بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَرۡفَعُوٓاْ أَصۡوَٰتَكُمۡ فَوۡقَ صَوۡتِ ٱلنَّبِيِّ وَلَا تَجۡهَرُواْ لَهُۥ بِٱلۡقَوۡلِ كَجَهۡرِ بَعۡضِكُمۡ لِبَعۡضٍ أَن تَحۡبَطَ أَعۡمَٰلُكُمۡ وَأَنتُمۡ لَا تَشۡعُرُونَ} (2)

فقال : { يا أيها الذين آمَنُواْ } ولم يقل : يا أيها الذين عصوا وقد ذكرنا من قبل أن النداء على ست مراتب ، وهذا نداء مدح .

قوله عز وجل : { يا أيها الذين آمَنُواْ لاَ تَرْفَعُواْ أصواتكم فَوْقَ صَوْتِ النبي } نزلت في وفد بني تميم قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم ، وهم سبعون أو ثمانون ، منهم الأقرع بن حابس ، والزبرقان بن بدر ، وعطارد بن الحجاب ، وذلك حين قالوا : ائذن لشاعرنا ، وخطيبنا في الكلام ، فعلت الأصوات ، واللغط ، فنزلت الآية { لاَ تَرْفَعُواْ أصواتكم فَوْقَ صَوْتِ النبي } ويقال : نزلت في ثابت بن قيس بن شماس ، وكان في أذنه وقر ، فكان إذا تكلم ، رفع صوته .

ثم قال : { تَجْهَرُواْ لَهُ بالقول كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ } يعني : لا تدعوه باسمه ، كما يدعو الرجل الرجل منكم باسمه ، ولكن عظموه ، ووقروه ، وقولوا : يا نبي الله ، ويا رسول الله .

ثم قال : { أَن تَحْبَطَ أعمالكم وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ } أن ذلك يحبطها . يعني : إن فعلتم ذلك ، فتحبط حسناتكم . وقال بعضهم : من عمل كبيرة من الكبائر حبط جميع ما عمل من الحسنات واحتج بهذه الآية : { أَن تَحْبَطَ أعمالكم } ولكن نحن نقول : الكبيرة لا تبطل العمل ما لم يكفر ، وإنما ذكر هاهنا إبطال العمل ، لأن في ذلك استخفافاً بالنبي صلى الله عليه وسلم . ومن قصد الاستخفاف بالنبي صلى الله عليه وسلم كفر .

فلما نزلت هذه الآية ، دخل ثابت بن قيس بيته ، وجعل يبكي ، ويقول : أنا من أهل النار . فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ، فبعث إليه ، وقال : «إنَّكَ مِنْ أهْلِ الجَنَّةِ بَلْ غَيْرُكَ مِنْ أهْل النَّار » . فقال : يا رسول الله لا أتكلم بعد ذلك إلا سراً ، أو ما كان يشبه السر فنزل : { إِنَّ الذين يَغُضُّونَ أصواتهم عِندَ رَسُولِ الله } صلى الله عليه وسلم روى ثابت عن أنس قال : لما نزل { لاَ تَرْفَعُواْ أصواتكم } وكان ثابت بن قيس رفيع الصوت . فقال : أنا الذي كنت أرفع صوتي ، وحبط عملي . أنا من أهل النارِ . وجلس في بيته يبكي ، ففقده رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخبروه بما قال ، فقال صلى الله عليه وسلم : «بَلْ هُوَ مِنْ أهْلِ الجَنَّةِ » . فقال أنس : لكنا نراه يمشي بين أظهرنا ، ونحن نعلم أنه من أهل الجنة . فلما كان يوم اليمامة ، فكان فينا بعض الانكشاف ، فجاء ثابت بن قيس وقد تحنط ، ولبس كفنه ، فقال : بئس ما تعودون أقرانكم ، فقاتلهم حتى قتل .