مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي - النسفي  
{وَٱلَّذِينَ يُظَٰهِرُونَ مِن نِّسَآئِهِمۡ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ فَتَحۡرِيرُ رَقَبَةٖ مِّن قَبۡلِ أَن يَتَمَآسَّاۚ ذَٰلِكُمۡ تُوعَظُونَ بِهِۦۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ} (3)

{ والذين يظاهرون مِن نّسَائِهِمْ } بين في الآية الأولى أن ذلك من قائله منكر وزور ، وبين في الثانية حكم الظهار { ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ } العود الصيرورة ابتداء أو بناء فمن الأول قوله تعالى : { حتى عَادَ كالعرجون القديم } [ يس : 39 ] . ومن الثاني : { وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا } [ الإسراء : 8 ] ويعدى بنفسه كقولك : عدته إذا أتيته وصرت إليه ، وبحرف الجر ب «إلى » وعلى وفي واللام كقوله : { وَلَوْ رُدُّواْ لعادوا لِمَا نُهُواْ عَنْهُ } [ الأنعام : 28 ] ومنه { ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ } أي يعودون لنقض ما قالوا أو لتداركه على حذف المضاف ، وعن ثعلبة : يعودون لتحليل ما حرموا على حذف المضاف أيضاً غير أنه أراد بما قالوا ما حرموه على أنفسهم بلفظ الظهار تنزيلاً للقول منزلة المقول فيه كقوله { وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ } [ مريم : 80 ] أراد المقول فيه وهو المال والولد .

ثم اختلفوا أن النقض بماذا يحصل ؟ فعندنا بالعزم على الوطء وهو قول ابن عباس والحسن وقتادة ، وعند الشافعي بمجرد الإمساك وهو أن لا يطلقها عقيب الظهار .

{ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ } فعليه اعتاق رقبة مؤمنة أو كافرة ولم يجز المدبر وأم الولد والمكاتب الذي أدى شيئاً { مّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا } الضمير يرجع إلى ما دل عليه الكلام من المظاهر والمظاهر منها . والمماسة الاستمتاع بها من جماع أو لمس بشهوة أو نظر إلى فرجها بشهوة { ذلكم } الحكم { تُوعَظُونَ بِهِ } لأن الحكم بالكفارة دليل على ارتكاب الجناية فيجب أن تتعظوا بهذا الحكم حتى لا تعودوا إلى الظهار وتخافوا عقاب الله عليه { والله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } والظهار أن يقول الرجل لامرأته : أنت عليّ كظهر أمي . وإذا وضع موضع أنت عضواً منها يعبر به عن الجملة أو مكان الظهر عضواً آخر يحرم النظر إليه من الأم كالبطن والفخذ ، أو مكان الأم ذات رحم محرم منه بنسب أو رضاع أو صهر أو جماع نحو أن يقول : أنت عليّ كظهر أختي من الرضاع ، أو عمتي من النسب ، أو امرأة ابني ، أو أبي أو أم امرأتي أو ابنتها فهو مظاهر ، وإذا امتنع المظاهر من الكفارة للمرأة أن ترافعه ، وعلى القاضي أن يجبره على أن يكفر وأن يحبسه ، ولا شيء من الكفارات يجبر عليه ويحبس إلا كفارة الظهار لأنه يضر بها في ترك التكفير . والامتناع من الاستمتاع فإن مس قبل أن يكفر استغفر الله ولا يعود حتى يكفر ، وإن أعتق بعض الرقبة ثم مس عليه أن يستأنف عند أبي حنيفة رضي الله عنه .