تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَأَشۡرَقَتِ ٱلۡأَرۡضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ ٱلۡكِتَٰبُ وَجِاْيٓءَ بِٱلنَّبِيِّـۧنَ وَٱلشُّهَدَآءِ وَقُضِيَ بَيۡنَهُم بِٱلۡحَقِّ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ} (69)

{ وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا } علم من هذا ، أن الأنوار الموجودة تذهب يوم القيامة وتضحمل ، وهو كذلك ، فإن اللّه أخبر أن الشمس تكور ، والقمر يخسف ، والنجوم تندثر ، ويكون الناس في ظلمة ، فتشرق عند ذلك الأرض بنور ربها ، عندما يتجلى وينزل للفصل بينهم ، وذلك اليوم يجعل اللّه للخلق قوة ، وينشئهم نشأة يَقْوَوْنَ على أن لا يحرقهم نوره ، ويتمكنون أيضا من رؤيته ، وإلا ، فنوره تعالى عظيم ، لو كشفه ، لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه .

{ وَوُضِعَ الْكِتَابُ } أي : كتاب الأعمال وديوانه ، وضع ونشر ، ليقرأ ما فيه من الحسنات والسيئات ، كما قال تعالى : { وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَا لِهَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا } ويقال للعامل من تمام العدل والإنصاف : { اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا }

{ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ } ليسألوا عن التبليغ ، وعن أممهم ، ويشهدوا عليهم . { س وَالشُّهَدَاءِ } من الملائكة ، والأعضاء والأرض . { وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ } أي : العدل التام والقسط العظيم ، لأنه حساب صادر ممن لا يظلم مثقال ذرة ، ومن هو محيط بكل شيء ، وكتابه الذي هو اللوح المحفوظ ، محيط بكل ما عملوه ، والحفظة الكرام ، والذين لا يعصون ربهم ، قد كتبت عليهم ما عملوه ، وأعدل الشهداء قد شهدوا على ذلك الحكم ، فحكم بذلك من يعلم مقادير الأعمال ومقادير استحقاقها للثواب والعقاب .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَأَشۡرَقَتِ ٱلۡأَرۡضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ ٱلۡكِتَٰبُ وَجِاْيٓءَ بِٱلنَّبِيِّـۧنَ وَٱلشُّهَدَآءِ وَقُضِيَ بَيۡنَهُم بِٱلۡحَقِّ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ} (69)

والمراد بالأرض فى قوله - تعالى - : بعد ذلك : { وَأَشْرَقَتِ الأرض بِنُورِ رَبِّهَا . . . } أرض المحشر .

وأصل الإِشراق : الإِضاءة . يقال : أشرقت الشمس إذا أضاءت ، وشرقت : إذا طلعت .

قال ابن كثير : وقوله : { وَأَشْرَقَتِ الأرض بِنُورِ رَبِّهَا } أى : أضاءت - الأرض - يوم القيامة ، إذا تجلى الحق - تبارك وتعالى - للخلائق لفصل القضاء .

والمراد بالكتاب فى قوله - تعالى - : { وَوُضِعَ الكتاب } صحائف الأعمال التى تكون فى أيدى أصحابها .

فالمراد بالكتاب جنسه ، أى : أعطى كل واحد كتابه إما بيمينه . وإما بشماله . وقيل المراد بالكتاب هنا : اللوح المحفوظ الذى فيه أعمال الخلق .

{ وَجِيءَ بالنبيين والشهدآء } أى : وبعد أن أعطى كل إنسان صحائف أعماله جئ بالنبيين لكى يشهدوا على أممهم أنهم بلغوهم ما كلفهم الله بتبليغه إليهم ، وجئ بالشهداء وهم الملائكة الذين يسجلون على الناس أعمالهم من خير وشر ، كما قال - تعالى - :

{ وَجَآءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَآئِقٌ وَشَهِيدٌ } وقيل المراد بهم : من استشهدوا فى سبيل الله .

ثم بين - سبحانه - مظاهر عدالته فى جمل حكيمة فقال : { وَقُضِيَ بَيْنَهُم بالحق } أى : وقضى - سبحانه - بين الجميع بقضائه العادل { وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } أى : نوع من الظلم .