وقوله تعالى : { والذين يظاهرون مِن نّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ } الخ تفصيل لحكم الظهار بعد بيان كونه أمراً منكراً بطريق التشريع الكلي المنتظم لحكم الحادثة انتظاماً أولياً ، والموصول مبتدأ ، وقوله تعالى : { فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ } مبتدأ آخر خبره مقدر أي فعليهم تحرير رقبة ، أو فاعل فعل مقدر أي فيلزمهم تحرير ، أو خبر مبتدأ مقدر أي فالواجب عليهم { تَحْرِيرُ } ، وعلى التقادير الثلاثة الجملة خبر الموصول ودخلته الفاء لتضمن المبتدأ معنى الشرط ، و ما موصولة أو مصدرية ، واللام متعلقة ب { يَعُودُونَ } وهو يتعدى بها كما يتعدى بإلى . وبفي فلا حاجة إلى تأويله بأحدهما كما فعل البعض ، والعود لما قالوا على المشهور عند الحنفية العزم على الوطء كأنه حمل العود على التدارك مجازاً لأن التدارك من أسباب العود إلى الشيء ، ومنه المثل عاد غيث على ما أفسد أي تداركه بالإصلاح ، فالمعنى والذين يقولون ذلك القول المنكر ثم يتداركونه بنقضه وهو العزم على الوطء فالواجب عليهم إعتاق رقبة .
{ مّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا } أي كل من المظاهر والمظاهر منها والتماس قيل : كناية عن الجماع فيحرم قبل التكفير على ما تدل عليه الآية ، وكذا دواعيه من التقبيل ونحوه عندنا ، قيل : وهو قول مالك . والزهري . والأوزاعي . والنخعي ، ورواية عن أحمد فإن الأصل أنه إذا حرم حرم بدواعيه إذ طريق المحرم محرم ، وعدم اطراد ذلك في الصوم والحيض لكثرة وجودهما فتحريم الدواعي يفضي إلى مزيد الحرج ، وقال العلامة ابن الهمام : التحقيق أن الدواعي منصوص على منعها في الظهار فإنه لا موجب لحمل التماس في الآية على المجاز لإمكان الحقيقة ، ويحرم الجماع لأنه من أفراد التماس كالمس والقبلة ، وقال غيره : تحرم أقسام الاستمتاع قبل التكفير لعموم لفظ التماس فيشملها بدلالة النص ، ومقتضى التشبيه في قوله : كظهر أمي فإن المشبه به لا يحل الاستمتاع به بوجه من الوجوه فكذا المشبه ، ويحرم عند الشافعية أيضاً الجماع قبله ، وكذا يحرم لمس ونحوه من كل مباشرة لا نظر بشهوة في الأظهر كما في المحرر ، وقال الإمام النووي عليه الرحمة : الأظهر الجواز لأن الحرمة ليست لمعنى يخل بالنكاح فأشبه الحيض ، ومن ثم حرم الاستمتاع فيه فيما بين السرة والركبة ، وسيأتي إن شاء الله تعالى تمام الكلام في هذا المقام .
وحكى البيضاوي عن الإمام أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه أن نقض القول المراد بالعود بإباحة التمتع بها ولو بنظرة بشهوة ، وحمل ذلك على استباحة التمتع بمباشرته بوجه مّا دون عدّه مباحاً من غير مباشرة .
ولعله أريد بالمباشرة بوجه ما مباشرة ليست من التماس الذي قالوا بحرمته قبل التفكير ، وأياً مَّا كان فظاهر تعليق الحكم بالموصول يدل على علية ما في حيز الصلة أعني الظهار والعود له فهما سببان للكفارة وهذا أحد أقوال في المسألة .
قال العلامة ابن الهمام : اختلف في سبب وجوبها فقال في «المنافع » : تجب بالظهار والعود لأن الظهار كبيرة فلا يصلح سبباً للكفارة لأنها عبادة ، أو المغلب فيها معنى العبادة ولا يكون المحظور سبباً للعبادة فعلق وجوبها بهما ليخف معنى الحرمة باعتبار العود الذي هو إمساك بمعروف فيكون دائراً بين الحظر والإباحة ، وعليه فيصلح سبباً للكفارة الدائرة بين العبادة والعقوبة ، وقيل : سبب وجوبها العود والظهار شرطه ، ولفظ الآية أي المذكورة يحتملهما فيمكن كون ترتيبها عليهما ، أو على الأخير لكن إذا أمكن البساطة صير إليها لأنها الأصل بالنسبة إلى التركيب فلهذا قال في المحيط : سبب وجوبها العزم على الوطء والظهار شرطه ، وهو بناء على أن المراد من العود في الآية العزم على الوطء ، واعترض بأن الحكم يتكرر بتكرر سببه لا شرطه والكفارة متكررة بتكرر الظهار لا العزم ، وكثير من مشايخنا على أنه العزم على إباحة الوطء بناءاً على إرادة المضاف في الآية أي يعودون لضد ما قالوا أو لتداركه ، ويرد عليه ما يرد على ما قبله ، ونص صاحب المبسوط على أن بمجرد العزم لا تتقرر الكفارة حتى لو أبانها أو ماتت من بعد العزم فلا كفارة فهذا دليل على أنها غير واجبة لا بالظهار ولا بالعود إذ لو وجبت لما سقطت بل موجب الظهار ثبوت التحريم ، فإذا أراد رفعه وجب عليه في رفعه الكفارة كما تقول لمن أراد الصلاة النافلة : يجب عليك إن صليتها أن تقدم الوضوء انتهى .
