اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِن كُنتُمۡ فِي رَيۡبٖ مِّنَ ٱلۡبَعۡثِ فَإِنَّا خَلَقۡنَٰكُم مِّن تُرَابٖ ثُمَّ مِن نُّطۡفَةٖ ثُمَّ مِنۡ عَلَقَةٖ ثُمَّ مِن مُّضۡغَةٖ مُّخَلَّقَةٖ وَغَيۡرِ مُخَلَّقَةٖ لِّنُبَيِّنَ لَكُمۡۚ وَنُقِرُّ فِي ٱلۡأَرۡحَامِ مَا نَشَآءُ إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمّٗى ثُمَّ نُخۡرِجُكُمۡ طِفۡلٗا ثُمَّ لِتَبۡلُغُوٓاْ أَشُدَّكُمۡۖ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّىٰ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَىٰٓ أَرۡذَلِ ٱلۡعُمُرِ لِكَيۡلَا يَعۡلَمَ مِنۢ بَعۡدِ عِلۡمٖ شَيۡـٔٗاۚ وَتَرَى ٱلۡأَرۡضَ هَامِدَةٗ فَإِذَآ أَنزَلۡنَا عَلَيۡهَا ٱلۡمَآءَ ٱهۡتَزَّتۡ وَرَبَتۡ وَأَنۢبَتَتۡ مِن كُلِّ زَوۡجِۭ بَهِيجٖ} (5)

قوله تعالى : { يا أيها الناس إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ البعث } الآية . لما حكى عنهم الجدال بغير علم في إثبات الحشر والنشر ، وذمَّهم عليه ، ألزمهم الحجة ، وأورد الدلالة على صحة ذلك من وجهين :

أحدهما : الاستدلال بخلقة الحيوان أولاً ، ثم بخلقة النبات ثانياً ، وهذا موافق لما أجمله في قوله : { قُلْ يُحْيِيهَا الذي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ }{[30166]} [ يس : 79 ] . وقوله : { فسيقولون من يعيدنا قل الذي فطركم أول مرة }{[30167]} . فكأنه تعالى قال : { إن كنتم في ريب } أي شك من البعث ففكروا في خلقتكم الأولى لتعلموا أن القادر على خلقكم أولاً قادر على خلقكم ثانيا{[30168]} .

قوله : «مِنَ البَعْثِ » . يجوز أن يتعلق ب «رَيْبٍ » ويجوز أن يتعلق بمحذوف على أنه صفة ل «ريب{[30169]} » . وقرأ الحسن «البَعَثِ » بفتح العين{[30170]} ، وهي لغة كالطَّرَدِ والحَلَبِ في الطَّرْد والحَلْب{[30171]} بالسكون . قال أبو حيان : والكوفيون إسكان العين عندهم تخفيف فيما وسطه حرف حلق كالنَّهْر والنَّهَر ، والشَّعْر والشَّعَر ، والبصريون لا يقيمونه ، وما ورد من ذلك هو عندهم مما جاء فيه لغتان{[30172]} {[30173]} . وهذا يوهم ظاهره أن الأصل : البعث - بالفتح - وإنما خفف ، وليس الأمر كذلك وإنما محل النزاع إذا سمع الحلقي مفتوح العين هل يجوز تسكينه أم لا ؟ لا أنه كلما جاء ساكن العين من ألحقها يدعي أن أصلها بالفتح كما هو ظاهر عبارته .

قوله : { فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِّن تُرَابٍ } أي : خلقنا أصلكم وهو آدم من تراب نظيره قوله : { كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ{[30174]} } [ آل عمران : 59 ] وقوله : «مِنْهَا خَلَقْنَاكُم »{[30175]} {[30176]} . ويحتمل أن خلقة الإنسان من المني ودم الطمث وهما إنما يتولدان من الأغذية ، والأغذية إما حيوان أو نبات ، وغذاء الحيوان ينتهي إلى النبات قطعاً للتسلسل والنبات إنما يتولد من الأرض والماء فصحّ قوله : { إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِّن تُرَابٍ }{[30177]} .

