بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{يَوۡمَ تَرَوۡنَهَا تَذۡهَلُ كُلُّ مُرۡضِعَةٍ عَمَّآ أَرۡضَعَتۡ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمۡلٍ حَمۡلَهَا وَتَرَى ٱلنَّاسَ سُكَٰرَىٰ وَمَا هُم بِسُكَٰرَىٰ وَلَٰكِنَّ عَذَابَ ٱللَّهِ شَدِيدٞ} (2)

ثم وصف ذلك اليوم فقال : { يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ } ، يعني : تشغل كل مرضعة { عَمَّا أَرْضَعَتْ } ، يعني : كل ذات ولد رضيع ؛ ويقال : تحَير كل والدة عن ولدها . { وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا } ، أي تسقط ولدها من هول ذلك اليوم .

وروى منصور ، عن إبراهيم ، عن عَلْقَمَة { إِنَّ زَلْزَلَةَ الساعة شَىْء عَظِيمٌ } قال : هذا بين يدي الساعة ؛ وقال مقاتل : وذلك قبل النفخة الأولى ، ينادي ملك من السماء : يا أيها الناس أتى أمر الله . فيسمع الصوت أهل الأرض جميعاً ، فيفزعون فزعاً شديداً ، ويموج بعضهم في بعض ، فيشيب فيه الصغير ، ويسكر فيه الكبير ، وتضع الحوامل ما في بطونها ؛ وتزلزلت الأرض ، وطارت القلوب . وعن سعيد بن جبير أنه قال : إنما هو عند النفخة الأولى التي هي الفزع الأكبر ؛ ويقال : هو يوم القيامة . وقال : حدّثنا الخليل بن أحمد قال : حدّثنا أبو جعفر محمد بن إبراهيم قال : حدّثنا الدبيلي قال : حدّثنا أبو عبد الله قال : حدّثنا سفيان ، عن علي بن زيد بن جدعان قال : سمعت الحسن يقول : حدّثنا عمران بن الحسين قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسير ، فنزلت عليه هذه { تَصِفُونَ ياأيها الناس اتقوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ الساعة شَىْء عَظِيمٌ } ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، » " أَتَدْرُونَ أيُّ يَوْمٍ ذلكَ ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : ذلك يَوْمَ يَقُولُ الله عَزَّ وَجَلَّ لآدمَ . قُمْ فَابْعَثْ بَعْثَ أَهْلِ الجَنَّةِ . قالَ : فيقولُ آدَمْ : وَمَا بَعْثُ أَهْلُ الجَنَّةِ ؟ يقولُ : مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعُمِائَةٍ وَتِسْعٌ وَتِسْعُونَ فِي النَّارِ ، وَوَاحِدٌ فِي الجَنَّةِ . قال : فَأَنْشَأَ القَوْمُ يبكون« " . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : » " إنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيُّ قَطَّ ، إلاَّ كَانَتْ قَبْلَهُ جَاهِلِيَّةٌ ، فَيُؤْخَذُ العَدَدُ مِنَ الجَاهِلِيَّةِ . فإنْ لَمْ يَكُنْ كملَ العددُ مِنَ الجَاهِلِيَّةِ ، أخذَ من المنافقينَ . وَمَا مَثَلُكُمْ في الأمَمِ ، إلا كَمَثَلِ الرّقْمَةِ في ذِراعٍ ، وَكالشَّامَةِ في جَنْبِ البَعِيرِ« " . ثم قال عليه الصلاة والسلام : " »إنِّي لأَرْجُو أنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الجَنَّةِ« " فَكبروا ، ثم قال : " »إنَّ مَعَكُمْ لَخَلِيقَتَيْنِ ما كانتا في شَيْءٍ إلا كَثَّرَتَاهُ : يأجوجُ ومأجوجُ ومن مات من كفرةِ الجَنَّةِ وَالإنْسِ« " . وروى أبو سعيد الخدري ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " يَقُولُ الله تَعَالَى لآدَمَ : قُمْ فَابْعَثْ أَهْلَ النَّارِ . فقالَ : يا رَبِّ وَمَا بَعْثُ أَهْلِ النَّارِ ؟ فيقولُ : مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعُمِائَةٍ وتسعةٌ وتسعون . فَعِنْدَ ذلكَ يَشِيبُ الصَّغِيرُ ، وَتَضَعُ الحَامِلُ ما فِي بَطْنِها« "

ويقال : هذا على وجه المثل ، لأن يوم القيامة لا يكون فيه حامل ولا صغير ، ولكنه بيَّن هول ذلك اليوم ، أنه لو كان فيه حاملاً ، لوضعت حملها من شدة ذلك اليوم .

ثم قال تعالى : { وَتَرَى الناس سكارى وَمَا هُم بسكارى } ، يعني : ترى الناس سكارى من الهول ، أي كالسكارى وما هم بسكارى من الشراب . { ولكن عَذَابَ الله شَدِيدٌ } ؛ قرأ حمزة والكسائي { وَتَرَى الناس سكارى وَمَا هُم بسكرى } بغير ألف ؛ وقرأ الباقون كلاهما بالألف . وروي عن ابن مسعود وحذيفة أنهما قرآ { سكرى } وهو اختيار أبي عبيدة ؛ وروي عن أبي زرعة أنه قرأ على الربيع بن خثيم { وَتَرَى } بضم التاء ؛ وقراءة العامة بالنصب .