تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَٱلَّذِينَ يُظَٰهِرُونَ مِن نِّسَآئِهِمۡ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ فَتَحۡرِيرُ رَقَبَةٖ مِّن قَبۡلِ أَن يَتَمَآسَّاۚ ذَٰلِكُمۡ تُوعَظُونَ بِهِۦۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ} (3)

الآية 3 وقوله تعالى { والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا } اختلف في حكم الظهار ما هو ؟ وفي تأويل العود :

عن طاووس قولان : في قول : قال : { ثم يعودون لما قالوا } الوطء ، فإذا حنث فعليه الكفارة ، وهذا تأويل بعيد مخالف للنص لأن الله تعالى يقول : { من قبل أن يتماسا } وإنما الذي ذهب إليه حكم الإيلاء أنه إذا وطئ تجب الكفارة ، فأما في الظهار فتجب الكفارة قبل الوطء ، وفي [ قول : قال ] {[20741]} إذا تكلم بالظهار ، تجب عليه الكفارة ، ولم يشترط معها{[20742]} عليه شيء آخر .

وعن مالك أنه إذا ظاهر من امرأته ، ثم أجمع ، وعزم على إمساكها وإصابتها ، وحنث ، عليه الكفارة ، حتى إذا طلقها أو ماتت المرأة بعد العزم على الإمساك والإصابة أو بعد الإصابة بقي وجوب الكفارة عليه ، وإن لم يجمع على إمساكها حتى ماتت تسقط الكفارة ، وكذلك إذا طلقها .

لكن إذا تزوجها بعد ذلك ، لم يمسكها حتى يكفر ، فيكون العود هو إمساكها{[20743]} ليطأها .

وعن الحسن أن العود ، هو العزم على الجماع ، حتى إذا عزم على جماعها تجب الكفارة ، وإن أراد تركها بعد ذلك ، وقال عثمان البتي في من ظاهر من امرأته ، ثم طلقها قبل أن يطأها ، قال : أرى عليه الكفارة ، راجعها ، أو لم يراجعها ، وإن ماتت لم يرتفع الظهار والكفارة ، لا يرث حتى يكفر .

وقال الشافعي : العود هو الإمساك ، والكفارة تجب به ، وحكم الظهار ، وهو تحريم المتعة ، حتى إذا أمكنه أن يطلقها بعد الظهار ، ولم يطلق ، وأمسكها ساعة ليطأها فقد وجبت عليه الكفارة ، عاشت [ أو ماتت ، وإذا عاشت ] {[20744]} طلقها ، أو لم يطلقها راجعها أو لم {[20745]} وإذا طلقها عقيب الظهار بلا فضل ، يبطل الظهار ، ولا تجب الكفارة إلا بعزم إمساك المرأة .

وقال بعض المتأخرين في تأويل قوله تعالى { ثم يعودون لما قالوا } أي يعودون إلى القول الأول ، فيكررون ذلك القول ، وعندهم لا يكون الرجل مظاهرا حتى يقول : أنت علي كظهر أمي مرتين .

وأما عندنا فحكم الظهار ، هو تحريم مؤقت بالكفارة ، ولا يرفعه{[20746]} إلا الكفارة . هكذا روي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال : إذا قال : أنت علي كظهر أمي لا {[20747]} تحل له حتى يكفر .

وعندنا لا تجب الكفارة بنفس الظهار ، وإنما الظهار يوجب الحرمة ، لا غير ، وإنما تجب [ الكفارة ] {[20748]} بالعود ، حتى إنها إذا ماتت لا تجب عليه الكفارة إذ ارتفع المعنى الذي يوجب {[20749]} وهو استباحة الوطء ، وكذلك إذا طلقها بائنا أو ثلاثا لا تجب الكفارة لهذا ، حتى إذا عادت إليه بالتزوج ، وأقدم على استباحة الوطء تجب الكفارة .

وهو عند أصحابنا أن يجعل المرأة على الحالة الأولى ، ويحللها على نفسه على ما كان عليه ، ويستبيح وطأها فإذا أراد أن يحللها على نفسه ، ويستبيحها ، ويقدم عليه [ يجب عليه ]{[20750]} أن يكفر .

