{ 112 } { التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ }
كأنه قيل : من هم المؤمنون الذين لهم البشارة من اللّه بدخول الجنات ونيل الكرامات ؟ فقال : هم { التَّائِبُونَ ْ } أي : الملازمون للتوبة في جميع الأوقات عن جميع السيئات .
{ الْعَابِدُونَ ْ } أي : المتصفون بالعبودية للّه ، والاستمرار على طاعته من أداء الواجبات والمستحبات في كل وقت ، فبذلك يكون العبد من العابدين .
{ الْحَامِدُونَ ْ } للّه في السراء والضراء ، واليسر والعسر ، المعترفون بما للّه عليهم من النعم الظاهرة والباطنة ، المثنون على اللّه بذكرها وبذكره في آناء الليل وآناء النهار .
{ السَّائِحُونَ ْ } فسرت السياحة بالصيام ، أو السياحة في طلب العلم ، وفسرت بسياحة القلب في معرفة اللّه ومحبته ، والإنابة إليه على الدوام ، والصحيح أن المراد بالسياحة : السفر في القربات ، كالحج ، والعمرة ، والجهاد ، وطلب العلم ، وصلة الأقارب ، ونحو ذلك .
{ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ ْ } أي : المكثرون من الصلاة ، المشتملة على الركوع والسجود .
{ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ ْ } ويدخل فيه جميع الواجبات والمستحبات .
{ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ ْ } وهي جميع ما نهى اللّه ورسوله عنه .
{ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ ْ } بتعلمهم حدود ما أنزل اللّه على رسوله ، وما يدخل في الأوامر والنواهي والأحكام ، وما لا يدخل ، الملازمون لها فعلا وتركا .
{ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ْ } لم يذكر ما يبشرهم به ، ليعم جميع ما رتب على الإيمان من ثواب الدنيا والدين والآخرة ، فالبشارة متناولة لكل مؤمن .
وأما مقدارها وصفتها فإنها بحسب حال المؤمنين ، وإيمانهم ، قوة ، وضعفا ، وعملا بمقتضاه .
ثم وصف الله - تعالى - هؤلاء المؤمنين الصادقين بجملة من الأوصاف الكريمة فقال : { التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون . . . } .
قال الجمل ما ملخصه : ذكر الله - تعالى - في هذه الآية تسعة أوصاف للمؤمنين ، الستة الأولى منها تتعلق بمعاملة الخالق ، والوصفان السابع والثامن يتعلقان بمعاملة المخلوق ، والوصف التاسع يعم القبيلتين .
وقوله : { التائبون } فيه وجوه من الأعراب منها : أنه مرفوع على المدح . فهو خبر لمبتدأ محذوف وجوباً للمبالغة في المدح أى : المؤمنون المذكورون التائبون ، ومنها أن الخبر هنا محذوف ، أى : التائبون المصوفون بهذه الأوصاف من أهل الجنة . .
والمعنى : " التائبون " عن المعاصى وعن كل ما نهت عنه شريعة الله ، " العابِدون " لخالقهم عبادة خالصة ولجهه ، " الحامدون " له - سبحانه - في السراء والضراء ، وفى المنشط والمكره ، وفى العسر واليسر ، " السائحون " في الأرض للتدبر والاعتبار وطاعة الله . والعمل على مرضاته { الراكعون الساجدون } لله - تعالى - عن طريق الصلاة التي هي عماد الدين وركنه الركين " الآمرون " غيرهم " بالمعروف " أى : بكل ما حسنه الشرع " والناهون " له " عن المنكر " الذي تأباه الشرائع والعقول السليمة ، { والحافظون لِحُدُودِ الله } أى : لشرائعهم وفرائضه وأحكامه وآدابه . . هؤلاء المتصفون بتلك الصفات الحميدة ، بشرهم . يا محمد . بكل ما يسعدهم ويشرح صدورهم ، فهم المؤمنون حقاً ، وهم الذين أعد الله - تعالى - لهم الأجر الجزيل ، والرزق الكريم .
ولم يذكر - سبحانه - المبشر به في قوله : { وَبَشِّرِ المؤمنين } ، للاشارة إلى أنه أمر جليل لا يحيط به الوصف ، ولا تحده العيارة .
ولم يذكر - سبحانه - في الآية لهذه الأوصاف متعلقاً ، فلم يقل " التائبون " من كذا ، لفهم ذلك من المقام ، لأن المقام في مدح المؤمنين الصادقين الذين أخلصوا نفوسهم لله ، تعالى . فصاروا ملتزمين طاعته في كل أقوالهم وأعمالهم .
