بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{رَبَّنَا وَٱجۡعَلۡنَا مُسۡلِمَيۡنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَآ أُمَّةٗ مُّسۡلِمَةٗ لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبۡ عَلَيۡنَآۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ} (128)

وروي في الخبر أن إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام لما فرغا من البناء ، جثيا على الركب وتضرعا وسألا القبول ، فقال جبريل لإبراهيم : قد أجيب لك ، فاسأل شيئاً آخر ، فقالا : { رَبَّنَا واجعلنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ } ، أي مخلصين لك ، ويقال : واجعلنا مثبتين على الإسلام ، ويقال : مطيعين لك ، ويقال : أمتنا على الإسلام .

{ وَمِن ذُرّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ } ، أي اجعل بعض ذريتنا من يخلص لك ، ويثبت على الإسلام . ثم قال : { وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا } . أي علمنا أمور مناسكنا . وقال القتبي : الرؤية المعاينة كقوله عز وجل : { وَيَوْمَ القيامة تَرَى الذين كَذَبُواْ عَلَى الله وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِى جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ }

[ الزمر : 60 ] ، وقوله : { وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً } [ الإنسان : 20 ] . ويقال : تذكر الرؤية ويراد بها العلم كقوله تعالى : { أَوَلَمْ يَرَ الذين كفروا أَنَّ السماوات والارض كَانَتَا رَتْقاً ففتقناهما وَجَعَلْنَا مِنَ الماء كُلَّ شَيْءٍ حَىٍّ أَفَلاَ يُؤْمِنُونَ } [ الأنبياء : 30 ] وكقوله : { أَرِنَا مَنَاسِكَنَا } ، أي عملنا . وكقوله { لِتَحْكُمَ بَيْنَ الناس بِمَا أَرَاكَ الله } . قرأ ابن كثير ومن تابعه من أهل مكة { وَأَرِنَا } بجزم الراء في جميع القرآن ، والباقون بكسر الراء ، وهما لغتان والكسر أظهر وأفصح . وقال ابن عباس في رواية أبي صالح : { رَبَّنَا واجعلنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ } أي مطيعين وموحدين { وَمِن ذُرّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ } ، أي جماعة موحدة مطيعة لك . ويقال : أشكل عليهما موضع البيت ، فبعث الله تعالى سحابة فقالت له : ابن بخيالي ، فبنى إبراهيم وإسماعيل البيت بخيال السحابة . ثم قال تعالى { وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا } أي تجاوز عنا الزلة ، { إِنَّكَ أَنتَ التواب الرحيم } بعبادك .

{ رَبَّنَا وابعث فِيهِمْ رَسُولاً مّنْهُمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آياتك } .