فصل

قال النووي{[30178]} في التهذيب : التراب معروف ؛ والمشهور الصحيح الذي قاله الفراء والمحققون أنه جنس لا يثنى ولا يجمع{[30179]} . ونقل أبو عمر الزاهد{[30180]} في شرح الفصيح عن المبرد أنه قال : هو جمع واحدته ترابة ، والنسبة إلى التراب ترابي{[30181]} . وذكر النحاس في كتابه صناعة الكتاب : في التراب خمس عشرة{[30182]} لغة فقال{[30183]} يقال : تراب وتَوْرب على وزن جعفر ، وتَوْرَاب ، وتَيْرب - بفتح أولهما - والإِثلب والأَثلَب الأول بكسر الهمزة واللام ، والثاني بفتحهما{[30184]} ، والثاء مثلثة فيهما{[30185]} ومنه قولهم : بفيه الأثلب ، وهو الكَثْكَث - بفتح الكافين وبالثاء المثلثة المكررة ، والكثكث - بكسر الكافين - والدِّقعِم - بكسر الدال والعين - والدَّقعاء بفتح الدال والمد ، والرَّغام - بفتح الراء والغين المعجمة - ومنه : أرغم الله أنفه ، أي : ألصقه بالرغام وهو البرا{[30186]} مقصور مفتوح الباء الموحدة كالعصا ، والكِلْخِم{[30187]} بكسر الكاف والخاء المعجمة وإسكان اللام بينهما{[30188]} ، والكِلْخ بكسر الكاف واللام وإسكان الميم بينهما والخاء أيضاً معجمة ، والعِثْير بكسر العين المهملة وإسكان الثاء المثلثة وبعدها مثناة من تحت مفتوحة{[30189]} .

قوله : { ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ } والنطفة اسم للماء القليل ، أي ماء كان ، وهو هنا ماء الفحل ، وجمعها نطاف{[30190]} ، فكأنه سبحانه يقول : أنا الذي قلبت ذاك التراب اليابس ماء لطيفاً مع أنه لا مناسبة بينهما{[30191]} . والمراد من الخلق من النطفة الذرية .

قوله : { ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ } والعلقة قطعة الدم الجامدة ، وجمعها عَلَق ولا شك أن بين الماء وبين الدم الجامد مباينة شديدة{[30192]} . وعن بعضهم وقد سئل عن أصعب الأشياء فقال : وقع الزلق على العلق ، أي : على دم القتلى في المعركة . {[30193]}

قوله : { ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ } المُضْغَة : القطعة من اللحم قدر ما يمضغ{[30194]} نحو الغُرْفَة ، والأكْلَة بمعنى المغروفة والمأكولة .

قوله : { مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ } العامة على الجر في «مُخَلَّقةٍ » وفي «غَيْر » على النعت . وقرأ ابن أبي عبلة بنصبهما{[30195]} على الحال من النكرة ، وهو قليل جداً ، وإن كان سيبويه قاسه . {[30196]}

والمُخَلَّقَة : الملساء التي لا عيب فيها من قولهم : صخرة خلقاء ، أي : ملساء{[30197]} وخَلَّقْتُ السواك : سوَّيْتُه ومَلَّسْتُه . وقيل : التضعيف في «مُخَلَّقَةَ » دلالة على تكثير الخلق ؛ لأن الإنسان ذو أعضاء متباينة وخلق متفاوتة . قاله الشعبي وقتادة وأبو العالية{[30198]} وقال ابن عباس وقتادة : «مُخَلَّقة » تامة الخلق ، و «غير مخلقة » أي ناقصة الخلق{[30199]} . وأبو مجاهد : مصورة وغير مصورة ، وهو السقط{[30200]} . وقيل : المُخَلَّقَة من تمت فيه أحوال الخلق ، وغير المخلقة من لم يتم فيه أحوال الخلق قاله قتادة والضحاك{[30201]} . وقيل : المُخَلَّقة{[30202]} الولد الذي تأتي به المرأة لوقته ، وغير المخلقة السقط . وروى علقمة عن ابن مسعود قال : «إن النطفة إذا استقرت في الرحم أخذها ملك بكفه ، وقال : أي رب{[30203]} مخلقة أو غير مخلقة ، فإن قال : غير مخلقة قذفها في الرحم دماً ولم يكن نسمة ، وإن قال : مخلقة ، قال الملك : أي رب أذكر{[30204]} أم أنثى أشقي{[30205]} أم سعيد ، ما الأجل ما العمل ما الرزق وبأي أرض تموت ؟ فيقال له : اذهب إلى أم الكتاب فإنك تجد فيها كل ذلك ، فيذهب فيجدها في أم الكتاب فينسخها{[30206]} فلا يزال معه حتى يأتي على آخر صفته » . قوله : «لِنُبَيِّنَ لَكُم » أي : لنبين لكم كمال قدرتنا وحكمتنا في تصريف أطوار خلقكم لتستدلّوا بقدرته في ابتداء الخلق على قدرته على الإعادة{[30207]} وقيل : لنبين لكم أن تغيير الصفة والخلقة هو اختيار من الفاعل المختار ، ولولاه لما صار بعضه{[30208]} مخلقاً وبعضه غير مخلق{[30209]} وقيل : لنبين لكم ما تأتون وما تذرون وما تحتاجون إليه في العبادة{[30210]} .

