تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَٱسۡتَجَبۡنَا لَهُۥ وَوَهَبۡنَا لَهُۥ يَحۡيَىٰ وَأَصۡلَحۡنَا لَهُۥ زَوۡجَهُۥٓۚ إِنَّهُمۡ كَانُواْ يُسَٰرِعُونَ فِي ٱلۡخَيۡرَٰتِ وَيَدۡعُونَنَا رَغَبٗا وَرَهَبٗاۖ وَكَانُواْ لَنَا خَٰشِعِينَ} (90)

{ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى } النبي الكريم ، الذي لم يجعل الله له من قبل سميا .

{ وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ } بعدما كانت عاقرا ، لا يصلح رحمها للولادة فأصلح الله رحمها للحمل ، لأجل نبيه زكريا ، وهذا من فوائد الجليس ، والقرين الصالح ، أنه مبارك على قرينه ، فصار يحيى مشتركا بين الوالدين .

ولما ذكر هؤلاء الأنبياء والمرسلين ، كلا على انفراده ، أثنى عليهم عموما فقال : { إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ } أي : يبادرون إليها ويفعلونها في أوقاتها الفاضلة ، ويكملونها على الوجه اللائق الذي ينبغي ولا يتركون فضيلة يقدرون عليها ، إلا انتهزوا الفرصة فيها ، { وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا } أي : يسألوننا الأمور المرغوب فيها ، من مصالح الدنيا والآخرة ، ويتعوذون بنا من الأمور المرهوب منها ، من مضار الدارين ، وهم راغبون راهبون لا غافلون ، لاهون ولا مدلون ، { وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ } أي : خاضعين متذللين متضرعين ، وهذا لكمال معرفتهم بربهم .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَٱسۡتَجَبۡنَا لَهُۥ وَوَهَبۡنَا لَهُۥ يَحۡيَىٰ وَأَصۡلَحۡنَا لَهُۥ زَوۡجَهُۥٓۚ إِنَّهُمۡ كَانُواْ يُسَٰرِعُونَ فِي ٱلۡخَيۡرَٰتِ وَيَدۡعُونَنَا رَغَبٗا وَرَهَبٗاۖ وَكَانُواْ لَنَا خَٰشِعِينَ} (90)

فكانت نتيجة هذا الدعاء الخالص أن أجاب الله لزكريا دعاءه فقال : { فاستجبنا لَهُ } أى دعاءه وتضرعه .

{ وَوَهَبْنَا لَهُ } بفضلنا وإحساننا ابنه { يحيى } - عليهما السلام - .

{ وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ } بأن جعلناها تلد بعد أن كانت عقيما تكريما له ورحمة به .

وقوله : { إِنَّهُمْ كَانُواْ يُسَارِعُونَ فِي الخيرات } تعليل لهذا العطاء الذى منحه - سبحانه - لأنبيائه - عليهم الصلاة والسلام - والضمير فى " إنهم " يعود للأنبياء السابقين . وقيل : يعود إلى زكريا وزوجه ويحيى .

أى : لقد أعطيناهم من ألوان النعم ، لأنهم كانوا يبادرون فى فعل الخيرات التى ترضينا ، ويجتهدون فى أداء كل قول أو عمل أمرناهم به .

{ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً } أى : ويجأرون إلينا بالدعاء ، راغبين فى آلائنا ونعمنا وراهبين خائفين من عذابنا ونقمنا .

فقوله { رَغَباً وَرَهَباً } مصدران بمعنى اسم الفاعل ، منصوبان على الحال ، وفعلهما من باب " طرب " { وَكَانُواْ لَنَا خاشِعِينَ } أى : مخبتين متضرعين لا متكبرين ولا متجبرين .

وبهذه الصفات الحميدة ، استحق هؤلاء الأخيار أن ينالوا خيرنا وعطاءنا ورضانا

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَٱسۡتَجَبۡنَا لَهُۥ وَوَهَبۡنَا لَهُۥ يَحۡيَىٰ وَأَصۡلَحۡنَا لَهُۥ زَوۡجَهُۥٓۚ إِنَّهُمۡ كَانُواْ يُسَٰرِعُونَ فِي ٱلۡخَيۡرَٰتِ وَيَدۡعُونَنَا رَغَبٗا وَرَهَبٗاۖ وَكَانُواْ لَنَا خَٰشِعِينَ} (90)

يقول الله جلّ ثناؤه : فاستجبنا لزكريا دعاءه ، ووهبنا له يحيى ولدا ووارثا يرثه ، وأصلحنا له زوجه .

