الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِن كُنتُمۡ فِي رَيۡبٖ مِّنَ ٱلۡبَعۡثِ فَإِنَّا خَلَقۡنَٰكُم مِّن تُرَابٖ ثُمَّ مِن نُّطۡفَةٖ ثُمَّ مِنۡ عَلَقَةٖ ثُمَّ مِن مُّضۡغَةٖ مُّخَلَّقَةٖ وَغَيۡرِ مُخَلَّقَةٖ لِّنُبَيِّنَ لَكُمۡۚ وَنُقِرُّ فِي ٱلۡأَرۡحَامِ مَا نَشَآءُ إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمّٗى ثُمَّ نُخۡرِجُكُمۡ طِفۡلٗا ثُمَّ لِتَبۡلُغُوٓاْ أَشُدَّكُمۡۖ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّىٰ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَىٰٓ أَرۡذَلِ ٱلۡعُمُرِ لِكَيۡلَا يَعۡلَمَ مِنۢ بَعۡدِ عِلۡمٖ شَيۡـٔٗاۚ وَتَرَى ٱلۡأَرۡضَ هَامِدَةٗ فَإِذَآ أَنزَلۡنَا عَلَيۡهَا ٱلۡمَآءَ ٱهۡتَزَّتۡ وَرَبَتۡ وَأَنۢبَتَتۡ مِن كُلِّ زَوۡجِۭ بَهِيجٖ} (5)

ثم قال : { يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث }[ 5 ] .

أي : إن كنتم في شك من أنكم تبعثون وتعودون كما كنتم فتدبروا خلقكم وابتداءكم ، فإنكم لا تجدون فرقا بين الابتداء والإعادة ، إذ خلقناكم من تراب ، يعني آدم . ( ثم من نطفة ) يعني ولد آدم ، ثم من علقة ، ثم من مضغة ، ثم يخرجكم طفلا . فإذا تدبرتم ابتداءكم وانتقال أحوالكم{[46591]} ، علمتم أن من قدر على هذا أنه قادر على الإعادة ، فالنطفة ماء الرجل ، والعقلة : الدم ، والمضغة : لحمة صغيرة بقدر ما يمضغ . وقوله : { مخلقة وغير مخلقة } . قيل : هو من نعت النطفة . فالمخلقة{[46592]} ما كان خلقا سويا ، وغير المخلقة ما ألقت{[46593]} الأرحام من النطف{[46594]} قبل أن تكونوا{[46595]} خلقا{[46596]} . قال ابن عمر{[46597]} : إذا وقعت النطفة في الرحم ، بعث الله ملكا ، فقال : يا رب مخلقة{[46598]} أو غير مخلقة{[46599]} ، فإن قال غير مخلقة ، مجتها الأرحام دما وإن قال : مخلقة ، قال يا رب : ما صفة هذه النطفة ؟ أذكر أم أنثى ؟ ما رزقها ؟ ما أجلها ؟ أشقي{[46600]} أم سعيد ؟ قال : فيقال : انطلق إلى أم الكتاب ، فاستنسخ{[46601]} منه صفة هذه النطفة . قال : فينطلق الملك ، فينسخها ، فلا تزال معه حتى يأتي على آخر{[46602]} صفتها .

وقيل{[46603]} : معناه ، تامة أو غير تامة ، وهو قول قتادة{[46604]} .

وقال مجاهد : هو السقط ، مخلق وغير مخلق{[46605]} .

وقال الشعبي{[46606]} : بعد المضغة تكون مخلقة{[46607]} ، وهو الخلق الرابع ، وإذا قذفها الرحم قيل{[46608]} فهي غير مخلقة .

وقال ابن مسعود : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : - وهو الصادق المصدوق – " يجمع{[46609]} خلق كل{[46610]} أحدكم في بطن أمه أربعين يوما ، ثم يكون علقة أربعين يوما ، ثم يكون مضغة أربعين يوما ، ثم يبعث الله إليه{[46611]} ملكا ، فيقول : أكتب عمله وأجله ورزقه واكتب شقيا أو سعيدا{[46612]} " .

وقال عبد الله : والذي نفسي بيده ، إن الرجل ليعمل عمل أهل السعادة ، فيعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا{[46613]} ذراع ثم يدركه الشقاء ، فيعمل بعمل أهل النار والشقاء ، فيدخل{[46614]} النار .

واختار الطبري{[46615]} أن تكون المخلقة المصورة خلقا تاما ، وغير مخلقة{[46616]} السقط قبل تمام خلقه فيكون مخلقة وغير مخلقة من نعت المضغة{[46617]} ، لأنه ليس بعد المضغة إلا التصوير .

ثم قال تعالى : { لنبين لكم } أي : فعلنا ذلك لنبين لكم قدرتنا على ما نشاء . أي : ذكرنا لكم أحوال الابتداء ، لنبين لكم أثر الصنعة والقدرة . فقوله : { لنبين لكم } جواب للقصة المذكورة في خلق الإنسان كلها . أي : أخبرناكم بهذه القدرة في خلقكم لنبين لكم{[46618]} أن البعث حق .