وعبر عن كثرة صلاتهم وخشوعهم فيها بقوله . { الراكعون الساجدون } للاشارة إلى أن الصلاة كأنها صفة ثابتة من صفاتهم ، وكأن الركوع والسجود طابع مميز لهم بين الناس . وإنما عطف النهى عن المنكر على الأمر بالمعروف للإِيذان بأنهما فريضة واحدة لتلازمهما في الغالب ، أو لما بينهما من تباين إذ الأمر بالمعروف طلب فعل ، والنهى عن المنكر طلب ترك أو كف .
وكذلك جاء قوله . { والحافظون لِحُدُودِ الله } بحرف العطف ومما قالوه في تعليل ذلك . أن سر العطف هنا التنبيه على أن ما قبله مفصل للفضائل وهذا مجمل لها ، لأنه شامل لما قبله وغيره ، ومثله يؤتى به معطوفاً ، نحو زيد وعمرو وسائر قبيلتهما كرماء ، فلمغايرته لما قبله بالإِجمال والتفصيل والعموم والخصوص عطف عليه .
هذا ، وما ذركناه من أن المراد بقوله : " السائحون " أى : السائرون في الأرض للتدير والاعتبار والتفكر في خلق الله ، والعمل على مرضاته .
. هذا الذي ذكرناه رأى لبعض العلماء . ومنهم من يرى أن المراد بهم الصائمون ومنهم من يرى أن المراد بهم : المجاهدون .
قال الآلوسى : وقوله : " السائحون " أى الصائمون . فقد أخرج ابن مردويه عن أبى هريرة أن النبى - صلى الله عليه وسلم - سئل عن ذلك فأجاب بما ذكر ، وإليه ذهب جماعة من الصحابة والتابعين . وجاء عن عائشة : " سياحة هذه الأمة الصيام " .
وأخرج ابن أبى حاتم عن ابن زيد أن السائحين هم المهاجرون ، وليس في أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - سياحة إلا الهجرة .
وعن عكرمة أنهم طلبة العمل ، لأنهم يسيحون في الأرض لطلبه .
وقيل : هم المجاهدون في سبيل الله ، لما أخرج الحاكم وصححه والطبرانى وغيرهما ، " عن أبى أمامة أن رجلا استأذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في السياحة فقال : إن سياحة أمتى الجهاد في سبيل الله " . والذى نراه أقرب إلى الصواب أن المراد بالسائحين هنا : السائرون في الأرض لمقصد شريف ، وغرض كريم . كتحصيل العلم ، والجهادفى سبيل الله ، والتدبر في ملكوته - سبحانه - والتفكر في سنته في كونه ، والاعتبار بما اشتمل عليه هذا الكون من عجائب .
ولعل ما يؤيد ذلك أن لفظ " السائحون " معناه السائرون ، لأنه مأخذو من السيح وهو الجرى على وجه الأرض ، والذهاب فيها . وهذه المادة تشعر بالانتشار ، يقال : ساح الماء أى جرى وانتشر .
وما دام الأمر كذلك فمن الأولى حملا للفظ على ظاهره ، ما دام لم يمنع مانع من ذلك ، وهنا لا مانع من حمل اللفظ على حقيته وظاهره .
أما الأحاديث والآثار التي اشتشهد بها من قال بأن المراد بالسائحين الصائمون فقد ضعفها علماء الحديث .
قال صاحب المنار : وأقول : وروى ابن جرير من حديث أبى هريرة مروفوعاً وموقوفاً حديث : " السائحون هم الصائمون " لا يصح رفعه . .
وفضلا عن كل هذا ، فإن تفسير السائحين بأنهم السائرون في الأرض لكل مقصد شريف ، وغرض كريم . . . يتناول الجهاد في سبيل ، كما يتناول الرحلة في طلب العلم ، وغير ذلك من وجوه الخير .
وما أكثر الآيات القرآنية التي حضت على السير في الأرض ، وعلى التكفر في خلق الله ، ومن ذلك قوله تعالى : { قُلْ سِيرُواْ فِي الأرض ثُمَّ انظروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المكذبين } وقوله تعالى { أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأرض فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَآ أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي فِي الصدور } قال الإِمام الرازى : للسياحة أثر عظيم في تكميل النفس لأن الإِنسان يلقى الأكابر من الناس ، يفتخر نفسه في مقابلتهم ، وقد يصل إلى المرادات الكثيرة فينتقع بها ، وقد يشاهد اختلاف أحوال الدنيا بسبب ما خلق الله . تعالى . في كل طرف من الأحوال الخاصة بهم فتقوى معرفته . وبالجلمة فالسياحة لها آثار قوية في الدين .
