بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِن كُنتُمۡ فِي رَيۡبٖ مِّنَ ٱلۡبَعۡثِ فَإِنَّا خَلَقۡنَٰكُم مِّن تُرَابٖ ثُمَّ مِن نُّطۡفَةٖ ثُمَّ مِنۡ عَلَقَةٖ ثُمَّ مِن مُّضۡغَةٖ مُّخَلَّقَةٖ وَغَيۡرِ مُخَلَّقَةٖ لِّنُبَيِّنَ لَكُمۡۚ وَنُقِرُّ فِي ٱلۡأَرۡحَامِ مَا نَشَآءُ إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمّٗى ثُمَّ نُخۡرِجُكُمۡ طِفۡلٗا ثُمَّ لِتَبۡلُغُوٓاْ أَشُدَّكُمۡۖ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّىٰ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَىٰٓ أَرۡذَلِ ٱلۡعُمُرِ لِكَيۡلَا يَعۡلَمَ مِنۢ بَعۡدِ عِلۡمٖ شَيۡـٔٗاۚ وَتَرَى ٱلۡأَرۡضَ هَامِدَةٗ فَإِذَآ أَنزَلۡنَا عَلَيۡهَا ٱلۡمَآءَ ٱهۡتَزَّتۡ وَرَبَتۡ وَأَنۢبَتَتۡ مِن كُلِّ زَوۡجِۭ بَهِيجٖ} (5)

قوله عز وجل : { يا أَيُّهَا الناس } ، يعني : يا كفار مكة . { إِن كُنتُمْ فِى رَيْبٍ } ، يعني : في شك { مّنَ البعث } بعد الموت ، فانظروا إلى بدء خلقكم . { فَإِنَّا خلقناكم مّن تُرَابٍ } يعني : من آدم عليه السلام من تراب . { ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ } ، وهي الدم العبيط الجامد وجمعها علق . { ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ } ، وهي اللحمة القليلة قدر ما يمضغ مثل قطعة كبد . { مُّخَلَّقَةٍ } ، أي تامة { وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ } ، يعني : غير تامة ، وهو السقط ؛ ويقال : مصورة وغير مصورة .

{ لّنُبَيّنَ لَكُمْ } بدء خلقكم ؛ ويقال : يخرج السقط من بطن أمه مصوراً أو غير مصور لنبين لكم بدء خلقكم كيف نخلقكم في بطون أمهاتكم ؛ ويقال : لنبين لكم في القرآن أنكم كنتم كذلك . { وَنُقِرُّ فِى الارحام مَا نَشَاء } فلا يكون سقطاً . { إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى } ، يعني : إلى وقت خروجه من بطن أمه ؛ ويقال : إلى وقت معلوم لتسعة أشهر . { ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً } من بطون أمهاتكم أطفالاً صغاراً ؛ وقال القتبي : لم يقل أطفالاً ، لأنهم لم يخرجوا من أم واحدة ، ولكنه أخرجهم من أمهات شتى ، فكأنه قال : يخرجكم طفلاً طفلاً .

{ ثُمَّ لِتَبْلُغُواْ أَشُدَّكُمْ } ، يعني : ثمانية عشر سنة إلى ثلاثين سنة ، ويقال : إلى ست وثلاثين سنة . والأشد هو الكمال في القوة والخير . { وَمِنكُمْ مَّن يتوفى } مِنْ قَبْل أن يبلغ أشده ، { وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إلى أَرْذَلِ العمر } ، أي أضعف العمر وهو الهرم ؛ ويقال : يعني : يرجع إلى أسفل العمر ، يعني : يذهب عقله . { لِكَيْلاَ يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً } ، يعني : لكيلا يعقل بعد عقله الأول .

ثم دلهم على إحياء الموتى بإحيائه الأرض ، فقال تعالى : { وَتَرَى الأرض هَامِدَةً } ، يعني : ميتة يابسة جافة ذات تراب . { فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الماء } ، يعني : المطر ، { اهتزت } ؛ يعني : تحركت بالنبات .

كقوله عز وجل : { وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَءَاهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَآنٌّ ولى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ ياموسى لاَ تَخَفْ إِنِّى لاَ يَخَافُ لَدَىَّ المرسلون } [ النمل : 10 ] يعني : تتحرك ؛ ويقال : اهتزت ، يعني : استبشرت . { وَرَبَتْ } ، يعني : انتفخت للنبات . وأصلهُ من ربا يربو ، وهو الزيادة . { وَأَنبَتَتْ مِن كُلّ زَوْجٍ } ، يعني : من كل صنف من ألوان النبات . { بَهِيجٍ } ، يعني : حسناً حتى يُبْهَجَ به ، فدلهم للبعث بعد إحياء الأرض ، ليعتبروا ويعلموا بأن الله هو الحق ، وعبادته هي الحق ، وغيره من الآلهة باطل .