - فإن لا يكون من صالح المؤمنين .
وقوله : { وَجِبْرِيلُ } مبتدأ ، وقوله : { وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلاَئِكَةُ } معطوف عليه .
وقوله : { بَعْدَ ذَلِكَ } متعلق بقوله { ظَهِيرٌ } الذى هو خبر عن الجميع .
وقد جاء بلفظ المفرد ، لأن صيغة فعيل يستوى فيها الواحد وغيره . فكأنه - تعالى - قال : الجمع بعد ذلك مظاهرون له ، واختير الإفراد للإشعار بأنهم جميعا كالشىء الواحد فى تأييده ونصرته ، وبأنهم يد واحدة على من يعاديه .
قال صاحب الكشاف : فإن قلت : قوله : { بَعْدَ ذَلِكَ } تعظيم للملائكة ومظاهرتهم ، وقد تقدمت نصرة الله وجبريل وصالح المؤمنين ، ونصرة الله - تعالى - أعظم وأعظم ؟
قلت : مظاهرة الملائكة من جملة نصرة الله ، فكأنه فضل نصرته - تعالى - بهم وبمظاهرتهم على غيرها من وجوه نصرته ، لفضلهم . . " .
وخص جبريل بالذكر مع أنه من الملائكة ، للتنويه بمزيد فضله ، فهو أمين الوحى ، والمبلغ عن الله - تعالى - إلى رسله .
هذا ، ومما يدل على أن الخطاب فى قوله - تعالى - : { إِن تَتُوبَآ إِلَى الله } ، لحفصة وعائشة ، ما أخرجه الشيخان وغيرهما عن ابن عباس أنه قال : لم أزل حريصا على أن أسأل عمر عن المرأتين من أزواج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اللتين قال الله - تعالى - فيهما : { إِن تَتُوبَآ إِلَى الله فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا } .
فلما كان ببعض الطريق . . . قلت : يا أمير المؤمنين ، من المرأتان من أزواج النبى - صلى الله عليه وسلم - اللتان قال الله تعالى - فيهما : { إِن تَتُوبَآ إِلَى الله فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا } .
ويتغير السياق من الحكاية عن حادث وقع إلى مواجهة وخطاب للمرأتين كأن الأمر حاضر :
( إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما . وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير ) . .
وحين نتجاوز صدر الخطاب ، ودعوتهما إلى التوبة لتعود قلوبهما فتميل إلى الله ، فقد بعدت عنه بما كان منها . . حين نتجاوز هذه الدعوة إلى التوبة نجد حملة ضخمة هائلة وتهديدا رعيبا مخيفا . .
ومن هذه الحملة الضخمة الهائلة ندرك عمق الحادث وأثره في قلب رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] حتى احتاج الأمر إلى إعلان موالاة الله وجبريل وصالح المؤمنين . والملائكة بعد ذلك ظهير ! ليطيب خاطر الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] ويحس بالطمأنينة والراحة من ذلك الأمر الخطير !
ولا بد أن الموقف في حس رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] وفي محيطه كان من الضخامة والعمق والتأثير إلى الحد الذي يتناسب مع هذه الحملة . ولعلنا ندرك حقيقته من هذا النص ومما جاء في الرواية على لسان الأنصاري صاحب عمر - رضي الله عنهما - وهو يسأله : جاءت غسان ? فيقول لا بل أعظم من ذلك وأطول . وغسان هي الدولة العربية الموالية للروم في الشام على حافة الجزيرة ، وهجومها إذ ذاك أمر خطير . ولكن الأمر الآخر في نفوس المسلمين كان أعظم وأطول ! فقد كانوا يرون أن استقرار هذا القلب الكبير ، وسلام هذا البيت الكريم أكبر من كل شأن . وأن اضطرابه وقلقه أخطر على الجماعة المسلمة من هجوم غسان عملاء الروم ! وهو تقدير يوحي بشتى الدلالات على نظرة أولئك الناس للأمور . وهو تقدير يلتقي بتقدير السماء للأمر ، فهو إذن صحيح قويم عميق .
