{ 1 - 8 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ * وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ * فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ }
يقول تعالى -ممتنًا على رسوله- : { أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ } أي : نوسعه لشرائع الدين والدعوة إلى الله ، والاتصاف بمكارم الأخلاق ، والإقبال على الآخرة ، وتسهيل الخيرات فلم يكن ضيقًا حرجًا ، لا يكاد ينقاد لخير ، ولا تكاد تجده منبسطًا .
لما أمره صلى الله عليه وسلم آخر الضحى بالتحديث بنعمته التي أنعمها عليه فصلها في هذه السورة فقال مثبتاً لها في استفهام إنكاري مبالغة في إثباتها عند من ينكرها والتقرير بها مقدماً المنة بالشرح في صورته قبل الإعلام بالمغفرة كما فعل ذلك في سورة الفتح الذي هو نتيجة الشرح ، لتكون البشارة بالإكرام أولاً لافتاً القول إلى مظهر العظمة تعظيماً للشرح . { ألم نشرح } أي شرحاً يليق بعظمتنا { لك } أي خاصة .
ولما عين المشروح له ، فكان المشروح مبهماً ، فزاد تشوف النفس إليه ليكون أضخم له ، بينه ليكون بياناً بعد إبهام فيكون أعظم في التنويه به وأجل في التعريف بأمره فقال : { صدرك * } أي نسره ونفرحه بالهجرة ، فإن هذه السورة مدنية عند ابن عباس رضي الله عنهما ، ونجله ونعظمه ونخرج منه قلبك ونشقه ونغسله ونملأه إيماناً وحكمة ورأفة وعلماً ورحمة ، فانفسح جداً حتى وسع مناجاة الحق ودعوة الخلق ، فكان مع الحق بعظمته وارتفاعه ، ومع الخلق بفيض أنواره وشعاعه ، وقد كان هذا الشرع حقيقة مراراً ، وكان مجازاً أيضاً بإحلال جميع معانيه ، وكل ذلك على ما لا يدخل تحت الوصف لا يعبر لكم عنه بأكثر من أنه شق بعظمتنا ، فالعلم الذي شق به معرفة الله والدار الآخرة والدين والدنيا ، والحكمة التي درّت فيه هي وضع الشيء في محله ، وإعطاء كل ذي حق حقه ، وقرأ أبو جعفر المنصور بفتح جاء " نشرح " ، وخرجها ابن عطية على التأكيد بالنون الخفيفة ثم أبدل الألف من النون ، ثم حذف النون تخفيفاً ، وقال أبو حيان بأن اللحياني حكى في نوادره عن بعض العرب النصب بلم والجزم بلن ، وسره هنا أن الفتح في اللفظ مناسب غاية المناسبة للشرح ، ووجه قراءة الجمهور أنه لما دل على الفتح بالشرح دل بالجزم على أنه مع ذلك رابط لما أودعه من الحكم ضابط له ، هاد بما فيه من رزانة العلم ، ووقار التقى والحلم ، قال ابن برجان : ففرق ما بين النبي والولي في ذلك أن النبي شرح صدره ظاهراً فأعلى ظاهراً ، والولي شرح ذلك منه باطناً فعلى به باطناً ، والكافر ضيق ذلك منه وأبقى بظلمته وحظوظ الشيطان منه ، فهو لا يستطيع قبول الهداية ولا الصعود في معارج العبرة إلا على مقدار ما يستطيع الصعود في السماء
{ كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون }[ الأنعام : 125 ] .
{ ألم نشرح لك صدرك 1 ووضعنا عنك وزرك 2 الذي أنقض ظهرك 3 ورفعنا لك ذكرك 4 فإن مع العسر يسرا 5 إن مع العسر يسرا 6 فإذا فرغت فانصب 7 وإلى ربك فارغب } .
قوله : { ألم نشرح لك صدرك } الاستفهام ، إنكار لنفي الانشراح مبالغة في إثباته . والمقصود أن الله شرح لك صدرك يا محمد . فيكون المعنى : ألم نفسح لك صدرك يا محمد بما أودعنا فيه من العلوم والحكم حتى وسع هموم النبوة ، وأزلنا عنه ضيق الجهل والحرج .
وقيل : إن ذلك إشارة إلى ما روي أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم في صباه فشق صدره وغسل قلبه من كل ما يجده الناس من أدران النفس كالغل والحسد ونحوهما . فقد روى الإمام أحمد عن أبي هريرة أنه قال : يا رسول الله ما أول ما رأيت من أمر النبوة ؟ فاستوى رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا وقال : " لقد سألت يا أبا هريرة . إني في الصحراء ابن عشر سنين وأشهر وإذا بكلام فوق رأسي . وإذا رجل يقول لرجل : أهو هو ؟ فاستقبلاني بوجوه لم أرها قط ، وأرواح لم أجدها من خلق قط . وثياب لم أرها على أحد قط . فأقبلا إلي يمشيان حتى أخذ كل واحد منهما بعضدي لا أجد لأحدهما مسّا . فقال أحدهما لصاحبه : أضجعه فأضجعاني بلا قصر{[4828]} ولا هصر{[4829]} . فقال أحدهما لصاحبه : افلق صدره ، فهوى أحدهما إلى صدري ففلقه فيما أرى بلا دم ولا وجع ، فقال له : أخرج الغل والحسد . فأخرج شيئا كهيئة العلقة ثم نبذها فطرحها . فقال له : أدخل الرأفة والرحمة ، فإذا مثل الذي أخرج شبه الفضة ، ثم هز إبهام رجلي اليمنى فقال : اغد واسلم ، فرجعت بها أغدو رقة على الصغير ورحمة للكبير " .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.