قوله : { وَنُقِرُّ فِي الأرحام مَا نَشَآءُ } العامة على رفع «وَنُقِرُّ » ، لأنه مستأنف ، وليس علة{[30211]} لما قبله فينصب نسقاً على ما تقدم . {[30212]} وقرأ يعقوب ، وعاصم في رواية بنصبه{[30213]} .

قال أبو البقاء : على أن يكون معطوفاً في اللفظ والمعنى مختلف ، لأن اللام في «لِنُبَيِّنَ » للتعليل واللام المقدرة مع{[30214]} «نُقِرُّ » للصيرورة{[30215]} . وفيه نظر ، لأن قوله : معطوفاً في اللفظ . يدفعه قوله : واللام المقدرة . فإن تقدير اللام يقتضي النصب بإضمار ( أن ) بعدها لا{[30216]} بالعطف على ما قبله . وعن عاصم أيضاً : «ثُمَّ نُخْرِجَكُمْ » بنصب الجيم{[30217]} . وقرأ ابن أبي عبلة «لِيُبَيِّن » و «يُقِرُّ » بالياء من تحت فيهما{[30218]} ، والفاعل هو الله تعالى كما في قراءة النون .

وقرأ يعقوب في رواية «ونَقُرُّ » بفتح النون وضم القاف ورفع الراء من قرَّ الماء يقرُّه أي : صبَّه{[30219]} . وقرأ أبو زيد النحوي «ويَقر » بفتح الياء من تحت وكسر القاف ونصب الراء{[30220]} أي : ويقر الله وهو من قَرَّ الماء إذا صبه . وفي الكامل{[30221]} لابن جبارة{[30222]} «لنبين ، ونقر ، ثم نخرجكم » بالنصب فيهن يعني بالنون في الجميع ، المفضل بالياء فيهما مع النصب أبو حاتم ، وبالياء والرفع عن عمر بن شبة{[30223]} . انتهى{[30224]} .

وقال الزمخشري : والقراءة بالرفع إخبار بأنه تعالى : يقر في الأرحام ما يشاء أن يقره . ثم قال : والقراءة بالنصب تعليل معطوف على تعليل ومعناه : جعلناكم مدرجين هذا التدريج لغرضين :

أحدهما : أن نبين قدرتنا .

والثاني : أن نقر في الأرحام من نقر حتى يولدوا وينشئوا ويبلغوا حد التكليف فأكلفهم ، ويعضد هذه القراءة قوله : { ثُمَّ لتبلغوا أَشُدَّكُمْ{[30225]} } . قال شهاب الدين : تسميته مثل هذه الأفعال المسندة إلى الله تعالى غرضاً لا يجوز{[30226]} . وقرأ ابن وثاب «نِشَاء » بكسر النون وهو كسر حرف المضارعة{[30227]} كما تقدم في قوله : «نسْتَعِينُ » . {[30228]}

والمراد بالأجل المسمى يعني نقر في الأرحام ما نشاء فلا نمحه ولا نسقطه إلى أجل مسمى وهو حد الولادة ، وهو آخر ستة أشهر أو تسعة أشهر أو أربع سنين كما شاء وقدر تام الخلق والمدة .