القول في تأويل قوله تعالى : { التّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السّائِحُونَ الرّاكِعُونَ السّاجِدونَ الاَمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَبَشّرِ الْمُؤْمِنِينَ } .
يقول تعالى ذكره : إن الله اشترى من المؤمنين التائبين العابدين أنفسهم وأموالهم ولكنه رفع ، إذ كان مبتدأ به بعد تمام أخرى مثلها ، والعرب تفعل ذلك ، وقد تقدم بياننا ذلك في قوله : صُمّ بُكْمٌ عُمْيٌ بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع . ومعنى التائبون : الراجعون مما كرهه الله وسخطه إلى ما يحبه ويرضاه . كما :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام بن سلم ، عن ثعلبة بن سهيل ، قال : قال الحسن في قول الله : التّائِبُونَ قال : تابوا إلى الله من الذنوب كلها ،
حدثنا سوار بن عبد الله العنبري ، قال : ثني أبي ، عن أبي الأشهب ، عن الحسن ، أنه قرأ : التّائِبُونَ العَابِدُونَ قال : تابوا من الشرك وبرئوا من النفاق .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبو سلمة ، عن أبي الأشهب ، قال : قرأ الحسن : التّائِبُونَ العَابِدُونَ قال : تابوا من الشرك وبرئوا من النفاق .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا منصور ، بن هارون ، عن أبي إسحاق الفزاري ، عن أبي رجاء عن الحسن ، قال : التائبون من الشرك .
حدثنا الحرث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا جرير بن حازم ، قال : سمعت الحسن قرأ هذه الآية : التّائِبُونَ العَابِدُونَ قال الحسن : تابوا والله من الشرك ، وبرئوا من النفاق .
حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : التّائِبُونَ قال : تابوا من الشرك ثم لم ينافقوا في الإسلام .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا حجاج ، عن ابن جريج : التّائِبُونَ قال : الذين تابوا من الذنوب ثم لم يعودوا فيها .
وأما قوله : العَابِدُونَ فهم الذين ذلوا خشية لله وتواضعا له ، فجدّوا في خدمته . كما :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : العَابِدُونَ : قوم أخذوا من أبدانهم في ليلهم ونهارهم .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن ثعلبة بن سهيل ، قال : قال الحسن في قول الله العَابِدُونَ قال : عبدوا الله على أحايينهم كلها في السرّاء والضرّاء .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني منصور بن هارون ، عن أبي إسحاق الفزاري ، عن أبي رجاء ، عن الحسن : العَابِدُونَ قال : العابدون لربهم .
وأما قوله : الحَامِدُونَ فإنهم الذين يحمدون الله على كلّ ما امتحنهم به من خير وشرّ . كما :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : الحَامِدُونَ قوم حمدوا الله على كل حال .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن ثعلبة ، قال : قال الحسن : الحَامِدُونَ : الذين حمدوا الله على أحايينهم كلها في السرّاء والضرّاء .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني منصور بن هارون ، عن أبي إسحاق الفزاري ، عن أبي رجاء ، عن الحسن : الحامِدُونَ قال : الحامدون على الإسلام .
وأما قوله : السّائِحُونَ فإنهم الصائمون . كما :
حدثني محمد بن عيسى الدامغاني وابن وكيع ، قالا : حدثنا سفيان ، عن عمرو ، عن عبيد بن عمير وحدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني عمرو بن الحرث ، عن عمرو ، عن عبيد بن عمير ، قال : سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن السائحين ، فقال : «هُمُ الصّائمُونَ » .
حدثني محمد بن عبد الله بن بزيع ، قال : حدثنا حكيم بن حزام ، قال : حدثنا سليمان ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : «السّائِحُونَ هُمُ الصّائمُونَ » .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال : السّائِحُونَ : الصائمون .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن عاصم ، عن زر ، عن عبد الله ، قال : السّائِحُونَ الصائمون .
قال : حدثنا يحيى ، قال : حدثنا سفيان ، قال : ثني عاصم ، عن زرّ ، عن عبد الله ، بمثله .
حدثني محمد بن عمارة الأسدي ، قال : حدثنا عبيد الله ، قال : أخبرنا شيبان ، عن أبي إسحاق ، عن أبي عبد الرحمن ، قال : السياحة : الصيام .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن عطية ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن أشعث ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : السّائِحُونَ : الصائمون .
حدثني ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن أبيه ، وإسرائيل عن أشعث ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : السّائِحُونَ : الصائمون .