ولا يخفى أن إرادة المضاف غير متعين بناءاً على ما نقل عن الكثير من المشايخ ، وأن ظاهر الآية يفيد السببية كما ذكرنا آنفاً ، ويكون الموجب للكفارة الأمران ، وبه صرح بعض الشافعية وجعل ذلك قياس كفارة اليمين ، ثم قال : وينافي ذلك وجوبها فوراً مع أن أحد سببيها وهو العود غير معصية لأنه إذا اجتمع حلال وحرام ولم يكن تميز أحدهما عن الآخر غلب الحرام ، وظاهر كلام الإمام النووي عليه الرحمة أن موجبها الظهار والعود شرط فيه وهو بعكس ما نقل عن المحيط ، ثم إن من جعل السبب العزم أراد به العزم المؤكد حتى لو عزم ثم بدا له أن لا يطأها لا كفارة عليه لعدم العزم المؤكد لا أنها وجبت بنفس العزم . ثم سقطت كما قال بعضهم لأنها بعد سقوطها لا تعود إلا بسبب جديد كذا في البدائع ، وذكر ابن نجيم في «البحر » عن التنقيح أن سبب الكفارة ما نسيت إليه من أمر دائر بين الحظر والإباحة ، ثم قال : إن كون كفارة الظهار كذلك على قول من جعل السبب مركباً من الظهار والعود ظاهر لكون الهظار محظوراً والعود مباحاً لكونه إمساكاً بالمعروف ونقضاً للزور .
وأما على القول بأن المضاف إليه وهو الظهار سبب وهو قول الأصوليين فكونه دائراً بين الحظر والإباحة مع أنه منكر من القول وزور باعتبار أن التشبيه يحتمل أن يكون للكرامة فلم يتمحض كونه جناية ، واستظهر بعد أنه لا ثمرة للاختلاف في سببها معللاً بأنهم اتفقوا على أنه لو عجلها بعد الظهار قبل العود جاز ولو كرر الظهار تكررت الكفارة وإن لم يتكرر العزم ، ولو عزم ثم ترك فلا وجوب ، ولو عزم ثم أبانها سقطت ولو عجلها قبل الظهار لم يصح ، ثم إنه لا استحالة في جعل المعصية سبباً للعبادة التي حكمها أن تكفر المعصية وتذهب السيئة خصوصاً إذا صار معنى الزجر فيها مقصوداً وإنما المحال أن تجعل سبباً للعبادة الموصولة إلى الجنة انتهى ، ولا يخلو عن حسن ما عدا توجيه كون الظهار دائراً بين الحظر والإباحة فإنه كما ترى .
وفسر بعضهم العود بالرجوع واللام بعن كما نقل عن الفراء أي ثم يرجعون عما قالوا : فيريدون الوطء ، قال الزيلعي : وهذا تأويل حسن لأن الظهار موجبه التحريم المؤبد فإذا قصد وطأه وعزم عليه فقد رجع عما قال ، ولا يخفى أن جعل اللام بمعنى عن خلاف الظاهر ، وقيل : العود الرجوع ، والمراد بما قالوا ما حرموه على أنفسهم بلفظ الظهار وهو التماس تنزيلاً للقول منزلة المقول فيه نحو ما ذكر في قوله تعالى : { سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ } [ مريم : 80 ] والمعنى ثم يريدون العود للتماس ، وفيه تجوزان ، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن معنى { ثُمَّ يَعُودُونَ } ثم يندمون ويتوبون أي يعزمون على التوبة ، كأنه حمل العود على التدارك والتائب متدارك لما صدر عنه بالتوبة .