قوله : { ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً } أي : تخرجون من بطون أمهاتكم ، «طِفْلاً » حال من مفعول «نُخْرِجُكُم{[30229]}« ، وإنما وحِّدَ ، لأنه في الأصل مصدر كالرضا والعدل ، فيلزم الإفراد والتذكير ، قاله المبرد{[30230]} ، وإما لأنه مراد به الجنس{[30231]} ، ولأنه العرب تذكر الجمع باسم الواحد قال تعالى : { وَالْمَلاَئِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ{[30232]} } [ التحريم : 4 ] وإما لأن المعنى نخرج كل واحد منكم ، نحو{[30233]} : القوم يشبعهم رغيف ، أي : كل واحد منهم{[30234]} . وقد يطابق به ما يراد به فيقال : طفلان وأطفال{[30235]} ، وفي الحديث : «سُئِلَ عَنْ أَطْفَالِ المُشْرِكِينَ{[30236]} » . والطفل يطلق على الولد من حين الانفصال إلى البلوغ{[30237]} . وأما الطفل - بالفتح - فهو الناعم ، والمرأة طفلة{[30238]} ، قال :

وَلَقَدْ لَهَوْتُ بِطَفْلَةٍ ميَّالةٍ *** بَلْهَاءَ تُطْلِعُنِي عَلَى أَسْرَارِهَا{[30239]}

وقال :

أَحْبَبْتُ فِي الطَّفْلَةِ القُبَلاَ *** لاَ كَثِيراً يُشْبِه الحولا{[30240]}

أما الطَّفَل : بفتح الفاء والطاء - فوقت ( ما بعد العصر ، من قولهم : طفلت{[30241]} الشمس : إذا مالت للغروب{[30242]} ، وأطفلت المرأة أي صارت ذات طفل{[30243]} ) .

قوله{[30244]} : { ثُمَّ لتبلغوا أَشُدَّكُمْ } الأَشُدُّ : كمال القوة والعقل ، وهو من ألفاظ الجموع التي لا واحد لها ، فبنيت لذلك على لفظ الجمع{[30245]} ، والمعنى : أنه سهل في تربيتكم وأغذيتكم أموراً كثيراً{[30246]} إلى بلوغ أشدكم ، فنبه بذلك على الأحوال التي بين خروج الطفل من بطن أمه وبين بلوغ الأشد ، لأن بين الحالتين وسائط{[30247]} .

قوله : { وَمِنكُمْ مَّن يتوفى } العامة على ضم الياء من «يُتَوَفَّى » وقرأت فرقة «يَتَوفَّى » بفتح الياء{[30248]} ، وفيه تخريجان :

أحدهما : أن الفاعل ضمير الباري تعالى ، أي{[30249]} : يتوفاه الله تعالى{[30250]} . كذا قدره الزمخشري . {[30251]}

الثاني : أن الفاعل ضمير «من » أي : يتوفى أجله{[30252]} وهذه القراءة كالتي في البقرة { والذين يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ{[30253]} } [ البقرة : 234 ] أي : مدتهم . ومعنى الآية : { وَمِنكُمْ مَّن يتوفى } على قوته وكماله ، { وَمِنكُمْ مَّن يُرَدُّ إلى أَرْذَلِ العمر } وهو الهرم والخوف فيصير كما كان في أوان الطفولية ضعيف البنية سخيف{[30254]} العقل قليل الفهم{[30255]} . وروي عن أبي عمرو ونافع أنهما قرآ «العُمْر » بسكون الميم{[30256]} وهو تخفيف قياسي نحو عُنْق في عُنُق{[30257]} .

قوله : «لِكَيْلاَ يَعْلَم » هذا الجار يتعلق ب «يرد{[30258]} » وتقدم نظيره في النحل{[30259]} والمعنى يبلغ من السن ما يتغير{[30260]} عقله فلا يعقل شيئاً . فإن قيل : إنه يعلم بعض الأشياء كالطفل فالجواب : المراد أنه يزول عقله فيصير كأنه لا يعلم شيئاً{[30261]} . لأن مثل ذلك قد يذكر في النفي مبالغة . ومن الناس من قال هذه الحال لا تحصل للمؤمنين لقوله تعالى : { ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ إِلاَّ الذين آمَنُواْ{[30262]} } [ التين : 5 - 6 ] وهو{[30263]} ضعيف ، لأن معنى قوله «ثُمَّ رَدَدْنَاهُ » دلالة على الذم ، فالمراد ما يجري مجرى العقوبة ، ولذلك قال { إِلاَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ{[30264]} } [ التين : 6 ] وهذا تمامِ الاستدلال بخلقة الحيوان{[30265]} . وأما الاستدلال بخلقة النبات فهو قوله تعالى : { وَتَرَى الأرض هَامِدَةً } فنصب «هَامِدَةً » على الحال ، لأن الرؤية بصرية . والهمود : الخشوع والسكون ، وهمدت الأرض : يبست ودرست ، وهمد الثوب : بلي{[30266]} ، قال الأعشى :