ولا تزول الحرمة عندنا إلا بالكفارة ، فالتكفير سبب الحل . كذا ذكر العميّ في تأويل { ثم يعودون لما قالوا } أي يعودون بفسخ ما قالوا ونقض ذلك ، واستدل بما ذكر عن الأصمعي أن أعرابيا تكلم بين يديه بأنه كان شيء بيننا {[20751]} ، ثم نعود إليه ، قال له الأصمعي : ما أردت به ؟ فقال : أن {[20752]} أنقضه ، وأفسخه .

فهذا يدل على أن المراد من قوله : { ثم يعودون } [ أن يعودوا ] {[20753]} إلى استحلال ما حرموا [ وينقضوا ذلك ويردوا ] {[20754]} الحل إلى الحالة الأولى ، إلا أن ظاهره العود إلى القول بقوله : { ثم يعودون لما قالوا } .

ولكن أراد به المقول به والثابت به ، وهو الحرمة ، كأنه قال : ثم يعودون لما حرموا بالقول ، فيستبيحونه ، ويجوز أن يذكر الفعل ويراد به المفعول كقوله عليه السلام : " العائد في هيبته كالكلب يعود في قيئه " [ البخاري 2621 ] . وإنما هو عائد في الموهوب وقول{[20755]} الله تعالى { واعبد ربك حتى يأتيك اليقين } [ الحجر 99 ] أي الموقن به والله اعلم .

فإن قيل : العود الذي تجب [ به ] {[20756]}الكفارة ، هو العزم على استباحة الوطء والقصد على تحليلها على نفسه وإعادة الحل إلى الحالة الأولى ، ثم الإقدام على الوطء أو مباشرة نفس الوطء .

فإن كان المراد ، هو الأول ، فيجب أن يقولوا : توجب الكفارة بنفس العزم على الاستباحة والتحليل كما قال مالك ، رحمة الله عليه ، والحسن رحمة الله عليه .

وإن كان المراد إيقاع الوطء فيجب أن يقولوا : إنه لا تجب الكفارة إلا بعد الوطء كما قاله قوم ، وهو خلاف الآية وخلاف قولكم .

قيل : يعني بذلك أنه {[20757]} الإقدام على استباحة الوطء والاشتغال بإقامته فيقدم التكفير ثم يفعله أما لا تجب بمجرد العزم ولا بعد تحقق الفعل ، وهذا لأنه إذا ظاهر حرمت المرأة عليه بسبب فعله يجب عليه توفير حقها في الجماع إن كانت بكرا في الحكم حتى يجبر عليه {[20758]} .

وإن كانت ثيبا وقد وطئها مرة ، فيجب عليه في ما بينه وبين الله تعالى إيصال ذلك إليها .

وعن بعض أصحابنا يجبر في الحكم أيضا على ذلك . فإذا أقدم على ذلك يجب عليه تحصيل الكفارة ليتوصل إلى إقامة ذلك الواجب عليه في الجماع ، إذ لا يحل ذلك بدون الكفارة .

وهذا كالوضوء في باب الصلاة ، ليس بفرض مقصود بنفسه ، لكن يجب لإقامة الصلاة ، إذ لا تجوز الصلاة بدون الطهارة . فإذا أقدم على الصلاة يجب / 555 – أ / عليه تحصيل الوضوء ليتمكن من أداء ما عليه ، ولا يجب بنفس الإرادة ، ولا يجب بنفس الحدث ، حتى يجب الوضوء ما لم يدخل وقت الصلاة ويقم{[20759]} إليها .

وكذلك المرأة إذا حاضت بعد الوقت حتى سقطت عنها الصلاة يسقط الوضوء .

فعلى ذلك هذا يجب عند الإقدام على إقامة هذا الواجب وهو الوطء ، والظهار شرط ولهذا إذا ماتت المرأة تسقط الكفارة لانعدام ما هو المقصود بالإقامة وهو الوطء . وكذلك إذا طلقها ثلاثا أو بائنا ، لكن إذا عادت إليه تلزمه الكفارة إذا أقدم على الوطء ، ولم يبطل الظهار لاحتمال حصول العود{[20760]} ، والله اعلم .

ويحتمل وجها آخر وهو قوله : { والذين يظاهرون من نسائهم } الآية هذا خبر عن ظهار القوم الذين كانوا يظاهرون في جاهليتهم أي ظاهروا في ذلك الوقت { ثم يعودون لما قالوا } أي لو قالوا ذلك القول بعد إسلامهم فعليهم ما ذكر ، إذ الظهار كان ظاهرا قي الجاهلية ، من عاد إلى ذلك القول ، ورجع إليه وقت إسلامه ، فعليه ما ذكر وهو كقوله تعالى { ومن عاد فينتقم الله منه } [ المائدة 95 ] .

