فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{۞مَّثَلُ ٱلۡجَنَّةِ ٱلَّتِي وُعِدَ ٱلۡمُتَّقُونَۖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُۖ أُكُلُهَا دَآئِمٞ وَظِلُّهَاۚ تِلۡكَ عُقۡبَى ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْۚ وَّعُقۡبَى ٱلۡكَٰفِرِينَ ٱلنَّارُ} (35)

{ مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَآئِمٌ وِظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ ( 35 ) }

ثم لما ذكر سبحانه ما يستحقه الكفار من العذاب في الأولى والأخرى ذكر ما أعده للمؤمنين فقال { مَّثَلُ الْجَنَّةِ } أي صفتها العجيبة الشأن التي هي في الغرابة كالمثل ، قال ابن قتيبة : المثل الشبه في أصل اللغة ، ثم قد يصير بمعنى صورة الشيء وصفته ، يقال مثلت لك كذا أي صورته ووصفته ، فأراد هنا بمثل الجنة صورتها وصفتها وجريان الأنهار من تحتها كالتفسير للمثل .

قال سيبويه : وتقديره فيما قصصنا عليك مثل الجنة ، وقال الفراء المثل مقحم للتأكيد والمعنى الجنة .

{ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ } والعرب تفعل ذلك كثيرا ، وقال الخليل وغيره : إن مثل الجنة مبتدأ والخبر تجري ، وقال الزجاج : أنه تمثيل للغائب بالشاهد ومعناه مثل الجنة جنة تجري من تحتها الأنهار . وقال عكرمة : نعت الجنة ليس للجنة مثل ، وقيل إن فائدة الخبر ترجع إلى قوله{ أُكُلُهَا } أي ما يؤكل فيها { دَآئِمٌ } أي لا ينقطع أبدا ولا يفنى ، ومثله قوله تعالى : { لا مقطوعة ولا ممنوعة } قال إبراهيم التيمي : لذاتها دائمة في أفواههم ، وقيل دائم بحسب نوعه ، فكل شيء أكل يتجدد غيره لا بحسب شخصه إذا عين المأكول لا ترجع { وِظِلُّهَا } كذلك دائم لا يتقلص ولا ينسخه الشمس لأنه ليس في الجنة شمس ولا قمر ولا ظلمة بل ظل ممدود لا ينقطع ولا يزول .

وفي الآية رد على جهم وأصحابه فإنهم يقولون أن نعيم الجنة يفنى وينقطع ، وفيها دليل على أن حركات أهل الجنة لا تنتهي إلى سكون دائم كما يقوله أبو الهذيل ، واستدل عبد الجبار المعتزلي بهذه الآية على أن الجنة لم تخلق بعد ، ويرده قوله تعالى : { أعددت للمتقين } إلى غير ذلك من الآيات والأخبار الصحيحة .

{ تِلْكَ } الجنة الموصوفة بالصفات المتقدمة وهو مبتدأ خبره { عُقْبَى } أي عاقبة { الَّذِينَ اتَّقَواْ } المعاصي أي مآلهم ومنتهى أمرهم { وَّعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ } ليس لهم عاقبة ولا منتهى إلا ذلك .