قوله : { كَذِلكَ } : في محلِّ هذه الكاف وجهان :
أحدهما : أنه رفع على خبر ابتداءٍ مضمرٍ ، أي : الأمرُ كذلك ، ويكون الوقفُ على : " كَذَلِكَ " ، ثم يبتدأ بجملةٍ أخرى .
والثاني : أنها منصوبةُ المحلِّ ، فقدَّرهُ أبو البقاء{[21442]} ب " أفْعَلُ " مثل ما طلبتَ ، وهو كنايةٌ عن مطلوبه ، فجعل ناصبه مقدَّراً ، وظاهره أنه مفعولٌ به .
وقال الزمخشريُّ{[21443]} : " أو نصب ب " قَالَ " و " ذَلِكَ " إشارةٌ إلى مُبْهم يفسره " هُو عليَّ هيِّنٌ " ، ونحوه : { وَقَضَيْنَآ إِلَيْهِ ذَلِكَ الأمر أَنَّ دَابِرَ هَؤُلآءِ مَقْطُوعٌ مُّصْبِحِينَ } [ الحجر : 66 ] . وقرأ{[21444]} الحسن " وهُوَ عليَّ هيِّنٌ " ، ولا يخرَّج هذا إلا على الوجه الأول ، أي : الأمرُ كما قلت ، وهو على ذلك يُهونُ عليَّ .
وجهٌ آخرُ : وهو أن يُشارَ ب " ذَلِكَ " إلى ما تقدَّم من وعد الله ، لا إلى قولِ زكريَّا ، و " قَالَ " محذوفٌ في كلتا القراءتين . يعني قراءة العامَّة وقراءة الحسنِ -أي : قال : هُوَ عليَّ هيِّنٌ ، قال : وهُوَ عليَّ هيِّنٌ ، وإن شئت لمْ تنوهِ ؛ لأنَّ الله هو المخاطب ، والمعنى أنه قال ذلك ، ووعدهُ وقوله الحقُّ .
وفي هذا الكلام قلقٌ ؛ وحاصله يرجع إلى أنَّ " قال " الثانية هي الناصبةُ للكاف .
وقوله : { وقَالَ محذوفٌ } يعني تفريعاً على أنَّ الكلام قد تمَّ عند " قال ربُّك " ويبتدأ بقوله : { هُوَ عليَّ هيِّنٌ } . وقوله : { وإنْ شِئْتَ لمْ تَنْوهِ } ، أي : لم تَنْوِ القول المقدَّر ؛ لأنَّ الله هو المتكلِّمُ بذلك .
وظاهرُ كلام بعضهم : أنّ " قال " الأولى مسندة إلى ضمير الملك ، وقد صرّح بذلك ابن جرير ، وتبعه ابن عطية .
قال الطبريُّ : " ومعنى قوله { قال كذلكَ } أي : الأمران اللذان ذكرت من المرأةِ العاقر والكبرِ هو كذلك ، ولكن قال ربُّك ، والمعنى عندي : قال الملكُ : كذلك ، أي : على هذه الحال ، قال ربُّك ، هو عليَّ هيِّنٌ " انتهى .
وقرأ الحسن البصري{[21445]} " عَلَيَّ " بكسر ياء المتكلم ؛ كقوله [ الطويل ]
3582 أ- عَليِّ لعمرٍو نِعْمَةٍ *** لِوَالِدِهِ ليْسَتْ بذاتِ عقَارِبِ{[21446]}
أنشدوه بالكسر . وتقدم الكلام على هذه المسألة في قراءة حمزة " بمُصْرِخيِّ " [ إبراهيم : 22 ] .
قوله : { وقَدْ خلقْتُكَ } هذه الجملة مستأنفةٌ ، وقرأ الأخوان{[21447]} " خَلقْنَاكَ " أسنده إلى الواحد المعظِّمِ نفسهُ ، والباقون " خلقْتُك " بتاء المتكلِّم .
وقوله : { ولَمْ يَكُ شَيْئاً } جملةٌ حاليةٌ ، ومعنى نفي كونه شيئاً ، أي : شيئاً يعتدُّ به ؛ كقوله : [ البسيط ]
3582 ب- . . . *** إذا رَأى غيْر شيءٍ ظنَّهُ رَجُلا{[21448]}
وقالوا : عجبتُ من لا شيءٍ ، ويجوز أن يكون قال ذلكَ ؛ لأنَّ المعدومَ ليس بشيءٍ .
قيل : إطلاق لفظ " الهَيِّن " في حق الله تعالى مجاز ؛ لأن ذلك إنما يجوزُ في حقِّ من يجوز أن يصعب عليه شيء ، ولكن المراد ؛ أنه إذا أراد شيئاً كان .
ووجه الاستدلال بقوله تعالى { وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً } فنقول : إنه لما خلقه من العدم الصَِّرف والنفي المحضِ ، كان قادراً على خلق الذوات والصفات والآثار ، وأما الآن ، فخلق الولد من الشيخ والشيخة لا يحتاج فيه إلا إلى تبديل الصفات ، والقادر على خلق الذوات والصفات والآثار معا أولى أن يكون قادرا على تبديل الصفات ، وإذا أوجده عن عدم ، فكذا يرزقه الولد بأن يعيد إليه وإلى صاحبته القوَّة التي عنها يتولَّد الماءان اللذان من اجتماعهما يُخلقُ الولد .
الجمهورُ على أنَّ قوله : { قال : كذلِكَ قال ربُّكَ } يقتضي أن القائلَ لذلك ملك مع الاعتراف بأن قوله { يا زكريآ إِنَّا نُبَشِّرُكَ } قول الله تعالى ، وقوله { هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ } قول الله تعالى ، وهذا بعيدٌ ؛ لأنه إذا كان ما قبل هذا الكلام وما بعده قول الله تعالى ، فكيف يصحُّ إدراجُ هذه الألفاظ فيما بين هذين القولين ، والأولى أن يقال : قائلُ هذا القول أيضاً هو الله تعالى ؛ كما أن الملك العظيم ، إذا وعد عبده شيئاً عظيماً ، فيقول العبد : من أين يحصلُ لي هذا ، فيقول : إن سلطانكَ ضمِنَ لك ذلك ؛ كأنه ينبه بذلك على أن كونه سلطاناً ممَّا يوجب عليه الوفاء بالوعد ، فكذا ههنا .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.