بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{إِنَّ فِي خَلۡقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱخۡتِلَٰفِ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ وَٱلۡفُلۡكِ ٱلَّتِي تَجۡرِي فِي ٱلۡبَحۡرِ بِمَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ وَمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن مَّآءٖ فَأَحۡيَا بِهِ ٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٖ وَتَصۡرِيفِ ٱلرِّيَٰحِ وَٱلسَّحَابِ ٱلۡمُسَخَّرِ بَيۡنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَعۡقِلُونَ} (164)

لما نزلت هذه الآية ، أنكر المشركون توحيد الله تعالى ، وطلبوا منه دليلاً على إثبات وحدانيته ؛ فنزلت هذه الآية { إِنَّ فِي خَلْقِ السماوات والأرض } ، يعني في خلق السموات والأرض دليل على وحدانية الله في أنه خلقها بغير عمد ترونها وزينها بمصابيح ، والأرض بسطها أيضاً وجعل لها أوتاداً وهي الجبال وفجر فيها الأنهار وجعل فيها البحار . { واختلاف اليل والنهار } ، يعني في مجيء الليل وذهاب النهار ، ومجيء النهار وذهاب الليل . ويقال : اختلافهما في الكون . ويقال : نقصان الليل وتمام النهار ، ونقصان النهار وتمام الليل . { والفلك التي تَجْرِي فِى البحر } . يعني السفن . ويقال للسفينة الواحدة : الفلك ولجماعة السفن : الفلك . يعني السفن التي تسير في البحر ، فتقبل مرة وتدبر مرة بريح واحدة فتسير في البحر { بِمَا يَنفَعُ الناس } من الكسب والتجارة وغير ذلك .

وقوله : { وَمَا أَنزَلَ الله مِنَ السماء مِن مَّاء } ، يعني المطر الذي ينزل من السماء ، { فَأَحْيَا بِهِ الأرض بَعْدَ مَوْتِهَا } أي اخضرت الأرض بعد يبسها { وَبَثَّ فِيهَا } ، يقول : خلق في الأرض { مِن كُلّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرياح } ؛ قرأ حمزة والكسائي : { الريح } بغير ألف والباقون : { الرياح } بالألف . واختار أبو عبيدة في قراءته : أن كل ما في القرآن من ذكر العذاب الريح بغير ألف ، وكل ما في القرآن من ذكر الرحمة : الرياح بالألف ، واحتج بما روى أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا هاجت الريح قال : « اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا رِيَاحاً وَلاَ تَجْعَلْهَا رِيحاً » ومعنى قوله تعالى { وَتَصْرِيفِ الرياح } أي هبوب الريح مرة جنوباً ومرة شمالاً ومرة صباً ومرة دبوراً .

قوله تعالى : { والسحاب المسخر } ، أي المذلل والمطوع ، { بَيْنَ السماء والارض لآيات لّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } ، أي في هذه الأشياء التي ذكر في هذه الآية ، آيات لوحدانيته لمن كان له عقل وتمييز . ويقال : هذه الآية تجمع أصول التوحيد ، وقد بيّن فيها دلائل وحدانيته ، لأن الأمر لو كان بتدبير اثنين مختلفين في التدبير ، لفسد الأمر باختلافهما . كما قال تعالى : { لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ الله لَفَسَدَتَا فسبحان الله رَبِّ العرش عَمَّا يَصِفُونَ } [ الأنبياء : 22 ] .