القول في تأويل قوله تعالى : { إِن تَتُوبَآ إِلَى اللّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنّ اللّهَ هُوَ مَوْلاَهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلاَئِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ } .
يقول تعالى ذكره : إن تتوبا إلى الله أيتها المرأتان فقد مالت قلوبكما إلى محبة ما كرهه رسول الله صلى الله عليه وسلم من اجتنابه جاريته ، وتحريمها على نفسه ، أو تحريم ما كان له حلالاً مما حرّمه على نفسه بسبب حفصة . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : إنْ تَتُوبا إلى اللّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبَكُما يقول : زاغت قلوبكما ، يقول : قد أثمت قلوبكما .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يحيى بن واضح ، قال : حدثنا محمد بن طلحة ، عن زبيد ، عن مجاهد قال : كنا نرى أن قوله : فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبَكُما شيء هين ، حتى سمعت قراءة ابن مسعود : «إن تَتُوبا إلى اللّهُ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبَكُما » .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبَكُما : أي مالت قلوبكما .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن قتادة فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبَكُما مالت قلوبكما .
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبَكُما يقول : زاغت .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان صٍغَتْ قُلُوبَكُما قال : زاغت قلوبكما .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : ابن زيد ، قال الله عزّ وجلّ : إنْ تَتُوبا إلى اللّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبَكُما قال : سرهما أن يجتنب رسول الله صلى الله عليه وسلم جاريته ، وذلك لهما موافق صَغَتْ قُلُوبَكُما إلى أن سرّهما ما كره رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وقوله : وَإنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ يقول تعالى ذكره للتي أسّر إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثه ، والتي أفشت إليها حديثه ، وهما عائشة وحفصة رضي الله عنهما . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن أبي ثور ، عن ابن عباس قال : لم أزل حريصا على أن أسأل عمر عن المرأتين من أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، اللتين قال الله جلّ ثناؤه : إنْ تَتْوبا إلى اللّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبَكُما قال : فحجّ عمر ، وحججت معه ، فلما كان ببعض الطريق عدل عمر ، وعدلت معه بإداوة ، ثم أتاني فسكبت على يده وتوضأ فقلت : يا أمير المؤمنين ، من المرأتان من أزواج النبيّ صلى الله عليه وسلم اللتان قال الله لهما : إنْ تَتُوبا إلى اللّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبَكُما قال عمر : واعجبا لك يا بن عباس قال الزهري : وكره والله ما سأله ولم يكتم ، قال : هي حفصة وعائشة قال : ثم أخذ يسوق الحديث ، فقال : كنا معشر قريش نغلب النساء ، فلما قدمنا المدينة ، ثم ذكر الحديث بطوله .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن أشهب ، عن مالك ، عن أبي النضر ، عن عليّ بن حسين ، عن ابن عباس ، أنه سأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن المتطاهرتين على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : عائشة وحفصة .
حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرنا سفيان ، عن يحيى بن سعيد ، عن عبيد بن حنين أنه سمع ابن عباس يقول : مكثت سنة وأنا أريد أن أسأل عمر بن الخطاب عن المتظاهرتين ، فما أجد له موضعا أسأله فيه حتى خرج حاجا ، وصحبته حتى إذا كان بمرّ الظّهران ذهب لحاجته ، وقال : أدركني بإداوة من ماء فلما قضى حاجته ورجع ، أتيته بالإداوة أصبها عليه ، فرأيت موضعا ، فقلت : يا أمير المؤمنين ، من المرأتان المتظاهرتان على رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فما قضيت كلامي حتى قال : عائشة وحفصة رضي الله عنهما .