واختلف أهل التأويل في معنى الصلاح الذي عناه الله جلّ ثناؤه بقوله : وأصْلَحْنا لَهُ زَوْجَه فقال بعضهم : كانت عقيما فأصلحها بأن جعلها وَلُودا . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن عبيد المحاربيّ ، قال : حدثنا حاتم بن إسماعيل ، عن حميد بن صخر ، عن عمار ، عن سعيد ، في قوله : وأصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ قال : كانت لا تلد .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال ابن عباس ، في قوله : وأصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ قال : وهبنا له ولدها .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : وأصلْحْنَا لَهُ زَوْجَهُ كانت عاقرا ، فجعلها الله وَلودا ، ووهب له منها يحيى .

وقال آخرون : كانت سيئة الخُلق ، فأصلحها الله له بأن رزقها حُسن الخُلُق .

قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك أن يقال : إن الله أصلح لزكريا زوجه ، كما أخبر تعالى ذكره بأن جعلها ولودا حسنة الخُلُق لأن كل ذلك من معاني إصلاحه إياها . ولم يخصُصِ الله جلّ ثناؤه بذلك بعضا دون بعض في كتابه ولا على لسان رسوله ، ولا وضع على خصوص ذلك دلالة ، فهو على العموم ما لم يأت ما يجب التسليم له بأن ذلك مراد به بعض دون بعض .

وقوله : إنّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الخَيْرَاتِ يقول الله : إن الذين سميناهم يعني زكريا وزوجه ويحيى كانوا يسارعون في الخيرات في طاعتنا ، والعمل بما يقرّبهم إلينا . ) وقوله : وَيَدْعُونَنا رَغَبا وَرَهَبا يقول تعالى ذكره : وكانوا يعبدوننا رغبا ورهَبا . وعَنَى بالدعاء في هذا الموضع : العبادة ، كما قال : وأعْتَزِلُكُمْ وَما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ وأدْعُو رَبّي عَسى أن لا أكُونَ بدُعاءِ رَبّي شَقِيّا ويعني بقوله : رَغَبا أنهم كانوا يعبدونه رغبة منهم فيما يرجون منه من رحمته وفضله . وَرَهَبايعني رهبة منهم من عذابه وعقابه ، بتركهم عبادته وركوبهم معصيته .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج : إنّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنا رَغَبا وَرَهبَا قال : رغبا في رحمة الله ، ورهبا من عذاب الله .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَيَدْعُونَنا رَغَبا وَرَهَبا قال : خوفا وطمعا . قال : وليس ينبغي لأحدهما أن يفارق الاَخر .

واختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء الأمصار : رَغَبا وَرَهبا بفتح الغين والهاء من الرغَب والرهَب . واختلف عن الأعمش في ذلك ، فرُويت عنه الموافقة في ذلك للقرّاء ، ورُوي عنه أنه قرأها : «رُغْبا » «ورُهْبا » بضم الراء في الحرفين وتسكين الغين والهاء .

والصواب من القراءة في ذلك ما عليه قرّاء الأمصار ، وذلك الفتح في الحرفين كليهما .

وقوله : وكانُوا لَنا خاشِعِينَ يقول : وكانوا لنا متواضعين متذللين ، ولا يستكبرون عن عبادتنا ودعائنا .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{فَٱسۡتَجَبۡنَا لَهُۥ وَوَهَبۡنَا لَهُۥ يَحۡيَىٰ وَأَصۡلَحۡنَا لَهُۥ زَوۡجَهُۥٓۚ إِنَّهُمۡ كَانُواْ يُسَٰرِعُونَ فِي ٱلۡخَيۡرَٰتِ وَيَدۡعُونَنَا رَغَبٗا وَرَهَبٗاۖ وَكَانُواْ لَنَا خَٰشِعِينَ} (90)

{ فاستجبنا له ووهبنا له يحيى وأصلحنا له زوجه } أي أصلحناها للولادة بعد عقرها أو ل { زكريا } بتحسين خلقها وكانت حردة . { إنهم } يعني المتوالدين أو المذكورين من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام . { كانوا يسارعون في الخيرات } يبادرون إلى أبواب الخير . { ويدعوننا رغبا ورهبا } ذوي رغب ورهب ، أو راغبين في الثواب راجين للإجابة ، أو في الطاعة وخائفين العقاب أو المعصية . { وكانوا لنا خاشعين } مخبتين أو دائبين الوجل ، والمعنى أنهم نالوا من الله ما نالوا بهذه الخصال .