فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{قَالَ كَذَٰلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٞ وَقَدۡ خَلَقۡتُكَ مِن قَبۡلُ وَلَمۡ تَكُ شَيۡـٔٗا} (9)

{ قال } أي الملك المبلغ للبشارة ، وهو كما قال الكواشي : جبريل عليه السلام ، والأكثر على أنه الله تعالى لسلامته عن فك النظم .

{ كذالك } أي الأمر كذلك تصديق له والإشارة إلى ما سبق من قول زكريا : ثم ابتدأ بقوله : { قال ربك } أو قال قولا مثل ذلك ، والإشارة إلى مبهم يفسره قوله { هو علي هين } وعلى الأول هذه الجملة مستأنفة مسوقة لإزالة استبعاد زكريا بعد تقريره ، وإنما أعيد : قال ربك ، اهتماما أي قال هو مع بعده عندك ، عليّ هين ، وهو فيعل من هان الشيء يهون إذا لم يصعب ولم يمتنع من المراد . قال الفراء : أي خلقه عليّ هين بأن أرد عليك قوة الجماع وأفتق رحم امرأتك للعلوق .

{ وقد خلقتك من قبل } أي من قبل يحيى ، والجملة حال وقرأ سائر الكوفيين وقد خلقناك { ولم تك شيئا } لأن المعدوم ليس بشيء ، هذه الجملة مقررة لما قبلها قال الزجاج : أي فخلق الولد لك كخلقك ، والمعنى أن الله سبحانه خلقه ابتداء وأوجده من العدم المحض ، فإيجاد الولد له بطريق التوالد المعتاد أهون من ذلك وأسهل منه ، وإنما لم ينسب ذلك إلى آدم عليه السلام لأنه المخلوق من العدم حقيقة بأن يقول : وقد خلقت أباك آدم من قبل ولم يك شيئا ، للدلالة على أن كل فرد من أفراد البشر له حظ من إنشاء آدم من العدم .