واعترض بأنه يقتضي أنه إذا لم يندم لا تلزمه الكفارة وإذا جعلت الكفارة نفس التوبة فأين معنى العود ؟ وأيضاً لا معنى لقول القائل ثم يعزمون على الكفارة { فَتَحْرِيرُ } الخ ، والعود عند الشافعية يتحقق في غير مؤقت ورجعية بأن يمسكها على الزوجية ولو جهلاً ونحوه بعد فراغ ظهاره ولو مكرراً للتأكيد وبعد علمه بوجود الصفة في المعلق وإن نسي أو جنّ وجودها زمن إمكان فرقة شرعاً فلا عود في نحو حائض إلا بالإمساك بعد انقطاع دمها لأن تشبيهها بالمحرم يقتضي فراقها فبعدم فعله صار ناقضاً له متداركاً لما قال ، فلو اتصل بلفظ الظهار فرقة بموت . أو فسخ . أو انفساخ بنحو ردة قبل وطء أو طلاق بائن أو رجعي ، ولم يراجع أو جن أو أغمي عليه عقب اللفظ ولم يمسكها بعد الإفاقة فلا عود للفرقة أو تعذرها أولا عنها في الأصح بشرط سبق القذف ، والرفع للقاضي ظهاره في الأصح ولو راجع من ظاهر منها رجعية أو من طلقها رجعياً عقب الظهار أو ارتد متصلاً وهي موطوءة ثم أسلم ، فالمذهب أنه عائد بالرجعة لأن المقصود بها استباحة الوطء لا بالإسلام لأن المقصود به العود للدين الحق والاستباحة أمر يترتب عليه إلا إذا أمسكها بعده زمناً يسع الفرقة ، وفي الظهار المؤقت الواقع كما التزم على الصحيح لخبر صحيح فيه الأصح أن العود لا يحصل بإمساك بل بوطء مشتمل على تغييب الحشفة أو قدرها من مقطوعها في المدة للخبر أيضاً ولأن الحل منتظر بعدها ، فالإمساك يحتمل كونه لانتظاره أو للوطء فيها فلم يتحقق الامساك لأجل الوطء إلا بالوطء فيها فكان المحصل للعود .
واعترض ما قالوه بأن { ثُمَّ } تدل على التراخي الزماني . والإمساك المذكور معقب لا متراخ فلا يعطف بثم بل بالفاء ، ورد بأن مدة الامساك ممتدة ، ومثله يجوز فيه العطف بثم والعطف بالفاء باعتبار ابتدائه وانتهائه ، وعلى هذا لا حاجة إلى القول بأنها للدلالة على أن العود أشد تبعة وأقوى إثماً من نفس الظهار حتى يقال عليه : إنه غير مسلم ، ولا إلى قول الإمام أن مشترك الالزام بين الشافعية والحنفية القائلين : بأن العود استباحة الاستمتاع فيمنع أيضاً لأن الاستباحة المذكورة عقب الظهار قولاً نادرة فلا يتوجه ذلك على الحنفية .
واعترض أيضاً بأن الظهار لم يوجب تحريم العقد حتى يكون العود إمساكها ، ومن تعليل الشافعية السابق يعلم ما فيه ، وفي التفريع لابن الجلاب المالكي أنه روى عن الإمام مالك في المراد بالعود روايتان : إحداهما أنه العزم على إمساكها بعد الظهار منها ، والرواية الأخرى أنه العزم على وطئها ، ثم قال : ومن أصحابنا من قال : العود في إحدى الروايتين عن مالك هو الوطء نفسه ، والصحيح عندي ما قدمته انتهى من مدونه .
وابن حجر نسب القول : بأنه العزم على الوطء إلى الإمام مالك . والإمام أحمد ، والقول : بأنه الوطء نفسه إلى الإمام أبي حنيفة ، وذكر أنهما قولان للإمام الشافعي في القديم ، وما حكاه عن الإمام أبي حنيفة لم يحكه عنه فيما نعلم أحد من أصحابه ، وحكاه الزيلعي عن الإمام مالك ، ولم يحك عنه غيره ، وحكاه أبو حيان في البحر عن الحسن . وقتادة . وطاوس . والزهري . وجماعة ، وأفاد أنه إحدى روايتين عن مالك ، وثانيتهما أنه العزم على الإمساك والوطء
واعترض القول به ممن كان وكذا القول : بأنه العزم على الوطء بأن الآية لما نزلت ، وأمر صلى الله عليه وسلم المظاهر بالكفارة لم يسأله هل وطئ أو عزم على الوطء ؟ والأصل عدم ذلك ، والوقائع القولية كهذه يعممها الاحتمال ، وأنها ناصة على وجوب الكفارة قبل الوطء فيكون العود سابقاً عليه ، فكيف يكون هو الوطء ؟ا وأجاب القائل : بأنه العزم على الوطء عن ترك السؤال بأن ذلك لعلمه عليه الصلاة والسلام به من خولة ، فقد أخرج الإمام أحمد .
وأبو داود . وابن المنذر . والطبراني . وابن مردويه . والبيهقي من طريق يوسف بن عبد الله بن سلام قال : حدثتني خولة بنت ثعلبة قالت : فيّ وفي أوس بن الصامت أنزل الله تعالى صدر سورة المجادلة كنت عنده وكان شيخاً كبيراً قد ساء خلقه فدخل علي يوماً فراجعته بشيء فغضب فقال : أنت علي كظهر أمي ، ثم رجع فجلس في نادي قومه ساعة ثم دخل علي فإذا هو يريدني عن نفسي قلت : كلا والذي نفس خولة بيده لا تصل إلى وقد قلت ما قلت حتى يحكم الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم فينا ، ثم جئت إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام فذكرت له ذلك فما برحت حتى نزل القرآن الخبر ، فإن ظاهر قولها : فذكرت له ذلك أنها ذكرت كل ما وقع ، ومنه طلب أوس وطأها المكنى عنه بيريدني عن نفسي ، وذكر ذلك له عليه الصلاة والسلام أهم لها من ذكرها إياه ليوسف بن عبد الله بن سلام .