فَالَتْ قُتَيْلَة مَا لجِسْمِكَ شَاحِباً *** وَأَرَى ثِيَابَكَ بَاليَاتٍ هُمَّدَا{[30267]}

والاهتزاز التحرك{[30268]} ، وتجوز به هنا عن إنبات الأرض نباتها بالماء . والجمهور على «رَبَتْ » أي : زادت من ربا يربو{[30269]} . وقرأ أبو جعفر وعبد الله بن جعفر{[30270]} وأبو عمرو في{[30271]} رواية «وربأت » بالهمز{[30272]} أي ارتفعت . يقال : ربأ بنفسه عن كذا ، أي : ارتفع عنه ، ومنه الربيئة ، وهو من يطلع على موضع عال لينظر للقوم ما يأتيهم ، وهو عين القوم ، ويقال له : ربيء أيضاً{[30273]} قال الشاعر :

بَعَثْنَا رَبيْئاً قَبْلَ ذَلِكَ مُخْملا **** كَذِئْبِ الغَضَا يَمْشِي الضّراءَ وَيَتَّقِي{[30274]}

قوله : { مِن كُلِّ زَوْجٍ } . فيه وجهان :

أحدهما : أنه صفة للمفعول المحذوف ، تقديره : وأنبتت ألواناً أو{[30275]} أزواجاً من كل زوج{[30276]} .

والثاني : أن ( من ) زائدة ، أي أنبتت كل زوج ، وهذا ماش عند الكوفيين والأخفش{[30277]} والبهيج : الحسن الذي يسر{[30278]} ناظره ، وقد بَهُج بالضم بهاجة{[30279]} وبَهْجَةً أي حسن وأبهجني كذا أي : سرني بحسنه{[30280]} .

فصل

المعنى : { وَتَرَى الأرض هَامِدَةً } يابسة لا نبات فيها ، { فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا المآء } المطر «اهْتَزَّت » تحركت بالنبات ، والاهتزاز الحركة على سرور ، ورَبَتْ أي : ارتفعت وزادت{[30281]} ، وذلك أن الأرض ترتفع وتنتفخ ، فذلك{[30282]} تحركها . وقيل : فيه تقديم وتأخير معناه : ربت واهتزت{[30283]} . قال المبرد : أراد اهتزت وربا نباتها فحذف المضاف . والاهتزاز في النبات أظهر يقال : اهتز النبات ، أي : طال ، وإنما أنث لذكر الأرض{[30284]} .

{ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ } وهذا مجاز{[30285]} لأن الأرض لا تنبت وإنما المنبت هو الله تعالى ، لكنه يضاف إليها توسعاً . ومعنى من كل نوع من أنواع النبات والبهجة : حسن الشيء ونضارته ، ثم إنه تعالى لما قرر هذين الدليلين رتب عليهما{[30286]} ما هو المطلوب وذلك قوله تعالى { ذلك بِأَنَّ الله هُوَ الحق } الآية{[30287]} .


