تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَيَوۡمَ يَقُولُ نَادُواْ شُرَكَآءِيَ ٱلَّذِينَ زَعَمۡتُمۡ فَدَعَوۡهُمۡ فَلَمۡ يَسۡتَجِيبُواْ لَهُمۡ وَجَعَلۡنَا بَيۡنَهُم مَّوۡبِقٗا} (52)

ولما ذكر حال من أشرك به في الدنيا ، وأبطل هذا الشرك غاية الإبطال ، وحكم بجهل صاحبه وسفهه ، أخبر عن حالهم مع شركائهم يوم القيامة ، وأن الله يقول لهم : { نَادُوا شُرَكَائِيَ } بزعمكم أي : على موجب زعمكم الفاسد ، وإلا فبالحقيقة ليس لله شريك في الأرض ، ولا في السماء ، أي : نادوهم ، لينفعوكم ، ويخلصوكم من الشدائد ، { فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ } لأن الحكم والملك يومئذ لله ، لا أحد يملك مثقال ذرة من النفع لنفسه ولا لغيره .

{ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ } أي : بين المشركين وشركائهم { مَوْبِقًا } أي ، مهلكا ، يفرق بينهم وبينهم ، ويبعد بعضهم من بعض ، ويتبين حينئذ عداوة الشركاء لشركائهم ، وكفرهم بهم ، وتبريهم منهم ، كما قال تعالى { وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ }

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَيَوۡمَ يَقُولُ نَادُواْ شُرَكَآءِيَ ٱلَّذِينَ زَعَمۡتُمۡ فَدَعَوۡهُمۡ فَلَمۡ يَسۡتَجِيبُواْ لَهُمۡ وَجَعَلۡنَا بَيۡنَهُم مَّوۡبِقٗا} (52)

ثم ساقت السورة الكريمة مشهدا من مشاهد القيامة - يكشف عن سوء المصير الذى ينتظر الشركاء وينتظر المجرمين . فقال - تعالى - : { وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُواْ شُرَكَآئِيَ الذين زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُمْ . . . } .

أى : واذكر - أيها العاقل - يوم يقول الله - تعالى - للمجرمين والكافرين على سبيل التوبيخ والتقريع : أيها الكافرون ، نادوا شركائى الذين زعمتم أنهم ينفعونكم ويشفعون لكم فى هذا الموقف العصيب { فدعوهم } أى : فأطاعوا أمر خالقهم ، ودعوا شركاءهم لكى يستغيثوا بهم { فَلَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُمْ } أى : فلم يجدوا منهم أدنى استجابة فضلا عن النفع أو العون .

وقوله : { وَجَعَلْنَا بَيْنَهُم مَّوْبِقاً } أى : وجعلنا بين الداعين والمدعوين مهلكا يشتركون فيه جميعا وهو جهنم .

فالموبق : اسم مكان من وبق وبوقا - كوثب وثوبا - أو وبق وبقا كفرح فرحا - إذا هلك . ويقال فلان أوبقته ذنوبه : أى أهلكته . ومنه قوله - تعالى - : { أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا } أى يهلكهن . ومنه الحديث الشريف : " كل يغدو فموبق نفسه " - أى ملهكها - ومنه أيضاً قوله صلى الله عليه وسلم : " اجتنبوا السبع الموبقات " أى : المهلكات .

وقيل : الموبق اسم واد فى جهنم فرق الله به بينهم ، أى بين الداعين والمدعوين .

وقيل : كل حاجز بين شيئين فهو موبق .

قال ابن جرير - رحمه الله - بعد أن ذكر جملة من الأقوال فى ذلك : " وأولى الأقوال فى ذلك بالصواب ، القول الذى ذكرناه من أن الموبق بمعنى المهلك وذلك أن العرب تقول فى كلامها : قد أوبقت فلانا إذا أهلكته . . " .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَيَوۡمَ يَقُولُ نَادُواْ شُرَكَآءِيَ ٱلَّذِينَ زَعَمۡتُمۡ فَدَعَوۡهُمۡ فَلَمۡ يَسۡتَجِيبُواْ لَهُمۡ وَجَعَلۡنَا بَيۡنَهُم مَّوۡبِقٗا} (52)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُواْ شُرَكَآئِيَ الّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُم مّوْبِقاً * وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النّارَ فَظَنّوَاْ أَنّهُمْ مّوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُواْ عَنْهَا مَصْرِفاً } .

يقول عزّ ذكره وَيَوْمَ يَقُولُ الله عزّ ذكره للمشركين به الاَلهة والأنداد نادُوا شُرَكائيَ الَذِينَ زَعَمْتُمْ يقول لهم : ادعوا الذين كنتم تزعمون أنهم شركائي في العبادة لينصروكم ويمنعوكم مني فَدَعَوهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ يقول : فاستغاثوا بهم فلم يغيثوهم وجَعَلْنا بَيْنَهُمْ مَوْبِقا .

فاختلف أهل التأويل في معنى ذلك ، فقال بعضهم : معناه : وجعلنا بين هؤلاء المشركين وما كانوا يدعون من دون الله شركاء في الدنيا يومئذٍ عداوة . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عبد الله بن بزيع ، قال : حدثنا بشر بن المفضل ، عن عوف ، عن الحسن ، في قول الله : وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ مَوْبِقا قال : جعل بينهم عداوة يوم القيامة .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عثمان بن عمر ، عن عوف ، عن الحسن وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ مَوْبِقا قال : عداوة .

