تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ يُظَٰهِرُونَ مِن نِّسَآئِهِمۡ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ فَتَحۡرِيرُ رَقَبَةٖ مِّن قَبۡلِ أَن يَتَمَآسَّاۚ ذَٰلِكُمۡ تُوعَظُونَ بِهِۦۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ} (3)

{ وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا } اختلف العلماء في معنى العود ، فقيل : معناه العزم على جماع من ظاهر منها ، وأنه بمجرد عزمه تجب عليه الكفارة المذكورة ، ويدل على هذا ، أن الله تعالى ذكر في الكفارة{[1003]} أنها  تكون قبل المسيس ، وذلك إنما يكون بمجرد العزم ، وقيل : معناه حقيقة الوطء ، ويدل على ذلك أن الله قال : { ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا } والذي قالوا إنما هو الوطء .

وعلى كل من القولين { ف } إذا وجد العود ، صار كفارة هذا التحريم { تحرير رَقَبَةٍ } مُؤْمِنَةٍ كما قيدت في آية أخرى{[1004]}  ذكر أو أنثى ، بشرط أن تكون سالمة من العيوب المضرة{[1005]}  بالعمل .

{ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا } أي : يلزم الزوج أن يترك وطء زوجته التي ظاهر منها حتى يكفر برقبة .

{ ذَلِكُمْ } الحكم الذي ذكرناه لكم ، { تُوعَظُونَ بِهِ } أي : يبين لكم حكمه مع الترهيب المقرون به ، لأن معنى الوعظ ذكر الحكم مع الترغيب والترهيب ، فالذي يريد أن يظاهر ، إذا ذكر أنه يجب عليه عتق رقبة كف نفسه عنه ، { وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } فيجازي كل عامل بعمله .


[1003]:- كذا في ب، وفي أ: أن.
[1004]:- في ب: آية القتال.
[1005]:- في ب: الضارة
 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ يُظَٰهِرُونَ مِن نِّسَآئِهِمۡ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ فَتَحۡرِيرُ رَقَبَةٖ مِّن قَبۡلِ أَن يَتَمَآسَّاۚ ذَٰلِكُمۡ تُوعَظُونَ بِهِۦۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ} (3)

ثم ذكر حكم الظهار فقال { والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا } في الآية تقديم وتأخير تقديرها والذين يظاهرون من نسائهم فتحرير رقبة لما قالوا ثم يعودون أي على المظاهر عتق ورقبة لقوله لامرأته أنت علي كظهر أمي ثم يعود إلى استباحة الوطء ولا تحل له قبل الكفارة وهو قوله { من قبل أن يتماسا } أي يجامعا { ذلكم توعظون به } أي ذلك التغليظ في الكفارة وعظ لكم كي تنزجروا به عن الظهار فلا تظاهروا .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ يُظَٰهِرُونَ مِن نِّسَآئِهِمۡ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ فَتَحۡرِيرُ رَقَبَةٖ مِّن قَبۡلِ أَن يَتَمَآسَّاۚ ذَٰلِكُمۡ تُوعَظُونَ بِهِۦۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ} (3)

ولما هجن{[63077]} سبحانه الظهار ، وأثبت تحريمه على أبلغ وجه وآكده ، وكان ما مضت عليه العوائد لا بد أن يبقى منه بقايا ، أتبع ذلك بيان حكم هذه الواقعة وما لعله يقع من نظائرها فقال{[63078]} : { والذين يظاهرون } ولما كان في بيان الحكم ، أسقط التقييد إعلاماً بعمومه الكفار كعمومه{[63079]} المسلم ليفيد تغليظ العقاب عليه{[63080]} لئلا يتوهم أنه يخص العرب الذين {[63081]}قصد تهجينه{[63082]} عليهم بأنهم{[63083]} انفردوا به عن سائر الناس فقال : { من نسائهم } بدون { منكم } .