حدثنا ابن بشار وابن المثنى ، قالا : حدثنا عمر بن يونس ، قال : حدثنا عكرمة بن عمار ، قال : حدثنا سماك أبو زميل ، قال : ثني عبد الله بن عباس ، قال : ثني عمر بن الخطاب ، قال : لما اعتزل نبيّ الله صلى الله عليه وسلم نساءه ، دخلت عليه وأنا أرى في وجهه الغضب ، فقلت : يا رسول الله ما شقّ عليك من شأن النساء ، فلئن كنت طلقتهن فإن الله معك وملائكته ، وجبرائيل وميكائيل ، وأنا وأبو بكر معك ، وقلما تكلمت وأحمد الله بكلام ، إلا رجوت أن يكون الله مصدّق قولي ، فنزلت هذه الاَية ، آية التخيير : عَسَى رَبّهُ إنْ طَلّقَكُنّ أنْ يُبْدِلَهُ أزْوَاجا خَيْرا مِنْكُنّ ، وَإنْ تَظاهَرَا عَلَيْهِ فإنّ اللّهَ هُوَ مُوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ المُوءْمِنِينَ . . . الاَية ، وكانت عائشة ابنة أبي بكر وحفصة تتظاهران على سائر نساء النبيّ صلى الله عليه وسلم .
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : وَإنْ تَظَاهَرَ عَلَيْهِ يقول : على معصية النبيّ صلى الله عليه وسلم وأذاه .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، قال ابن عباس لعمر : يا أمير المؤمنين إني أريد أن أسألك عن أمر وإني لأهابك ، قال : لا تهبني ، فقال : من اللتان تظاهرتا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : عائشة وحفصة .
وقوله : فإنّ اللّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ المُوءْمِنِينَ يقول : فإن الله هو وليه وناصره ، وصالح المؤمنين ، وخيار المؤمنين أيضا مولاه وناصره .
وقيل : عني بصالح المؤمنين في هذا الموضع : أبو بكر ، وعمر رضي الله عنهما . ذكر من قال ذلك :
حدثني عليّ بن الحسن الأزدي ، قال : حدثنا يحيى بن يمان ، عن عبد الوهاب ، عن مجاهد ، في قوله وَصَالِحُ المُوءْمِنِينَ قال : أبو بكر وعمر .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يحيى بن واضح ، قال : حدثنا عبيد بن سليمان ، عن الضحاك ، في قوله : وَصَالِحُ المُوءْمِنِينَ قال : خيار المؤمنين أبو بكر الصدّيق وعمر .
حدثنا إسحاق بن إسرائيل ، قال : حدثنا الفضل بن موسى السيناني من قرية بمرو يقال لها سينان عن عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك بن مزاحم يقول في قوله : وَصَالِحُ المُوءْمِنِينَ قال : أبو بكر وعمر .
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله وَصَالِحُ المُوءْمِنِينَ يقول : خيار المؤمنين .
وقال آخرون : عُنِي بصالح المؤمنين : الأنبياء صلوات الله عليهم . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَصَالِحُ المُوءْمِنِينَ قال : هم الأنبياء .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، قوله وَصَالِحُ المُوءْمِنِينَ قال : هم الأنبياء .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان وَصَالِحُ المُوءْمِنِينَ قال الأنبياء .
والصواب من القول في ذلك عندي : أن قوله : وَصَالِحُ المُوءْمِنِينَ وإن كان في لفظ واحد ، فإنه بمعنى الجميع ، وهو بمعنى قوله إنّ الإنْسانَ لَفِي خَسْر فالإنسان وإن كان في لفظ واحد ، فإنه بمعنى الجميع ، وهو نظير قول الرجل : لا تَقريَنّ إلا قارىء القرآن ، يقال : قارىء القرآن ، وإن كان في اللفظ واحدا ، فمعناه الجمع ، لأنه قد أذن لكلّ قارىء القرآن أن يقريه ، واحدا كان أو جماعة .
وقوله : وَالمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلكَ ظَهِيرٌ يقول : والملائكة مع جبريل وصالح المؤمنين لرسول الله صلى الله عليه وسلم أعوان على من آذاه ، وأراد مساءته . والظهير في هذا الموضع بلفظ واحد في معنى جمع . ولو أخرج بلفظ الجميع لقيل : والملائكة بعد ذلك ظهراء . وكان ابن زيد يقول في ذلك ما :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : وَإنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فإن اللّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْريلُ وَصَالِحُ المُوءْمِنِينَ قال : وبدأ بصالح المؤمنين ها هنا قبل الملائكة ، قال : والمَلاَئِكَةُ بَعْدَ ذَلكَ ظَهِيرٌ .