وأجيب من جهة القائل : بأنه الوطء عن الأخير بأن المراد من الآية عند ذلك القائل من قبل أن يباح التماس شرعاً ، والوطء أولاً حرام موجب للتكفير وهو كما ترى ونقل عن الثوري . ومجاهد أن معنى الآية والذين كانت عادتهم أن يقولوا هذا القول المنكر فقطعوه بالإسلام ، ثم يعودون لمثله فكفارة من عاد أن يحرر رقبة ثم يماس المظاهر منها ، فحملا العود والقول على حقيقتهما ، وفي اعتبار العادة دلالة على أن العدول إلى المضارع في الآية للاستمرار فيما مضى وقتاً فوقتاً ، وأخذ القطع من دلالة { ثُمَّ } على التراخي ؛ وليصح على وجه لا يلزم تعليق وجوب الكفارة بتكرار لفظ الظهار كما سيأتي إن شاء الله تعالى حكايته .
وتعقب ذلك بأن فيه أن الاستمرار ينافي القطع ، ثم إنهم ما كانوا قطعوه بالإسلام لأن الشرع لم يكن ورد بعد بتحريمه ، وظاهر النظم الجليل أنه مظاهرة بعد الإسلام لأنه مسوق لبيان حكمه فيه ، وعليه ينطبق سبب النزول وهو يقتضي أن يكون مجرد الظهار من غير عود موجباً للكفارة ، وهو خلاف ما عليه علماء الأمصار ؛ وأجيب عن هذا الأخير بأنهما إن نقل عنهما ذلك اجتهاداً فلا يلزمهما موافقة غيرهما وهو المصرح به في كتاب «الأحكام » . وغيره ، وإن لم ينقل عنهما غير تفسير العود في الآية بما أشير إليه ، فيجوز أن يشترطا لوجوب الكفارة شيئاً مما مر لكن لا يقولان : إنه المراد بالعود فيها ، وقال أهل الظاهر : المعنى الذين يقولون هذا القول المنكر ثم يعودون له فيكررونه بأن يقول أحدهم : أنت علي كظهر أمي ثم يعود له ويقوله ثانياً فكفارته تحرير رقبة الخ فحملوا العود والقول على حقيقتهما أيضاً .
وروي ذلك عن أبي العالية . وبكير بن عبد الله بن الأشج . والفراء أيضاً ، وحكاه أبو حيان رواية عن الإمام أبي حنيفة ، ولا نعلم أحداً من أصحابه رواه عنه ، وتعقب بأنه لو أريد ذلك لقيل : يعودون له فإنه أخصر ولا يبقى لكلمة { ثُمَّ } حسن موقع ، هذا ولا فقه فيه من حيث المعنى ، والمنزل فيه أعني قصة خولة يدفعه إذ لم ينقل التكرار ، ولا سأل عنه صلى الله عليه وسلم ، وهذا الدفع قوي ، وأما ما قيل : فقد أجيب عنه بأنه يحتمل أن يكون الفقه فيه أنه ليس صريحاً في التحريم فلعله يسبق لفظه به من غير قصد لمعناه ، فإذا كرره تعين أنه قصده وأن العدول عن له إلى { لِمَا قَالُواْ } لقصد التأكيد بالإظهار ، وأن العطف بثم لتراخي رتبة الثاني وبعده عن الأول لأنه الذي تحقق به الظهار ، وقول الزيلعي في الاعتراض عليه : إن اللفظ لا يحتمله لأنه لو أريد ذلك لقيل : يعيدون القول الأول بضم الياء وكسر العين من الإعادة لا من العود جهل ناشئ من قلة العود لكلام الفصحاء والرجوع إلى محاوراتهم ، وقال أبو مسلم الأصفهاني : معنى العود أن يحلف أولاً على ما قال من الظهار بأن يقول : والله أنت علي كظهر أمي وهو عود لما قال وتكرار له معنى لأن القسم لكونه مؤكداً للمقسم عليه يفيد ذلك فلا تلزم الكفارة في الظهار من غير قسم عنده ، وهذا القول إلغاء للظهار معنى لأن الكفارة لحلفه على أمر كذب فيه ، وأيضاً المنزل فيه يدفعه إذ لم ينقل الحلف ولا سأل عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم والأصل عدمه ، وقيل : عوده تكراره الظهار معنى بأن يقول : أنت عليّ كظهر أمي إن فعلت كذا ثم يفعله فإنه يحنث وتلزمه الكفارة ، وتعد مباشرته ذلك تكريراً للظهار وليس بشيء كما لا يخفى ، وأما تعليق الظهار فقد ذكر الشافعية أنه يصح لأنه لاقتضاء التحريم كالطلاق والكفارة كاليمين وكلاهما يصح تعليقه ، فإذا قال : إن دخلت الدار فأنت عليّ كظهر أمي فدخلت ولو في حال جنونه أو نسيانه صح لكن لا عود عندهم في الصورة المفروضة حتى يمسكها عقب الإفاقة أو تذكره وعلمه بوجود الصفة قدر إمكان طلاقها ولم يطلقها ، وقد أطالوا في تفاريع التعليق الكلام بما لا يسعه هذا المقام .
