بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤۡتِيَهُ ٱللَّهُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحُكۡمَ وَٱلنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَادٗا لِّي مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلَٰكِن كُونُواْ رَبَّـٰنِيِّـۧنَ بِمَا كُنتُمۡ تُعَلِّمُونَ ٱلۡكِتَٰبَ وَبِمَا كُنتُمۡ تَدۡرُسُونَ} (79)

{ مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ الله الكِتاب } أي التوراة والإنجيل { والحكم } يعني الفهم { والنبوة } وهو عيسى ابن مريم عليهما السلام { ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ } ما جاز له أن يقول للناس : { كُونُواْ عِبَادًا لّي مِن دُونِ الله } ويقال : إن اليهودَ والنصارى اختلفوا فيما بينهم ، فجاء الفريقان جميعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال كل فريق : نحن أولى بإبراهيم عليه السلام . فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كُلُّكُمْ عَلَى الخَطَأ " فغضبوا . وقالوا : والله ما تريد إلا أن نتخذك حَنَّاناً ، أي معبوداً ، فأنزل الله تعالى { مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيهُ الله الكتاب } ، يعني القرآن { والحكم } ، يعني الحلال والحرام والنبوة ، { ثم يقول للناس كونوا عباداً لي من دون الله } { ولكن } يقول لهم { كُونُواْ ربانيين } أي متعبدين ويقال كونوا علماء فقهاء .

قال الزجاج : الربانيون أرباب العلم ، والبيان ، أي كانوا علماء { بِمَا كُنتُمْ تُعَلّمُونَ الكتاب } أي كونوا عاملين بما كنتم تعلمون ، لأن العالم إنما يقال له عالم إذا عمل بما علم ، وإن لم يعمل بعلمه ، فليس بعالم ، لأن من ليس له من علمه منفعة ، فهو والجاهل سواء ثم قال : { وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ } يقول بما كنتم تقرؤون يعني كونوا علماء بذلك عاملين به . قرأ ابن كثير ونافع ، وأبو عمرو «بما كنتم تَعْلَمُون » بنصب التاء والتخفيف ، يعني يُعَلِّمكم الكتاب ودراستكم والباقون بضم التاء والتشديد يعني تُعَلِّمُون غيركم فإنما يأمركم بذلك .