فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{قَالَ كَذَٰلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٞ وَقَدۡ خَلَقۡتُكَ مِن قَبۡلُ وَلَمۡ تَكُ شَيۡـٔٗا} (9)

ثم أجاب الله سبحانه على هذا السؤال المشعر بالتعجب والاستبعاد بقوله : { قَالَ كذلك قَالَ رَبُّكَ } الكاف في محل رفع ، أي الأمر كذلك ، والإشارة إلى ما سبق من قول زكريا ، ثم ابتدأ بقوله : { قَالَ رَبُّكِ } ويحتمل أن يكون محله النصب على المصدرية ، أي : قال قولاً مثل ذلك ، والإشارة بذلك إلى مبهم يفسره قوله : { هُوَ عَلَيَّ هَيّنٌ } وأما على الاحتمال الأوّل فتكون جملة { هُوَ عَلَىَّ هَيّنٌ } مستأنفة مسوقة لإزالة استبعاد زكريا بعد تقريره ، أي قال : هو مع بعده عندك ، عليّ هين ، وهو فيعل من هان الشيء يهون إذا لم يصعب ولم يمتنع من المراد .

قال الفراء : أي خلقه عليّ هين { وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً } هذه الجملة مقرّرة لما قبلها . قال الزجاج : أي فخلق الولد لك كخلقك ، والمعنى : أن الله سبحانه خلقه ابتداء وأوجده من العدم المحض ، فإيجاد الولد له بطريق التوالد المعتاد أهون من ذلك وأسهل منه ، وإنما لم ينسب ذلك إلى آدم عليه السلام لكونه المخلوق من العدم حقيقة بأن يقول : وقد خلقت أباك آدم من قبل ولم يك شيئاً ، للدلالة على أن كل فرد من أفراد البشر له حظ من إنشاء آدم من العدم . قرأ أهل المدينة وأهل مكة والبصرة وعاصم وابن عامر { وقد خلقتك من قبل } وقرأ سائر الكوفيين : «وقد خلقناك من قبل » .

/خ11