فهذا يرجع إلى فعل ذلك مرة وإلى استحلال ما حرم الله ثانيا وإن عاد إلى الفعل الأول لا من وجه الاستحلال فينتقم الله منه بالغرامة عليه . وإن عاد إلى الاستحلال فينتقم الله منه بالعذاب .

وكذلك مثل هذا في آية الربا حين{[20761]} قال : { فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد } { البقرة : 275 } أي عاد إلى ما كان يفعله قبل الإسلام فكذلك هذا العود إلى الظهار .

على هذا التقرير يخرج تأويل الآية عندنا{[20762]} وهو كقوله تعالى : { ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى ثم يعودون لما نهوا عنه } { المجادلة : 8 } أي كانوا يتناجون في الجاهلية فنهاهم الله تعالى عن العود إلى ما كانوا عليه .

فعل ذلك يحتمل هذا ، والله أعلم .

لكن على هذا التأويل الإقدام على الوطء سببا لوجوب الكفارة لم يثبت بهذا النص . إنما فيه أن الظهار يوجب تحريما مؤقتا بالكفارة . وكذلك الأحاديث التي ذكرنا أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أوسا بالكفارة حين ظاهر من زوجه{[20763]} وإنما يعرف ، من حيث الدلالة فإنه لما كان التحريم موقتا بالكفارة ، وتكون رافعة له ، فإنما يجب الرفع بالإقدام عليه لا بسبب سابق موجب للتحريم ، لأن رافع الحرمة { لا يجب } {[20764]} في ما يوجب الحرمة كما ذكرنا في الوضوء أنه لا يجب ما يحدث الذي هو رافع للطهارة ولكن لما يوجب على المكلف الصلاة بالطهارة ، ويجب عليه الوضوء بالإقدام على الصلاة التي لا تجوز بدونه . فكذلك هذا ، والله أعلم .

وقول من جعل العود ، هو العزم على إمساك النكاح والبقاء عليه فاسد فإن النبي صلى الله عليه وسلم أوجب الكفارة على أوس ابن الصامت حين ظاهر من زوجه{[20765]} ، ولم يسأله الإمساك والبقاء على النكاح ولأن تفسير العود الإمساك لا يستقيم ، لأنه لم يعرف في الأصل إمساك المرأة عودا عليها ولا إمساك شيء من الأشياء يتكلم بالعود إليه فيكون هذا خلاف اللغة .

ولما ذكرنا { أن العود } {[20766]} إلى الشيء ، هو الرجوع إلى ما كان عليه فيقتضي انعدامه وزواله حتى يتحقق العود إذ العود هو وجود ثان . وهذا إنما يتحقق في ما قلنا من الجزاء لأنه قد يبدل بالحرمة .

فأما العقد { فإنه } {[20767]} قائم لم يزل بالظهار ، فكيف يعود إلى العقد ، فلا يكون البقاء على العقد وإمساك المرأة بالنكاح عودا ؟ ولأن الله تعالى قال : { ثم يعودون } و { ثم } يقتضي التراخي .

ومن جعل العود ، هو الإمساك والبقاء على النكاح ، فقد جعله عائدا عقيب القول بلا تراخ ، وذلك خلاف ظاهر الآية .

وقول من جعل العود ، هو العزيمة على الوطء ، فلا معنى له ، لأن الموجب الظهار ، هو تحريم الوطء لا تحريم العزم على الوطء ، وإن كانت العزيمة على المحظور محظورة لكونه وسيلة إلى المحظور ، فيكون العود ، هو الرجوع إلى ما يقوى به مقصودا لا وسيلة إلى حسب الأول ، ولأنه لا حظ للعزيمة في حق تعلق الأحكام في سائر الأصول .

ألا ترى أن سائر العقود والتحريم لا يتعلق بالعزيمة ، فلا اعتبار بها ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ( إن الله تعالى عفا عن أمتي ما حدثت به نفسها : ما لم يتكلموا به ، ويعملوا ) ؟ ( الطحاوي في شرح مشكل الآثار 1636 ) .

وقول من جعل العود تكرار القول الأول فاسد أيضا ، وإن كان ظاهر اللفظ يحتمل ، وهو العود إلى القول الأول لأنه خلاف الإجماع وخلاف أصول الشرع .