حدثنا المثنى ، قال : حدثنا الحماني ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن أشعث ، عن سعيد بن جبير ، قال : السّائِحُونَ : الصائمون .
حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن أشعث بن أبي الشعثاء ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، مثله .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن زرّ ، عن عبد الله ، مثله .
قال : حدثنا أبي ، عن أبيه ، عن إسحاق ، عن عبد الرحمن ، قال : السّائِحُونَ : هم الصائمون .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : السّائِحُونَ قال : يعني بالسائحين الصائمين .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عبد الله ، عن إسرائيل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : السّائِحُونَ هم الصائمون .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : السّائِحُونَ الصائمون .
قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قال : كلّ ما ذكر الله في القرآن السياحة : هم الصائمون .
قال : حدثنا أبي عن المسعودي ، عن أبي سنان ، عن ابن أبي الهذيل ، عن أبي عمرو العبدي ، قال : السّائِحُونَ : الذي يديمون الصيام من المؤمنين .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام عن ثعلبة بن سهيل ، قال : قال الحسن : السّائِحُونَ الصائمون .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثنى منصور بن هارون ، عن أبي إسحاق الفزاري ، عن أبي رجاء ، عن الحسن ، قال : السّائِحُونَ : الصائمون ، شهر رمضان .
حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبو خالد ، عن جويبر ، عن الضحاك ، قال : السّائِحُونَ الصائمون .
قال : حدثنا أبو أسامة ، عن جويبر ، عن الضحاك ، قال : كلّ شيء في القرآن السّائِحُونَ فإنه الصائمون .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عمرو بن عون ، قال : أخبرنا هشيم ، عن جويبر ، عن الضحاك : السّائِحُونَ الصائمون .
حُدثت عن الحسين بن الفرج ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال سمعت الضحاك يقول في قوله : السّائِحُونَ يعني : الصائمين .
حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا ابن نمير ويعلى وأبو أسامة ، عن عبد الملك ، عن عطاء ، قال : السّائِحُونَ الصائمون .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عمرو بن عون ، قال : أخبرنا هشيم ، عن عبد الملك ، عن عطاء ، مثله .
قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله بن الزبير ، عن ابن عيينة ، قال : حدثنا عمرو أنه سمع وهب بن منبه يقول : كانت السياحة في بني إسرائيل ، وكان الرجل إذا ساح أربعين سنة رأى ما كان يرى السائحون قبله ، فساح ولد بغيّ أربعين سنة فلم ير شيئا ، فقال : أي ربّ أرأيت إن أساء أبواي وأحسنت أنا ؟ قال : فأُري ما أُري السائحون قبله . قال ابن عيينة : إذا ترك الطعام والشراب والنساء فهو السائح .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : السائحون قوم أخذوا من أبدانهم صوما لله .
حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا إبراهيم بن زيد ، عن الوليد بن عبد الله ، عن عائشة ، قالت : سياحة هذه الأمة : الصيام .
وقوله : الرّاكِعُونَ السّاجِدُونَ يعني : المصلين الراكعين في صلاتهم الساجدين فيها . كما :
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني منصور بن هارون ، عن أبي إسحاق الفزاري ، عن أبي رجاء ، عن الحسن : الرّاكِعُونَ السّاجِدُونَ قال : الصلاة المفروضة .
وأما قوله : الاَمِرُونَ بالمَعْرُوفِ والنّاهُونَ عَنِ المُنْكَرِ فإنه يعني أنهم يأمرون الناس بالحق في أديانهم ، واتباع الرشد والهدى والعمل ، وينهونهم عن المنكر وذلك نهيهم الناس عن كلّ فعل وقول نهى الله عباده عنه .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني منصور بن هارون ، عن أبي إسحاق الفزاري ، عن أبي رجاء ، عن الحسن : الاَمِرُونَ بالمَعْرُوفِ لا إله إلا الله . والنّاهُونَ عَنِ المُنْكَرِ عن الشرك .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن ثعلبة بن سهيل ، قال الحسن ، في قوله : الاَمِرُونَ بالمَعْرُوفِ قال : أما إنهم لم يأمروا الناس حتى كانوا من أهلها . والنّاهُونَ عَنِ المُنْكَرِ قال : أما إنهم لم ينهوا عن المنكر حتى انتهوا عنه .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع ، عن أبي العالية ، قال : كلّ ما ذكر في القرآن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فالأمر بالمعروف : دعاء من الشرك إلى الإسلام والنهي عن المنكر : نهي عن عبادة الأوثان والشياطين .