وعندنا أيضاً يصح تعليقه وكذا تقييده بيوم أو شهر ، ولا يبقى بعد مضي المدة ، نعم لو ظاهر واستثنى يوم الجمعة مثلاً لم يجز ولو علق الظهار بشرط ثم أبانها ثم وجد الشرط في العدة لا يصير مظاهراً بخلاف الإبانة المعلقة كما بين في محله ، وقال الأخفش : في الآية تقديم وتأخير وتقديرها والذين يظاهرون من نسائهم فتحرير رقبة لما قالوا : ثم يعودون إلى نسائهم ولا يذهب إليه إلا أخفش أو أعشى أو أعمش ، وفي قوله تعالى : { مِن نّسَائِهِمْ } دليل لنا وكذا للشافعي .
وأحمد . وجمع كثير من الصحابة والتابعين رضي الله تعالى عليهم أجمعين على أنه لو ظاهر من أمته الموطوأة أو غيرها لا يصح ، وبيان ذلك أنه يتناول نساءنا والأمة ، وإن صح إطلاق لفظ نسائنا عليها لغة لكن صحة الإطلاق لا تستلزم الحقيقة لأن حقيقة إضافة النساء إلى رجل أو رجال إنما تتحقق مع الزوجات دون الإماء لأنه المتبادر حتى يصح أن يقال : هؤلاء جواريه لا نساؤه ، وحرمة بنت الأمة ليس لأن أمها من نسائنا مرادة بالنص بل لأنها موطوءة وطءاً حلالاً عند الجمهور ، وبلا هذا القيد عندنا على أنه لو أريد بالنساء هناك ما تصح به الإضافة حتى يشمل المعنى الحقيقي وهن الزوجات . والمجازي أعني الإماء بعموم المجاز لأمكن للاتفاق على ثبوت ذلك الحكم في الإماء كثبوته في الزوجات أما هنا فلا اتفاق ولا لزوم عندنا أيضاً ليثبت بطريق الدلالة لأن الإمام لسن في معنى الزوجات لأن الحل فيهن تابع غير مقصود من العقد ولا من الملك حتى يثبتا مع عدمه في الأمة المجوسية والمراضعة بخلاف عقد النكاح لا يصح في موضع لا يحتمل الحل ، واستدل أيضاً بأن القياس شأنه أن لا يوجب هذا التشبيه الذي في الظهار سوى التوبة ، وورد الشرع بثبوت التحريم فيه في حق من لها حق الاستمتاع ولا حق للأمة فيه فيبقى في حقها على أصل القياس ، وبأن الظهار كان طلاقاً فنقل عنه إلى تحريم مغياً بالكفارة ولا طلاق في الأمة ، وهذا ليس بشيء للمتأمّل .
ونقل عن مالك . والثوري صحة الظهار في الأمة مطلقاً ، وعن سعيد بن جبير . وعكرمة . وطاوس . والزهري صحته في الموطوءة ، ثم إن الشرط كونها زوجة في الابتداء فلو ظاهر من زوجته الأمة ثم ملكها بقي الظهار فلا يجوز له وطؤها حتى يكفر كما صرحوا به ، والمراد بالزوجة المنكوحة التي يصح إضافة الطلاق إليها فلا فرق بين مدخول بها وغيرها فلا يصح الظهار من مبانة ، ومنه ما سمعت آنفاً ولا من أجنبية إلا إذا أضافه إلى التزوج كأن قال لها : إن تزوجتك فأنت عليّ كظهر أمي ثم تزوجها فإنه يكون مظاهراً ، نعم في التاتارخانية : لو قال : إذا تزوجتك فأنت طالق ، ثم قال : إذا تزوجتك فأنت عليّ كظهر أمي فتزوجها يقع الطلاق ، ولا يلزم الظهار في قول أبي حنيفة ، وقال صاحباه : لزماه جميعاً ، وعن مالك أنه إذا ظاهر من أجنبية ثم نكحها لزم الظهار أضافه إلى التزوّج أم لا .
وقال بعض العلماء لا يصح ظهار غير المدخول بها ، وقال المزني : لا يصح ظهار المطلقة الرجعية ، وظاهر { الذين يظاهرون } يشمل العبد فيصح ظهاره ، وقد ذكر أصحابنا أنه يصح ظهار الزوج البالغ العاقل المسلم ويكفر العبد بالصوم ، ولا ينصف لما فيه من معنى العبادة كصوم رمضان ، ومثله المحجور عليه بالسفه على قولهما المفتي به .