ولما كان مقتضى اللفظ المباعدة ممن قيل ذلك فيها ، لكان إمساكها بعده ينبغي أن يكون في غاية البعد ، قال مشيراً إلى ذلك بأداة{[63084]} البعد { ثم يعودون } أي بعد هذا القول { لما قالوا } بالفعل بأن يعاد هذا القول مرة أخرى أو بالقوة بأن يمسكوا المقول{[63085]} ذلك لها{[63086]} زمناً يمكن أن يعاد فيه هذا القول مرة ثانية من غير مفارقة بلفظ مما ناط الله {[63087]}الفرقة به{[63088]} من طلاق أو{[63089]} سراح{[63090]} أو نحوهما ، فيكون المظاهر عائداً إلى هذا القول بالقوة لإمكان هذا{[63091]} القول في ذلك الزمن ، وذلك لأن العادة قاضية بأن من قال قولاً ولم يبته{[63092]} وينجزه ويمضه بأن يعود إلى قوله مرة أخرى وهلم جراً ، أو يكون التقدير لنقض ما قالوا : فيحلوا ما حرموا على أنفسهم بعدم البت بالطلاق ، فإن كان الظهار معلقاً لم يلزم حكمه إلا بالحنث ، فإن طلق في الحال{[63093]} وإلا لزمته الكفارة{[63094]} ، وحق العبارة التعبير باللام لدلالتها{[63095]} على الاتصال كما يقتضيه الحال بخلاف " إلى " فإنها تدل على مهلة وتراخ ، هذا في الظهار المطلق ، وأما المؤقت بيوم أو شهر أو نحو ذلك فلا يكون عائداً فيه إلا بالوطء في الوقت المظاهر فيه ، وأما مجرد إمساكها فليس بعود لأنه إنما أمسكها لما له{[63096]} فيها من الحل بعد وقت الظهار .

ولما كان المبتدأ الموصول مضمناً معنى الشرط ، أدخل الفاء في خبره ليفيد السببية فيتكرر الوجوب بتكرر سببه فقال : { فتحرير } أي فعليهم بسبب هذا الظهار والعود تحرير { رقبة } أي سليمة عن عيب يخل بالعمل كاملة الرق مقيدة أيضاً{[63097]} بمؤمنة لأنها قيدت بذلك{[63098]} في كفارة القتل ، فيحمل هذا على ذاك ، ولأن معاوية بن الحكم رضي الله عنه كانت له جارية فقال للنّبيّ صلى الله عليه وسلم : " عليّ رقبة أفأعتقها ، فسألها رسول الله صلى الله عليه وسلم {[63099]}عن الله{[63100]} فأخبرته بما دل على توحيدها{[63101]} فقال : من أنا ؟ فقالت : أنت رسول الله ، قال : أعتقها فإنها مؤمنة " رواه{[63102]} مالك{[63103]} ومسلم{[63104]} ، فعلل الإجزاء بالإيمان ولم يسأله عن سبب الوجوب ، فدل على أنه لا فرق بين واجب وواجب ، والموجب للكفارة الظهار{[63105]} والعود جميعاً كما أن الموجب في اليمين اليمين{[63106]} والحنث معاً .

ولما كان التحرير لا يستغرق زمن القبل بل يكون في بعضه ، أدخل الجار فقال : { من قبل } ولما كان المراد المس بعد المظهارة لا مطلقاً قال : { أن يتماسا } أي يتجدد منهما مس وهو الجماع سواء كان ابتداء المباشرة منه أو منها بما أفادته صيغة التفاعل ، وهو حرام قبل التكفير ولو كان على أدنى وجوه{[63107]} التماس وأخفاها بما أشار إليه الإدغام ولو كان بإيلاج الحشفة فقط مع الإنزال أو بدونه ، وأما مقدمات الجماع فهي{[63108]} فيها كالحائض لا تحرم على الأظهر ، فإن جامع عصى ولم تجب كفارة أخرى ، لما روى الترمذي عن سلمة بن صخر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في المظاهر يواقع قبل أن يكفر ، قال : " كفارة واحدة " {[63109]} .