وقد دللنا فيما مضى قبل على صحة ما قلنا من أن الأمر بالمعروف هو كلّ ما أمر الله به عباده أو رسوله صلى الله عليه وسلم ، والنهي عن المنكر هو كلّ ما نهى الله عنه عباده أو رسوله . وإذ كان ذلك كذلك ولم يكن في الآية دلالة على أنها عنى بها خصوص دون عموم ولا خبر عن الرسول ولا في فطرة عقل ، فالعموم بها أولى لما قد بينا في غير موضع من كتبنا .
وأما قوله : والحافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ فإنه يعني : المؤدّونَ فَرَائِضَ الله ، المنتهون إلى أمره ونهيه ، الذين لا يضيعون شيئا ألزمهم العمل به ولا يركبون شيئا نهاهم عن ارتكابه . كالذي :
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس : والحافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ يعني : القائمين على طاعة الله ، وهو شرط اشترطه على أهل الجهاد إذا وفوا الله بشرطه وفى لهم شرطهم .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : والحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ قال : القائمون على طاعة الله .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن ثعلبة ، بن سهيل ، قال : الحسن ، في قوله : والحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ قال : القائمون على أمر الله .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني منصور بن هارون ، عن أبي إسحاق الفزاري ، عن أبي رجاء ، عن الحسن : والحافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ قال : لفرائض الله .
وأما قوله : وَبَشّرِ المُوءْمِنِينَ فإنه يعني : وبشر المصدقين بما وعدهم الله إذا هم وفوا الله بعهده أنه موف لهم بما وعدهم من إدخالهم الجنة . كما :
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا هوذة بن خليفة ، قال : حدثنا عوف ، عن الحسن : إنّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ المُوءْمِنِينَ أنْفُسَهُمْ . . . حتى ختم الآية ، قال : الذين وفوا ببيعتهم التّائِبُونَ العَابِدُونَ الحامدُونَ ، حتى ختم الآية ، فقال : هذا عملهم وسيرهم في الرخاء ، ثم ألقوا العدّو فصدّقوا ما عاهدوا الله عليه .
وقال بعضهم : معنى ذلك : وبشر من فعل هذه الأفعال ، يعني قوله : التّائِبُونَ العَابِدُونَ . . . إلى آخر الآية ، وإن لم يغزوا . ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني منصور بن هارون ، عن أبي إسحاق الفزاري ، عن أبي رجاء ، عن الحسن : وَبَشّرِ المُؤمِنِينَ قال : الذين لم يغزوا .
{ التائبون } رفع على المدح أي هم التائبون ، والمراد بهم المؤمنون المذكورون ويجوز أن يكون مبتدأ خبره محذوف تقديره التائبون من أهل الجنة وإن لم يجاهدوا لقوله : { وكلا وعد الله الحسنى } أو خبره ما بعده أي التائبون عن الكفر على الحقيقة هم الجامعون لهذه الخصال . وقرئ بالياء نصبا على المدح أو جرا صفة للمؤمنين . { العابدون } الذين عبدوا الله مخلصين له الدين . { الحامدون } لنعمائه أو لما نابهم من السراء والضراء . { السّائحون } الصائمون لقوله صلى الله عليه وسلم " سياحة أمتي الصوم " شبه بها لأنه يعوق عن الشهوات أو لأنه رياضة نفسانية يتوصل بها إلى الاطلاع على حفايا الملك والملكوت ، أو السائحون للجهاد أو لطلب العلم . { الراكعون الساجدون } في الصلاة . { الآمرون بالمعروف } بالإيمان والطاعة . { والناهون عن المنكر } عن الشرك والمعاصي ، والعاطف فيه للدلالة على أنه بما عطف عليه في حكم خصلة واحدة كأنه قال : الجامعون بين الوصفين ، وفي قوله تعالى : { والحافظون لحدود الله } أي فيما بينه وعينه من الحقائق والشرائع للتنبيه على أن ما قبله مفصل الفضائل وهذا مجملها . وقيل إنه للإيذان بأن التعداد قد تم بالسابع من حيث أن السبعة هو العدد التام والثامن ابتداء تعداد آخر معطوف عليه ولذلك سمي واو الثمانية . { وبشر المؤمنين } يعني به هؤلاء الموصوفين بتلك الفضائل ، ووضع { المؤمنين } موضع ضميرهم للتنبيه على أن إيمانهم دعاهم إلى ذلك ، وأن المؤمن الكامل من كان كذلك وحذف المبشر به للتعظيم كأنه قيل : وبشرهم بما يجل عن إحاطة الإفهام وتعبير الكلام .