أما خلاف الإجماع فإن السلف والخلف أجمعوا أن هذا ليس بوارد{[20768]} عن الأئمة فيكون قائله خارجا ، عن الإجماع . وأما مخالفة الأصول فلأن الحل والحرمة إنما يتعلق وجوبهما بابتداء القول { لا } {[20769]} بتكراره في جميع الأصول من البيان عدا النكاح والطلاق والعتاق والإجارات .

فلما كان الأصل هذا في سائر الأسباب والمظاهر يوجب الحرمة بقوله ، دل أن الموجب هو القول الأول دون الثاني : فيكون تعليق الحرمة بتكرار الموجب مخالفة لسائر الأصول .

وبهذا يبطل قول الشافعي في أنه يعلق الحرمة بتكرار الرضعات لا برضعة واحدة ، والله اعلم .

ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالكفارة في حق أوس ، ولم يسأله عن تكرار القول ، ولما لم يسأل دل أن الحكم غير متعلق بالتكرار .

وما قاله الشافعي : إنه إذا طلقها بعد الظهار بلا فضل فلا كفارة عليه ، وإن لبث ساعة ، ثم طلقها كفّر ، راجعها ، أو لم يراجعها ، أو ماتت ، قول تفرد به ، لأن طاووسا أوجب عليه الكفارة طلقها ، أو أمسكها ، وسائر التابعين قالوا : إن ماتت ، أو طلقها ، ولم يراجعها ، فلا كفارة عليه ، ولم يفصلوا بين أن يطلقها على إثر { الظهار بأي } {[20770]} فصل أو بعد ذلك بساعة فيكون الشافعي بهذا القول مخالفا للسلف فلا يعتبر ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { فتحرير رقبة من قبل أن يتماسّا } ظاهره أن يكون الوطء محظورا عليه قبل الكفارة لأنه جعل الحرمة مؤقتة بالكفارة ، وإذا وطء يسقط الظهار والكفارة لأن كلاهما تعلق بشرط أو بوقت ، فمتى فات الوقت ، أو عدم الشرط ، لم تجب لذلك النص ، واحتيج إلى دلالة أخرى في إيجاب مثله في الوقت الثاني .

إلا أنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلا ظاهر من امرأته ، فوطئها ، ثم سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال له : استغفر الله ، ولا تعد حتى تكفر ، فصار التحريم الذي بعد الوطء ، عرفناه بالسفه ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { فتحرير رقبة } يرجع إلى وجهين : مرة إلى اسم الرقبة ومرة بما يستحق حكم الرقبة ، فإن كان المراد من ذكر الرقبة اسم الرقبة نفسها . فيجيء أن يجوز كل ما يقع عليه اسم الرقبة صغيرا كان ، أو كبيرا ، كافرا أو مسلما ، مقطوع الرجلين ، أو أعمى ، أو كيف ما كان .

وبشر المريسيّ يذهب إلى هذا ، ويخبر : كيف ما كانت الرقبة .

وإن كان المراد من ذكر الرقبة/555 با يستحق حكم الرقبة ، فيجيء ألا يجوز إعتاق رقبة ، فيها أدنى نقصان إذ الأصل في العبيد والإماء في ما دون النفس { لا } {[20771]} يوجب نقصانا في كل نفس ، فيجيء ألا يجوز أن يصير معتقا بعض الرقبة لا كلها .

ثم الدليل على أن النقصان الحالّ في ما دون النفس في الرقاب جعل كالنقصان الحالّ في النفس إذ العبد إذا قطعت يده أو فقئت عينه يشترى بنصف ما كان يشترى وقت { قيام } {[20772]} القيمة ، فصار النقصان في ما دون النفس كتلف نصف القيمة على العبد وإن لم يكن ذلك من نفسه النصف ، فتجيء على هذا ألا يجوز ، إذا كان فيه أدنى النقصان ، إذ الحكم في ما دون النفس في العبيد حكم لا نفس ، وحكم الجناية عليهم محمول على حكم كمال النفس .

لكن هذان التأويلان في الآية لا يصحان .

وأما الجواب عن الفصل الثاني { فهو } {[20773]} أن النقصان الحال في بعض الرقبة كالحالّ في كلها { وأن } {[20774]} ذلك النقصان يرتفع بالعتق ، وإن كان قيام الرق بحكم النقصان لما يصير رقبة له حكم الكمال بالعتق ، إذا صار هو منتفعا بالعتق ، إذ العتق إذا صار هو منتفعا بالعتق ، إذا العتق جبر النقصان الذي كان فيه ، فتسلم له الرقبة كاملة من حيث المعنى ، فيجوز كما إذا أعتق الرقبة السليمة .