[30166]:[يس: 79].
[30167]:[الإسراء: 51].
[30168]:انظر الفخر الرازي: 23/ 8.
[30169]:انظر التبيان 2/ 933.
[30170]:المختصر (94)، البحر المحيط 6/ 352.
[30171]:والحلب: سقط من الأصل.
[30172]:ذهب الكوفيون إلى أن ما كان على (فعل) بفتح الفاء وسكون العين وكانت عينه حرفا حلقيا جاز تحريكه بالفتح نحو الشعر والشعر والبحر والبحر لمناسبة حرف الحلق للفتح، فجعلوا المفتوح العين فرعا لساكنها، ورأوا هذا قياسا في كل فعل شأنه ما ذكرناه. وذهب البصريون إلى أن ما جاء من هذا فيه اللغتان تكلم به على ما جاء وما كان لم يسمع لم يجز فيه التحريك نحو وعد، لأنك لا تقول: لك علي وعد أي: علي وعدة. معاني القرآن وإعرابه للزجاج 3/ 411، شرح الشافية 1/ 47.
[30173]:البحر المحيط 6/ 352.
[30174]:من قوله تعالى: {إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون} [آل عمران: 59].
[30175]:من قوله تعالى: {منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى} [طه: 55]. الفخر الرازي 23/ 8.
[30176]:انظر الفخر الرازي 23/8.
[30177]:انظر الفخر الرازي 23/8.
[30178]:تقدم.
[30179]:قال الرضي: (وعند الفراء كل ما له واحد من تركيبه سواء كان اسم جمع كباقر وركب أو اسم جنس كتمر وروم، فهو جمع وإلا فلا. وأما اسم الجمع واسم الجنس اللذان ليسا لهما واحد من لفظهما فليسا بجمع اتفاقا نحو إبل وتراب وإنما لم يجئ لمثل تراب وخل مفرد بالتاء إذ ليس له فرد متميز عن غيره كالتفاح والتمر والجوز) شرح الكافية 2/ 178.
[30180]:هو محمد بن عبد الواحد بن أبي هاشم أبو عمر الزاهد المطرز اللغوي غلام ثعلب، ومن مصنفاته اليواقيت، شرح الفصيح، غريب مسند أحمد وغير ذلك، مات سنة 345 هـ ببغداد. بغية الوعاة 1/ 164 – 166.
[30181]:لأنك إذا نسبت إلى ما يدل على الجمع فإن كان اللفظ جنسا كتمر وضرب أو اسم جمع كنفر ورهط وإبل نسبت إلى لفظه نحو تمري وإبلي سواء كان اسم الجمع مما جاء من لفظه ما يطابق على واحده كراكب في ركب أو لم يجئ كغنم وإبل. شرح الشافية 2/ 78.
[30182]:في النسختين: اثني عشر. والصواب ما أثبته.
[30183]:فقال: تكملة من التهذيب.
[30184]:في ب: الأول بكسر الهمزة والثاني بفتحها.
[30185]:فيهما: سقط من ب.
[30186]:في النسختين: التراب. والصواب ما أثبته.
[30187]:في ب: الكلخ. وهو تحريف.
[30188]:في ب: هاهنا. وهو تحريف.
[30189]:تهذيب الأسماء واللغات القسم الثاني 1/ 40 – 41.
[30190]:قياس جمع نطفة نطف، لأن ما كان اسما على فعلة يجمع على فعل، وقد يجمع على فعال، وهو مما يحفظ كبرمة وبرام. انظر شرح الأشموني 4/ 130، 135.
[30191]:انظر الفخر الرازي 23/ 9.
[30192]:الفخر الرازي: 23/ 9.
[30193]:انظر الفخر الرازي 23/9.
[30194]:انظر تفسير ابن عطية 11/228، البحر المحيط 6/352.
[30195]:لما كان الحال خبرا في المعنى، وصاحبها مخبرا عنه أشبه المبتدأ فلم يجز مجيء الحال من النكرة غالبا إلا بمسوغ من مسوغات الابتداء بها، ومن النادر قولهم: عليه مائة بيضا، وفيها رجل قائما، واختار أبو حيان مجيء الحال من النكرة بلا مسوغ كثيرا قياسا ونقله عن سيبويه، قال سيبويه في باب ما لا يكون الاسم فيه إلا نكرة: (...وقد يجوز نصبه على نصب هذا رجل منطلقا وهو قول عيسى. وزعم الخليل أن هذا جائز ونصبه كنصبه في المعرفة، جعله حالا ولم يجعله صفة، ومثل ذلك مررت برجل قائما، إذا جعلت المرور به في حال قيام. وقد يجوز على هذا: فيها رجل قائما، وهو قول الخليل رحمه الله. ومثل ذلك: عليه مائة بيضا، وعليه مائة عينا، والرفع الوجه) الكتاب 2/ 112، انظر البحر المحيط 6/352 الهمع 1/240.