وقال آخرون : معناه : وجعلنا فعلهم ذلك لهم مَهْلِكا . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ مَوْبِقا قال : مَهْلِكا .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله : مَوْبِقا قال : هلاكا .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ مَوْبِقا قال : الموبق : المهلك ، الذي أهلك بعضهم بعضا فيه ، أوبق بعضهم بعضا . وقرأ وَجَعَلْنا لِمَهْلِكِهمْ مَوْعِدا .

حُدثت عن محمد بن يزيد ، عن جويبر ، عن الضحاك مَوْبِقا قال : هلاكا .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن عَرْفَجة ، في قوله وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ مَوْبِقا قال : مهلكا .

وقال آخرون : هو اسم واد في جهنم . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا ابن أبي عديّ ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن أبي أيوب ، عن عمرو البكّاليّ : وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ مَوْبِقاقال : واد عميق فُصِل به بين أهل الضلالة وأهل الهدى ، وأهل الجنة ، وأهل النار .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ مَوْبِقا ذكر لنا أن عَمرا البكَالي حدّث عن عبد الله بن عمرو ، قال : هو واد عميق فُرق به يوم القيامة بين أهل الهدى وأهل الضلالة .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا عمر بن عبيد ، عن الحجاج بن أرطاة ، قال : قال مجاهد وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ مَوْبِقا قال : واديا في النار .

حدثنا محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى «ح » وحدثني الحرث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ مَوْبِقا قال : واديا في جهنم .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .

حدثني محمد بن سنان القزاز ، قال : حدثنا عبد الصمد ، قال : حدثنا يزيد بن درهم ، قال : سمعت أنس بن مالك يقول في قول الله عزّ وجلّ وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ مَوْبِقا قال : واد في جهنم من قيح ودم .

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب ، القول الذي ذكرناه عن ابن عباس ، ومن وافقه في تأويل الموبق : أنه المهلك ، وذلك أن العرب تقول في كلامها : قد أوبقت فلانا : إذا أهلكته . ومنه قول الله عزّ وجلّ : أوْ يُوبِقْهُنّ بِمَا كَسَبُوا بمعنى : يهلكهنّ . ويقال للمهلك نفسه : قد وبق فلان فهو يوبق وبقا . ولغة بني عامر : يابق بغير همز . وحُكي عن تميم أنها تقول : يبيق . وقد حُكي وبق يبق وبوقا ، حكاها الكسائي . وكان بعض أهل العلم بكلام العرب من أهل البصرة يقول : الموبق : الوعد ، ويستشهد لقيله ذلك بقول الشاعر :

وحادَ شَرَوْرَى فالسّتارَ فَلَمْ يَدَعْ *** تِعارا لَهُ والوَادِيَيْنِ بِمَوْبِقِ

ويتأوّله بموعد . وجائز أن يكون ذلك المهلك الذي جعل الله جلّ ثناؤه بين هؤلاء المشركين ، هو الوادي الذي ذكر عن عبد الله بن عمرو ، وجائز أن يكون العداوة التي قالها الحسن .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَيَوۡمَ يَقُولُ نَادُواْ شُرَكَآءِيَ ٱلَّذِينَ زَعَمۡتُمۡ فَدَعَوۡهُمۡ فَلَمۡ يَسۡتَجِيبُواْ لَهُمۡ وَجَعَلۡنَا بَيۡنَهُم مَّوۡبِقٗا} (52)

وقوله { ويوم يقول } الآية وعيد ، المعنى واذكر يوم ، وقرأ طلحة ويحيى والأعمش وحمزة «نقول » بنون العظمة ، وقرأ الجمهور بالياء أي «يقول » الله تعالى للكفار الذين أشركوا به من الدنيا سواه : { نادوا شركائي } أي على وجه الاستغاثة بهم ، وقوله { شركائي } أي على دعواكم أيها المشركون وقد بين هذا بقوله { الذين زعمتم } وقرأ ابن كثير وأهل مكة «شركاي » بياء مفتوحة ، وقرأ الجمهور : «شركائي » بهمزة . فمنهم من حققها ، ومنهم من خففها ، و «الزعم » إنما هو مستعمل أبداً في غير اليقين ، بل أغلبه في الكذب ، ومنه هذه الآية ، وأرفع موضعه أن يستعمل «زعم » بمعنى أخبر ، حيث تبقى عهدة الخبر على المخبر ، كما يقول سيبويه رحمه الله : زعم الخليل . وقوله { فدعوهم } فلم يستجيبوا لهم ظاهره أن ذلك يقع حقيقة ، ويحتمل أن يكون استعارة ، كأن فكرة الكفار ونظرهم في أن تلك الجمادات ، لا تغني شيئاً ولا تنفع ، هي بمنزلة الدعاء وترك الإجابة ، والأول أبين ، واختلف المتأولون في قوله { موبقاً } قال عبد الله ابن عمرو وأنس بن مالك ومجاهد : هو واد في جهنم يجري بدم وصديد ، قال أنس : يحجز بين أهل النار وبين المؤمنين ، فقوله على هذا { بينهم } ظرف ، وقال الحسن { موبقاً } معناه عداوة و { بينهم } على هذا ظرف ، وبعض هذه الفرقة ، يرى أن الضمير في قوله { بينهم } يعود على المؤمنين والكافرين ، ويحتمل أن يعود على المشركين ومعبوداتهم ، وقال ابن عباس { موبقاً } معناه مهلكاً بمنزلة موضع وهو من قولك وبق الرجل وأوبقه غيره إذا أهلكه ، فقوله { بينهم } على هذا التأويل ، يصح أن يكون ظرفاً ، والأظهر فيه أن يكون اسماً ، بمعنى جعلنا تواصلهم أمراً مهلكاً لهم ، ويكون { بينهم } مفعولاً أولاً ل { جعلنا } ، وعبر بعضهم عن الموبق بالموعد وهذا ضعيف .