/ وحكى الثعلبي عن مالك أنه لا يصح ظهار العبد ، ولا تدخل المرأة في هذا الحكم فلو ظاهرت من زوجها لم يلزم شيء كما نقل ذلك في التاتارخانية عن أبي يوسف ، وقال أبو حيان : قال الحسن بن زياد : تكون مظاهرة ، وقال الأوزاعي . وعطاء . وإسحاق . وأبو يوسف : إذا قالت المرأة لزوجها : أنت عليّ كظهر فلانة فهي يمين تكفرها ، وقال الزهري : أرى أن تكفر كفارة الظهار ولا يحول قولها هذا بينها وبين زوجها أن يصيبها انتهى ، والرقبة من الحيوان معروفة ، وتطلق على المملوك ، وذلك من تسمية الكل باسم الجزء كما في المغرب ، وهو المراد هنا .
وفي «الهداية » هي عبارة عن الذات المرقوق من كل وجه فيجزئ في الكفارة إعتاق الرقبة الكافرة والمؤمنة والذكر والأنثى والكبير والصغير ولو رضيعاً لأن الاسم ينطلق على كل ذلك ، ومقتضى ذلك إجزاء إعتاق المرتد والمرتدة والمستأمن والحربي ، وفي التاتارخانية أن المرتد يجوز عند بعض المشايخ ، وعند بعضهم لا يجوز ، والمرتدة تجوز بلا خلاف أي لأنها لا تقتل ، وفي «الفتح » إعتاق الحربي في دار الحرب لا يجزيه في الكفارة ، وإعتاق المستأمن يجزيه ، وفي التاتارخانية لو أعتق عبداً حربياً في دار الحرب إن لم يخل سبيله لا يجوز وإن خلي سبيله ففيه اختلاف المشايخ ، فبعضهم قالوا : لا يجوز وشمل الرقبة الصحيح والمريض فيجزى كل منهما واستثنى في الخانية مريضاً لا يرجى برؤه فإنه لا يجوز لأنه ميت حكماً ، وفي جواز إعتاق حلال الدم كلام : فحكي في «البحر » أنه إذا أعتق عبداً حلال الدم قد قضى بدمه ثم عفي عنه فلو كان أبيض العينين فزال البياض أو كان مرتداً فأسلم لا يجوز .
وفي «جامع الفقه » جاز المديون والمرهون ومباح الدم ، ويجوز إعتاق الآبق إذا علم أنه حي ، ولا بد أن تكون الرقبة غير المرأة المظاهر منها لما في الظهيرية . والتاتارخانية أمة تحت رجل ظاهر منها ثم اشتراها وأعتقها كفارة ظهارها قيل : تجزى ، وقيل : لا تجزى في قول أبي حنيفة . ومحمد خلافاً لأبي يوسف ، ويجوز الأصم استحساناً إذا كان بحيث إذا صيح عليه يسمع ، وفي رواية النوادر لا يجوز ولا تجزى العمياء ولا المقطوعة اليدين أو الرجلين ، وكذا مقطوع إبهام اليدين ومقطوع إحدى اليدين وإحدى الرجلين من جانب واحد والمجنون الذي لا يعقل ، ولا يجوز إعتاق المدبر وأم الولد ، وكذا المكاتب الذي أدى بعض المال وإن اشترى أباه أو ابنه ينوي بالشراء الكفارة جاز عنها ، وإن أعتق نصف عبد مشترك وهو موسر فضمن قيمة باقية لم يجز عند الإمام ، وجاز عند صاحبيه ، وإن أعتق نصف عبده عن كفارته ثم جامع ثم أعتق باقيه لم يجزه عنده لأن الاعتاق يتجزأ عنده ، وشرط الإعتاق أن يكون قبل المسيس بالنص ؛ وإعتاق النصف حصل بعده ، وعندهما إعتاق النصف إعتاق الكل فحصل الكل قبل المسيس ، واشترط الشافعي عليه الرحمة كون الرقبة مؤمنة ولو تبعاً لأصل .
أو دار . أو ساب حملاً للمطلق في هذه الآية على المقيد في آية القتل بجامع عدم الاذن في السبب .
وقال الحنفية : لا يحمل المطلق على المقيد إلا في حكم واحد في حادثة واحدة لأنه حينئذٍ يلزم ذلك لزوماً عقلياً إذ الشيء لا يكون نفسه مطلوباً إدخاله في الوجود مطلقاً ومقيداً كالصوم في كفارة اليمين . ورد مطلقاً ومقيداً بالتتابع في القراءة المشهورة التي تجوز القراءة بمثلها ، والكلام في تحقيق هذا الأصل في الأصول .