[30196]:انظر الفخر الرازي 23/9.
[30197]:الفخر الرازي 23/9.
[30198]:انظر البحر المحيط 6/352.
[30199]:انظر البغوي 5/553.
[30200]:انظر البغوي 5/553.
[30201]:انظر الفخر الرازي 23/9.
[30202]:من هنا نقله ابن عادل عن البغوي 5/553 – 554.
[30203]:في الأصل: رب أي. وهو تحريف.
[30204]:في ب: ذكر. وهو تحريف.
[30205]:في ب: شقي. وهو تحريف.
[30206]:في الأصل: فنسخها، وهو تحريف.
[30207]:آخر ما نقله هنا عن البغوي 5/553-554.
[30208]:في الأصل: بعده وهو تحريف.
[30209]:انظر الفخر الرازي 23/9.
[30210]:انظر البغوي: 5/554.
[30211]:في ب: علمه. وهو تحريف.
[30212]:انظر معاني القرآن وإعرابه للزجاج 3/412، البيان 2/169 التبيان 2/933.
[30213]:البحر المحيط 6/352.
[30214]:في ب: في.
[30215]:انظر التبيان 2/ 933.
[30216]:في ب: إلا. وهو تحريف.
[30217]:عطفا على "ونقر" إذا نصب. البحر المحيط 6/ 352.
[30218]:الكشاف 3/ 26، البحر المحيط 6/ 352.
[30219]:المرجعان السابقان.
[30220]:المختصر (94) البحر المحيط 6/352.
[30221]:في ب: وفي الكاف. وهو تحريف.
[30222]:هو يوسف بن علي بن جبارة أبو القاسم الهذلي اليشكري، طاف البلاد في طلب القراءات ومن شيوخه إبراهيم بن أحمد الأربلي وإبراهيم بن الخطيب وأحمد بن الصقر وغيرهم، ومن مؤلفاته كتاب الكامل، مات سنة 465 هـ. طبقات القراء 2/ 397 – 401.
[30223]:هو عمر بن شبة بن عبيدة النميري أبو زيد البصري، الحافظ الأخباري الأديب، عن عمر بن علي المقدمي والقطان وأبي نعيم وغيرهم. مات سنة 262 هـ. خلاصة تذهيب تهذيب الكمال 2/ 271.
[30224]:البحر المحيط 6/352.
[30225]:الكشاف 3/26.
[30226]:الدر المصون 5/65.
[30227]:تفسير ابن عطية 11/229، القرطبي 12/11 البحر المحيط 6/352.
[30228]:من قوله تعالى: {إياك نعبد وإياك نستعين} [الفاتحة: 5]. وذكر هناك وقرئ "نستعين" بكسر حرف المضارعة، وهي لغة مطردة في حروف المضارعة، وذلك بشرط أن لا يكون ما بعد حرف المضارعة مضموما، فإن ضم كـ (نقوم) ولم يكسر حرف المضارعة لثقل الانتقال من الكسر إلى الضم، وبشرط أن يكون المضارع من ماض مكسور العين نحو نعلم من علم، أو في أوله همزة وصل نحو "نستعين" من استعان، أو تاء مطاوعة، نحو نتعلم من تعلم، فلا يجوز في يضرب ويقتل كسر حرف المضارعة لعدم الشروط المذكورة. انظر اللباب 1/28.
[30229]:انظر التبيان 2/ 933.
[30230]:انظر التبيان 2/ 933، والبحر المحيط 6/ 346، 352.
[30231]:انظر التبيان 2/ 933، القرطبي 12/ 11، البحر المحيط 6/ 352.
[30232]:[التحريم: 4] والاستدلال بهذه الآية أن (ظهير) خبر عن الجمع، وهو واحد في معنى الجمع. البيان 2/ 447، التبيان 2/ 1230، انظر القرطبي 12/11.
[30233]:في ب: عن وهو تحريف.
[30234]:انظر التبيان 2/ 933 البحر المحيط 6/ 352.
[30235]:انظر البحر المحيط 6/346.
[30236]:أخرجه أحمد 1/ 294.
[30237]:انظر البحر المحيط 6/ 346.
[30238]:القرطبي 12/ 12، البحر المحيط 6/ 346.
[30239]:البيت من بحر الكامل، لم يعزه لقائل وهو في التهذيب 6/ 312، واللسان (بله) الطفلة، بفتح الطاء: المرأة، وهو موطن الشاهد هنا. البله حسن الخلق وقلة الفطنة لمذاق الأمور، والمرأة بلهاء أراد أنها غر لا دهاء لها فهي تخبرني بسرها ولا تفطن لما في ذلك عليها.
[30240]:رجز لم أهتد إلى قائله، ولم أجده فيما رجعت إليه من مراجع والشاهد فيه أن الطفلة بفتح الطاء: المرأة.