والدليل أنه لو جيء عليه بعد ما عتق لم ينقص من دينه شيء ، وإن كان ذلك النقصان في نفسه وقت العبودية والرق ، وثبت بهذا أنه في حق نفسه كامل النفس ، وإنما كان ذلك النقص لحق المولى في قيمته وقت العبودة ، إذ هو لو كان منقوصا في حق نفسه لارتفع عنه ذلك النقصان في حكم الرقبة . دل أن إعتاقه جائز .

والأصل في ما أوجب الله تعالى من هذه الكفارة ليكفر بها ما ارتكب من المآثم ولما ارتكب من الشهوات التي حظر عليه ارتكابها ليتألم بهذه الكفارة زجرا ، عن العود إليها ، أن ينظر في هذه الكفارة . فإن كفر بشيء ، لا تتألم به نفسه ، ولا تفجع عندها ، فلا تجوز تلك الكفارة ، وإن كان بالذي يفجعه{[20775]} ويؤلمه فيجوز .

ثم ما يصل إليه من الألم في إعتاقه وجهان :

أحدهما : أنه إذا تأمل ذهاب منافع ذلك المملوك عنه بما كان ، هو يصلح لخدمته ، يتألم لذلك ، ويتفجّع .

والثاني : لما تأمل منه النفع في العاقبة ، وإن لم يكن للحال ينتفع به ، فيتألم أيضا بذهاب تلك المنفعة الموقتة .

فكل من كان بسبيل{[20776]} من هذين الوجهين ، جاز عتقه عن الكفارة ، وإلا فلا ، والله أعلم .

ثم لا يجوز إعتاق الأعمى والمقعد ومقطوع اليدين ونحو ذلك عن الكفارة ، ويخرج على الكلامين :

أما على الأول فإنه{[20777]} وإن ارتفع النقص الحاصل في نفسه بسبب العبودة ، عند وجود الإعتاق قائما لا يجوز لا للنقصان ، ولكن لأنه يصير معتقا ببدل ، والإعتاق ببدل لا يجوز عن الكفارة ، وإن كانت الرقبة بصفة الكمال .

ومعنى قولنا : إنه يصير معتقا ببدل أنه ما دام في ملكه على تلك الحال فإنه مؤنته تلحقه ، وبالإعتاق تسقط مؤنته عن نفسه ، وتلحق تلك المؤنة المسلمين ، فلم تجز عن الكفارة لهذا .

وأما على الثاني : فلا يلزم على الوجهين جميعا .

أما على الأول فلأنه لا يفجع ، ولا تتألم له نفسه بإعتاق مثله لما ليس له منفعة للخدمة ، فيتألم لفوتها . وعلى الثاني فلما{[20778]} ليس له منفعة تؤمل في الحال ، فيتألم بذلك أيضا .

ولا يلزم الصغير على هذا العذر أنه ليس له منفعة الخدمة ، ونفقته عليه أيضا ، ومع ذلك يجوز إعاقته عن التكفير لأنا نقول : إنما ينفق على الصغير لما تؤمل منفعته في العاقبة ، والناس إنما يربون الصغار والصغائر ؛ وينفقون عليهم لينتفعوا بإيمانها وإعتاقها في العواقب ، فلم يصر عتقه من هذا الوجه ببدل ، والتألم بعتقه موجود .

وحسب ما كان في الكبير أو الأكبر{[20779]} والأعور ومقطوع إحدى اليدين أو إحدى الرجلين يجوز عن الكفارة ، فإنه يمكنه الاكتساب ، فيتألم مولاه بإعتاقه لما فيه ذهاب منفعته ، فيصلح أن يكون كفارة لما ارتكب من الشهوة ولما وصفنا من غير ذلك النقصان ، وارتفاعه بالعتق ، والله اعلم .

وذكر عن الشافعي أنه لا يجيز عتق الرقبة الكافرة عن الكفارة ، واحتج بما ذكر الله تعالى في كفارة قتل الرقبة المؤمنة ، فكذلك في كفارة الظهار ؛ إذ هما كفارتان .

ولكن نحن نقول : هذا على أصل مذهبه { خطأ لأن مذهبه } {[20780]} يعم كل رقبة في دار الدنيا .