وقالوا على تقدر التنزل إلى أصل الشافعية من الحمل مطلقاً : إنه لا يلزم من التضييق في كفارة الأمر الأعظم وهو القتل ثبوت مثله فيما هو أخف منه ليكون التقييد فيه بياناً في المطلق ، وما ذكروه من الجامع لا يكفي ، ووافقوا في كثير مما عدا ذلك ، وخالفوا أيضاً في كثير فقالوا : يشترط في الرقبة أن تكون بلا عيب يخل بالعمل والكسب فيجزئ صغير ولو عقب ولادته . وأقرع . وأعرج يمكنه من غير مشقة لا تحتمل عادة تتابع المشي . وأعور لم يضعف نظر سليمته حتى أخل بالعمل إخلالاً بيناً . وأصم . وأخرس يفهم إشارة غيره ويفهم غيره إشارته مما يحتاج إليه . وأخشم . وفاقد أنفه . وأذنيه . وأصابع رجليه . وأسنانه . وعنين . ومجبوب . ورتقاء . وقرناء . وأبرص . ومجذوم . وضعيف بطش . ومن لا يحسن صنعة . وولد زنا . وأحمق وهو من يضع الشيء في غير محله مع علمه بقبحه وآبق . ومغصوب . وغائب علمت حياته أو بانت وإن جهلت حالة العتق لازمن . وجنين وإن انفصل لدون ستة أشهر من الإعتاق . أو فاقد يد . أو رجل . أو أشل أحدهما . أو فاقد خنصر وبنصر معاً من يد . أو أنملتين من غيرهما . أو أنملة إبهام كما قال النووي عليه الرحمة ولا هرم عاجز ؛ ولا من هو في أكثر وقته مجنون ولا مريض لا يرجى عند العتق برء مرضه كسلال فإن برأ بعد إعتاقه بأن الإجزاء في الأصح . ولا من قدم لقتل بخلاف من تحتم قتله في المحاربة قبل الرفع للإمام ، ولا يجزى شراء أو تملك قريب أصل أو فرع بنية كفارة ولا عتق أم ولد ولا ذو كتابة صحيحة قبل تعجيزه ، ويجزى مدبر ومعلق عتقه بصفة غير التدبير ، وقالوا : لو أعتق معسر نصفين له من عبدين عن كفارة فالأصح الإجزاء إن كان باقيهما أو باقي أحدهما حرّاً إلى غير ذلك .
وفي الإتيان بالفاء في قوله تعالى : { فَتَحْرِيرُ } الخ دلالة على ما قال بعض الأجلة : على تكرر وجوب التحرير بتكرر الظهار ، فإذا كان له زوجتان مثلاً فظاهر من كل منهما على حدة لزمه كفارتان .
وفي التلويح لو ظاهر من امرأته مرتين أو ثلاثاً في مجلس واحد أو مجالس متفرقة لزمه بكل ظهار كفارة ، وفي إطلاقه بحث ، فقد ذكر بعضهم أنه لو قصد التأكيد في المجلس الواحد لم تتعدد ، وفي شرح الوجيز للغزالي ما محصله : لو قال لأربع زوجات : أنتن عليّ كظهر أمي فإن كان دفعة واحدة ففيه قولان ، وإن كان بأربع كلمات فأربع كفارات ، ولو كررها والمرأة واحدة فإما أن يأتي بها متوالية أولاً ، فعلى الأول : إن قصد التأكيد فواحدة وإلا ففيه قولان : القديم وبه قال أحمد واحدة كما لو كرر اليمين على شيء واحد ، والقول الجديد التعدد وبه قال أبو حنيفة . ومالك وإذا لم تتوال أو قصد بكل واحدة ظهاراً أو أطلق ولم ينو التأكيد فكل مرة ظهار برأسه ، وفيه قول : إنه لا يكون الثاني ظهاراً إن لم يكفر عن الأول ، وإن قال : أردت إعادة الأول ففيه اختلاف بناءاً على أن الغالب في الظهار أن معنى الطلاق أو اليمين لما فيه من الشبهين انتهى .
وظاهر بعض عبارات أصحابنا أنه لو قيد الظهار بعدد اعتبر ذلك العدد ؛ ففي التتارخانية لو قال لأجنبية : إن تزوجتك فأنت عليّ كظهر أمي مائة مرة فعليه أي إذا تزوجها لكل كفارة ، وتدل الآية على أن الكفارة المذكورة قبل المسيس فإن مس أثم ولا يعاود حتى يكفر ، فقد روى أصحاب السنن الأربعة عن ابن عباس أن رجلاً وهو سلمة بن صخر الأنصاري كما في حديث أبي داود . والترمذي . وغيرهما ظاهر من امرأته فوقع عليها قبل أن يكفر فقال صلى الله عليه وسلم : «ما حملك على ذلك ؟ا فقال : رأيت خلخالها في ضوء القمر وفي لفظ بياض ساقها قال عليه الصلاة والسلام : فاعتزلها حتى تكفر » ولفظ ابن ماجه «فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمره أن لا يقربها حتى يكفر » قال الترمذي : حديث حسن صحيح غريب ، ونفى كونه صحيحاً ردّه المنذري في مختصره بأنه صححه الترمذي ورجاله ثقات مشهور سماع بعضهم من بعض .
