تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَمَا كَانَ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانُ أَن يُفۡتَرَىٰ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلَٰكِن تَصۡدِيقَ ٱلَّذِي بَيۡنَ يَدَيۡهِ وَتَفۡصِيلَ ٱلۡكِتَٰبِ لَا رَيۡبَ فِيهِ مِن رَّبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (37)

{ 37 - 41 ْ } { وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ * وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ * وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ ْ }

يقول تعالى : { وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ ْ } أي : غير ممكن ولا متصور ، أن يفترى هذا القرآن على الله تعالى ، لأنه الكتاب العظيم الذي { لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ْ } وهو الكتاب الذي لو اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثله لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرًا ، وهو كتاب الله الذي تكلم به ]رب العالمين[ ، فكيف يقدر أحد من الخلق ، أن يتكلم بمثله ، أو بما يقاربه ، والكلام تابع لعظمة المتكلم ووصفه ؟ " .

فإن كان أحد يماثل الله في عظمته ، وأوصاف كماله ، أمكن أن يأتي بمثل هذا القرآن ، ولو تنزلنا على الفرض والتقدير ، فتقوله أحد على رب العالمين ، لعاجله بالعقوبة ، وبادره بالنكال .

{ وَلَكِنْ ْ } الله أنزل هذا الكتاب ، رحمة للعالمين ، وحجة على العباد أجمعين .

أنزله { تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ ْ } من كتب الله السماوية ، بأن وافقها ، وصدقها بما شهدت به ، وبشرت بنزوله ، فوقع كما أخبرت .

{ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ ْ } للحلال والحرام ، والأحكام الدينية والقدرية ، والإخبارات الصادقة .

{ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ ْ } أي : لا شك ولا مرية فيه بوجه من الوجوه ، بل هو الحق اليقين : تنزيل من رب العالمين الذي ربى جميع الخلق بنعمه .

ومن أعظم أنواع تربيته أن أنزل عليهم هذا الكتاب الذي فيه مصالحهم الدينية والدنيوية ، المشتمل على مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَمَا كَانَ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانُ أَن يُفۡتَرَىٰ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلَٰكِن تَصۡدِيقَ ٱلَّذِي بَيۡنَ يَدَيۡهِ وَتَفۡصِيلَ ٱلۡكِتَٰبِ لَا رَيۡبَ فِيهِ مِن رَّبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (37)

وبعد أن ساقت السورة الكريمة ألوانا من البراهين الدالة على وحدانية الله - تعالى - ، وعلى صدق الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيما يبلغه عن ربه ، وعلى أن هذا القرآن من عند الله تعالى ، عادت السورة الكريمة إلى الحديث عن القرآن الكريم ، فتحدت أعداءه أن يأتوا بسورة مثله ، ووصفتهم بالجهالة وسفاهة الرأي ، وصورت أحوالهم ومواقفهم من دعوة الحق تصويرا بليغا . استمع إلى السورة الكريمة وهى تتحدث عن كل ذلك فتقول :

{ وَمَا كَانَ هذا القرآن أَن . . . }

قال الإِمام ابن كثير " هذا بيان لإِعجاز القرآن ، وأنه لا يستطيع البشر أن يأتوا بمثله ، ولا بعشر سور ولا بسورة من مثله ؛ لأنه بفصاحته وبلاغته ووجازته وحلاوته واشتماله على المعاني الغزيرة النافعة في الدنيا والآخرة ، لا يكون إلا من عند الله - تعالى - الذي لا يشبهه شيء في ذاته ولا في صفاته ، ولا في أفعاله ولا في أقواله ، فكلامه لا يشبه كلام المخلوقين ، ولهذا قال - تعالى - : { وَمَا كَانَ هذا القرآن أَن يفترى مِن دُونِ الله } .

والنفي هنا للشأن الذي هو أبلغ في النفى ، وأعمق في الدلالة على أن هذا القرآن من عند الله ، من نفى الشيء في ذاته مباشرة .

أى : وليس من شأن هذا القرآن المعجز ، أن يخترعه أو يختلفه أحد من الإِنس أو الجن أو غيرهما ؛ لأن ما اشتمل عليه من إعجاز وبلاغه وتشريعات حكيمة ، وآداب قويمة ، وهدايات جامعة . . . يشهد بأنه من كلام خالق القوى والقدر .

وقوله : { ولكن تَصْدِيقَ الذي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الكتاب } بيان لكمال هداية القرآن الكريم ، وهيمنته على الكتب السماوية السابقة .

والمراد بالذي بين يديه : الكتب السابقة على القرآن كالتوراة والإِنجيل والزبور .

وقوله { بَيْنَ يَدَيْهِ } فيه نوع مجاز ؛ لأن ما بين يدى الشيء يكون أمامه ، فوصف - سبحانه - ما مضى من الكتب بأنها بين يدى القرآن لشدة ظهورها واشتهارها ، ومعنى تصديق القرآن للكتب السابقة : تأييده لما اشتملت عليه من دعوة إلى وحدانية الله - تعالى - ، ومن أمر باتباع الرسول - صلى الله عليه وسلم - عند ظهوره .

وأل في { الكتاب } للجنس ، فالمراد به جنس الكتب السماوية التي أنزلها - سبحانه - على بعض أنبيائه .

والمعنى : ليس من شأن هذا الكتاب في إعجازه وهدايته أن يكون من عند غير الله ، لأن غيره - سبحانه - لا يقدر على ذلك ، ولكن من شأنه أن يكون مؤيداً للكتب السماوية السابقة فيما دعت إليه من إخلاص العبودية لله - تعالى - ومن اتباع لرسله ، وأن يكون مفصلا وموضحا لما اشتملت عليه هذه الكتب من تشريعات وآداب وأحكام .

وقوله { تصديق } منصوب على أنه معطوف على خبير كان ، أو على أنه خبر لكان المقدرة أى : ولكن كان تصديق .

وقوله { لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ العالمين } بيان لمصدره .

أى : هذا الكتاب لا ريب ولا شك في كونه منزلا على رسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - من الله - تعالى - رب العالمين .

وفصلت جملة { لاَ رَيْبَ فِيهِ } عما قبلها لأنها مؤكدة له ، ومقررة لمضمونه .

ونفى - سبحانه - عن القرآن الريب على سبيل الاستغراق : مع وقوع الريب فيه من المشركين ، حيث وصفوه بأنه أساطير الأولين ، لأنه لروعة بيانه ، وسطوع حجته ، ووضوح دلائله ، لا يرتاب ذو عقل متدبر في كونه وحيا سماوياً ، ومصدر هداية وإصلاح فجملة { لاَ رَيْبَ فِيهِ } تنفي الريب في القرآن عمن شأنهم أن يتدبروه ، ويقبلوا على النظر فيه بروية ومن ارتاب فيه فلأنه لم يقبل عليه بأذن واعية ، أو بصيرة نافذة أو قلب سليم .