والأصل في ذلك عندنا أن الله تعالى لم يذكر في كفارة الظهار الرقبة المؤمنة ، فلا يجوز أن نوجب ما ذكره في كفارة الضد هاهنا .

والدليل عليه أنه ذكر في تلك الآية الأشياء ، وهو قوله تعالى : { ومن قتل مؤمنا خطئا فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله } { النساء : 92 } وذكر الدية ، ثم ذكر الدية في آية القتل لم يوجب على المظاهر إذا ترك ذكرها في آية الظهار ، ومثله في القرآن كثير .

وأيضا إن أحق ما يجوز في الكفارة إعتاق الرقبة الكافرة ، وذلك لما أن المسلم قد يتألم بإعتاق الرقبة الكافرة ولا يتألم بإعتاق المسلمة لما يأتي طبعه الإحسان إلى الكافر ، ولا يتأتى بمثله إلى المسلم ، وقد وصفنا أن الكفارة للتألم بإخراج ما أمر بإخراجه عن ملكه مع ما في القرآن دليل على جواز اصطناع المعروف إليهم ، وهو قوله تعالى : { إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم ويكفر عنكم من سيئاتكم والله بما تعملون خبير } ، { ليس عليك هداهم [ ولكن الله يهدي من يشاء وما تنفقوا من خير فلأنفسكم وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله ] {[20781]} وما تنفقوا من خير يوف إليكم } ( البقرة : 270و271 ) .

وذكر في القصة أن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا قد امتنعوا عن الإنفاق على أقربائهم ، لما أبوا الإسلام ، فنزلت { فيهم } {[20782]} هذه الآية ، فهذا يبين ذلك أن في الاصطناع إليهم وإعتاقهم تكفيرا .

ثم قوله تعالى { من قبل أن يتماسّا } فتأويله عند أبي حنيفة ، رحمه الله ، عتق{[20783]} ، لا مسيس فيه ، لأن عنده الإعتاق يحتمل التجزيء : أنه يعتق نصفه ثم النصف الآخر ، فيشترط أن يعتق النصفين جميعا قبل المسيس . حتى لو مسها في ما بين ذلك يلزمه استئناف العتق .


[20741]:في الأصل وم: قوله.
[20742]:في الأصل وم: معه
[20743]:من م، في الأصل: الإصابة بقي ز
[20744]:من م، ساقطة من الأصل.
[20745]:في الأصل و م: لا.
[20746]:في الأصل وم: يرفعها
[20747]:في الأصل و م: لم.
[20748]:ساقطة من الأصل و م
[20749]:في الأصل و م: يجب
[20750]:من م، ساقطة من الأصل.
[20751]:في الأصل و م: بنا.
[20752]:في الأصل و م: أي
[20753]:قي الأصل و م: أن يعودوا
[20754]:في الأصل و م: وينقضون ذلك ويردون
[20755]:في الأصل وم: قال
[20756]:ساقطة من الأصل و م
[20757]:في الأصل و م: هو.
[20758]:أدرج بعدها في الأصل و م: وهذا
[20759]:في الأصل وم: ويقوم
[20760]:في الأصل وم: العرض
[20761]:في الأصل وم: حيث
[20762]:في الأصل وم: عند
[20763]:في الأصل وم: زوجها
[20764]:من م، ساقطة من الأصل
[20765]:في الأصل وم: زوجها
[20766]:ساقطة من الأصل وم
[20767]:ساقطة من الأصل وم
[20768]:في الأصل وم: بمراد
[20769]:من نسخة الحرم المكي ساقطة من الأصل وم
[20770]:في الأصل وم: الطلاق بلا
[20771]:ساقطة من الأصل وم
[20772]:ساقطة من الأصل وم
[20773]:ساقطة من الأصل وم
[20774]:في الأصل وم: أن في
[20775]:في الأصل وم: يلحقه
[20776]:من نسخة الحرم المكي، في الأصل وم: يسأل
[20777]:الفاء ساقطة من الأصل وم
[20778]:الفاء ساقطة من الأصل وم
[20779]:في الأصل وم: أكثر
[20780]:من م، ساقطة من الأصل
[20781]:في الأصل وم: ثم قال أيضا بعد ذلك
[20782]:من نسخة الحرم المكي ساقطة من الأصل وم
[20783]:في الأصل وم: أي عتقا