بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تُقَدِّمُواْ بَيۡنَ يَدَيِ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٞ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الحجرات مدنية وهي ثمان عشرة آية .

قوله تبارك وتعالى : { يا أيها الذين آمَنُواْ لاَ تُقَدّمُواْ بَيْنَ يَدَي الله وَرَسُولِهِ } يقال : { يا } نداء ، وها تنبيه ، والَّذِينَ إشارة . وآمَنُوا مدحه . روي عن الضحاك أنه كان يقرأ : { لاَ تُقَدّمُواْ } بنصب التاء والدال . وقراءة العامة { لاَ تُقَدّمُواْ } برفع التاء ، وكسر الدال . فمن قرأ بالنصب ، فهو في الأصل لا تتقدموا ، فحذفت إحدى التاءين لتكون أخف . ومن قرأ بالضم فهو من قدم تقدم . يقال : فلان تقدم بين يدي أبيه ، وبين يدي الإمام . يعني : تعجل بالأمر ، وانتهى بدونه . يعني : : لا تقدموا الكلام بين يدي الله ، ورسوله . ومعناه : لا تقولوا قبل أن يقول الرسول صلى الله عليه وسلم . ويقال : معناه إذا أمرتم بأمر فلا تفعلوه قبل الوقت الذي أمرتم به . وقال الحسن : إن قوماً ذبحوا قبل أن يصلي النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر ، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يذبحوا آخر ، فنزل { يا أيها الذين آمَنُواْ لاَ تُقَدّمُواْ بَيْنَ يَدَي الله وَرَسُولِهِ } وقال مسروق : كنا عند عائشة يوم الشك فأُتي بلبن ، فناولتني ، فقلت : إني صائم . فقالت عائشة رضي الله عنها : وقد نهي عن هذا . وقرأت هذه الآية وقالت هذه الآية نزلت في الصوم وغيره . وقال مقاتل : نزلت الآية في ثلاثة نفر ، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث سرية ، وأمر عليهم المنذر بن عمرو . فخرج بنو عامر بن صعصعة عند بئر معونة ، فرصدوهم على الطريق ، وقتلوهم . فرجع ثلاثة منهم ، فلما دنوا إلى المدينة ، خرج رجلان من بني سليم صلحاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد كان أهداهما ، وكساهما ، فقالا : نحن من بني عامر ، لأن بني عامر كانوا أقرب إلى المدينة ، فقتلوهما ، وأخذوا من ثيابهما ، وجاؤوا بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فنزل { يا أيها الذين آمَنُواْ لاَ تُقَدّمُواْ بَيْنَ يَدَي الله وَرَسُولِهِ } يعني : لا تعجلوا بقتل ، ولا بأمر ، حتى تستأمروا رسول الله صلى الله عليه وسلم . وروي عن الحسن في رواية أخرى أنه قال : لا تعملوا بخلاف الكتاب والسنة .

ثم قال : { واتقوا الله } يعني : اخشوا الله عز وجل فيما يأمركم ، وينهاكم ، ولا تخالفوا أمر الله ورسوله .

وقوله : { إِنَّ الله سَمِيعٌ عَلِيمٌ } يعني : سميع الدعاء ، عليم بخلقه . ويقال : سميع لقول المستأمنين ، عليم بنيات الذين قتلوهما . وفي الآية بيان رأفة الله عز وجل على عباده ، حيث سماهم مؤمنين مع معصيتهم .