ثم ابتدأ آخر فقال : { ونقر في الأرحام } ولذلك ارتفع ، ولا يجوز نصبه على العطف على ( لنبين ) ، لأنه لم يذكر القصة في قدرته ليقر في الأرحام ما يشاء ، إنما ذكرها ليدل على صحة{[46619]} وقوع{[46620]} البعث بعد الموت{[46621]} . والمعنى{[46622]} : { ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى } ، أي : ونبقي في الأرحام من{[46623]} نشاء حياته فلا يسقط إلى وقت ولادته فيخرج طفلا .

وقوله : { ثم نخرجكم طفلا }[ 5 ] .

أي : يخرج كل واحد منكم طفلا .

وقوله : { ثم لتبلغوا أشدكم } أي : نعمركم لتبلغوا أشدكم .

وقيل : معناه : ثم نخرجكم طفلا لتبلغوا أشدكم .

والأول أحسن ، لأن هذا ، يوجب زيادة ( ثم ) ، ولا يحسن زيادتها ، بل لا بد لها من فائدة ، وهو ما ذكرنا من التعبير ليقع به البلوغ إلى الأشد . ومعنى أشدكم ، أي كمال عقولكم : { ومنكم من يتوفى }[ 5 ] .

أي : من قبل بلوغ أشده فيموت .

{ ومنكم من يرد إلى أرذل العمر }[ 5 ] .

أي : من ينسأ{[46624]} في أجله فيعمر حتى يهرم ، فيرد إلى أرذل عمره .

وروي عن علي رضي الله عنه أنه قال : أرذل العمر ، خمسة وسبعون عاما{[46625]} .

ثم قال : { لكيلا يعلم من بعد علم شيئا }[ 5 ] .

أي : ليصير لا علم له بالأشياء بعدما كان عالما بها .

ثم قال : { وترى الأرض هامدة }[ 5 ] .

أي : يابسة دارسة لا نبات فيها ، وأصل الهمود ، الدروس والدثور{[46626]} .

{ فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت } أي : تحركت بالنبات

{ وربت } أي : وأضعفت النبات بمجيء الغيث .

قال قتادة{[46627]} : { اهتزت وربت } حسنت وعرف{[46628]} الغيث في ربوعها .

وقيل : التقدير : فإذا أنزلنا عليها الماء ربت واهتزت ، فيكون المهتز الزرع ، يتحرك إذا نبت على الحقيقة ، فيرد المعنى إلى النبات . وظاهر الإخبار عن الأرض .

وقوله : { وترى } رجوع{[46629]} من خطاب جماعة إلى خطاب واحد وهو حسن ، قد{[46630]} تقدم نظائره .

وقرأ أبو جعفر القارئ : { وأنبتت } بالهمز{[46631]} . أي : ارتفعت حتى صارت بمنزلة الربيئة . وهو الذي يحفظ القوم على شيء مشرف يقال : هو رأبئ القوم وربيئتهم . وفعيل : للمبالغة .

ثم قال تعالى : { وأنبتت من كل زوج بهيج } .

أي : من كل نوع حسن ، يعني من النبات . { بهيج } بمعنى مبهج أي : يبهج من رآه{[46632]} حسنُه .


[46591]:ز: انتقالكم وأحوالكم.
[46592]:ز: والمخلقة.
[46593]:ز: القته.
[46594]:ز: النطفة.
[46595]:ز: يكون.
[46596]:خلقا سقطت من ز.
[46597]:انظر: جامع البيان 17/117 وأحكام القرآن لابن العربي 3/1272 وتفسير القرطبي 12/6-7.
[46598]:ز: مخلوقة.
[46599]:انظر: المصدر نفسه.
[46600]:ز: شقى.
[46601]:ز: منها.
[46602]:أخر سقطت من ز.
[46603]:ز: وقال.
[46604]:انظر: جامع البيان 17/117 وأحكام ابن العربي 3/1271 والدر المنثور 4/345.
[46605]:المصدر نفسه.
[46606]:انظر: تفسير ابن كثير 3/207 والدر المنثور 4/345.
[46607]:ز: مخلوقة.
[46608]:قيل سقطت من ز.
[46609]:ز: ويجمع.
[46610]:كل سقطت من ز.
[46611]:إليه سقطت من ز.
[46612]:ز: شقي أو سعيد.
[46613]:ز: غير.
[46614]:ز: فتدركه.
[46615]:انظر: جامع البيان 17/117.
[46616]:ز: مخلوقة.
[46617]:المضغة سقطت من ز.
[46618]:لكم سقطت من ز.
[46619]:ز: حجة. (تحريف).
[46620]:ز: وجوب. (تحريف).
[46621]:انظر: معان الزجاج 3/412.
[46622]:ز: فالمعنى.
[46623]:ز: ما.
[46624]:ز: يسبأ. (تحريف).
[46625]:ز: سنة.
[46626]:انظر: جامع البيان 17/119.
[46627]:انظر: جامع البيان 17/119.
[46628]:ز: عرفت.
[46629]:ز: رجع.
[46630]:ز: وقد.
[46631]:انظر: مختصر ابن خالويه: 96 والمحتسب 2/74.
[46632]:ز: يراه.