{ وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ } ، اعلم أنّ الألفاظ التي يصير المرء بها مظاهراً على ضربين : صريح ، وكناية . فالصريح هو أن يقول : أنتِ عليَّ كظهر أُمّي ، وكذلك إذا قال : أنتِ عليَّ كبطن أمّي أو كرأس أمّي أو كفرج أمّي ، وهكذا إذا قال : فرجك أو رأسك أو ظهرك أو صدرك أو بطنك أو يدك أو رجلك عليَّ كظهر أُمّي ، فإنّه يصير مظاهراً ، وكلّ ذلك محلّ قوله : يدك أو رجلك أو رأسك أو بطنك طالق فإنّها تطلق ، والخلاف في هذه المسألة بين الفريقين كالخلاف في الطلاق .
ومتى ما شبّهها بأمّه أو بإحدى جدّاته من قبل أبيه وأُمّه كان ذلك ظهاراً بلا خلاف . وإن شبّهها بغير الأمّ والجدّة من ذوات المحارم التي لا تحلّ له بحال كالإبنة والأخت والعمّة والخالة ونحوها ، كان مظاهراً على الصحيح من المذاهب . فصريح الظهار هو أن يشبّه زوجته أو عضواً من أعضائها بعضو من أعضاء أُمّه ، أو أعضاء واحدة من ذوات محارمه .
والكناية أن يقول : أنتِ عليَّ كأُمّي ، أو مثل أمّي أو نحوها ، فإنّه يعتبر فيه نيّته . فإن أراد ظهاراً كان مظاهراً وإن لم ينو الظهار لا يصِرْ مظاهراً .
وكلّ زوج صحّ طلاقه صحّ ظهاره ، سواءً كان عبداً أو حراً أو ذمّياً أو دخل بالمرأة أو لم يدخل بها ، أو كان قادراً على جماعها أو عاجزاً عنه . وكذلك يصحّ الظهار من كلّ زوجة ، صغيرة كانت أو كبيرة ، أو عاقلة أومجنونة ، أو رتقاء أو سليمة ، أو صائمة أو محرمة ، أو ذمّية ، أو مسلمة ، أو في عدّة يملك رجعتها .
وقال أبو حنيفة : لا يصحّ ظهار الذمّيّ . وقال مالك : لا يصحّ ظهار العبد ، قال بعض العلماء : لا يصحّ ظهار غير المدخول بها . وقال المزني : إذا طلّق الرجل امرأته طلقة رجعيّة ثم ظاهر فإنّه لا يصحّ .
{ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ } اعلم أنّ الكفارة تلزم بالظهار وبالعود جميعاً ، ولا تلزم بأحدهما دون الآخر . كما أنّ الكفارة في باب اليمين تجب باليمين والحنث جميعاً معاً ، فإذا عاد في ظهاره لزمته الكفّارة .
واختلف العلماء والفقهاء في معنى العود ؛ فقال الشافعي : العود الموجب للكفّارة أن يمسك عن طلاقها بعد الظهار وتمضي مدّة يمكنهُ أن يطلّقها فلم يطلّقها . وقال قتادة : { ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ } يريد أن يغشاها ويطأها بعدما حرّمها . وإليه ذهب أبو حنيفة ، قال : إن عزم على وطئها ونوى أن يغشاها كان عوداً .
وقال مالك : إن وطئها كان عوداً ، وإن لم يطأها لم يكن عوداً .
وقال أصحاب الظاهر : إن كرّر اللفظ كان عوداً وإن لم يكرّر لم يكن عوداً . وهو قول أبي العالية ، وظاهر الآية يشهد له ، وهو قوله : { ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ } أي إلى ما قالوا ،
{ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَآسَّا } ؛ لأنّ الله سبحانه قيّد الرقبة بالإيمان في كفّارة القتل وأطلق في هذا الموضع ، ومن حكم المطلق أن يحمل على القيد . وقوله : { مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَآسَّا } أي يتجامعا ، فالجماع نفسه محرّم على المظاهر حتى يكفّر ، فإن وطئ قبل التكفير فقد فعل محرّماً ، ولا تسقط عنه الكفّارة بل يأتي بها على وجه القضاء ، كما لو أخّر الصلاة عن وقتها ، فإنّه لا يسقط عنه إتيانها بل يلزمه قضاؤها . وسواء كفّر بالإعتاق أو الصيام أو الإطعام فإنّه يجب عليه تقديم الكفّارة ، ولا يجوز له أن يطأها قبل الكفّارة .
وقال أبو حنيفة : إن كفّر بالإطعام جاز له أن يطأ ثم يطعم ولم يخالف في العتق والصيام .
فهذا حكم وطء المظاهر قبل التكفير .
وأمّا غير الوطء من التقبيل والتلذّذ فإنّه لا يحرم في قول أكثر العلماء . وهو قول الحسن وسفيان ، والصحيح من مذهب الشافعي . وقال بعضهم : عنى به جميع معاني المسيس ؛ لأنّه عامّ وهو أحد قولي الشافعي رضي الله عنه .
{ ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ } : تؤمرون به ، { وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ }
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.