/ وروى الترمذي وقال : حسن غريب عن ابن إسحاق بالسند إلى سلمة المذكور عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في المظاهر يواقع قبل أن يكفر : «كفارة واحدة تلزمه » ويردّ به على مجاهد في قوله : يلزمه كفارة أخرى ، ونقل هذا عن عمرو بن العاص . وقبيصة . وسعيد بن جبير . والزهري . وقتادة ، وعلى من قال تلزمه ثلاث كفارات ، ونقل ذلك عن الحسن .
والنخعي ، وبه . وبما تقدم يردّ على ما قيل : من أنه تسقط الكفارة الواجبة عليه ولا يلزمه شيء ولا ترتفع حرمة المسيس إلا بها لا بملك ولا بزوج ثان حتى لو طلقها من بعد الظهار ثلاثاً فعادت إليه من بعد زوج آخر أو كانت أمة فملكها بعد ما ظاهر منها لا يحل قربانها حتى يكفر ، وهو واجب على التراخي على الصحيح لكون الأمر الدالة عليه الآية مطلقاً حتى لا يأثم بالتأخير عن أول أوقات الامكان ، ويكون مؤدياً لا قاضياً ، ويتعين في آخر عمره ، ويأثم بموته قبل الأداء ، ولا تؤخذ من تركته إن لم يوص ولو تبرع الورثة في الإعتاق ، وكذا في الصوم لا يجوز كذا في «البدائع » فإن أوصى كان من الثلث ، وفي التاتارخانية لو كان مريد التكفير مريضاً فأعتق عبده عن كفارته وهو لا يخرج من ثلث ماله فمات من ذلك المرض لا يجوز عن كفارته وإن أجازت الورثة ، ولو أنه برئ من مرضه جاز ، وللمرأة مطالبته بالوطء والتكفير ؛ وعليها أن تمنعه من الاستمتاع بها حتى يكفر ، وعلى القاضي أن يجبره على التكفير دفعاً للضرر عنها بحبس فإن أبى ضربه ؛ ولو قال : قد كفرت صدّق ما لم يكن معروفاً عند الناس بالكذب .
هذا وبقيت مسائل أخر مذكورة في كتب الفقه { ذلكم } الإشارة إلى الحكم بالكفارة والخطاب للمؤمنين الموجودين عند النزول أو لهم ولغيرهم من الأمة { تُوعَظُونَ بِهِ } أي تزجرون به عن ارتكاب المنكر ، فإن الغرامات مزاجر عن تعاطي الجنايات ، والمراد بيان أن المقصود من شرع هذا الحكم ليس تعريضكم للثواب بمباشرتكم لتحرير الرقبة الذي هو علم في استتباع الثواب العظيم بل هو ردعكم وزجركم عن مباشرة ما يوجبه كذا في «الإرشاد » ، وهو ظاهر في كون الكفارة عقوبة محضة ، وقد تقدم القول بأنها دائرة بين العبادة والعقوبة ، وكلام الزيلعي يدل على أن جهة العبادة فيها أغلب ، وفي شرح منهاج النووي لابن حجر في كتاب كفارة الظهار الكفارة من الكفر وهو الستر لسترها الذنب بمحوه أو تخفيف إثمه بناءاً على أن الكفارات زواجر كالتعازير أو جوابر للخلل ، ورجح ابن عبد السلام الثاني لأنها عبادة لافتقارها للنية أي فهي كسجود السهو .
والفرق بينها على الثاني وبين الدفن الكفارة للبص على ما هو المقرر فيه أنه يقطع دوام الإثم أن الدفن مزيل لعين ما به المعصية فلم يبق بعده شيء يدوم إثمه بخلافها هنا فإنها ليست كذلك ، وعلى الأول الممحو هو حق الله تعالى من حيث هو حقه ، وأما بالنظر لنحو الفسق بموجبها فلا بد فيه من التوبة نظير نحو الحد انتهى .
ومتى قيل : بأن الإعتاق المذكور كفارة وأن الكفارة تستر الذنب بمحوه أو تخفيف إثمه لم يكن بدّ من استتباعه الثواب وكون ذلك لا يعدّ ثواباً لا يخلو عن نظر ؛ ولعل المراد أن المقصود الأعظم من شرع هذا الحكم الردع والزجر عن مباشرة ما يوجبه دون التعريض للثواب ، وإن تضمنه في الجملة فتأمل { والله بِمَا تَعْمَلُونَ } من الأعمال كالتفكير وما يوجبه من جناية الظهار { خَبِيرٌ } أي عالم بظواهرها وبواطنها ومجازيكم بها فحافظوا على حدود ما شرع لكم ولا تخلو بشيء منها .