ولما كان الوعظ هو الزجر عن الفعل الموعوظ لأجله ، قال مستأنفاً : { ذلكم } أي الزجر العظيم جد الذي هو عام لكم من غير شبهة { توعظون به } أي يكون بمشقة زاجراً لكم عن العود إلى مقاربة مثل ذلك فضلاً عن مقارفته لأن من حرم من أحلها الله تحريماً متأبداً{[63110]} على زعمه كان{[63111]} كأنه قد قتلها ، ولكون ذلك{[63112]} بلفظ اخترعه وانتهك فيه حرمة {[63113]}أمه كان{[63114]} كأنه قد عصى معصية أوبق بها نفسه كلها إيباقاً أخرجه إلى أن{[63115]} يقتلها عضواً عضواً بإعتاق رقبة{[63116]} تماثل رقبته ورقبة{[63117]} من كان قتلها .

ولما كان التقدير : فالله بما يردعكم بصير ، عطف عليه قوله : { والله } أي الذي له الإحاطة بالكمال ، وقدم الجار إشارة إلى إرادة المبالغة للتنبيه على الاهتمام بإلزام الانتهاء . عن ذلك فقال : { بما تعملون } أي تجددون فعله { خبير * } أي عالم بظاهره وباطنه ، فهو عالم بما يكفره ، فافعلوا ما أمر الله به{[63118]} وقفوا عند حدوده ، قال القشيري : والظهار{[63119]} - وإن لم يكن له في الحقيقة أصل ولا بتصحيحه نطق ولا له شرع ، بعد ما رفع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره ولوح بشيء ما وقال : إن حكمه لا يخل الله من بيان ساق إليه شرعه فقضى فيه بما انتظم فيه الجواب ارتفاع شكواها .


[63077]:- من ظ و م، وفي الأصل: هجا.
[63078]:- من م، وفي الأصل وظ: قال.
[63079]:- زيد في الأصل: في، ولم تكن الزيادة في ظ و م فحذفناها.
[63080]:- زيد من ظ و م.
[63081]:- من ظ و م، وفي الأصل: قصدت هجينة.
[63082]:- من ظ و م، وفي الأصل: قصدت هجينة.
[63083]:- من م، وفي الأصل و ظ: أنهم.
[63084]:- زيد من ظ و م.
[63085]:- من ظ وم، وفي الأصل: لها ذلك.
[63086]:- من ظ وم، وفي الأصل: لها ذلك.
[63087]:- من ظ وم، وفي الأصل: به الفرقة.
[63088]:- من ظ وم، وفي الأصل: به الفرقة.
[63089]:- زيد من ظ و م.
[63090]:- من ظ، وفي الأصل وم: سراحا.
[63091]:- زيد من ظ و م.
[63092]:- زيد من ظ و م.
[63093]:- من ظ و م، وفي الأصل: الحلال.
[63094]:- زيد من ظ و م.
[63095]:- من ظ وم، وفي الأصل: للالة-كذا.
[63096]:-زيد من ظ.
[63097]:- زيد من ظ و م.
[63098]:-زيد من ظ و م.
[63099]:-سقط ما بين الرقمين من ظ.
[63100]:- سقط ما بين الرقمين من ظ.
[63101]:- من ظ وم، وفي الأصل: توحيده.
[63102]:- في ظ: رواها.
[63103]:- راجع الموطأ- العتق.
[63104]:- راجع صحيح مسلم- المساجد.
[63105]:- زيد من ظ و م.
[63106]:- زيد من م.
[63107]:- من م، وفي الأصل وظ: الوجوه.
[63108]:- من ظ و م، وفي الأصل: فهو.
[63109]:- مضى الحديث قبل صفحات.
[63110]:- من ظ وم، وفي الأصل: مويدا.
[63111]:- زيد من ظ و م.
[63112]:- زيد من ظ و م.
[63113]:-من ظ وم، وفي الأصل: الله.
[63114]:- من ظ وم، وفي الأصل: الله.
[63115]:زيد من ظ و م.
[63116]:- زيد من ظ وم.
[63117]:- من ظ، وفي الأصل: رغبة.
[63118]:-سقط من م.
[63119]:- زيد من ظ وم.