{ وقل الحق من ربكم } أي قل لهم : إن ما أوحي إلي وأمرت بتلاوته هو الحق الكائن من جهة الله لا من جهة غيره حتى يمكن فيه التبديل والتغير ، وقيل المراد بالحق الصبر مع الفقراء ، قال الزجاج : أي الذي أتيتكم به هو الحق من ربكم يعني لم آتكم به من قبل نفسي إنما أتيتكم به من قبل الله ، وعن قتادة قال : الحق هو القران .
{ فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر } قيل هو من تمام القول الذي أمر رسوله أن يقوله ، والفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها ، ويجوز أن يكون من كلام الله سبحانه لا من القول الذي أمر به رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، وفيه تهديد شديد وتخويف وردع لا تخيير وإباحة ، ويكون المعنى قل يا محمد الحق من ربكم ، وبعد أن تقول أهم هذا القول من شاء أن يؤمن بالله ويصدقك فليؤمن ، ومن شاء أن يكفر به ويكذبك فليكفر .
وقال ابن عباس : يقول من شاء الله له الإيمان آمن ومن شاء له الكفر كفر وهو من قوله { وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين } .
ثم أكد الوعيد وشدده فقال { إنا أعتدنا } أي أعددنا وهيأنا { للظالمين } الذين اختاروا الكفر بالله و الجحد له والإنكار لأنبيائه { نارا } عظيمة { أحاط بهم } أي اشتمل عليهم { سرادقها } واحد السرادقات ، قال الجوهري وهي التي تمد فوق صحن الدار وكل بيت من كرسف أي قطن فهو سرادق ، وقيل للحائط المشتمل على شيء سرادق قاله الهروي .
وقال الراغب : السرادق فارسي معرب وليس في كلامهم اسم مفرد ثالث حروفه ألف بعدها حرفان إلا هذا يقال بيت مسردق ، وقال ابن الأعرابي : سرادقها سورها ؛ وقال القتيبي : السرادق الحجرة التي تكون حول الفسطاط والمعنى أنه أحاط بالكفار سرادق النار على تشبيه ما يحيط بهم من النار بالسرادق المحيط بمن فيه ، وعن ابن عباس قال : حائط من نار .
وأخرج أحمد و الترمذي والحاكم وصححه وغيرهم عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( سرادق النار أربعة جدر كثافة كل جدار منها مسيرة أربعين سنة ) {[1110]} وأخرج أحمد والبخاري والحاكم وصححه عن يعلى ابن أمية قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن البحر هو من جهنم ثم تلا { نارا أحاط بهم سرادقها } ) {[1111]} .
{ وإن يستغيثوا } من حر النار أي يطلبوا الإنقاذ من شدة العطش { يغاثوا } فيه مشاكلة إذا لا إغاثة لهم بالماء الأتي ذكره بل إتيانهم به وإلجاؤهم بشربه غاية الإضرار ، والإغاثة هي الإنقاذ من الشدة فكأنه قال يضروا ويعذبوا { بماء كالمهل } وهو الحديد المذاب .
قال الزجاج : إنهم يغاثون بماء كالرصاص المذاب أو الصفر ، وقيل هو دردي الزيت أي ما بقي في أسفل الإناء ووجه المشابهة الثخن والرداءة في كل .
وقال أبو عبيدة و الأخفش : العكر وهو كل ما أذيب من جواهر الأرض من حديد ورصاص ونحاس ، وقيل هو ضرب من القطران ، أخرج أحمد والترمذي وأبو يعلى وابن جرير وابن حبان والبيهقي في البعث عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( كعكر الزيت فإذا قرب إليه سقطت فروة وجهه فيه ) {[1112]} عن ابن عباس قال : أسود كعكر الزيت وعنه قال : ماء غليظ كدردي الزيت .
وعن ابن مسعود أنه سئل عن المهل فدعا بذهب أو فضة فأذابه فلما ذاب قال : هذا أشبه شيء بالمهل الذي هو شراب أهل النار ولونه لون السماء غير أن شراب أهل النار أشد حرا من هذا . وعن ابن عمر : هل تدرون ما المهل ؟ المهل مهل الزيت ، يعني آخره .
ثم وصف هذا الماء الذي يغاثون به بأنه { يشوي الوجوه } إذا قدم عليهم صارت وجوههم مشوية لحرارته ، والشيّ الإنضاج بالنار من غير إحراق { بئس الشراب } شرابهم هذا الذي يغاثون به { وساءت } النار { مرتفقا } متكأ ، يقال ارتفقت أي اتكأت ، وأصل الارتفاق نصب المرفق تحت الخد ؛ ويقال ارتفق الرجل إذا نام على مرفقه .
وقال القتيبي : هو المجلس والمنزل ، وقيل المجتمع ، وبه قال مجاهد ، وإنما جاء كذلك لمشاكلة قوله { وحسنت مرتفقا } وإلا فأي ارتفاق لأهل النار وأي متكأ .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.