[30241]:في النسختين: طلعت. والصواب ما أثبته.
[30242]:انظر البحر المحيط 6/ 346.
[30243]:انظر البحر المحيط 6/ 346.
[30244]:ما بين القوسين سقط من الأصل.
[30245]:انظر الكشاف 3/26.
[30246]:كثيرا: سقط من ب.
[30247]:انظر الفخر الرازي 23/10.
[30248]:حكاه أبو حاتم. انظر المختصر (94) البحر المحيط 6/ 353.
[30249]:في الأصل: أن. وهو تحريف.
[30250]:تعالى: سقط من ب.
[30251]:الكشاف 3/ 26.
[30252]:انظر البحر المحيط 6/ 353.
[30253]:[البقرة: 234، 240]. {والذين يتوفون} بفتح الياء قراءة علي ابن أبي طالب، والمفضل عن عاصم. ومعنى هذه القراءة أنهم يستوفون آجالهم. المختصر: 15، البحر المحيط 2/222.
[30254]:سخف بالضم سخافة فهو سخيف، ورجل سخيف العقل بين السخف ضعف العقل اللسان (سخف).
[30255]:انظر الفخر الرازي 23/10.
[30256]:في النسختين: العين. والصواب ما أثبته. المختصر (94)، البحر المحيط 6/353.
[30257]:التخفيف بسكون الحرف الثاني في (عمر) و (عنق) كراهة توالي الثقلين في الثلاثي المبني على الخفة، فسكن الثاني لامتناع تسكين الأول، ولأن الثقل من الثاني حصل. وهذا من التفريعات في لغة تميم. انظر شرح الشافية 1/44.
[30258]:انظر البحر المحيط 6/353.
[30259]:وهو قوله تعالى: {والله خلقكم ثم يتوفاكم ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم بعد علم شيئا إن الله عليم قدير} [النحل: 70]. وذكر هناك: في هذه اللام وجهان: أحدهما: أنها لام التعليل وكي بعدها مصدرية لا إشعار لها بالتعليل والحالة هذه وأيضا فعلمها مختلف. والثاني أنها لام الصيرورة. انظر اللباب 5/212.
[30260]:في ب: يتعين. وهو تحريف.
[30261]:في ب: كأنه لا يعلم شيئا فإن قيل إنه يعلم بعض الأشياء.
[30262]:[التين: 5، 6].
[30263]:وهو: سقط من الأصل.
[30264]:[التين: 6].
[30265]:انظر الفخر الرازي 23/10.
[30266]:البحر المحيط 6/346.
[30267]:البيت من بحر الكامل قاله الأعشى، وهو في ديوانه (54) وتفسير ابن عطية 11/231، القرطبي 12/13، البحر المحيط 6/336. ورواية الديوان: سايئا مكان شاحبا: الشاحب: المتغير اللون لعارض من مرض أو سفر أو غيرهما. والثوب الهامد: المتقطع من طول طيه، ينظر إليه الناظر فيحسبه سليما، فإذا لمسه تناثر قطعا من البلى.
[30268]:في الأصل: التحريك.
[30269]:انظر التبيان 2/933.
[30270]:تقدم.
[30271]:في ب: من.
[30272]:المختصر (94). المحتسب 2/74، والبحر المحيط 6/353.
[30273]:انظر التبيان 2/933.
[30274]:البيت من بحر الطويل قاله امرؤ القيس. وهو في ديوانه (172) والقرطبي 12/14، والبحر المحيط 6/353. المخمل: الذي يخمل نفسه، أي يسترها ويخفيها. الغضا: شجر، والعرب تقول: أخبث الذئاب ذئب الغضا، أي: ما كان منشأه ومأواه الغضا، الضراء: الشجر الملتف في الوادي: يستر من دخل فيه، وفلان يمشي الضراء: إذا مشى مستخفيا فيما يواري من الشجر.
[30275]:في ب: و.
[30276]:انظر التبيان 2/933.
[30277]:في جواز زيادة (من) مطلقا، أي أنهم لا يشترطون في زيادتها كونها في سياق النفي ومجرورها نكرة. انظر التبيان 2/933، شرح الكافية 2/322 – 323.
[30278]:في ب: يس، وهو تحريف.
[30279]:في ب: بهاجاة. وهو تحريف.
[30280]:انظر البحر المحيط 6/346.
[30281]:انظر البغوي 5/555.
[30282]:في الأصل: وذلك.
[30283]:في الأصل: معناه وربت أي ارتفعت وزادت.
[30284]:البغوي 5/555-556.
[30285]:من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي 23/10.
[30286]:في الأصل: عليها.
[30287]:آخر ما نقله عن الفخر الرازي 23/10.